«نومادس» مشروع لهدوء النفس وتوطيد علاقة الإنسان بالعزلة

السياحة النفسية تعلي شأن التأمُّل وطاقة الشفاء

الفسحة مخصَّصة للهروب مما يُقلق (نومادس)
الفسحة مخصَّصة للهروب مما يُقلق (نومادس)
TT

«نومادس» مشروع لهدوء النفس وتوطيد علاقة الإنسان بالعزلة

الفسحة مخصَّصة للهروب مما يُقلق (نومادس)
الفسحة مخصَّصة للهروب مما يُقلق (نومادس)

سبقت ولادة منتجع «نومادس»، المُظلَّل بأوراق الشجر، وجار النهر في منطقة سرجبيل الشوفية اللبنانية، إرغامَ الجائحة الإنسان على توطيد العلاقة بالعزلة. قبل 10 سنوات، افتتح ألفونس عاد مكاناً لهدوء النفس. انطلق من حقيقة أنّ الروحانيات تُحرّك الفضول، وكثر يتساءلون عما هو أبعد من العالم المادي. أتى الوباء وعمَّق أسئلة الداخل ومكنوناته. من خلال «نومادس» ومشاريع مُشابهة، تنمو في لبنان «السياحة النفسية»، فتُحدث التواصل مع الجوهر الإنساني.

الفسحة مخصَّصة للهروب مما يُقلق (نومادس)

يشرح راني بيطار، المُطّلع بدور استشاري وتطويري، ما يتيحه المشروع لزوّاره. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ الأمر أشبه بسلّة، فلا يقتصر على الشجر والنهر والسلام المتجسِّد بعظمة الطبيعة، بل يشمل نوع الطعام والاستغناء عما هو مُضرّ. صمَّم ألفونس عاد وزوجته المدرِّبة لارا أيوب مشروعاً لإنزال الأحمال عن الأكتاف والتخفُّف من الضغوط. الآتون، كما يقول، يخرجون بشعور يدفعهم للعودة: «الفسحة المخصَّصة للهروب (Escape) تتيح التحايُل على التوتّر والمخاوف والقلق المُخزَّن في الجسد والروح؛ وحين تتأكّد النتيجة تتجدّد الزيارة».

الطعام مصدره الأرض والمكوِّن الصحّي (نومادس)

تَدرُج في لبنان السياحة المُتعارَف عليها: مطاعم ومَعالِم وليالي السهر... وإنما الظرف وشقاؤه يستدعيان سياحة تُحاكي الداخل المتشظّي. هذا يفسّر صعود مشاريع تُعلي شأن التأمُّل و«طاقة الشفاء» (Healing)، وتُدرّب قاصديها على فلسفة تواصل الجسد مع العقل. يُصنّف نومادس نفسه مركزاً متخصّصاً في هذا المفهوم (Concept) المتطوّر، بينما مراكز أخرى تقوم على المبادرات الفردية؛ مشاريعها مؤقتة لها بداية ونهاية.

يُوظّف المشروع «المجتمع المحلّي، خصوصاً النساء»، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين المشهد الطبيعي المُتمثّل بالغابة واخضرارها، والسمك السابح في النهر على مقربة من الآتين للاستراحة؛ وبين النفس البشرية. يعلو الرهان على صوت الماء، وهو الخرير المُهدِّئ للأعصاب، «فيمسح ما يتراكم ويترسَّب ويُحدِث الحالة الصعبة، بينما النساء يُحضّرن طعاماً مصدره أراضينا الزراعية والمكوِّن الصحّي».

وُلد المشروع من حقيقة أنّ الروحانيات تُحرّك الفضول (نومادس)

ليومين أو ثلاثة شهرياً، يَحضُر ما أقصاه 15 شخصاً، (وقد يصبحون 17)، لمواجهة تحدّي حمّام الثلج. فجزء من برنامج «يوم الشفاء» (Healing day)، يتضمّن تسليم الجسد لتدنّي الحرارة، فتَحدُث الصدمة المطلوبة لتجديد الخلايا وتنشيط المناعة: «هذا ليس مجرّد غطس مُنشِّط. إنها رحلة إيقاظ للعقل والوعي». تسليم الجسد للصقيع يُخرجه من المألوف نحو اكتشاف القدرات. 15 دقيقة من الانغماس في الأعماق الجليدية تُنجز ما لا يفعله الظرف المُتوقَّع، برفع الروح إلى الذروة، وتنظيف المسام، وتحريك الدم. يتبع المغامرة انتقال أبطالها من البرودة إلى الدفء: «دوش» بالماء الساخن، فكوب من شاي الأعشاب المُخمَّر. تتعافى العضلات ويستكين التوتّر ويُعدَّل المزاج.

تستمرّ رحلة التعافي بـ«جلسة إعادة التوازن من أوشو». هذه طريقة لاستعادة الانسجام المفقود بين الجسد والعقل والقلب: «نوع من التدليك يطول نقاطاً في الجسم تُخزّن الصدمات النفسية لتفكيكها». ويريد ألفونس عاد من مشروعه التخلّي التام عما ينتظره الناس من الأوقات الحلوة: «لا تدخين، ولا مشروبات كحولية وغازية. لا لحوم، والقليل من الدجاج. الأهم، لا بلاستيك إطلاقاً. صون الطبيعة واجبنا».

هذا الصنف من «السياحة النفسية» يُحرّك باطن العقل ويُنزل ما يُثقل العاتق. يُشدّد المؤسِّس على أنها فسحة متاحة للباحثين عن الحبّ والقبول والحرّية، ولمراكمي التجربة الخاصة. تتكرّس الخصوصية أيضاً بـ«التعامل مع الحضارات والثقافات»، فيقصد المكان زوّارٌ من خارج لبنان لممارسة روحانيات بلادهم، منهم الهنود.

التحايُل على التوتّر والمخاوف (نومادس)

بجوار النهر المُتدفّق بين ما يُعرَف بوادي الدير ومنطقة سرجبيل، يبلغ التأمُّل أقصاه. وإذا كان هذا التأمُّل (Meditation) غاية المشروع ومُرتكزه، فإنّ «اليوغا» تحلّ في مرتبة لاحقة. يتيح مساحة لمريديها، وأساتذة يدرّبون على التواصل ويُحسّنون علاقة المرء بذاته لسبر كنوز الداخل.

يجد الأولاد فسحة فرح في مكان لا يريده ألفونس عاد حكراً على الكبار: «من المفيد إيجاد روابط مع الطبيعة تُقام منذ الصغر. أطفال اليوم أسرى الهواتف والأجهزة. التكنولوجيا تُسيّر حياتهم. التواصل مع صوت النهر ورقصة أوراق الشجر يجعلهم أنقياء. وفي المكان قطط وكلاب وسمك يعبُر وسط الخرير. ويمكنهم اللهو بالماء. هذه بذرة لجيل بسموم أقل».


مقالات ذات صلة

كل ما تريد معرفته عن تعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا

سفر وسياحة طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)

كل ما تريد معرفته عن تعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا

أعلنت الحكومة البريطانية، هذا الأسبوع، أنه سيتعين على مواطني الدول الأوروبية دفع 10 جنيهات إسترلينية (12 يورو) للاستحصال على «تصريح السفر الإلكتروني».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كورنيش النيل شهد إقبالاً لافتاً من الزوار المصريين والعرب خلال الصيف (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كيف حافظت مصر على حظوظها السياحية رغم الصراعات الإقليمية؟

رغم تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري أن القاهرة استطاعت الحفاظ على «حظوظها السياحية».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
سفر وسياحة جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية

سفر وسياحة محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

في أفلام «الأبيض والأسود» المصرية القديمة، تطل ضاحية «المعادي» بقصورها الفخمة وفيلاتها الفسيحة وشوارعها المظللة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
سفر وسياحة متحف بلفيدير (نيويورك تايمز)

كيف تُمضي أجمل 36 ساعة في فيينا؟

تتشبث فيينا، عاصمة النمسا، بالتقاليد. استنشق الروائح الخالدة فقط للكستناء المشوية في أسواق عيد الميلاد، التي تنتشر بجميع أنحاء المدينة.

فاليريا سافرونوفا (فيينا)

كل ما تريد معرفته عن تعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا

طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)
طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)
TT

كل ما تريد معرفته عن تعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا

طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)
طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)

أعلنت الحكومة البريطانية، هذا الأسبوع، أنه سيتعيّن على مواطني الدول الأوروبية دفع 10 جنيهات إسترلينية (12 يورو)، للاستحصال على «تصريح السفر الإلكتروني» ابتداءً من العام المقبل.

أثار هذا التصريح، المعروف اختصاراً بـ«إي تي إيه» (ETA)، تساؤلات عدة، فما هو؟ ومتى يبدأ تطبيقه؟

ماذا تقول الحكومة؟

أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أنه سيتعيّن على جميع الأجانب، الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة لزيارة بريطانيا، الحصول على تصريح للسفر، بحلول الثاني من أبريل (نيسان) 2025، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت: «سيحتاج أي شخص يرغب في السفر إلى المملكة المتحدة، باستثناء المواطنين البريطانيين والآيرلنديين، إلى الحصول على تصريح للسفر قبل وصوله. ويمكن أن يصدر عن طريق تصريح إلكتروني، أو تأشيرة إلكترونية».

ما تصريح السفر الإلكتروني (ETA)؟

يرتبط التصريح رقمياً بجواز سفر المسافر، وسيخصَّص للأشخاص الذين يدخلون المملكة المتحدة، أو يمرون عبرها، دون أن يحملوا تأشيرة.

تبلغ تكلفته 10 جنيهات إسترلينية (12 يورو)، ويُسمح للمسافر بزيارة المملكة المتحدة عدة مرات، للإقامة لمدة تصل إلى ستة أشهر، على مدى عامين، أو حتى انتهاء صلاحية جواز سفره.

ويشمل تعديل شروط السفر الأشخاص الذين يقصدون المملكة المتحدة للسياحة أو لزيارات عائلية. ويمكن للمسافرين المعنيين به تقديم طلب للحصول على التصريح باستخدام تطبيق «UK ETA».

من يحتاج إلى تصريح؟

في السابق، كان بإمكان كثير من الزوار الوصول إلى أي مطار في بريطانيا باستخدام جوازات سفرهم ودخول البلاد دون تأشيرة.

وبدأت الأوضاع تتغير، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عندما قدمت الحكومة المحافِظة السابقة خدمة تصريح السفر الإلكتروني «ETA»، للقطريين المسافرين إلى المملكة المتحدة.

ووسّعت الحكومة البريطانية نطاق هذا البرنامج، في مطلع عام 2024، ليشمل حالياً مواطني البحرين والكويت وعمان والسعودية والإمارات. ويشمل إصدار هذا التصريح أيضاً الأطفال والرضّع القادمين من هذه البلدان إلى بريطانيا.

من يستهدف في المستقبل؟

أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر، أن حاملي جميع الجنسيات، باستثناء الأوروبية، سيتمكنون من طلب الحصول على تصريح السفر الإلكتروني، ابتداءً من 27 نوفمبر المقبل، على أن يدخل حيز التنفيذ، في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2025.

وسيكون الأوروبيون آخِر مَن يشملهم هذا التعديل، وسيتمكنون من طلب الحصول على التصريح، ابتداءً من الخامس من مارس (آذار) المقبل، ليدخل حيز التنفيذ في الثاني من أبريل 2025.

وسيحتاج المسافرون إلى هذا الإذن، حتى لو كانوا يريدون فقط العبور عبر المملكة المتحدة.

لماذا يوسّع البرنامج؟

تأتي هذه الخطوة في إطار جهود الحكومة البريطانية لجعل نظام إدارة حدودها رقمياً. وتقول وزارة الداخلية إن ذلك سيضمن تعزيز عمليات التفتيش الأمنية.

وتعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا هو نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي، الذي وضع حداً لحرية دخول المواطنين الأوروبيين إليها.

هل تتبع دول أخرى الطريقة نفسها؟

أكدت وزارة الداخلية البريطانية أن تصاريح السفر الإلكترونية «تتماشى» مع النهج الذي يتبعه عدد من الدول الأخرى فيما يتعلق بأمن الحدود؛ في إشارة إلى الولايات المتحدة وأستراليا.

ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنشاء نظام مماثل يسمى «ETIAS» (نظام معلومات وتصاريح السفر الأوروبي) في منتصف عام 2025.

ويطول النظام نحو ستين دولة، بينها الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والمملكة المتحدة. وسيبلغ ثمن التصريح 7 يوروهات، وسيكون صالحاً لمدة ثلاث سنوات.

ما ردود الفعل؟

أكد مطار هيثرو في لندن أن تصريح السفر الإلكتروني أدى إلى انخفاض عدد الركاب العابرين في المملكة المتحدة.

ووصف هذا النظام بأنه «مدمِّر للقدرة التنافسية»، ودعا الحكومة إلى إعادة النظر في جزء التعديل المتعلق بالركاب العابرين.