ثمة سبب لبقاء العاصمة الفرنسية باريس من بين المدن الأكثر زيارة في العالم، فقد تشكلت أحياؤها السياحية، ذات المناظر الخلابة، التي طالما تجول فيها الناس عبر قرون من التاريخ الثقافي والسياسي، ولذا فإن أي زيارة قصيرة لها ستتطلب اتخاذ قرارات صعبة، وذلك لأن المعالم الأثرية مثل نوتردام وبرج إيفل لا تحتاج إلى الحديث عنها لإقناعك بزيارتها.
ولكن يعرض هذا الدليل جانباً مختلفاً من العاصمة الفرنسية: مواقع جذب سياحي مخفية مثل حي مونمارتر الشهير الذي يقع فوق ربوة عالية، والمتاحف الصغيرة غير المزدحمة، مما سيدخلك في تجربة فريدة تقربك من المشهد المتنوع في باريس.
وقد أصبح من السهل التجول في المدينة، فبينما تستعد العاصمة لأولمبياد صيف 2024، وذلك للمرة الأولى منذ قرن من الزمان، فإن مترو الأنفاق الفخم يخضع الآن لعملية تجديد تهدف إلى زيادة محطاته وخطوطه.
وعليك أن تستكشف عمليات التحول الحضري الجارية، كما يتعين عليك أيضاً أن تبقى متيقظاً لمزيج الفن والعمارة الذي ستراه في كل مكان هناك.
يوم الجمعة
لكي تنغمس في الحياة الباريسية بسلاسة، يمكنك زيارة كافيتريا «لا فيري» المليئة بالأنوار، والهادئة ذات الكراسي الفخمة والسقف الزجاجي الرائع داخل فندق «إنتركونتيننتال باريس لو غراند» الذي يعود تاريخ بنائه للقرن التاسع عشر والواقع في الدائرة التاسعة بباريس، وهناك ستلحظ على الجزء الخلفي من كل كرسي مشهداً رعوياً مختلفاً باللون الأخضر الفاقع، وهو لون مطابق لإطار السقف الزجاجي والمساحات الخضراء المحيطة بالمكان، وقد تكون الأسعار مرتفعة هناك.
وفي نهاية الشارع نفسه عند خروجك من الفندق، يمكنك التوقف لإلقاء نظرة على العديد من المنحوتات التي تزين قصر غارنييه، وهي دار الأوبرا الأكثر فخامة في باريس، التي تم افتتاحها عام 1875، وفي الجزء العلوي من المبنى، يمكنك ملاحظة تمثال أبولو (لإيمي ميليه) وهو يمسك قيثارته ليراها جميع مَن هم بالشارع أدناه.
وهناك أكثر من 100 متحف في باريس، ويمكن أن تكون زيارة المتاحف الأصغر حجماً أفضل من الانتظار وسط الحشود في متاحف مثل «اللوفر»، فهناك متحف غوستاف مورو (سعر تذكرة الدخول يبلغ 7 يوروات) وهو منزل تحول لاحقاً إلى متحف جنوب مونمارتر من تصميم الرسام غوستاف مورو في القرن التاسع عشر، وهو من أوائل الدعاة للرمزية وتناول الموضوعات الأسطورية، خصوصاً في الفترة التي سبقت وفاته، وكانت غرف الطابق الأول عبارة عن شقة سكنها مورو، وهي مغطاة من الأرض إلى السقف بمجموعته الفنية والتحف باهظة الثمن، أما الجزء الأكثر إثارة في المكان فهو الاستوديو الكبير والرائع الذي يقع في الطابقين الثاني والثالث والمتصل بدرج متعرج من الحديد المطاوع، بالإضافة إلى بعض اللوحات الرائعة غير المكتملة مثل «المجوس الثلاثة». وهناك مجموعة أخرى من المعروضات الصغيرة لكنها مؤثرة تقع في مكان قريب تعطيك نبذة عن الصالونات الفنية التي تعود إلى العصر الرومانسي في باريس.
وتحت أحد الجسور هناك «مقبرة مونمارتر» التي تعد بمثابة واحة من الهدوء، فقد بُنيت المقبرة في أوائل القرن التاسع عشر، وهي مكان استراحة للرسامين والمؤلفين وفناني الأداء الفرنسيين، ومع ذلك فإن المكان يبدو أيضاً فوضوياً بعض الشيء بسبب شواهد قبور الفنانين الأقل شهرة.
وتعد زيارة المقبرة مجانية، وما عليك سوى استعارة إحدى الخرائط أسفل اللافتة الكبيرة عند المدخل لتجد طريقك إلى قبر معين، مثل قبر الراقص ومصمم الرقصات فاسلاف نيغينسكي المزين بتمثال يُظهره في أحد أشهر أدواره «بتروشكا»، وتشمل شواهد القبور البارزة الأخرى تمثالاً بالحجم الطبيعي للمغنية داليدا، وتمثالاً نصفياً للمؤلف إميل زولا.
وتستطيع الاستمتاع بخدمة ودية بشكل عادي وفقاً للمعايير الباريسية، وهناك خيار آخر هو مطعم «بوليسون» الواقع في شارع أكثر ازدحاماً، الذي يتضمن 6 أطباق غير معروفة مسبقاً (الطلب العادي 65 يورو، والنباتي بسعر 45 يورو)، ويمكنك أيضاً طلب طبق خارج القائمة، ولن تندم على اختيار طبق المحار مع عصير الليمون كمقبلات، حال كان متوفراً.
يوم السبت
وبالقرب من الجزء الجنوبي الأكثر هدوءاً في شارع الشانزليزيه ستجد متحف «بيتي بالاس»، أو القصر الصغير، وهو جوهرة لم تنل حقها من التقدير وسط متاحف باريس، إذ تم بناء هذا المتحف المزخرف ذي القبة ليستضيف «المعرض العالمي عام 1900» بعد مسابقة في التصميم فاز بها تشارلز جيرولت، واليوم هو المتحف الرسمي للفنون الجميلة في مدينة باريس.
ويأخذك هذا المتحف في جولة قصيرة وعشوائية مبهجة عبر تاريخ الفن الفرنسي، مع بعض اللمحات عن تاريخ أوروبا، وتستطيع في دقيقة واحدة أن ترى الأيقونات الأرثوذكسية والأعمال الفنية من العصور الوسطى، ثم في الدقيقة التالية سترى لوحات كلود مونيه، وغوستاف كوربيه، وبيرث موريسو، وكل هذا ستجده على بُعد خطوات من كرسي سيدان يعود للقرن الثامن عشر ومعرض للمنحوتات، وستلحظ هناك الأسقف المرتفعة بشكل رائع أعلى الطابق الرئيسي، في حين يحيط المدرج المزين بالفسيفساء بأشجار النخيل في الفناء الداخلي (وهي مجموعات دائمة).
وبعد زيارة «القصر الصغير» تستطيع التجول في حدائق «التويلري»، وهو منتزه رسمي فرنسي يقع بجوار متحف اللوفر، لتصل إلى منطقة الطعام اليابانية الكورية، التي يتم تنظيمها بشكل غير محكم حول شارع سانت آن، وهناك عليك التوقف لتذوق الآيس كريم بطعم الكركديه أو الفراولة أو القرع (بسعر 4 يوروات) بمحل «أون غلاس باريس» الحائز على العديد من الجوائز، وإذا كنت تفضل حلوى «الماكرون»، فالكثيرون في باريس يرون أن حلوى «بيير إيرمي» أفضل من تلك التي تُباع لدى «لادوري» الأكثر شهرة.
ثم عليك أن تعبر إلى الضفة اليسرى للمدينة عبر جسر سولي بريدج، واستمتع بالمناظر في الحديقة المثلثة الصغيرة الواقعة عند طرف جزيرة سانت لويس، وهي الأهدأ بين جزيرتين على نهر السين، ومن شارع أوبيركامبف، ستأخذك هذه الرحلة التي تستغرق نصف ساعة سيراً على الأقدام إلى «غاردان دي بلانت»، أو حديقة النباتات الشاسعة التي بدأت حديقة طبية ملكية في القرن السابع عشر، ثم قم بالتجول هناك مع وجود المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في الخلفية، وقم بزيارة الدفيئات الزراعية الأربعة كبيرة الحجم في الحدائق.
واخرج عبر البوابات الغربية من أجل العثور على «المسجد الكبير في باريس» الذي تم افتتاحه في أعقاب الحرب العالمية الأولى جزئياً لإحياء ذكرى تضحيات المسلمين الذين قاتلوا من أجل فرنسا، ويتميز المكان بفناء به باب من خشب الأرز منحوت يدوياً ومُزين بآيات قرآنية بالخط العربي، وقد بناه حرفيون من شمال أفريقيا ذوو المهارات العالية، وتستطيع هناك التوقف مؤقتاً لتناول كوب من الشاي بالنعناع (بسعر 2 يورو) في الفناء أو استمتع بجلسة جيدة لتنظيف البشرة أو التدليك في الحمام التقليدي المزخرف الكبير (الأسعار تبدأ من 30 يورو وهو مخصص للنساء فقط).
يوم الأحد
وفي الطرف الشمالي لباريس، هناك منتزه «دي لا فيليت» الذي تبلغ مساحته 136 فداناً، بحدائقه وقنواته ومساحاته الثقافية، الذي على الرغم من عدم كونه منطقة جذب سياحي، فقد تنامت شعبيته بشكل كبير في السنوات الأخيرة حيث تم تحسين المنطقة وساعدت الأماكن الجديدة التي تم إنشاؤها فيه على جذب المزيد من الفعاليات.
وتنتشر في المتنزه تصاميم حمراء مميزة مرسومة بشكل حاد من تصميم المهندس المعماري برنارد تسشومي في ثمانينات القرن الماضي، ويمكنك أيضاً هناك مشاهدة الهندسة المعمارية فضية اللون لـ«أوركسترا باريس الفيلهارمونية»، التي تم افتتاحها عام 2015.
ويمكنك التوقف عند ساحة الرقص الكبيرة تحت أقواس «غراند هال»، التي كثيراً ما يتدرب بها راقصو الهيب هوب ويستمتع الجمهور بمشاهدتهم، وتشمل الأماكن غير التقليدية هناك «حديقة مخاوف الطفولة»، وهي غابة غامضة تصدر أصواتاً غريبة، وحديقة التنين ذي اللسان الطويل الذي يستخدمه الأطفال للانزلاق، وفي فصل الصيف، يمكنك الغوص في المساحة الخارجية المخصصة للسباحة «بيسين دي لا فيليت» القريبة، وفي الأيام الممطرة تستطيع زيارة «سيتي دى سيونس»، أو مدينة العلوم، (سعر التذكرة 13 يورو للبالغين)، التي تضم معارض علمية مناسبة للعائلات.