«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

الجبال تعانق الأطلسي وتعصف رياح رأس الرجاء الصالح

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
TT

«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

مع أن شهرة جنوب أفريقيا السياحية قائمة بشكل أساسي على طبيعتها الخلابة، ومناخها المعتدل، وشواطئها وجبالها وخضرتها، إلا أنك لا بد أن تصل وفي ذهنك كل ما قرأته وسمعته عن التاريخ الاستثنائي لتلك البلاد، وقصص «الأبارتيد» (الفصل العنصري) الأليمة التي دامت عشرات السنين، ورمزية حياة المناضل نيلسون مانديلا، ومساره المثير، الرجل الذي سُجن أكثر من ربع قرن، بسبب مطالبته بالمساواة بين البيض والسود في بلاده، ونال بعد صبر وكفاح طويلين ما أراد، وأُفرج عنه ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، ويشارك بنفسه في المصالحة التاريخية بين البيض والسود، والصفح عن الظلم والأذى، وينال جائزة نوبل للسلام.

كيب تاون تتمتع بطبيعة خلابة (الشرق الأوسط)

متعة لعشاق الرياضة

لكنك بمجرد أن تصل كيب تاون العاصمة التشريعية لجنوب أفريقيا، وأكثر مدن البلاد جذباً للسياحة، حتى تشعر بأنك في مكان يبدو ظاهرياً كأنه تجاوز كل أزماته السابقة. هي مدينة أوروبية نابضة في قلب أفريقيا، بل تتجاوز كثيراً من المدن الأوروبية في نظافتها وهدوئها وحسن تنظيمها، ومتانة بنيتها التحتية، ولباقة أهلها ولطفهم، وصفاء هوائها؛ فهي محاطة بالجبال، ممتدة صوب البحر، لا تنقصها الخضرة والحدائق والمتنزهات. وإذا كنت من محبي الرياضة، فقد وقعت على ضالتك هنا. احزم أغراضك منذ الصباح الباكر، وتوجه صوب «ليون هيد». هناك ستجد المئات قد سبقوك إلى تسلق هذا الجبل القريب من المدينة، فالسكان صباحيون هنا، ومحبون للنشاطات البدنية، ومواجهة التحديات. صعوبة الصعود، وتسلق السلالم، كما الاستعانة بالسلاسل المعدنية، لبلوغ القمة، مغامرة تهون وأنت ترى الجحافل التي تسبقك وأخرى تلحق بك تريد أن تصل وتتمتع بالمشهد من أعلى. وحين تبلغ أعلى نقطة في الجبل، يمكنك أن تستريح على الصخور، وتتمتع بالمشهد البانورامي لكيب تاون وبحرها المتلاطم الموج وتضاريس صخورها، وتتأمل الضباب الذي يخرج من قمم الجبال مقابلك كأنها أبخرة سحرية تحجب القمم، ولا تتوقف عن التصاعد، في ما تحط الطيور حولك، وتظنها لا ترى بشراً، وهي تسرح نظرها في الفضاء. مهمة النزول ليست سهلة هي الأخرى، لكنها مستحقة لأنك وأنت تهبط تكون قادراً على تأمل مشهد المدينة الوديعة من مختلف زواياها. لا بأس أن تكمل نهارك بالذهاب إلى ووتر فرونت أو الواجهة البحرية. هناك ستجد ما طاب لك من المأكولات، خاصة البحرية، وهي محضّرة بطريقة تناسب مختلف الأذواق عامة، وثمة أسواق ومحال للتذكارات وعروض الشارع.

شواطئ جميلة (الشرق الأوسط)

زيارة زنزانة نيلسون مانديلا

من هذه المدينة لا بد أن تحجز قاربك مسبقاً لتذهب إلى جزيرة «روبن»، فالطلب كثيف والطابور طويل حتى لمن حصل على تذكرته مسبقاً. بعد اجتياز البحر مدة تقارب نصف الساعة، والوصول إلى الجزيرة تستقل الباص، ويشرح لك الدليل وهو يجوب بك، كيف أن هذه الجزيرة كانت مخصصة للعبيد والمرضى المصابين بالجذام، قبل أن يحولها المستعمرون البيض إلى سجن للمتمردين السياسيين، الذين كانوا يعدون من بين الأخطر في البلاد. وعلى الجزيرة سجنان أساسيان، وبيوت كثيرة متفرقة، للموظفين الذين كانوا يشرفون على السجون ويعملون فيها، ويديرون خدماتها. الآن تحولت الزنازين إلى مزارات سياحية، أما البيوت فيسكنها، أولئك الذين يتدبرون أمر هذه المرافق ويحافظون عليها، لخدمة الزوار. وبطبيعة الحال فإن الموقع الأهم هو الذي قبع فيه نيلسون مانديلا ما يقارب 27 عاماً. والطريف في الأمر أن من يقودك بين الزنازين، ويشرح لك تفاصيل حياة المساجين، وكيف كانت تنظم الزيارات لهم وتراقب رسائلهم، ويسلمون الطعام، ويجري تبادل الرسائل السرية بينهم، هو سجين قديم، عايش تلك الفترة، ولا يزال يتحدث، كأنه يستعيد أيامه الماضية أمامك بأدق حميمياتها. وآخر ما ستراه على الجزيرة، وفي السجن، لإبقاء التشويق على أشده، هو الزنزانة الانفرادية، لرمز الدفاع عن حقوق السود في العالم أجمع، أي نيلسون مانديلا. هي كما باقي الزنازين المحيطة بها، لكنها تتفرد بأن صاحبها قد أصبح بعد ذلك رئيساً لبلاده، ووضع بنفسه أسس بناء حياة جديدة، في وطن رسمت العنصرية فيه أقسى أنواع التمييز.

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

11 لغة في البلاد

لكن جنوب أفريقيا تجاوزت تلك الفترة، فبقدر ما كانت دولة معزولة يقاطعها العالم، أصبحت منفتحة على السياحة، وأوجدت لنفسها، في فترة وجيزة مكانة الصدارة في القارة السوداء. وهي بنسيجها التعددي، شديدة التنوع، بين البيض والسود والملونين، ويتحدث أهلها نحو 11 لغة. وتحولت إلى رمز للتعايش، وإن لم تصبح بعد نموذجاً للعدالة الاجتماعية.

ففي حي المسلمين الشهير «بوكاب» أو «فوق الرأس» الذي ستسرك زيارته، تتعرف، على وجه آخر لهذه المدينة الخلابة. هنا في هذه المباني، التي طلي كل منها بلون مختلف زاهٍ، كأنها قوس قزح، تشعر بفرح وبهجة، وتستغرب أن ترى العلم الفلسطيني في كل مكان، وشعارات التلاحم مع فلسطين. ثمة مبنى طلي كله كأنه علم فلسطين. تظن أن «بوكاب» اتخذت قراراً بإعلان تضامنها مع غزة ورفعت الأعلام، لهذه الغاية، لكن الحقيقة، أن هذه حالها دائماً. وهي لم تنس فلسطين يوماً. الحي الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، ويعيش فيه سكان مسلمون جاء بهم المستعمر الأوروبي في غالبيتهم عبيداً إلى هذا المكان القصي، هم من أصول إندونيسية وماليزية وآسيوية مختلفة، ناضلوا طويلاً مع السود من أجل الحصول على حريتهم؛ لهذا فهم يعدون قضية فلسطين استكمالاً لمهمتهم التي لن تنجز قبل تحرر الفلسطينيين من الاحتلال. وفي هذه المنطقة المتميزة والجميلة من كيب تاون، مساجد ومزارات ومطاعم متخصصة في تقديم أطباق هذه الدول المسلمة التي استوطن أهلها هنا من مئات السنين.

زيارة «تاون شيب»

أهمية كيب تاون إذن، هي في هذا النفح التعددي والتعايش بين الثقافات. ورغم أن سكان البلاد الأصليين من القبائل السوداء، موجودون في كل مكان، فإن بعضهم لا يزالون يعيشون في أحياء خاصة «تاون شيب» مزنرة بالشباك، وكأنها معزولة عن بقية المدينة. أما المنازل فمن صفيح تشبه الأكواخ، يغلب عليها الفقر. ولأن دخول هذه العوالم، غير متاح، وقد يكون خطراً. فقد أخذت مجموعات من هذه الأحياء على عاتقها، تنظيم جولات خاصة. وصلنا وفقاً للموعد، إلى مبنى أرضي، هو عبارة عن مركز ثقافي، يتعلم فيه أهالي الحي، الموسيقى والرسم والأشغال التي يبيعونها للزوار، ويعقدون حلقات النقاش والاجتماعات. ومن هنا انطلقت بنا دليلتنا في جولة داخل الحي الذي ولدت فيه، شارحة ظروف الحياة، وصعوبة المقام. لكن في الوقت نفسه، تتعرف منها أن ضيق الحال، وفقر السكان، والمنازل المعدنية الملتهبة صيفاً وصقيعية شتاءً، لا تحجب محاولات الدولة لتحسين حياة السكان، ما أمكنها، وأن حسن النية موجود، لكن تاريخ الظلم لا يزال يخيم على الناس.

جبل المدينة وطاولتها

في كيب تاون يمكنك أن تتنقّل بين زرقة مياه الأطلسي وشواطئه، الذي يقصده السكان للسباحة والجلوس على شواطئه والاستراحة في مقاهيه ومطاعمه، والمناطق الجبلية التي منها تكشف مشاهد جميلة لمدينة يعانق فيها الجبل البحر. ومن المشاوير الجبلية التي تمتع السياح، الصعود إلى «تايبل ماونتن» أو «جبل الطاولة»، ويطلق عليه هذا الاسم، لقمته المسطحة التي تتيح للزوار قضاء وقت ممتع، وتأمل هذه المدينة الوادعة واكتشاف جمالياتها من فوق. الصعود يحتاج سيارة أو استقلال الباص ومن ثم تأخذ «التلفريك» أو المقصورات المعلقة لبلوغ القمة.

كروم العنب شهيرة جداً في كيب تاون (الشرق الأوسط)

كيب تاون مدينة ساحرة حقاً، فرغم وجود أكثر من 4 ملايين ساكن فيها، وكثافة السياح، لا تشعر بضغط الازدحام، وصعوبة التنقل، بل أنت وكأنما في رغد مكان أقرب إلى الريف في عذوبة مناخه وفسحاته الواسعة منه إلى بشاعة الحجر والباطون، لا بل لو قصد منطقة المنارة الملاصقة لسفح جبل «تايبل ماونتن» يقال بأنك هناك، يمكنك أن تتنشق الهواء الأكثر عذوبة ونقاءً على الإطلاق.

فالمساحات الخضراء، والامتداد صوب البحر، ووجود الجبال التي يتعامل معها السكان كامتداد طبيعي للمدينة، يعطي هذا الانطباع المريح.

وعلى أية حال فإن ثمة حدائق كثيرة في كيب تاون منها حديقة وينبرغ، وحديقة مايناردفي، التي لها مزايا كثيرة جعلتها من أكثر الأماكن ارتياداً.

إلى رأس الرجاء الصالح

المدينة مزنرة بالخضرة، التي تستحق الزيارة، منها كروم العنب الغناء في «ستيلينبوش» التي فيها مطاعم ومقاهٍ تستقبل الزائرين بين المزارع. ومعلوم أن كثيراً من الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، يستثمرون في هذه الكروم، ويوجد في المنطقة ما يزيد على 800 مصنع نبيذ.

وإذا ما زرت كيب تاون فلا بد أن تذهب إلى نقطتين قريبتين، لا يمكن تفويتهما، رأس الرجاء الصالح وصخرته الشهيرة، الذي كان اكتشافه كممر بحري، تحولاً عالمياً في طرق التجارة، بين أوروبا وآسيا مروراً بمنطقتنا، إلى آخر بحري بالدوران حول رأس الرجاء الصالح. وليس بعيداً عن هذه المنطقة، تصل إلى أبعد نقطة من قارة أفريقيا داخل البحر، تمثل خط التقاء المحيطين. وهنا تستطيع أن تقف وإحدى قدميك في الأطلسي والأخرى في الهندي وتلتقط الصورة التاريخية التي لا تتكرر.


مقالات ذات صلة

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

سفر وسياحة متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

هذا الصيف، يتجه الجميع للاستمتاع بالاستجمام على شاطئ البحر، أو مطاردة سحر عواصم العالم المختلفة، أو مجرد الاسترخاء في وجهات مريحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال «ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

«ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

يمتلك مشروع «ساوث ميد» - أحدث مشروعات «مجموعة طلعت مصطفى» بالساحل الشمالي الغربي لمصر - كل المقومات اللازمة ليصبح وجهة عالمية جديدة بجنوب البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق السفر مع أفراد العائلة يمكن أن يكون أمراً صعباً بشكل خاص (رويترز)

لإجازة عائلية من دون مشكلات... ضع 7 حدود قبل السفر وخلاله

حتى أجمل التجارب في الأماكن الخلابة يمكن أن تنهار أمام الخلافات العائلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة المدينة القديمة في ميكونوس الأكثر زحمة في الجزيرة (شاترستوك)

ميكونوس... جزيرة ترقص مع الريح

بعد أيام من الراحة والاستجمام في سانتوريني، جزيرة الرومانسية والهدوء والتأمل، أكملنا مشوارنا في التنقل ما بين أجمل جزر اليونان، واخترنا ميكونوس.

جوسلين إيليا (ميكونوس-اليونان)
العالم جواز سفر سنغافوري (أ.ف.ب)

سنغافورة تُتوج بلقب صاحبة أقوى جواز سفر في العالم

تفوقت سنغافورة على فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لتصبح صاحبة أقوى جواز سفر في العالم حيث يمكن لحاملي جواز سفر سنغافوري دخول 195 دولة دون تأشيرة دخول.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

ستيفاني قبلان تروّج للبنان عبر لهجات مناطقه

تُلاقي تفاعلاً ملحوظاً من أهالي المناطق (الشرق الأوسط)
تُلاقي تفاعلاً ملحوظاً من أهالي المناطق (الشرق الأوسط)
TT

ستيفاني قبلان تروّج للبنان عبر لهجات مناطقه

تُلاقي تفاعلاً ملحوظاً من أهالي المناطق (الشرق الأوسط)
تُلاقي تفاعلاً ملحوظاً من أهالي المناطق (الشرق الأوسط)

يحتار «البلوغرز» والمدوّنون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أي موضوعات عليهم مقاربتها لاستقطاب متابعين لهم. وغالباً ما تأتي الأفكار متشابهة. ولكن المخرجة اللبنانية ستيفاني قبلان عرفت كيف تنطلق في هذا الإطار، واختارت الإضاءة على لهجات المناطق اللبنانية بوصفها محتوى لمنشوراتها الإلكترونية. ومنذ إطلالتها الأولى عبر حساباتها على «تيك توك» و«إنستغرام» و«فيسبوك» حصدت النجاح. نجاح لم يقتصر على متابعيها من لبنانيين، وإنما شمل بلداناً عربية وغربية، أعجب المقيمين فيها بسبب المحتوى المرتبط بالجذور. فاللهجات كما اللغات تحيي تراث الأوطان وتقاليدها. ومن هذا الباب بالذات، تفاعل متابعو ستيفاني معها؛ إذ راح كل منهم يطالبها بزيارة بلدتهم أو بلادهم.

كل ينتمي إلى مكان ما يحمل خصوصية في عاداته وتقاليده. وتشكل اللهجة التي يتحدثون بها علامة فارقة لهم، فتشير إلى انتمائهم بوضوح مطبقين من خلالها مقولة «من لهجتهم تعرفونهم».

تُلاقي تفاعلاً ملحوظاً من أهالي المناطق (الشرق الأوسط)

استهلت قبلان مشوارها هذا من عقر دارها مدينة البترون. هذه البلدة التي تشكل مسقط رأسها تتمتع بلهجة شمالية مشهورة بها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهل البترون يحشرون حرف الشين في كل كلمة ينطقون بها. (أيش) و(ليش) و(معليش) و(أبعرفش) و(أبديش) وغيرها. ولكل منطقة مصطلحات خاصة تُعرف بها. فإذا أخذنا كلمة طاولة نجدها بعدة نسخ: (سكملة) و(وقافة) و(ترابيزة)، حتى الساندويتش له أسماء مختلفة كـ(لفافة) و(عروس) و(لقمة). جذبتني هذه اللهجات وقررت أن أغوص فيها من باب الإضاءة عليها».

تعد ستيفاني ما تقوم به جسر تواصل بين مختلف بلدات لبنان ومدنه. وكذلك وسيلة لتعريف جيل الشباب إلى أصولهم وتقاليدهم. فجولاتها لم تقتصر فقط على مدينة البترون وإنما طالت قراها وجرودها. وزارت مناطق أخرى تقع في جنوب لبنان مثل مدينة جزين. تروي لـ«الشرق الأوسط» كيف اختارت هذا المحتوى. فهي إضافة إلى شغفها بالإخراج كانت تتمنى لو درست الترجمة. تجيد التكلم بخمس لغات، وفي الوقت نفسه تحب اكتشاف لهجات موطنها. «هذا المجال واسع جداً ويتعلق بالتاريخ والجغرافيا لكل منطقة. هناك احتلالات وانتدابات شهدها لبنان، أثرت في لهجات مناطقه وعلى عادات أهله. وعندما نتعمّق في هذا الموضوع يصبح الأمر بمثابة متعة. فلا أشبع من البحث عن قاموس كل بلدة ومصطلحاتها الخاصة بكلمات تستخدمها في أحاديثها».

تسير ستيفاني في شوارع مدينتها التي تعج بسيّاح عرب وأجانب. وكذلك بزوّار من المنطقة وجوارها، خصوصاً من بيروت. وأول سؤال تطرحه على الزائر «إنت من وين؟»، ومن هناك تنطلق بتحضير محتواها الإلكتروني. وتعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أحب هذا التفاعل المباشر مع الناس. واكتشاف لهجتهم أمر يعنيني كثيراً؛ لأنني أتوق إلى التعرف على لبنان بأكمله».

عندما تلتقي زائراً غير لبناني يأخذ الحديث معه منحى آخر. «أحيانا أستوقف شخصاً من الأردن أو مصر أو العراق. وبالصدفة أدرك أنه غير لبناني ونبدأ معاً في التكلم عن لهجته. وتفاجأت بوجود كلمات متشابهة نستخدمها جميعاً في بلداننا العربية. فكلمة (ليش) رائجة جداً في المنطقة العربية. وكل منا يلفظها على طريقته».

توقع ستيفاني كل منشور لها بكلمة «وهيك». فصارت بمثابة «توقيع» خاص بفيديوهات مصورة تختتمها بها. كما عمدت إلى طبع سلسلة قمصان قطنية تحمل هذه الكلمة وغيرها من عبارات بترونية مثل «أيش في». «انطلقت في هذه الخطوة من باب تحقيق انتشار أوسع للهجاتنا اللبنانية، وأطلقت عليها اسم (كلمات)». من تصميمها وتوقيعها باتت هذه القمصان تطلب من مدن لبنانية وعربية. وتتابع: «في إحدى المرات ارتديت قميصاً كتب عليه عبارة (وهيك). فوصلتني مئات الرسائل تطالبني بواحدة منها. من هناك بدأت هذه الفكرة تشق طريقها ولاقت تجاوباً كبيراً من متابعيَّ».

عبارة «أيش ما أيش؟» مشهورة في البترون (الشرق الأوسط)

وتخطط ستيفاني حالياً لتوسيع فكرة محتواها؛ ليشمل التقاليد العريقة.

«لقد جسست النبض حول هذا الموضوع في مناسبة عيد الفطر وأعياد رأس السنة وغيرها، وتفاعل معي المتابعون من خلال تعريفي على عبارات يستخدمونها للتهنئة بهذه المناسبات. وأفكر في توسيع نشاطاتي لأقف على عادات وتراث بلدي وغيره».

في المخابز والمقاهي، كما على الطرق وفي الأزقة والأحياء الشعبية، تتنقل ستيفاني قبلان. تحمل جهازها الخلوي وتسجل أحاديث لأهل بلدة معينة. تبدأ بسؤال «شو أشهر الكلمات عندكم؟»، وتوضح: «الجميل في الموضوع أن الناس تحب التحدث معي في هذا الإطار. وهو ما أكد لي نظريتي أن الشعب اللبناني محب وقريب إلى القلب. ومهما اختلف موقع البلدة، بعيدة كانت أو قريبة، فالجميع يكون مرحباً ومضيافاً، ويتفاعل بسرعة بعرض لهجته».

تفكر ستيفاني بتوسيع محتوى صفحاتها الإلكترونية ليشمل بلداناً عربية (الشرق الأوسط)

تشير ستيفاني إلى أن هذا المحتوى يزوّدها بثقافة لبنانية لم تكن تتوقعها. «تخيلي أن لبنان مع كل صغر مساحته يملك هذا الكمّ من اللهجات المختلفة. وبعض بلداته تتمسّك باستعمال كلمات قديمة ورثها أباً عن جد، كي يكمل مشوار اللهجات هذا. إنه أمر رائع أن أكتشف كل هذا الحب للبنان من أبنائه. فأسعد بالتحدث معهم، وعلينا أن نكون فخورين بلهجاتنا ونعمل على الحفاظ عليها دائماً».