«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

الجبال تعانق الأطلسي وتعصف رياح رأس الرجاء الصالح

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
TT

«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

مع أن شهرة جنوب أفريقيا السياحية قائمة بشكل أساسي على طبيعتها الخلابة، ومناخها المعتدل، وشواطئها وجبالها وخضرتها، إلا أنك لا بد أن تصل وفي ذهنك كل ما قرأته وسمعته عن التاريخ الاستثنائي لتلك البلاد، وقصص «الأبارتيد» (الفصل العنصري) الأليمة التي دامت عشرات السنين، ورمزية حياة المناضل نيلسون مانديلا، ومساره المثير، الرجل الذي سُجن أكثر من ربع قرن، بسبب مطالبته بالمساواة بين البيض والسود في بلاده، ونال بعد صبر وكفاح طويلين ما أراد، وأُفرج عنه ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، ويشارك بنفسه في المصالحة التاريخية بين البيض والسود، والصفح عن الظلم والأذى، وينال جائزة نوبل للسلام.

كيب تاون تتمتع بطبيعة خلابة (الشرق الأوسط)

متعة لعشاق الرياضة

لكنك بمجرد أن تصل كيب تاون العاصمة التشريعية لجنوب أفريقيا، وأكثر مدن البلاد جذباً للسياحة، حتى تشعر بأنك في مكان يبدو ظاهرياً كأنه تجاوز كل أزماته السابقة. هي مدينة أوروبية نابضة في قلب أفريقيا، بل تتجاوز كثيراً من المدن الأوروبية في نظافتها وهدوئها وحسن تنظيمها، ومتانة بنيتها التحتية، ولباقة أهلها ولطفهم، وصفاء هوائها؛ فهي محاطة بالجبال، ممتدة صوب البحر، لا تنقصها الخضرة والحدائق والمتنزهات. وإذا كنت من محبي الرياضة، فقد وقعت على ضالتك هنا. احزم أغراضك منذ الصباح الباكر، وتوجه صوب «ليون هيد». هناك ستجد المئات قد سبقوك إلى تسلق هذا الجبل القريب من المدينة، فالسكان صباحيون هنا، ومحبون للنشاطات البدنية، ومواجهة التحديات. صعوبة الصعود، وتسلق السلالم، كما الاستعانة بالسلاسل المعدنية، لبلوغ القمة، مغامرة تهون وأنت ترى الجحافل التي تسبقك وأخرى تلحق بك تريد أن تصل وتتمتع بالمشهد من أعلى. وحين تبلغ أعلى نقطة في الجبل، يمكنك أن تستريح على الصخور، وتتمتع بالمشهد البانورامي لكيب تاون وبحرها المتلاطم الموج وتضاريس صخورها، وتتأمل الضباب الذي يخرج من قمم الجبال مقابلك كأنها أبخرة سحرية تحجب القمم، ولا تتوقف عن التصاعد، في ما تحط الطيور حولك، وتظنها لا ترى بشراً، وهي تسرح نظرها في الفضاء. مهمة النزول ليست سهلة هي الأخرى، لكنها مستحقة لأنك وأنت تهبط تكون قادراً على تأمل مشهد المدينة الوديعة من مختلف زواياها. لا بأس أن تكمل نهارك بالذهاب إلى ووتر فرونت أو الواجهة البحرية. هناك ستجد ما طاب لك من المأكولات، خاصة البحرية، وهي محضّرة بطريقة تناسب مختلف الأذواق عامة، وثمة أسواق ومحال للتذكارات وعروض الشارع.

شواطئ جميلة (الشرق الأوسط)

زيارة زنزانة نيلسون مانديلا

من هذه المدينة لا بد أن تحجز قاربك مسبقاً لتذهب إلى جزيرة «روبن»، فالطلب كثيف والطابور طويل حتى لمن حصل على تذكرته مسبقاً. بعد اجتياز البحر مدة تقارب نصف الساعة، والوصول إلى الجزيرة تستقل الباص، ويشرح لك الدليل وهو يجوب بك، كيف أن هذه الجزيرة كانت مخصصة للعبيد والمرضى المصابين بالجذام، قبل أن يحولها المستعمرون البيض إلى سجن للمتمردين السياسيين، الذين كانوا يعدون من بين الأخطر في البلاد. وعلى الجزيرة سجنان أساسيان، وبيوت كثيرة متفرقة، للموظفين الذين كانوا يشرفون على السجون ويعملون فيها، ويديرون خدماتها. الآن تحولت الزنازين إلى مزارات سياحية، أما البيوت فيسكنها، أولئك الذين يتدبرون أمر هذه المرافق ويحافظون عليها، لخدمة الزوار. وبطبيعة الحال فإن الموقع الأهم هو الذي قبع فيه نيلسون مانديلا ما يقارب 27 عاماً. والطريف في الأمر أن من يقودك بين الزنازين، ويشرح لك تفاصيل حياة المساجين، وكيف كانت تنظم الزيارات لهم وتراقب رسائلهم، ويسلمون الطعام، ويجري تبادل الرسائل السرية بينهم، هو سجين قديم، عايش تلك الفترة، ولا يزال يتحدث، كأنه يستعيد أيامه الماضية أمامك بأدق حميمياتها. وآخر ما ستراه على الجزيرة، وفي السجن، لإبقاء التشويق على أشده، هو الزنزانة الانفرادية، لرمز الدفاع عن حقوق السود في العالم أجمع، أي نيلسون مانديلا. هي كما باقي الزنازين المحيطة بها، لكنها تتفرد بأن صاحبها قد أصبح بعد ذلك رئيساً لبلاده، ووضع بنفسه أسس بناء حياة جديدة، في وطن رسمت العنصرية فيه أقسى أنواع التمييز.

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

11 لغة في البلاد

لكن جنوب أفريقيا تجاوزت تلك الفترة، فبقدر ما كانت دولة معزولة يقاطعها العالم، أصبحت منفتحة على السياحة، وأوجدت لنفسها، في فترة وجيزة مكانة الصدارة في القارة السوداء. وهي بنسيجها التعددي، شديدة التنوع، بين البيض والسود والملونين، ويتحدث أهلها نحو 11 لغة. وتحولت إلى رمز للتعايش، وإن لم تصبح بعد نموذجاً للعدالة الاجتماعية.

ففي حي المسلمين الشهير «بوكاب» أو «فوق الرأس» الذي ستسرك زيارته، تتعرف، على وجه آخر لهذه المدينة الخلابة. هنا في هذه المباني، التي طلي كل منها بلون مختلف زاهٍ، كأنها قوس قزح، تشعر بفرح وبهجة، وتستغرب أن ترى العلم الفلسطيني في كل مكان، وشعارات التلاحم مع فلسطين. ثمة مبنى طلي كله كأنه علم فلسطين. تظن أن «بوكاب» اتخذت قراراً بإعلان تضامنها مع غزة ورفعت الأعلام، لهذه الغاية، لكن الحقيقة، أن هذه حالها دائماً. وهي لم تنس فلسطين يوماً. الحي الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، ويعيش فيه سكان مسلمون جاء بهم المستعمر الأوروبي في غالبيتهم عبيداً إلى هذا المكان القصي، هم من أصول إندونيسية وماليزية وآسيوية مختلفة، ناضلوا طويلاً مع السود من أجل الحصول على حريتهم؛ لهذا فهم يعدون قضية فلسطين استكمالاً لمهمتهم التي لن تنجز قبل تحرر الفلسطينيين من الاحتلال. وفي هذه المنطقة المتميزة والجميلة من كيب تاون، مساجد ومزارات ومطاعم متخصصة في تقديم أطباق هذه الدول المسلمة التي استوطن أهلها هنا من مئات السنين.

زيارة «تاون شيب»

أهمية كيب تاون إذن، هي في هذا النفح التعددي والتعايش بين الثقافات. ورغم أن سكان البلاد الأصليين من القبائل السوداء، موجودون في كل مكان، فإن بعضهم لا يزالون يعيشون في أحياء خاصة «تاون شيب» مزنرة بالشباك، وكأنها معزولة عن بقية المدينة. أما المنازل فمن صفيح تشبه الأكواخ، يغلب عليها الفقر. ولأن دخول هذه العوالم، غير متاح، وقد يكون خطراً. فقد أخذت مجموعات من هذه الأحياء على عاتقها، تنظيم جولات خاصة. وصلنا وفقاً للموعد، إلى مبنى أرضي، هو عبارة عن مركز ثقافي، يتعلم فيه أهالي الحي، الموسيقى والرسم والأشغال التي يبيعونها للزوار، ويعقدون حلقات النقاش والاجتماعات. ومن هنا انطلقت بنا دليلتنا في جولة داخل الحي الذي ولدت فيه، شارحة ظروف الحياة، وصعوبة المقام. لكن في الوقت نفسه، تتعرف منها أن ضيق الحال، وفقر السكان، والمنازل المعدنية الملتهبة صيفاً وصقيعية شتاءً، لا تحجب محاولات الدولة لتحسين حياة السكان، ما أمكنها، وأن حسن النية موجود، لكن تاريخ الظلم لا يزال يخيم على الناس.

جبل المدينة وطاولتها

في كيب تاون يمكنك أن تتنقّل بين زرقة مياه الأطلسي وشواطئه، الذي يقصده السكان للسباحة والجلوس على شواطئه والاستراحة في مقاهيه ومطاعمه، والمناطق الجبلية التي منها تكشف مشاهد جميلة لمدينة يعانق فيها الجبل البحر. ومن المشاوير الجبلية التي تمتع السياح، الصعود إلى «تايبل ماونتن» أو «جبل الطاولة»، ويطلق عليه هذا الاسم، لقمته المسطحة التي تتيح للزوار قضاء وقت ممتع، وتأمل هذه المدينة الوادعة واكتشاف جمالياتها من فوق. الصعود يحتاج سيارة أو استقلال الباص ومن ثم تأخذ «التلفريك» أو المقصورات المعلقة لبلوغ القمة.

كروم العنب شهيرة جداً في كيب تاون (الشرق الأوسط)

كيب تاون مدينة ساحرة حقاً، فرغم وجود أكثر من 4 ملايين ساكن فيها، وكثافة السياح، لا تشعر بضغط الازدحام، وصعوبة التنقل، بل أنت وكأنما في رغد مكان أقرب إلى الريف في عذوبة مناخه وفسحاته الواسعة منه إلى بشاعة الحجر والباطون، لا بل لو قصد منطقة المنارة الملاصقة لسفح جبل «تايبل ماونتن» يقال بأنك هناك، يمكنك أن تتنشق الهواء الأكثر عذوبة ونقاءً على الإطلاق.

فالمساحات الخضراء، والامتداد صوب البحر، ووجود الجبال التي يتعامل معها السكان كامتداد طبيعي للمدينة، يعطي هذا الانطباع المريح.

وعلى أية حال فإن ثمة حدائق كثيرة في كيب تاون منها حديقة وينبرغ، وحديقة مايناردفي، التي لها مزايا كثيرة جعلتها من أكثر الأماكن ارتياداً.

إلى رأس الرجاء الصالح

المدينة مزنرة بالخضرة، التي تستحق الزيارة، منها كروم العنب الغناء في «ستيلينبوش» التي فيها مطاعم ومقاهٍ تستقبل الزائرين بين المزارع. ومعلوم أن كثيراً من الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، يستثمرون في هذه الكروم، ويوجد في المنطقة ما يزيد على 800 مصنع نبيذ.

وإذا ما زرت كيب تاون فلا بد أن تذهب إلى نقطتين قريبتين، لا يمكن تفويتهما، رأس الرجاء الصالح وصخرته الشهيرة، الذي كان اكتشافه كممر بحري، تحولاً عالمياً في طرق التجارة، بين أوروبا وآسيا مروراً بمنطقتنا، إلى آخر بحري بالدوران حول رأس الرجاء الصالح. وليس بعيداً عن هذه المنطقة، تصل إلى أبعد نقطة من قارة أفريقيا داخل البحر، تمثل خط التقاء المحيطين. وهنا تستطيع أن تقف وإحدى قدميك في الأطلسي والأخرى في الهندي وتلتقط الصورة التاريخية التي لا تتكرر.


مقالات ذات صلة

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

سفر وسياحة متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

هذا الصيف، يتجه الجميع للاستمتاع بالاستجمام على شاطئ البحر، أو مطاردة سحر عواصم العالم المختلفة، أو مجرد الاسترخاء في وجهات مريحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال «ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

«ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

يمتلك مشروع «ساوث ميد» - أحدث مشروعات «مجموعة طلعت مصطفى» بالساحل الشمالي الغربي لمصر - كل المقومات اللازمة ليصبح وجهة عالمية جديدة بجنوب البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق السفر مع أفراد العائلة يمكن أن يكون أمراً صعباً بشكل خاص (رويترز)

لإجازة عائلية من دون مشكلات... ضع 7 حدود قبل السفر وخلاله

حتى أجمل التجارب في الأماكن الخلابة يمكن أن تنهار أمام الخلافات العائلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة المدينة القديمة في ميكونوس الأكثر زحمة في الجزيرة (شاترستوك)

ميكونوس... جزيرة ترقص مع الريح

بعد أيام من الراحة والاستجمام في سانتوريني، جزيرة الرومانسية والهدوء والتأمل، أكملنا مشوارنا في التنقل ما بين أجمل جزر اليونان، واخترنا ميكونوس.

جوسلين إيليا (ميكونوس-اليونان)
العالم جواز سفر سنغافوري (أ.ف.ب)

سنغافورة تُتوج بلقب صاحبة أقوى جواز سفر في العالم

تفوقت سنغافورة على فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لتصبح صاحبة أقوى جواز سفر في العالم حيث يمكن لحاملي جواز سفر سنغافوري دخول 195 دولة دون تأشيرة دخول.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

الشفا والهدا... أنشودة الطبيعة وحديث الذكريات في الطائف

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
TT

الشفا والهدا... أنشودة الطبيعة وحديث الذكريات في الطائف

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)

عندما تتنوّع الخيارات السياحية والتاريخية في محيط وجهتك، فاعلم أنك في الطائف ومركزَيها «الشفا، والهدا»، واعلم أن ارتفاعك عن سطح البحر وأنت تعانق الطبيعة في الشفا يتجاوز 2500 متر، واعلم أيضاً أن عمر تلك الأماكن يتجاوز 2000 عام، تخلّلتها حكايات وقصص وبقايا نقوش منثورة في كل الزوايا.

الطبيعة تستقطب الزوّار من الداخل والخارج (واس)

تقع الطائف في غرب السعودية، وهي جارة «الهدا والشفا»، وهذا ما يجعل السياح يتطلّعون للبحث عن الحكايات، والاستمتاع بما تقدّمه الطبيعة في تلك الأماكن الرائعة والقريبة من بعضها بعضاً، وزاد من أهمية الهدا والشفا إطلاق العديد من البرامج لاستقطاب أكبر عدد من السياح، الذي يُتوقّع، وفقاً لأمانة محافظة الطائف، أن يصل مع نهاية الموسم إلى قرابة 1.2 مليون مصطاف.

وتشهد الشفا والهدا نقلة نوعية في تطوير وتنمية البنى التحتية، وتهيئة المواقع السياحية كافة، إضافة إلى إنشاء الحدائق والمتنزّهات؛ لتكون عاملاً مساعداً في انخفاض درجات الحرارة في المركزين إلى مستويات تصل إلى 25 درجة، في حين شرعت أمانة الطائف في دعم عدد من المواقع في الهدا؛ لتعزيز الإقبال السياحي، وتأهيل أجزاء حيوية من هذا الطريق.

عملت السعودية على تسهيل الوصول للمناطق السياحية (واس)

الشفا

يُعدّ مركز الشفا، الذي يبعد قرابة 25 كيلومتراً عن الطائف؛ أحد أهم الوجهات السياحية؛ لما يتفرد به من طبيعة خلابة، ومواقع أثرية وسياحية، ويزداد الإقبال على المركز خلال هذه الفترة، التي تتوافق مع إجازة العام الدراسي وانتهاء موسم الحج؛ حيث يُقبل العديد من الخليجيين والعرب لقضاء عدة أيام في الشفا، وكذلك الهدا؛ لقربهما من مكة المكرمة.

ويبرز جبل دكا في الشفا كأحد الوجهات الرئيسية للسياح الباحثين عن الارتفاعات الشاهقة؛ إذ يتجاوز ارتفاعه 2500 متر عن سطح البحر، كما تنخفض فيه درجات الحرارة في موسم الشتاء، إضافة إلى بُعده التاريخي، وموقعه الاستراتيجي على امتداد جبال السراة، وكان يَفِد إليه سكان المناطق المجاورة قبل الإسلام للاستمتاع بأجوائه الجميلة في الصيف.

ويمارس أهالي الشفا النشاط الزراعي بالدرجة الأولى، مستفيدين من خصوبة التربة والمناخ المعتدل؛ حيث ينتج المركز العديد من الفواكه الصيفية المحلية ذات المذاق الرائع، التي يزداد الطلب عليها داخل المركز وخارجه، خصوصاً ما يُعرف بـ«البرشومي» (التين الشوكي)، والعنب، والبخارة، وغيرها من الأصناف.

درب الجمّالة الذي اختصر المسافات قديماً (واس)

الهدا

يتميّز مركز الهدا، الذي يرتفع عن سطح البحر قرابة 2000 متر، بالطريق المؤدي إليه، والذي يُعدّ أحد أهم الطرق الملتوية في العالم، كما يقصده المصوّرون لإبراز قدراتهم الفنية، من خلال التقاط مئات الصور لطريق «الكرا».

وعند وصولك إلى نهاية الطريق، وبلوغ القمة، تختلف عليك الأجواء؛ من ارتفاع لدرجات الحرارة في أسفل الجبل، إلى أجواء معتدلة مع زخّات من المطر، وتدريجاً تجد الحالة النفسية وأنت تتجوّل بين الطبيعة وتشتمّ روائح الأزهار قد تحسّنت.

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)

وعلى امتداد 4 كيلومترات ينقلك تلفريك الهدا من قمة الجبل إلى أسفل وادي نعمان، في تجربة فريدة، يرصد من خلالها الزائر مشاهد لأجمل الإطلالات الطبيعية والتاريخية للطرق الجبلية القديمة، كدرب كرا الأثري، أو ما يسمى بدرب الجمّالة، انتهاءً بالقرية السياحية في أسفل الجبل، والاستمتاع بالألعاب المائية المتنوعة، كما يستمتع الزوّار بمشاهدة مبانٍ تُحاكي موروث الطائف التاريخي والمعماري والهندسي في البناء، بملامح العمارة الحجازية.

المنطقة المائية أسفل الوادي ويبدو تلفريك الهدا وهو ينقل السياح (واس)

التطوير

تقوم أمانة الطائف بدور هام ومحوري في تطوير مركزي «الشفا، والهدا»، ومن ذلك مشروع تعبيد ورصف وتشجير وإنارة الأجزاء الرئيسية بالطريق الدائري بالشفا، الذي يحتضن سلسلة من المواقع البيئية المميزة، وذلك بهدف تسهيل وصول الزوّار للمواقع السياحية، والتماشي مع التطور العمراني المستمر.

في الجانب الآخر، وقّع أمين الطائف المهندس عبد الله الزايدي، اتفاقية مع إحدى الشركات الاستثمارية، لتطوير جزء من طريق الهدا بطول 5 كيلومترات، لدعم الإقبال السياحي على هذا المركز، وتأهيل أجزاء حيوية منه، ضمن مشاريع أنسنة المدينة، التي تعزّز رفع مستوى جودة الحياة في المحافظة.

تنوّع الخيارات والطبيعة من أهم الصفات في مركزَي الشفا والهدا (واس)

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من إدارة الإعلام في أمانة الطائف، فإن المشروع سينطلق في الأيام القادمة بتصميم يتناسق مع أهمية الموقع، ويحقّق إيجاد وتأكيد البعد الإنساني في التطور والتنمية العمرانية، مع تحسين الهوية البصرية، ودعم وتشجيع البرامج الثقافية والترويجية والسياحية، كما يعمل المشروع على تسهيل حركة المشاة، دون الحاجة إلى وسائل المواصلات الحديثة، مع الاكتفاء بالمشي والتنقل بالوسائل الصديقة للبيئة، ومن خلال المسارات المرتبطة بتلك المواقع ضمن مشاريع أنسنة المدن، والاستمتاع بالخدمات المساندة للمشروع.

550 مليون وردة

يشتهر مركزا «الشفا، والهدا» ووادي محرم والوهط والوهيط في محافظة الطائف، بكثافة إنتاج الورد، الذي يصل لنحو 550 مليون وردة سنوياً، تُزرع في أكثر من 910 مزارع، بإجمالي عدد شجيرات بلغ نحو 1.144.000، وبمساحة مزروعة تقدّر بنحو 270 هكتاراً من الأراضي الزراعية.

هذا الكم من إنتاج الورد الطائفي، وتحديداً في منطقتَي الشفا والهدا، أوجد صناعة فريدة، وطلباً متزايداً على العطور الطائفية؛ إذ يقدّر عدد مصانع ومعامل إنتاج وتقطير الورد أكثر من 70 مصنعاً ومعملاً مهتماً بصناعات الورد الطائفي، التي تعمل على استخراج نحو 80 منتجاً من الورد، في حين تربّعت نحو 84.450 وردة على قائمة موسوعة غينيس كأكبر سلة ورد في العالم، الأمر الذي أسهم في الإقبال على ورد الطائف من قِبل المستهلك المحلي، كما أسهم ذلك بانتشار الورد الطائفي في الأسواق الخارجية، وأصبح ماركة مسجّلة.

الآثار والتاريخ

تحتضن الطائف الكثير من الحكايات المُوغلة في التاريخ في العديد من مراكزها، ويأتي في مقدمة ذلك «سوق عكاظ»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 501 الميلادي، وهو أشهر ملتقى للتجارة والفكر والأدب والثقافة المتنوعة للقبائل العربية، يحضره الشعراء، والخطباء، والأدباء، ويمارس فيه رُوّاد السوق الألعاب الرياضية، ومنها الفروسية والعَدْو والرمي.

ومن الشواهد التاريخية قصر مشرفة الأثري، الذي يعود لفترة العصر الإسلامي المبكر، كما توجد «آثار العرفاء»، التي تُعدّ من أكبر مواقع النقوش الصخرية التي تضم بعض الرسوم الحيوانية، مثل الماعز والغزلان، ورصد المختصّون رسومات لمعارك بالقوس والسهم، وأخرى لصيد الوعول.

في الجانب الآخر يبرز «درب كرا الأثري»، المعروف بـ«درب الجمّالة»، الذي يحكي فصلاً من تاريخ المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بالتنقل البشري، وحمل البضائع من أسفل الوادي إلى أعلى قمة في الطائف، وكيف كان هذا الطريق الرابط الأساسي بين جهتين قبل العصر الإسلامي، حتى إنشاء طريق الكرا المزدوج في مطلع الستينات الماضية.