«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

الجبال تعانق الأطلسي وتعصف رياح رأس الرجاء الصالح

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
TT

«كيب تاون» في جنوب أفريقيا مدينة التمازج العرقي والثقافي

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)
كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

مع أن شهرة جنوب أفريقيا السياحية قائمة بشكل أساسي على طبيعتها الخلابة، ومناخها المعتدل، وشواطئها وجبالها وخضرتها، إلا أنك لا بد أن تصل وفي ذهنك كل ما قرأته وسمعته عن التاريخ الاستثنائي لتلك البلاد، وقصص «الأبارتيد» (الفصل العنصري) الأليمة التي دامت عشرات السنين، ورمزية حياة المناضل نيلسون مانديلا، ومساره المثير، الرجل الذي سُجن أكثر من ربع قرن، بسبب مطالبته بالمساواة بين البيض والسود في بلاده، ونال بعد صبر وكفاح طويلين ما أراد، وأُفرج عنه ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، ويشارك بنفسه في المصالحة التاريخية بين البيض والسود، والصفح عن الظلم والأذى، وينال جائزة نوبل للسلام.

كيب تاون تتمتع بطبيعة خلابة (الشرق الأوسط)

متعة لعشاق الرياضة

لكنك بمجرد أن تصل كيب تاون العاصمة التشريعية لجنوب أفريقيا، وأكثر مدن البلاد جذباً للسياحة، حتى تشعر بأنك في مكان يبدو ظاهرياً كأنه تجاوز كل أزماته السابقة. هي مدينة أوروبية نابضة في قلب أفريقيا، بل تتجاوز كثيراً من المدن الأوروبية في نظافتها وهدوئها وحسن تنظيمها، ومتانة بنيتها التحتية، ولباقة أهلها ولطفهم، وصفاء هوائها؛ فهي محاطة بالجبال، ممتدة صوب البحر، لا تنقصها الخضرة والحدائق والمتنزهات. وإذا كنت من محبي الرياضة، فقد وقعت على ضالتك هنا. احزم أغراضك منذ الصباح الباكر، وتوجه صوب «ليون هيد». هناك ستجد المئات قد سبقوك إلى تسلق هذا الجبل القريب من المدينة، فالسكان صباحيون هنا، ومحبون للنشاطات البدنية، ومواجهة التحديات. صعوبة الصعود، وتسلق السلالم، كما الاستعانة بالسلاسل المعدنية، لبلوغ القمة، مغامرة تهون وأنت ترى الجحافل التي تسبقك وأخرى تلحق بك تريد أن تصل وتتمتع بالمشهد من أعلى. وحين تبلغ أعلى نقطة في الجبل، يمكنك أن تستريح على الصخور، وتتمتع بالمشهد البانورامي لكيب تاون وبحرها المتلاطم الموج وتضاريس صخورها، وتتأمل الضباب الذي يخرج من قمم الجبال مقابلك كأنها أبخرة سحرية تحجب القمم، ولا تتوقف عن التصاعد، في ما تحط الطيور حولك، وتظنها لا ترى بشراً، وهي تسرح نظرها في الفضاء. مهمة النزول ليست سهلة هي الأخرى، لكنها مستحقة لأنك وأنت تهبط تكون قادراً على تأمل مشهد المدينة الوديعة من مختلف زواياها. لا بأس أن تكمل نهارك بالذهاب إلى ووتر فرونت أو الواجهة البحرية. هناك ستجد ما طاب لك من المأكولات، خاصة البحرية، وهي محضّرة بطريقة تناسب مختلف الأذواق عامة، وثمة أسواق ومحال للتذكارات وعروض الشارع.

شواطئ جميلة (الشرق الأوسط)

زيارة زنزانة نيلسون مانديلا

من هذه المدينة لا بد أن تحجز قاربك مسبقاً لتذهب إلى جزيرة «روبن»، فالطلب كثيف والطابور طويل حتى لمن حصل على تذكرته مسبقاً. بعد اجتياز البحر مدة تقارب نصف الساعة، والوصول إلى الجزيرة تستقل الباص، ويشرح لك الدليل وهو يجوب بك، كيف أن هذه الجزيرة كانت مخصصة للعبيد والمرضى المصابين بالجذام، قبل أن يحولها المستعمرون البيض إلى سجن للمتمردين السياسيين، الذين كانوا يعدون من بين الأخطر في البلاد. وعلى الجزيرة سجنان أساسيان، وبيوت كثيرة متفرقة، للموظفين الذين كانوا يشرفون على السجون ويعملون فيها، ويديرون خدماتها. الآن تحولت الزنازين إلى مزارات سياحية، أما البيوت فيسكنها، أولئك الذين يتدبرون أمر هذه المرافق ويحافظون عليها، لخدمة الزوار. وبطبيعة الحال فإن الموقع الأهم هو الذي قبع فيه نيلسون مانديلا ما يقارب 27 عاماً. والطريف في الأمر أن من يقودك بين الزنازين، ويشرح لك تفاصيل حياة المساجين، وكيف كانت تنظم الزيارات لهم وتراقب رسائلهم، ويسلمون الطعام، ويجري تبادل الرسائل السرية بينهم، هو سجين قديم، عايش تلك الفترة، ولا يزال يتحدث، كأنه يستعيد أيامه الماضية أمامك بأدق حميمياتها. وآخر ما ستراه على الجزيرة، وفي السجن، لإبقاء التشويق على أشده، هو الزنزانة الانفرادية، لرمز الدفاع عن حقوق السود في العالم أجمع، أي نيلسون مانديلا. هي كما باقي الزنازين المحيطة بها، لكنها تتفرد بأن صاحبها قد أصبح بعد ذلك رئيساً لبلاده، ووضع بنفسه أسس بناء حياة جديدة، في وطن رسمت العنصرية فيه أقسى أنواع التمييز.

كيب تاون مدينة ساحرة (الشرق الأوسط)

11 لغة في البلاد

لكن جنوب أفريقيا تجاوزت تلك الفترة، فبقدر ما كانت دولة معزولة يقاطعها العالم، أصبحت منفتحة على السياحة، وأوجدت لنفسها، في فترة وجيزة مكانة الصدارة في القارة السوداء. وهي بنسيجها التعددي، شديدة التنوع، بين البيض والسود والملونين، ويتحدث أهلها نحو 11 لغة. وتحولت إلى رمز للتعايش، وإن لم تصبح بعد نموذجاً للعدالة الاجتماعية.

ففي حي المسلمين الشهير «بوكاب» أو «فوق الرأس» الذي ستسرك زيارته، تتعرف، على وجه آخر لهذه المدينة الخلابة. هنا في هذه المباني، التي طلي كل منها بلون مختلف زاهٍ، كأنها قوس قزح، تشعر بفرح وبهجة، وتستغرب أن ترى العلم الفلسطيني في كل مكان، وشعارات التلاحم مع فلسطين. ثمة مبنى طلي كله كأنه علم فلسطين. تظن أن «بوكاب» اتخذت قراراً بإعلان تضامنها مع غزة ورفعت الأعلام، لهذه الغاية، لكن الحقيقة، أن هذه حالها دائماً. وهي لم تنس فلسطين يوماً. الحي الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، ويعيش فيه سكان مسلمون جاء بهم المستعمر الأوروبي في غالبيتهم عبيداً إلى هذا المكان القصي، هم من أصول إندونيسية وماليزية وآسيوية مختلفة، ناضلوا طويلاً مع السود من أجل الحصول على حريتهم؛ لهذا فهم يعدون قضية فلسطين استكمالاً لمهمتهم التي لن تنجز قبل تحرر الفلسطينيين من الاحتلال. وفي هذه المنطقة المتميزة والجميلة من كيب تاون، مساجد ومزارات ومطاعم متخصصة في تقديم أطباق هذه الدول المسلمة التي استوطن أهلها هنا من مئات السنين.

زيارة «تاون شيب»

أهمية كيب تاون إذن، هي في هذا النفح التعددي والتعايش بين الثقافات. ورغم أن سكان البلاد الأصليين من القبائل السوداء، موجودون في كل مكان، فإن بعضهم لا يزالون يعيشون في أحياء خاصة «تاون شيب» مزنرة بالشباك، وكأنها معزولة عن بقية المدينة. أما المنازل فمن صفيح تشبه الأكواخ، يغلب عليها الفقر. ولأن دخول هذه العوالم، غير متاح، وقد يكون خطراً. فقد أخذت مجموعات من هذه الأحياء على عاتقها، تنظيم جولات خاصة. وصلنا وفقاً للموعد، إلى مبنى أرضي، هو عبارة عن مركز ثقافي، يتعلم فيه أهالي الحي، الموسيقى والرسم والأشغال التي يبيعونها للزوار، ويعقدون حلقات النقاش والاجتماعات. ومن هنا انطلقت بنا دليلتنا في جولة داخل الحي الذي ولدت فيه، شارحة ظروف الحياة، وصعوبة المقام. لكن في الوقت نفسه، تتعرف منها أن ضيق الحال، وفقر السكان، والمنازل المعدنية الملتهبة صيفاً وصقيعية شتاءً، لا تحجب محاولات الدولة لتحسين حياة السكان، ما أمكنها، وأن حسن النية موجود، لكن تاريخ الظلم لا يزال يخيم على الناس.

جبل المدينة وطاولتها

في كيب تاون يمكنك أن تتنقّل بين زرقة مياه الأطلسي وشواطئه، الذي يقصده السكان للسباحة والجلوس على شواطئه والاستراحة في مقاهيه ومطاعمه، والمناطق الجبلية التي منها تكشف مشاهد جميلة لمدينة يعانق فيها الجبل البحر. ومن المشاوير الجبلية التي تمتع السياح، الصعود إلى «تايبل ماونتن» أو «جبل الطاولة»، ويطلق عليه هذا الاسم، لقمته المسطحة التي تتيح للزوار قضاء وقت ممتع، وتأمل هذه المدينة الوادعة واكتشاف جمالياتها من فوق. الصعود يحتاج سيارة أو استقلال الباص ومن ثم تأخذ «التلفريك» أو المقصورات المعلقة لبلوغ القمة.

كروم العنب شهيرة جداً في كيب تاون (الشرق الأوسط)

كيب تاون مدينة ساحرة حقاً، فرغم وجود أكثر من 4 ملايين ساكن فيها، وكثافة السياح، لا تشعر بضغط الازدحام، وصعوبة التنقل، بل أنت وكأنما في رغد مكان أقرب إلى الريف في عذوبة مناخه وفسحاته الواسعة منه إلى بشاعة الحجر والباطون، لا بل لو قصد منطقة المنارة الملاصقة لسفح جبل «تايبل ماونتن» يقال بأنك هناك، يمكنك أن تتنشق الهواء الأكثر عذوبة ونقاءً على الإطلاق.

فالمساحات الخضراء، والامتداد صوب البحر، ووجود الجبال التي يتعامل معها السكان كامتداد طبيعي للمدينة، يعطي هذا الانطباع المريح.

وعلى أية حال فإن ثمة حدائق كثيرة في كيب تاون منها حديقة وينبرغ، وحديقة مايناردفي، التي لها مزايا كثيرة جعلتها من أكثر الأماكن ارتياداً.

إلى رأس الرجاء الصالح

المدينة مزنرة بالخضرة، التي تستحق الزيارة، منها كروم العنب الغناء في «ستيلينبوش» التي فيها مطاعم ومقاهٍ تستقبل الزائرين بين المزارع. ومعلوم أن كثيراً من الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، يستثمرون في هذه الكروم، ويوجد في المنطقة ما يزيد على 800 مصنع نبيذ.

وإذا ما زرت كيب تاون فلا بد أن تذهب إلى نقطتين قريبتين، لا يمكن تفويتهما، رأس الرجاء الصالح وصخرته الشهيرة، الذي كان اكتشافه كممر بحري، تحولاً عالمياً في طرق التجارة، بين أوروبا وآسيا مروراً بمنطقتنا، إلى آخر بحري بالدوران حول رأس الرجاء الصالح. وليس بعيداً عن هذه المنطقة، تصل إلى أبعد نقطة من قارة أفريقيا داخل البحر، تمثل خط التقاء المحيطين. وهنا تستطيع أن تقف وإحدى قدميك في الأطلسي والأخرى في الهندي وتلتقط الصورة التاريخية التي لا تتكرر.


مقالات ذات صلة

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

سفر وسياحة متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

هذا الصيف، يتجه الجميع للاستمتاع بالاستجمام على شاطئ البحر، أو مطاردة سحر عواصم العالم المختلفة، أو مجرد الاسترخاء في وجهات مريحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال «ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

«ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

يمتلك مشروع «ساوث ميد» - أحدث مشروعات «مجموعة طلعت مصطفى» بالساحل الشمالي الغربي لمصر - كل المقومات اللازمة ليصبح وجهة عالمية جديدة بجنوب البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق السفر مع أفراد العائلة يمكن أن يكون أمراً صعباً بشكل خاص (رويترز)

لإجازة عائلية من دون مشكلات... ضع 7 حدود قبل السفر وخلاله

حتى أجمل التجارب في الأماكن الخلابة يمكن أن تنهار أمام الخلافات العائلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة المدينة القديمة في ميكونوس الأكثر زحمة في الجزيرة (شاترستوك)

ميكونوس... جزيرة ترقص مع الريح

بعد أيام من الراحة والاستجمام في سانتوريني، جزيرة الرومانسية والهدوء والتأمل، أكملنا مشوارنا في التنقل ما بين أجمل جزر اليونان، واخترنا ميكونوس.

جوسلين إيليا (ميكونوس-اليونان)
العالم جواز سفر سنغافوري (أ.ف.ب)

سنغافورة تُتوج بلقب صاحبة أقوى جواز سفر في العالم

تفوقت سنغافورة على فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لتصبح صاحبة أقوى جواز سفر في العالم حيث يمكن لحاملي جواز سفر سنغافوري دخول 195 دولة دون تأشيرة دخول.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

ميلانو ترى أهمية التوأمة السياحية مع الرياض والاستثمار في التشابه الثقافي والحضاري

احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)
احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)
TT

ميلانو ترى أهمية التوأمة السياحية مع الرياض والاستثمار في التشابه الثقافي والحضاري

احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)
احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)

في وقت تتنامى فيه العلاقات الاقتصادية السعودية الإيطالية، أفصحت فيورينزا ليباريني، المديرة العامة لوكالة ميلانو الحكومية للسياحة، أن التشابه بين البلدين والقوة الاقتصادية يعززان فكرة توأمة ميلانو مع الرياض، ما يعمق التعاون في الأعمال والسياحة والأزياء والتبادل الثقافي، والاستفادة من نقاط القوة للمدينتين الديناميكيتين.

وقالت ليباريني لـ«الشرق الأوسط»: «هناك كثير من الأشياء التي تتقاسمها السعودية مع إيطاليا، بدءاً من التقاليد الأصيلة وثقافة الطعام والفن، في ظل جهود متبادلة من كلا البلدين، لتوسيع الاستثمارات والعلاقات التجارية، وهي مهتمة جداً باستكشاف هذا البلد الساحر والانغماس الكامل في الثقافة الغنية والمتنوعة للمملكة».

تتقاسم السعودية مع إيطاليا التقاليد وثقافة الطعام (الشرق الأوسط)

توأمة سعودية إيطالية

قالت مديرة الوكالة، التي أنشأتها بلدية ميلانو وغرفة تجارة المدينة: «إن السعودية وإيطاليا دولتان عريقتان تشتركان في عدة قواسم مشتركة، لتاريخهما وتقاليدهما العريقة، مع امتلاكهما التاريخ العريق في الفن والثقافة والتراث والمناظر الطبيعية الخلابة والمأكولات ذات المستوى العالمي والكنوز الأثرية التي يجب اكتشافها».

وشدّدت على أن أوجه التشابه تخلق أساساً متيناً للتعاون المتبادل بين الجانبين بمختلف المجالات، مبينة أن المدينتين تشتهران بمشهدهما الاقتصادي وقطاعات الأعمال المزدهرة وجاذبية الاستثمار والتجارة الدولية، مع استضافة فعاليات الموضة الراقية من جميع أنحاء العالم.

السياحة الخضراء

شدّدت ليباريني على جعل ميلانو مركزاً للسياحة عالية الجودة ومستدامة اجتماعياً وبيئياً وثقافياً، حيث كانت في عام 2022 أول وجهة إيطالية تنضم إلى الحركة العالمية لاستدامة الوجهات، كشبكة تضم أكثر من 100 وجهة حول العالم، وتهدف إلى تحفيز التحول الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في المدن والمناطق.

ميلانو ثاني أكثر مدينة يزورها السياح بعد روما (الشرق الأوسط)

وتابعت: «في عام 2023، دخلت ميلانو قائمة أفضل 40 وجهة في مؤشر GDS، حيث أصبح تجديد السياحة بالنسبة لنا أمراً ضرورياً، خاصة في ضوء أولمبياد ميلانو - كورتينا 2026 المقبل. ويتمثل التحدي في إعادة التفكير في الطريقة التي نمارس بها السياحة، مع وضع احتياجات المجتمع المقيم والسياح في مركز اهتمامنا».

وتهدف ميلانو، وفق ليباريني، إلى تقليل نسبة الكربون فيها بحلول عام 2050 وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030، مع الاستثمار في رأس المال الاجتماعي من خلال خدمات عالية الجودة، مع التركيز على تعزيز وسائل النقل العام، وتشجيع النقل بواسطة الدراجات والسيارات الكهربائية.

ووفق ليباريني، تتميز ميلانو بنظام النقل العام، الذي يضم 5 خطوط مترو وشبكة من خطوط الترام الشهيرة، مشيرة إلى مساعٍ جارية لتعزيز وسائل النقل العام من خلال إطلاق خط مترو جديد في سبتمبر (أيلول) 2024 بهدف تحسين الاتصال بالمدينة.

فيورينزا ليباريني المديرة العامة لوكالة ميلانو الحكومية للسياحة (الشرق الأوسط)

السياحة في ميلانو

ووفق تعبير ليباريني، فإن ميلانو تعد من أهم المدن الإيطالية من حيث السياحة، وتلعب دوراً مهماً في القطاع السياحي الحيوي للبلاد، في حين تعد إيطاليا كلها واحدة من أفضل الوجهات السياحية في العالم.

ولفتت إلى أن روما هي الأكثر استقبالاً للزوار، غير أن ميلانو تليها مباشرة بسبب مزيجها، الذي يجمع بين الموضة والتصميم والأعمال والمعالم الثقافية، مع وصول نحو 8.5 مليون سائح إلى ميلانو، وأكثر من 11.5 مليون سنوياً إلى ضواحيها، بما في ذلك بلدتا مونزا وبريانزا، وأشارت إلى أن عام 2023 كان أفضل عام على الإطلاق للسياحة في ميلانو.

التشابه بين البلدين والقوة الاقتصادية يعزز فكرة توأمة ميلانو مع الرياض (الشرق الأوسط)

وأضافت ليباريني: «شهدت ميلانو ارتفاعات قياسية في عام 2019، عندما استقبلت 7.5 مليون سائحاً، وشهدت ضواحيها زيارة 10.8 مليون سائحاً، ما يشير إلى جاذبية المدينة كمركز ثقافي واقتصادي مزدهر».

ولفتت إلى أن ميلانو تجذب السياح من خلال تنوع المعالم التاريخية فيها، بالإضافة إلى الأزياء والتصميمات والفنون والفعاليات الثقافية، ويساعد موقعها الجغرافي على ربطها بوجهات سياحية أخرى، مثل الجبال التي ستقام فيها الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية (ميلانو كورتينا 2026)، وشاطئ البحر في ليغوريا، والبحيرات مثل بحيرة كومو.

وتحتضن المدينة وادي السيارات، الذي يحتضن مصانع السيارات الإيطالية الكبرى، حيث يتيح الموقع للزوار استكشاف مجموعة متنوعة من التجارب والمناظر الطبيعية بسهولة، ما يعزز جاذبية المدينة كوجهة سفر.

وجهة سياحية عالمية

احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 . فالسياح مدعوون لاستكشاف المباني التاريخية الرائعة والفيلات الحديثة، مثل فيلا نيكي كامبيليو أو فيلا إنفيرنيزي جوهرة فن الطهي، فيما تشتهر ميلانو بمشهد طهي غني يتراوح من المطاعم الإيطالية التقليدية في بورتا رومانا إلى أطعمة الشوارع الشرقية في الحي الصيني.

ميلانو مدينة غنية بالتاريخ وجاذبة لمحبي الأناقة والتسوق (الشرق الأوسط)

تجاوز التحديات

أقرّت ليباريني أن جائحة «كوفيد 19» خفّضت عدد قاصدي ميلانو بنسبة 73 في المائة في عام 2020، مقارنة بعام 2019، بينما شهدت مطارات لومباردي انخفاضاً كبيراً في الحركة الجوية، بوجود 13.3 مليون مسافر فقط في عام 2020، مسجلة انخفاضاً من 49 مليوناً في عام 2019، غير أن ميلانو تتطور باستمرار، فنجحت في التعافي من عمليات الإغلاق الناجمة عن الوباء، وحققت نمواً كبيراً في السياحة.

وكان عام 2022 عام الانتعاش السياحي الحقيقي، وبحلول شهر أبريل (نيسان) من ذلك العام، شهدت ميلانو أعداداً متزايدةً من الزوار، مقارنة بعام 2019، برغم التحديات، حيث شهدت العاصمة اللومباردية ما يقرب من مليون سائح في المتوسط شهرياً.

وتستهدف إعادة السياحة في ميلانو إلى مستويات ما قبل «كوفيد 19» خلال عام 2024، من خلال تنويع التدفقات السياحية في جميع أنحاء المدينة، كوجهة مثالية للأحداث والفعاليات الكبرى، والتطور، كمركز للأعمال والتكنولوجيا المالية والابتكار. وأشارت ليباريني إلى أن ميلانو ستكون من إحدى أفضل الوجهات السياحية العالمية في عام 2025.



ميلانو غنية بمعالمها التاريخية (الشرق الأوسط)

الصيف والشتاء في ميلانو

وقالت ليباريني: «نهدف إلى زيادة جاذبية ميلانو، وتوسيع عروضها من الناحيتين الكمية والنوعية وتشجيع الاستخدام الأكثر استدامة للمدينة، مع التركيز على مسارات جديدة لتنويع الثروة السياحية، لجعل السائحين يكتشفون لمحات غير مستكشفة من الواقع الحضري لميلانو خارج المسارات التقليدية».

إن كل حي لديه صفة المتميز الخاص به، وينتظر أن يتم اكتشافه من أجل تقدير هويته الفريدة، من خلال مجموعة غنية من الأنشطة والفعاليات على مدار العام، فيما يعدّ عيد الميلاد وقتاً ساحراً لاكتشاف المدينة.

وقالت ليباريني: «إن 7 ديسمبر (كانون الأول) هو يوم القديس أمبروز، وعندما يُقام العرض الأول لفيلم سكالا بشكل تقليدي، يصل سحر عيد الميلاد إلى ذروته في شوارع التسوق في ميلانو وفي الشوارع والساحات المزينة بالأشجار الرائعة والإضاءات التي تدعوك إلى التنزه في وسط المدينة».