هل تود اقتناء قطعة من تاريخ مصر وتراثها أو تستمتع بمشاهدة أمهر الفنانين وهم يبدعون منتجات مستلهمة من روح الماضي من دون أن ترهق ميزانيتك؟ إذن توجه إلى «مركز الحرف التقليدية» بمنطقة الفسطاط العتيقة (مصر القديمة)؛ فهو أكبر مركز لإنتاج الفنون التراثية في مصر؛ لتختار بنفسك باقة من الروائع الفنية التي تجتذب عشاق الجمال والأصالة من مختلف الثقافات والأذواق.
تكتسب مدينة الفسطاط سحراً خاصاً؛ بسبب عراقتها وثرائها الحضاري؛ فهي المدينة التي أسسها عمرو بن العاص بعد الفتح الإسلامي، لتُعد أول وأقدم العواصم الإسلامية وبدأت عمارتها ببناء جامع عمرو بن العاص الذي أطلق عليه فيما بعد اسم «الجامع العتيق»، وظلت عاصمة لمصر 113 عاما.
ووسط هذا الزخم التاريخي تأسس مركز الحرف التقليدية، بهدف الحفاظ على الصناعات الإبداعية؛ فهو أحد المشروعات الكبرى التي أنشأتها وزارة الثقافة المصرية؛ لإعادة إحياء هذه الصناعات، بإتاحة الفرصة الكاملة أمام الفنانين والحرفيين لممارسة إبداعاتهم، وبالنسبة لأي سائح هو فرصة للتعرف على لمحات من الفنون التراثية التي شهدتها مصر.
يحتضن مركز الفسطاط الذي يُطلق البعض عليه اسم «متحف الكنوز التراثية» أمهر الحرفيين، ويضم بين أرجائه إبداعاتهم وروائعهم الفنية، فهو يحكي تفاصيل قصة التراث المصري اليدوي، وهنا ستجد عدداً ضخماً من منتجات الخزف والنقش على النحاس والخيامية والتطعيم بالصدف والقشرة والحلي التراثية وغيرها.
في المركز يمكنك أيضاً شراء المنتجات الحرفية بأسعار زهيدة مقارنة بأسعارها في البازارات السياحية أو المولات التجارية، فأنت هنا تحصل عليها من «المنبع» بيد أمهر الحرفيين، لا سيما أنهم ينظمون معارض دائمة وأخرى مؤقتة طوال العام. وإذا أردت أن تساهم في صنع قطعتك الفنية اطلب من الحرفيين وسيساعدونك بالقيام بذلك، بشرط أن تتبع الخطوات والإرشادات التي سيذكرونها.
تحيط بالمركز العديد من المواقع الأثرية، في مقدمتها «مجمع الأديان» الذي يمثل وجهة للسياحة الدينية بامتياز، ويضم مزارات مختلفة لأبنية يهودية، ومسيحية، وإسلامية، ما جعلَ منها قبلةً للزائرين، منها «معبد بن عزرا اليهودي، والكنيسة المعلقة، وجامع عمرو بن العاص»، فضلاً عن حفائر أطلال مدينة الفسطاط، ومقياس النيل بجزيرة الروضة، وقصر المانسترلي، ومتحف الحضارة وقصر محمد علي بالمنيل. من هنا أرشح لك حين تزور أحد هذه المواقع الأثرية أن تستكمل جولتك السياحية بالتوجه إلى المركز، أما إذا كان هو وجهتك منذ البداية فمن الضروري أن تزور تلك المواقع ذات العبق التاريخي المتفرد والتي تقع على مقربة منه.
عند زيارة المركز لا تتردد بين أقسامه، وفي مقدمتها قـسـم الـنجـارة حيث يتم فيه ابتكار وتصميم وتنفيذ الوحدات الخشبية ذات الزخارف الإسلامية، وستشاهد بنفسك عمليات الخرط العربي والأركيت والصدف والأستر، وتستطيع اقتناء قطع فنية من التطعيم بالصدف، أو إذا كان لديك منزل بالقاهرة سيساعدك ذلك على اختيار وحدات من الأثاث المتميز بفن «الأويما» فتبدو كما لو أنها لوحات من الزخارف النباتية أو الهندسية.
في قسم الزجاج المعشق بالجبس فستنبهر بواحدة من أهم الحرف التي كانت تميز العصر الإسلامي سواء على مستوى الحياة الدينية أو العمارة، وتتميز بالزخارف النباتية والكتابية، وتزيدها قطع الزجاج الملون المستخدم لسد الفراغات جمالاً، كما يضفي التكوين الهندسي عليها مزيداً من الإبهار.
ومنه انتقل إلى قسم الحُلي؛ فتشاهد الأحفاد يسيرون على خطى الأجداد في تقديم روائع من الحُلى متقنة الصنع عبر تقنيات متنوعة من الأدوات الحياتية تحمل الكثير من القيم الجمالية والحس الفني المنعكس في صناعة متقنة دقيقة، ومن أروع ما يقدمه المركز منتجات الخيامية حرفة الحضارة المصرية القديمة بلمسات عصرية، فتختار ما بين المنسوجات من الخيامية والمعلقات، وسيحكي لك الحرفيون عن ازدهار هذه الحرفة في العصر المملوكي؛ حيث كان يتسابق الأمراء والسلاطين على اقتناء كل ما هو ثمين وجميل.
في قسم النحاس من الصعب أن تخرج منه من دون أن تقرر اقتناء مشغولات نحاسية يدوية، بعد أن تشاهد الطرق والنقش على النحاس والأركيت والتكفيت بالفضة والتلميع على أيدي الحرفيين المهرة.
وعبر الأعمال الخزفية بالمركز تضع يديك على موهبة الحرفي المصري في تحويل ثروة الطبيعة إلى روائع فنية تخطف الأنظار، ولاحظ أن تبادل الحوار مع الحرفيين يكسب زيارتك للمركز مزيداً من المتعة وسيسمح لك بالتعرف على أصناف ودلالات الحرف التقليدية المصرية؛ وتصل بنفسك إلى ســر بـقـاء هذه الحرف وصمودها أمام الآلات الحديثة.
المدهِش أنك قد تلتقي هناك بجيل جديد أيضاً من الحرفيين في إطار مبادرة «صنايعية مصر»، التي تنظمها وزارة الثقافة بالمركز.
وتتراوح أسعار المنتجات ما بين بضعة جنيهات إلى عدة آلاف، وفقاً لحجم القطعة الفنية، ومساحة الشغل اليدوي بها، ونوع الخامات وخبرة الصانع. وإذا كانت زيارتك لمصر طويلة فمن الأفضل قبل التوجه للمركز أن تسأل عن خريطة نشاطاته التي سيشهدها قريباً، إذ يقيم فعاليات متنوعة، منها الورش الفنية التدريبية والمعارض التي تتمتع ببعض التخفيضات، كما يقام به مهرجان شهري للفنون الشعبية، والحرف التراثية، يقيمه وزارة الثقافة المصرية به لجذب الجمهور وتشجيع محبي الفنون التراثية العريقة على اقتنائها.
أما عن الوصول إليه فبجانب السيارة الخاصة من أي مكان في القاهرة، من الممكن أن تركب مترو الأنفاق، حيث يوجد بالقرب منه محطة «مارجرجس» التي تأخذك إلى المكان لتحصل بعدها على جولة سيرا على الأقدام بالمنطقة.