سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

مقهى النامليتي نافذة على 8 عقود من التراث في قلب المنامة

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».


مقالات ذات صلة

وزير السياحة السعودي: الفعاليات الرياضية استقطبت 2.5 مليون سائح

خاص وزير السياحة السعودي متحدثاً في جلسة حول «مستقبل السفر» في دافوس 22 يناير (المنتدى الاقتصادي العالمي)

وزير السياحة السعودي: الفعاليات الرياضية استقطبت 2.5 مليون سائح

قال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب إن قطاع السياحة أصبح يساهم بنحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

نجلاء حبريري (دافوس)
الاقتصاد وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب خلال جلسة حوارية في منتدى الاقتصاد العالمي (الشرق الأوسط) play-circle 00:30

الخطيب: السعودية استضافت 30 مليون سائح أجنبي في 2024

قال وزير السياحة السعودي إن المملكة استضافت العام الماضي 30 مليون سائح، وإنها سهّلت الحصول على أنواع مختلفة من التأشيرات السياحية، يمكن الحصول عليها في 5 دقائق.

«الشرق الأوسط» (دافوس)
الاقتصاد وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب متحدثاً في «دافوس 2025»... (الشرق الأوسط)

وزير السياحة السعودي: نعمل على تحويل الرياض مركزاً عالمياً للأعمال

أكد وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، أنه يجري العمل على تحويل الرياض مركزاً عالمياً للأعمال، عبر استضافة المؤتمرات الدولية الكبرى.

«الشرق الأوسط» (دافوس (سويسرا))
الاقتصاد وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب (واس)

الخطيب: أولويتنا السائح الداخلي والخليجي... والسياحة تساهم بـ4.7 % من الناتج المحلي

قال وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، إن قطاع السياحة ساهم بـ4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، فيما بلغ عدد السياح 127 مليوناً.

نجلاء حبريري (دافوس (سويسرا))
الاقتصاد واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«التخييم» وجهة شتوية لسكان الرياض تجمع بين الترفيه والتراث

المخيم الشتوي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء (واس)
المخيم الشتوي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء (واس)
TT

«التخييم» وجهة شتوية لسكان الرياض تجمع بين الترفيه والتراث

المخيم الشتوي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء (واس)
المخيم الشتوي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء (واس)

تشهد العاصمة السعودية الرياض، ومعظم المناطق الوسطى من البلاد، مناخاً شتوياً ساحراً، مع تسجيل الحرارة درجات متدنية، وهبوب موجات برد تداعب الأجواء، التي تشجع الكثير من سكان المدينة للمكوث في كنف «البر» والاستمتاع بالهدوء والسكينة بعيداً عن ضجيج وصخب المدينة.

ويقطع الراغبون في التخييم مسافات تزيد عن مائة كيلومتر بقليل عن مركز المدينة، للحصول على موقع ملائم في فضاء الصحراء التي تحيط بالعاصمة، والبدء في تجهيزات المكوث طويلاً أو لفترات قصيرة من الوقت في سياحة شتوية تجمع ما بين التراث والترفيه.

تحضر الأزياء التقليدية التي اعتاد الأهالي على ارتدائها مثل الملابس الشتوية والمعاطف الدافئة (واس)

وفي المخيم الشتوي، الذي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء، تزخر تفاصيل التخييم بجوانب من تراث المجتمع، حيث تحضر الأزياء التقليدية التي اعتاد الأهالي على ارتدائها، مثل ملابسهم الشتوية الداكنة وأغطيتهم ومفارشهم ومعاطفهم الدافئة المعروفة باسم «الفري» أو «الفروات»، وتحضر الوجبات التقليدية التي تبث الدفء في الجسم، مثل الجريش والمرقوق والمطازيز (المعدة من القمح)، بالإضافة إلى أطباق من «الحلو الشتوي» مثل أطباق الحنيني والفريك والمحلى، المعدّة من القمح أيضاً، وأكواب من الزنجبيل والحليب الساخن بوصفهما مشروبين مفضّلين في الشتاء.

الانقطاع إلى الطبيعة

تحدث فهد المنصور إلى «الشرق الأوسط» عند تجاربه في التخييم، وقد اعتاد على هذه السياحة الشتوية منذ نحو عشرين عاماً، لم ينقطع خلالها عن قضاء معظم أوقات فصل الشتاء خارج المدينة، وأصبح يتنافس مع ذويه في اختيار المكان الأفضل لنصب الخيام وإيقاد مواسم الشتاء.

ساعات من الخلوة في الطبيعة لقضاء الوقت بين الترفيه والتراث (واس)

انتقلت هذه العادة للمنصور من والده، الذي كان يفضلها على سواها، يقول: «كنت مرافقاً لوالدي عندما كان يتجهز باهتمام لموسم الشتاء، ويعدّ كل ما يلزمه لقضاء الوقت في البر، حيث ينقطع إلى هذه اللحظة الأثيرة إلى نفسه، لقد جمعتنا الكثير من الذكريات في هذا الفضاء الطبيعي والساحر، كنا كعائلة نجتمع باستمرار تحت سقف المخيم المعدّ بعناية للاستمتاع بفصل الشتاء، والآن ترك لدي والدي هذه العادة التي لم أنقطع عنها منذ سنوات، وما زال أبي يرافقني إلى مخيمي الخاص بين وقت وآخر».

ولاكتمال مشهد التخييم على صفته التقليدية، يقول المنصور إن الغالبية لا يصطحبون أجهزة التدفئة الحديثة، ويستمتعون باستخدام الحطب المستورد في المواقد التي تنشر الدفء في المكان، ويستخدمونه وسيلة لإعداد ولائم العشاء، وأباريق القهوة والشاي عليها والتحلق حولها والاستغراق في الأحاديث الودّية بين أفراد المخيم.

وعن التجهيزات اللازمة لقضاء موسم تخييم شتوي ناجح، يقول موسى العمري إن التخييم الناجح يعتمد على الاستعداد الجيد، مشيراً إلى أن الكثير من ذوي الخبرة يتحضرون لموسم الشتاء قبل حلوله بوقت كافٍ، من خلال النزول إلى الأسواق الشعبية واقتناء أحدث ما تقدمه من تجهيزات تساعد على قضاء وقت ممتع في حضن الطبيعة.

تزخر تفاصيل التخييم بجوانب من تراث المجتمع (واس)

ويختلف معه في ذلك فهد المنصور، ويقول إن «التخييم»، لا سيما في وقت الشتاء ليس أكثر من «سقف يقيك، ونار تدفيك» وإن المبالغة في التجهيزات قد تفسد متعة قضاء الوقت بعيداً عن الأجهزة والآلات التي تنوب عن الإنسان في بذل جهد يغيّر روتينه المديني، يضيف: «للجميع حق الاختيار، هناك من يقطع مسافات طويلة تستلزم أن يستعد الإنسان جيداً لمواجهة كل الطوارئ المحتملة، لكن المبالغات تفسد شعور الانقطاع إلى هذا الفضاء الطبيعي والاتصال العفوي مع المكان، الذي يعود بعده الإنسان بروح نشطة وذهن صافٍ ومتقد».

التخييم يعزز نشاط الأسواق

مع دخول موجات البرد التي تشهدها معظم مناطق السعودية، وتسجيل مستويات متدنية لدرجات الحرارة، زاد إقبال الأهالي على أجهزة التدفئة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى الملابس الشتوية مثل المشالح و«الفروة» التي تعد من الملابس التقليدية التي يستعين بها العديد من أهل هذه المناطق على مواجهة برودة الشتاء.

وتعد «الفروة» من الملابس الشتوية التقليدية التي يزيد الإقبال عليها وقت الشتاء، وهي شبيهة بالبشت (المشلح) من ناحية الشكل والحجم، وتختلف في كونها مبطنة بوبر أو صوف، وهناك عدد من الدول التي يستورد منها الفرو الصناعي، وتشمل الأنواع الموجودة في السوق السعودية الفروة الطليانية والطفيلية وفروة الراعي وغيرها.

أكواب الزنجبيل والحليب الساخن مشروبين مفضّلين في الشتاء (واس)

ومن أنشطة التسوق التي تبرز خلال الشتاء، المحلات المتخصصة في تجهيزات التخييم الشتوي، حيث تبدأ تلك المحال توفير ما يلزم لتجهيز مخيم شتوي متكامل، من الأدوات والأجهزة والترتيبات التي تضمن قضاء أفراد المخيم أوقاتاً ممتعة.

ويقول أجواد علي، الذي يستقبل زبائنه في أحد أركان سوق المعيقلية المعروف في الرياض، أن موسم الشتاء هو موسم مخصص لبعض أنواع البضاعة التي يزيد عليها الإقبال خلاله.

ويضيف: «هذا ينطبق على احتياجات الأفراد والمجموعات، حيث يتوجه المتسوقون إلى المحلات التي توفر قطع الملابس الدافئة، أو محلات لوازم الرحلات والتخييم، ومحلات تعديل السيارات التي تتولى مهمة تجهيزها بكل ما يلزم لقطع مسافات داخل البرّ، فيما تتنافس المحلات على توفير البضائع الملائمة لهذا الموسم الحيوي والسياحة الشتوية الواعدة».