مونتريال... الـ«بونجور» تسبق التحية فيها والـ«هاي» تتبعها

عاصمة كيبيك الثقافية وثانية كبرى المدن الناطقة بالفرنسية بعد باريس

إطلالة رائعة من «مون رويال بارك» (شاترستوك)
إطلالة رائعة من «مون رويال بارك» (شاترستوك)
TT

مونتريال... الـ«بونجور» تسبق التحية فيها والـ«هاي» تتبعها

إطلالة رائعة من «مون رويال بارك» (شاترستوك)
إطلالة رائعة من «مون رويال بارك» (شاترستوك)

صيف مونتريال لا يشبه شتاءها القارس الذي تتدنى فيه الحرارة إلى ما دون العشرين درجة مئوية، فعند وصولنا كانت الحرارة المرتفعة باستقبالنا وكأنها تؤكد لنا هوية مونتريال الأوروبية في وقت تعاني فيه القارة العجوز من موجة حر لم يسبق لها مثيل.

«مون رويال بارك» وتبدو فيه البحيرة الجميلة (شاترستوك)

اسم مونتريال مرادف للمهاجرين القدامى من الجاليات الفرنسية والإيطالية واليهود الأشكناز الذين أتوا للعيش في المدينة ما بين عامي 1938 و1950، أما المهاجرون الجدد فهم بغالبيتهم من المغرب العربي، ولبنان والسبب هو أن الفرنسية هي اللغة الرسمية في المدينة التي كانت تعتبر أكبر مدينة كندية حتى عام 1970 لتتحول اليوم إلى ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد تورونتو.

القسم القديم من مونتريال وجلسات خارجية جميلة (شاترستوك)

تقع مونتريال في مقاطعة كيبيك وهي أكبر مدينة تتحدث الفرنسية بعد باريس، يعتبرها الأميركيون النفس الأوروبي الأقرب مسافة إليهم، فهي تتمتع بهوية أوروبية واضحة على عكس تورونتو على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أن مونتريال من أكبر موانئ العالم وتشكل المركز الرئيسي للنقل في البلاد وعنوان الأعمال الصناعية والثقافة والتعليم علماً بأنها تضم بعضا من أهم الجامعات في العالم.

في صباح الرابع من يوليو (تموز) كانت مونتريال، العاصمة الثقافية لمقاطعة كيبيك، بانتظار وصول أول رحلة لطيران الإمارات منطلقة من دبي. وبحضور حشد من العاملين في مطار بيار اليوت ترودو YUL هبطت الطائرة بعد 13 ساعة ونصف الساعة من التحليق المستمر، وعلى مرأى من المولعين بتصوير الطائرات العملاقة المصطفين على مسافات قريبة من المدرج انضمت الرحلة بطائرة بوينغ 777 إلى الوجهات الجديدة التي وصل عددها إلى 158 وجهة في 85 دولة وأسطول من طراز إيرباص يتعدى 269 طائرة .

إطلالة رائعة من «مون رويال بارك» (شاترستوك)

مونتريال جزيرة تم بناؤها حول جبل «مون رويال» لتكون المدينة الكندية الوحيدة المبنية حول جبل (الجبل قليل الارتفاع وأشبه بهضبة إذا صح التعبير إذ يبلغ ارتفاعه 233 مترا وتغطيه الأشجار).

المدينة عبارة عن سلسلة هضاب مطلة على نهر سان لوران، في حين توجد على مستوى الشاطئ مرافق الميناء والمستودعات ومؤسسات تجارة الجملة. وتقع مونتريال القديمة vieux Montreal على أكثر المصاطب انخفاضاً بالقرب من مسار النهر، وإلى أعلى يختلف المشهد بوجود مباني الشركات بارتفاعاتها الشاهقة. اللافت في مونتريال هو أن 65 في المائة من سكانها يعيشون خارج وسطها.

كلمة «بونجور» أو صباح الخير بالفرنسية تسبق أي سلام أو كلام، وهي نوع من التحدي الذي يفرضه أهالي مونتريال لتعزيز هويتهم الفرنسية، فترى وتسمع هذه الكلمة تسبق كلمة «هاي» الإنجليزية وتجدها مكتوبة في كل مكان بما في ذلك على سيارات الأجرة وكأن غرضها هو تذكيرك بأنك في مدينة لغتها الرسمية هي الفرنسية لا الإنجليزية، وهذه المسألة حساسة بعض الشيء في مونتريال التي أسس نظام الدراسة فيها على أساس اللغة والدين وأدّى موضوع حقوق اللغة في المدارس إلى جدَل، إذ يعتقد بعض الناطقين بالفرنسية أن على جميع المدارس استخدام اللغة الفرنسية في التدريس. وعارض سكان مونتريال الذين يفضلون تعليم أطفالهم في مدارس اللغة الإنجليزية هذه الفكرة؛ لأنهم يساندون بقوة القوانين الكندية الحالية التي تضمن لهم حق اختيار لغة تعليم أطفالهم. وتنتشر في المدينة المدارس الكاثوليكية والبروتستانتية، وجامعات أشهرها «ماكغيل» McGill.

تعرفوا على المدينة مشيا على الأقدام

أجمل ما يمكن أن تقوم به في مونتريال هو المشي صيفا وشتاء، نعم شتاء، والسبب هو أن المدينة تتمتع بمدينة مكيفة تحت الأرض مساحتها شاسعة، فيها المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية ومحطات القطارات ومترو الأنفاق، وقد صممت بطريقة ذكية جدا لتساعد السكان والسياح على التنقل فيها مهما كانت درجات الحرارة مرتفعة أو منخفضة.

إذا اخترت الإقامة في القسم القديم من المدينة فمن السهل عليك التجول في جميع ثناياها للتمتع بأهم معالمها السياحية دون الحاجة لأي وسيلة نقل، وهذا الجانب من المدينة هو الأجمل لأنه يضم القسم الأكبر من تاريخها الذي يقف المعمار شاهدا عليه، كما أن مونتريال شهيرة بكثرة المطاعم فيها وتنوع المطابخ.

وتوجد شوارع مخصصة للمشاة في فصل الصيف وهي قريبة من المرفأ، وتنتشر فيها المقاهي ومحلات بيع القهوة والجلسات الخارجية الجميلة على أرضيات من الحجر المرصوص الذي يجعل المشي متعة حقيقية ومميزة.

أهم الزيارات

إذا كنت من عشاق الغوص بالتاريخ وتفاصيله أنصحك بالقيام برحلة مشي برفقة دليل سياحي. في رحلتنا الأولى رافقتنا آنا (أنجلينيا) وهي من عائلة مهاجرة إيطالية بدأت مشوارها معنا من فندق «إنتركونتيننتال» باتجاه خبايا وثنايا المدينة القديمة فوصلنا إلى منطقة المرفأ مرورا بتعريفنا على تاريخ الأبنية وقصصها ومحلات بيع التحف والمعمار الجميل تارة والمناظر الطبيعية والإطلالات الخلابة تارة أخرى، والشوارع القديمة التي تعانق الحداثة... لكن تبقى أجمل الزيارات هي إلى الأماكن العالية والمطلة على معالم المدينة من فوق مثل:

جبل رويال Mont Royal ومنه جاءت تسمية المدينة. وهذا الجبل الصغير يضم عدة هضاب كل منها تقدم لك مناظر خلابة مطلة على المدينة من زوايا مختلفة لا سيما رؤية ناطحات السحاب، وهذه الزيارة جميلة خلال النهار والليل.

جسر جاك كارتييه وهو يشبه إلى حد كبير جسر «غولدن غيت» في سان فرانسيسكو وسمي على اسم المستكشف الفرنسي الذي كان أول أوروبي يرسم نهر سانت لوران حيث تقع جزيرة مونتريال. ويقدم الجسر أول منظر مرتفع للمدينة للزوار القادمين من الولايات المتحدة عند وصولهم بواسطة السيارة.

من الممكن المشي أو ركوب الدراجة الهوائية على طول الجسر. وهناك نقطة تجمع شهيرة يقصدها الناس خلال مسابقة الألعاب النارية التي تقام كل صيف. وخلال الليل يضاء الجسر بواسطة إنارة تتغير بحسب الفصول.

ماونت رويال بارك Mount Royal Park من أجمل الحدائق العامة في مونتريال، تناسب محبي الطبيعة والمناظر البانورامية. تصل إلى أعلى نقطة في الحديقة عن طريق سلم لتبهر نظرك ببانوراما رائعة للمدينة، ومن هناك يمكنك أن تستقل حافلة للوصول إلى بحيرة بيفر Beaver حيث تستطيع بأن تستأجر قاربا صغيرا، وبعدها تتجول في الغابة. أنصحك بالتوجه إلى هناك وقت المغيب للتمتع برؤية أجمل غروب للشمس.

برج الساعة The Clock Tower الواقع على حافة الميناء القديم، مبنى الساعة أبيض، وبني لأول مرة كنصب تذكاري للبحارة الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الأولى. وأصبح بعدها معلما سياحيا. ومن الممكن الوصول إلى منصة المراقبة عند أعلى البرج عبر ما بين شهري يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) للتمتع بالمناظر الجميلة من علو 45 مترا مجانا.

برج المراقبة Observation Deck ويقع قرب ساحة «فيل ماري» ومنه يمكن أن تشاهد المدينة من علو شاهق ومن زاوية 360 درجة. ويمكنك زيارة هذا المكان في أوقات مختلفة من اليوم في جميع الفصول، وتوجد في هذه المنصة شاشات تفاعلية تعرفك على كل المعالم التي تشاهدها بعينك المجردة.

رحلات مائية وإطلالة على المدينة في عجلة مونتريال (شاترستوك)

عجلة مونتريال La Grande Roue De Montreal أو عجلة مونتريال الكبرى، وهي عبارة عن 42 عربة مكيفة تدور على ارتفاع 60 مترا يمكنك أن ترى منها أجمل معالم المدينة بما في ذلك المرفأ القديم.

عرض للإنارة رائع داخل بازيليكا السيدة العذراء (شاترستوك)

كنيسة سيدة النجدة Notre dame de bon secours وبنيت عام 1771 وهي أقدم كنيسة في المدينة وتتمتع بتصميم معماري رائع من الداخل والخارج. الدخول إليها مجاني لكن يتعين عليك دفع مبلغ ضئيل لزيارة المتحف فيها للتعرف على تاريخ تأسيس المدينة ومؤسسيها.

متحف الفن Montreal Musueum of Fine Arts وهذه وجهة جميلة للمهتمين بالفن واللوحات.

جانب من متحف الفنون في مونتريال (الشرق الأوسط)

لو جيان Le Geant وهي عبارة عن عروض أشبه بالعروض التي تقدمها Cirque Du Soleil التي انطلقت من مونتريال ومن الممكن مشاهدة عروضها في خيمة ضخمة عند الميناء القديم، أما «لو جيان» فهي عروض بهلوانية مشابهة ولكنها تقام في منطقة «فيل ماري» في الهواء الطلق ومشاهدتها بالمجان ولكن يمكنك حجز مقعد بسعر زهيد في حال كنت تود أن تكون على مقربة من مجسم العملاق «لو جيان» المصنوع من الحديد.

كنيسة سيدة مونتريال Notre Dame basilica of Montreal يمكن زيارة الكنيسة التي تعتبر من بين أشهر كنائس المدينة خلال النهار، وفي تمام الساعة السابعة مساء تقام بداخلها عروض مبهرة تعتمد على أنوار الليزر وتروي قصة من خلال الضوء، الزيارة جميلة ومن الأفضل الحجز المسبق لأن عدد المقاعد محدود.

عرض «لو جيان» المادرد في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)

أين تأكل؟

توجد في مونتريال العديد من المطاعم المحلية والعالمية، ومن الأكل الأشهر فيها والذي يتعين على كل سائح تذوقه ولو لمرة واحدة، البيغل Bagel وهو عبارة عن قطعة خبز عادة ما تؤكل مع السلمون والجبن والـ Capers وهذه الأكلة جاءت مع المهاجرين اليهود وتتميز كونها عجينة تسلق قبل خبزها، والطبق الثاني هو الـPoutine وهو عبارة عن بطاطس مقلية مع صلصة الـ Gravy والجبن.

ولكن تبقى هناك بعض المطاعم المميزة نذكر منها:

مونارك Monarque يتميز بديكوره الجميل والأنيق، لائحة الطعام فيه محدودة ولكن أطباقه مميزة.

ميليس Melisse يناسب هذا المطعم الزوار العرب لأن اللحم الذي يقدم فيه حلال كما أن أطباقه مستوحاة من البحر المتوسط والشرق الأوسط ولكن بتصرف وبطريقة عصرية جدا .

حديقة جميلة في وسط المدينة في فندق «ريتز كارلتون» (الشرق الأوسط)

لو سيربان Le Serpent هذا المطعم عصري جدا، من النوع الذي تراه من الخارج فتتخيل وكأنه مكان مخزن قديم وعندما تدخل إليه تجده مكانا عصريا جدا من دون أي طلاء على الجدران، أطباقه أوروبية.

ميزون بولو Maison Bolud في فندق ريتز كارلتون، وهذا المكان تنضح منه الأناقة ويقدم ألذ الأطباق الإيطالية، فلا تفوت عليك تذوق سلطة البوراتا والأسماك والباستا بالطبع، ويتميز بجلسة خارجية ويعتبر المكان الوحيد في المدينة حيث تجد فيه حديقة خاصة وبركة ماء يربى فيها البط.

بيفواك Bivouac ويقع داخل فندق دبل تري، إذا حالفك الحظ وزرت مونتريال خلال شهر يوليو فأنصحك بالذهاب إليه لتناول الطعام على الشرفة الخارجية المطلة على فعاليات مهرجان الجاز الأكبر في البلاد، والأطباق جيدة ولذيذة أيضا ومتنوعة.

ماركس Marcus الواقع داخل فندق فور سيزونز الجديد في المدينة، أشهر ما يقدمه هذا المطعم البرانش وهذه عادة يعتمدها الكنديون حيث يتناولون وجبة طعام ما بين الفطور والغداء، وهذا المطعم بالتحديد شهير جدا بتقديم الأطباق التي تجمع ما بين أطباق الفطور والغداء من دون أن ننسى المحار (وهو طبق أساسي في كندا) والبيغل.

البرانش الذي يقدَّم في «ماركس» الـ«ريتز كارلتون» بمونتريال (الشرق الأوسط)

داماس داماس Damas هذا المطعم سوري (شرقي) يتمتع بديكور جميل والأهم هو أن أكله حلال وأطباقه لذيذة جدا ولكن أسعاره مرتفعة بعض الشيء.

أوليف إيه غورماندو Olive et Gourmando يقع في منطقة الميناء القديم، ويعتبر من بين أشهر مطاعم المدينة ويتعين عليك في بعض الأحيان الانتظار في طابور طويل للحصول على كرسي واحد فيه، يقدم وجبات الغداء والعشاء على مدار أيام الأسبوع. ومن أشهر أطباقه السلطات والمخبوزات والوجبات الخفيفة والقهوة.

وليم غراي William Grey Terrace لمحبي الأكل في الأماكن العالية والمطلة على أجمل المناظر، وفيه يمكنك تناول المأكولات المحلية مثل الووفل مع الدجاج وغيرها من الأطباق الغربية الأخرى مع إطلالة على المرفأ ومعالم المدينة.

أوليمبيكو Olympico cafe عنوان لمحبي القهوة الإيطالية في القسم القديم من مونتريال، ويعتبر من أهم الأماكن لتناول أفضل نوع قهوة في المدينة.

أين تقيم؟

توجد في مونتريال خيارات عديدة ومتنوعة للإقامة، ولكن تبقى هناك أسماء لامعة ومهمة نسبة لعراقتها ومواقعها في وسط المدينة مثل فندق «إنتركونتيننتال» (في القسم القديم من المدينة) و«ريتز كارلتون» و«فور سيزونز» في المربع الذهبي.

فندق «فور سيزونز» يتميز بموقع جميل في وسط المدينة (الشرق الأوسط)

أين تتسوق؟

تنتشر في مونتريال عدة أماكن للتسوق، وأشهرها شارع «سانت كاثرين» لأصحاب الميزانيات المحدودة، ومن هناك يمكنك الوصول إلى المربع الذهبي حيث تجد البوتيكات العالمية التي تحمل أسماء أهم المصممين العالميين ودور الأزياء الراقية، كما توجد مراكز تسوق جميلة مثل «إيتون» و«لي كور دو مونتريال» و«بلاس مونتريال تراست».


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.