معالم جيوسياسية لافتة في زيارة مودي المتزامنة إلى فرنسا والولايات المتحدة

رغم روائح الحرب التجارية المنبعثة من مطابخ القرار الأميركية

ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
TT
20

معالم جيوسياسية لافتة في زيارة مودي المتزامنة إلى فرنسا والولايات المتحدة

ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)

لقد أكد الرئيس دونالد ترمب مجدداً، إبان زيارة الزعيم الهندي ناريندرا مودي لواشنطن أنه يعني الأعمال التجارية... حرفياً.

عبارة «أرني المال» قد تكون شعار الولاية الثانية لترمب، وهذا النهج لا يصب بالضرورة في مصلحة الهند. ولأن اقتصادها سريع النمو مع ارتفاع المطالب، فإن الهند في وضع يسمح لها بعرض صفقات على الولايات المتحدة إذا كان لها أن تستفيد من جوانب أخرى.

استقبال مميز

منذ اللحظة التي وصل فيها مودي إلى واشنطن، بدا كل شيء سلساً. وقبل اجتماعه مع الرئيس ترمب، التقى مودي مع إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، الذي حضر رفقة أطفاله الثلاثة. وكذلك التقاه مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، وفيفيك راماسوامي رجل الأعمال الهندي الأميركي المقرّب من ترمب الذي من المقرّر أن يترشح لمنصب حاكم ولاية أوهايو. وزارته أيضاً بعد وقت وجيز من وصوله إلى واشنطن تولسي غابارد، المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية الأميركية، التي تربطها بمودي علاقة وطيدة.

جورح سوروس (آ ب)
جورح سوروس (آ ب)

المحلل السياسي الهندي إم دي نالابات قال معلقاً: «لدى الرئيس ترمب فهم عميق للحقائق الجيوسياسية، وهي السمة التي يتشاركها مع رئيس الوزراء مودي. فكلا الزعيمين يدرك أن الحرب الباردة الثانية هي معركة وجودية بقدر ما كانت الحرب الباردة في نسختها الأولى. وقد التزم الزعيمان بسياستَي (الهند أولاً) و(الولايات المتحدة أولاً) على التوالي...».

ولفت المحلل إلى أنه «بعد مباحثات الزعيمين الثنائية، استعار مودي شعار ترمب (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى) ليضفي عليه لمسته الخاصة (جعل الهند عظيمة مرة أخرى)... وفي المقابل، لم يكن ترمب ممن يمتنعون عن الإشادة بذلك، بل أعرب عن إعجابه بالمهارات (التفاوضية) التي يتمتع بها مودي... وقال إنه (مفاوض أكثر صرامة مني، إنه مفاوض أفضل مني بكثير. ولا مجال حتى للمنافسة في ذلك)».

وتابع نالابات: «من ناحية ثانية، قال محللون آخرون إن مودي كان ودوداً مع ترمب. لمّح بكل الإشارات والتصريحات الصحيحة، لكنني بصفتي شخصاً درس شخصية مودي وحكمه من كثب، كان واضحاً لي أنه كان محتاطاً لأمره أو ربما حذراً».

فيفيك راماسوامي (رويترز)
فيفيك راماسوامي (رويترز)

وحقاً، من المثير للاهتمام أن ترمب رفض مرتين الإجابة عن أسئلة حول الدور المحتمل للهند في الوساطة من أجل السلام بين روسيا وأوكرانيا، وبدلاً من ذلك أكد على دور الصين. أيضاً عرض التوسط في المناوشات الهندية - الصينية، متجاهلاً حقيقة أن عرضه السابق للتوسط مع باكستان إبان فترة ولايته الأولى لم يلق قبولاً جيداً من قبل الهند.

وحول الصين، قال ترمب في لقاء صحافي عُقد في أعقاب اجتماعه بمودي إنه مستعد للمساعدة إذا أدت مساعدته إلى تخفيف التوتر المزمن بين بكين ونيودلهي. وتابع أن للصين الآن نفوذاً عالمياً، وبإمكانها لعب دور في إنهاء حرب أوكرانيا.

الرسوم الجمركية وترمب

ولكن تحت سطح آيات الإعجاب والثناء المتبادل، كمنت الحقائق الثابتة للتجارة والرسوم الجمركية. فقبل ساعات من اجتماع ترمب بمودي، أعلن ترمب فرضه رسوماً جمركية متبادلة شاملة... وهذه المرة لا تستثني الهند.

وهنا، ذكر الصحافي الهندي أبيشيك دي أن «الاجتماع بين مودي وترمب كان متوقعاً أن يكون ذا أهمية كبيرة من الناحية المرئية. إذ تبع العناق الحار المصافحة الحازمة عندما دخل رئيس الوزراء مودي إلى البيت الأبيض، لكن البرودة كانت ملموسة عقب إعلان الرئيس الأميركي عن الرسوم الجمركية المتبادلة الشاملة. وحقيقة أن درجة حرارة الطقس لم تتجاوز درجة واحدة فقط في العاصمة واشنطن لم تساعد في حل هذه المسألة».

ثم إن ترمب قال في مؤتمر صحافي إن الهند «في صدارة المجموعة» عندما يتعلق الأمر بالرسوم الجمركية. وعلى الرغم من وقوف مودي إلى جانبه، ترمب بأسلوبه الفج الأميل للعداء «أياً كانت الرسوم الهندية، فإننا نفرض رسومنا سواءً بسواء. لذا، وبكل بصراحة، لم يعد ما يفرضونه من رسوم مهماً بالنسبة لنا».

للعلم، الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للهند، ومعها تتمتع الهند بفائض تجاري. ولذا كانت الرسوم الجمركية نقطة خلافية رئيسة، إذ انتقد ترمب مراراً الرسوم الجمركية الهندية «المرتفعة» - ووصفها بأنها «ملك الرسوم الجمركية» - وبالذات الرسوم على السلع الأميركية كالدراجات النارية والمنتجات الزراعية. لكن أحدث ميزانية في الهند شهدت خفض الرسوم الجمركية من 13 في المائة إلى 11 في المائة في محاولة لتجنب أي رسوم يفرضها ترمب. ومع هذا، واصل ترمب الضغط بشدة على الهند لشراء المزيد من الغاز والنفط الأميركي، فضلاً عن المعدات الدفاعية الأميركية.

تحدّي «بريكس» للدولار

من جانب آخر، شن ترمب هجوماً لاذعاً على دول مجموعة «بريكس» قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء الهندي، بسبب محاولات إلغاء الدولار، إذ قال إن «البريكس قد ماتت». واتهم المجموعة بأنها أسست «لغرض سيئ»، زاعماً أنه حذّر دول المجموعة من أنها «ستتعرض لرسوم جمركية بنسبة 100 في المائة... إذا أرادت اللعب بالدولار». ومضى قائلاً: «في اليوم الذي يذكرون أنهم يريدون فعل ذلك، سوف سيعودون ليقولوا: نتوسّل إليكم، إننا نتوسل إليكم!.. لقد ماتت مجموعة البريكس منذ أن ذكرت ذلك».

«مكاسب سياسية» للهند على حساب «جاراتها»

في المقابل، رأى أنيل تريغونايات، السفير الهندي السابق لدى الأردن وليبيا ومالطا، أن «بين ما جاء لمصلحة للهند وقف المساعدات البالغة 20 مليون دولار في إطار عملية (ديمقراطية الظل) الهادفة إلى تصوير الهند على أنها دولة مارقة، جنباً إلى جنب مع نمط مستمر من التدخل في شؤون الهند وتجاهل (مصالحها الاستراتيجية). وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن ترمب يميل إلى الاستثمار في أي من بنغلاديش أو باكستان، وسيكون راضياً إذا تعاملت الهند كما تشاء مع كليهما. وبدا أنه مستعد لتعزيز موقف الهند عبر تصريحات تعتبر باكستان مركزاً للإرهاب بشأن الهجمات عبر الحدود في البيان المشترك، أو قوله: سأترك بنغلاديش لرئيس الوزراء (أي لمودي). ثم إنه مع وجود ترمب في واشنطن، وتجميد التمويل الأجنبي، والتفكيك المستمر للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، جرى تحييد التدخل الأميركي في بنغلاديش إلى حد كبير».

ورأى السفير أن «التزام ترمب بإزالة عناصر (الدولة العميقة)، بمَن فيهم شخصيات مثل جورج سوروس، يمكن أن يخفف من المخاوف (الهندية) وموقفه (أي ترمب) السلبي تجاه محمد يونس، ونظرة مُرشح ترمب لشؤون جنوب آسيا إلى باكستان على أنها دولة خطيرة بصورة استثنائية، مقابل موقف وزير خارجيته الإيجابي من الهند... كلها إجمالاً مكاسب صافية للهند على حساب جاراتها بجنوب آسيا. كما منح ترمب مودي نصراً آخر بالإعلان عن تسليم المطلوب في هجمات 26 نوفمبر (تشرين الثاني) في مومباي».

من جهة أخرى، قالت ليزا كيرتيس، التي كانت جزءاً من إدارة ترمب الأولى، في برنامج حواري على قناة «الهند اليوم»، إن اجتماع مودي وترمب أرسى جدول أعمال الشراكة بين الولايات المتحدة والهند خلال السنوات الأربع المقبلة، وأضافت: «لقد كان اجتماعاً ناجحاً. وكونه حصل حدث في وقت مبكّر للغاية من رئاسة ترمب الثانية يُظهر أهمية الهند بالنسبة للولايات المتحدة. لقد أراد مودي اكتساب قدر من الحصانة من سياسات ترمب الإشكالية في مجال التجارة. لقد كانت زيارة بشعار (مودي يصنع السحر)، لأنه من الصعب للغاية نزع سلاح شخصية مثل ترمب. ومن خلال مشاهدة تفاعلاتهما خلال المؤتمر الصحافي، أعتقد أنه حقق ما اعتزم القيام به».


مقالات ذات صلة

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

حصاد الأسبوع الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

شكّلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان منتصف شهر مارس (آذار) الحالي أول اختبار للدولتين اللبنانية والسورية الجديدتين،

بولا أسطيح (بيروت)
حصاد الأسبوع بوندي

بام بوندي... تُدخل على وزارة العدل تغييرات جوهرية في سياق معارك ترمب القضائية

عندما اختار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا، بام بوندي، لتكون أعلى مسؤول عن إنفاذ القانون في البلاد،

إيلي يوسف ( واشنطن)
حصاد الأسبوع مبنى إدغار هوفر، مقر "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (الأف بي آي) في واشنطن. (آ ب)

منصب المدعي العام أو وزير العدل في الولايات المتحدة

المدعي العام أو المحامي العام أو وزير العدل في الولايات المتحدة هو كبير المسؤولين القانونيين في الدولة أو الولاية، والمستشار القانوني للرئيس الأميركي ولحكام الو

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع البرهان بعد كسبه معركة العاصمة (رويترز)

الحرب السودانية تُنذر بصراع إقليمي

لا تُعدّ تهديدات ياسر العطا الأولى من نوعها؛ إذ دأب على مهاجمة دول الجوار واتهامها بالضلوع في مساندة «قوات الدعم السريع». إذ كان قد اتهم خلال شهر نوفمبر

هشام المياني (القاهرة)
حصاد الأسبوع من آثار هجمات المتمردين في إقليم بلوشستان (آ ب)

باكستان في مواجهة أخطار التمرد المسلح من جديد

تواجه باكستان تصاعداً حاداً في حركة التمرد داخلها مع شن جماعات مسلحة سلسلة من الهجمات العنيفة استهدفت بشكل رئيس قوات الأمن

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)
الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)
TT
20

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)
الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)

شكّلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان منتصف شهر مارس (آذار) الحالي أول اختبار للدولتين اللبنانية والسورية الجديدتين، في مقاربة الملفات المعقّدة والمتراكمة التي كان النظام السوري السابق كما الحكومات اللبنانية التي كان يسيطر عليها «حزب الله» تفضّل أن تبقى مجمّدة على حالها تبعاً لمصالح الطرفين. الحدود اللبنانية - السورية تمتد على طول أكثر من 375 كلم. ويُجمع الخبراء على أن تأخر ترسيمها، ووجود عوامل جغرافية واجتماعية تضاف إليها عوامل أخرى سياسية وأمنية، أمور تجعل منها «خاصرة رخوة» للبلدين، قد تشهد تجدد المواجهات العسكرية في أي وقت كان، وبخاصة أن فيها عشرات المعابر غير الشرعية التي تُستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح منذ سنوات طويلة.

شهد ملف ترسيم الحدود اللبنانية - السورية خلال الساعات الماضية خرقاً كبيراً بالإعلان من مدينة جدّة عن توقيع اتفاق برعاية ووساطة المملكة العربية السعودية بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسّى ووزير الدفاع السوري مُرهف أبو قصرة، جرى فيه التأكيد على «الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية على أن يُعقد اجتماع متابعة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة المقبلة».

الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)
الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)

مصادر مطلعة رأت أن دخول المملكة العربية السعودية على خط الوساطة بين البلدين «يجعل أي اتفاق أو تفاهم أمكن التوصل إليه ملزِماً للطرفين ويعطيه بُعداً أكثر جدية». وما تجدر الإشارة إليه هنا أن الجيش اللبناني ينشر 4 أفواج على طول الحدود اللبنانية - السورية بعدد عناصر يبلغ نحو 4838 عنصراً، يتوزّعون على 108 مراكز من بينها 38 برج مراقبة مجهزين بكاميرات وأجهزة استشعار ليلية، كما كان قد أعلن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. إلا أن هذا الواقع لم يحُل دون مواجهات عنيفة شهدتها هذه الحدود بدأت بين العشائر، وانضم إليها «حزب الله» قبل أن تتحوّل بين الجيش اللبناني وقوات الأمن السورية؛ ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص في لبنان و3 من الجانب السوري.

التطورات الميدانية

المناطق الحدودية – في شمال شرقي لبنان بالذات - كانت قد شهدت، بعد سقوط النظام السابق في دمشق، اشتباكات متفرقة بين مهرّبين من الطرفين. وأطلقت قوات الأمن السورية خلال شهر فبراير (شباط) الماضي حملة أمنية في محافظة حمص التي تحدّ شمال لبنان وشماله الشرقي؛ بهدف إغلاق الطرق المستخدمة في تهريب الأسلحة والبضائع. وتتهم هذه القوات «حزب الله» بأنه ينشط في رعاية عصابات التهريب عبر الحدود، وأن المواجهات المسلحة التي خاضتها على الحدود الشرقية للبنان شارك فيها عناصر الحزب بشكل مباشر. غير أن قيادة «حزب الله» نفت أي علاقة له بالموضوع.

وفي منتصف الشهر الحالي، بعد مواجهات دامية بين الطرفين على أثر اتهام سوريا عناصر «حزب الله» بدخول أراضيها وخطف وقتل ثلاثة من أفراد الجيش السوري، دخل الجيش اللبناني على الخط بإيعاز من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الذي أعطى توجيهاته بالردّ على مصادر النيران والانتشار في بلدة حوش السيد علي التي شهدت أعنف المواجهات. ومن ثم، أوكل الرئيس عون وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي التواصل مع السلطات السورية لحل الأزمة، قبل أن يتسلّم وزير الدفاع منّسى الملف.

الترسيم أولاًفي أي حال، يرى كثيرون أن حل الأزمة الحدودية بين البلدين تبدأ بترسيم الحدود. وحقاً، هذا ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي في عام 2006، وحمل الرقم 1680، ولحظ إلى جانب الترسيم إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، كما أكد على وجوب نزع سلاح الميليشيات. غير أن سوريا رفضت، يومذاك، القرار، واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، بينما رحّب به عدد من الدول الغربية بجانب الحكومة اللبنانية.

قوات في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان (آ ب)
قوات في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان (آ ب)

العميد المتقاعد خليل الحلو، الباحث اللبناني في الشؤون السياسية والاستراتيجية، يرى أن «مسألة ترسيم الحدود مع سوريا ليست مسألة طوبوغرافية حصراً، إنما لها بُعد اجتماعي باعتبار أن لدى كثيرين من اللبنانيين أملاكاً في الجهة السورية من الحدود، ما يتطلب نقاشات ومفاوضات طويلة». ويلفت الحلو في لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «القضية لا تُحل على مستوى وزيري الدفاع أو الجيشين اللبناني والسوري، بل تحتاج إلى مؤتمر قمة بين رئيسي جمهورية البلدين يضم وزراء متخصصين، وهي ورشة إذا ما انطلقت قد تستمر لسنوات».

وفق الحلو، فإن «تطبيق القرار الدولي 1680 مرتبط بشكل أساسي بقدرة الجيش اللبناني على الانتشار لضبط الحدود. وراهناً لديه 4 أفواج حدود برّية وعشرات أبراج المراقبة، كما يمتلك سلاح جو. وبالتالي، إذا ما كُلّف فعلياً ضبط الحدود عبر قرار سياسي واضح، لا بالكلام وحده، فهو قادر على ذلك، من دون تناسي أدوار الأجهزة الأمنية الأخرى في هذا المجال».

للعلم، تربط لبنان وسوريا 6 معابر نظامية، هي:

- معبر المصنع الذي يربط بين بيروت ودمشق من جهة البقاع الشرقي

- معبر جوسية الواقع بين بلدة القاع اللبنانية ومدينة القصير السورية

- معبر مطربا شرقي مدينة الهرمل اللبنانية

- معبر الدبوسية بشمال لبنان

- معبر تلكلخ غربي محافظة حمص، مقابل منطقة وادي خالد في عكار

- ومعبر العريضة قرب الشاطئ الذي يؤدي من شمال لبنان إلى مدينة طرطوس السورية.

أما المعابر غير الشرعية فتعدُ بالمئات.

الرؤية السورية

في هذه الأثناء، ترى جهات رسمية لبنانية، فضَّلت إغفال ذكر هويتها، أن السلطة الجديدة في سوريا «لا تبدو متحمسة أو مستعجلة» لبت الملفات العالقة مع لبنان، سواء الملف الحدودي أو ملف اللاجئين أو سواها من الملفات؛ نظراً لأن أولوياتها لا تزال محصورة بضبط الوضع في الداخل السوري، ومعالجة مئات الملفات لتسهيل أمور الناس داخل البلاد. وتشير مصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود علامات استفهام حول قدرة السلطات الجديدة هناك من الإمساك بكامل الأراضي السورية وضمناً الحدود.

في المقابل، توضح السياسية والباحثة السورية - الأميركية الدكتورة مرح البقاعي لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة الجديدة في سوريا لا تزال في مرحلة التأسيس؛ إذ لم يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر». ومن ثم تتطرق إلى «الكثير من القضايا والمشكلات العالقة في الداخل السوري، خصوصاً بعد سقوط نظام استبدّ بالحكم لمدة خمسين سنة ونصف السنة. لذلك؛ حتى الآن، لم يكتمل المشهد الداخلي السوري بصورته الرسمية والإجرائية».

وترى البقاعي أن «الاشتباكات عبر الحدود هي في منطقة لطالما كانت غير مستقرة لعقود. ثم أنها كانت تحت سيطرة النظام السابق في سوريا، شهدت تفاعلات معقدة، إذ كانت بعض العشائر المحلية على وفاق مع النظام الذي رحل، كما كان لها علاقات مع (حزب الله) في لبنان. هذه العشائر كانت تعمل على طرفي الحدود، وتعتمد بشكل أساسي على التهريب مصدراً للموارد».

وبحسب البقاعي، «تكمن المشكلة الأساسية في هذه المنطقة الحدودية - وتحديداً في المنطقة الشرقية - في غياب الأمن والسيطرة الفعلية، حيث تنتشر عصابات التهريب التي اعتاشت لعقود على هذه الأنشطة في ظل غياب أي تنمية حقيقية. ومع الواقع الجديد في البلدين، أتت الاشتباكات نتيجةً مباشرة لمحاولة الأطراف الجديدة فرض سيطرتها».

أما عن رؤيتها للحل، فتقول الباحثة السورية - الأميركية إنه «من الضروري البدء بوقف عمليات التهريب، لكن الحل الجذري يتطلب العودة إلى مسألة ترسيم الحدود بين البلدين. وهذا أمر معقّد وسيأخذ وقتاً؛ إذ إنه مرتبط بالوضع الإقليمي ككل، وليس فقط بالحدود اللبنانية - السورية، بل يشمل أيضاً الحدود اللبنانية مع إسرائيل».

وللعلم، تعدّ مصادر نيابية لبنانية أن وضع الحدود السورية الراهن مرتبطاً إلى حد كبير بوضع الحدود الجنوبية. وتشير لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود قرار أميركي - إسرائيلي حاسم بتضييق الخناق على (حزب الله)، وقطع كل طرق إمداده بكل الوسائل، ومن هنا تُفهم عمليات القصف الإسرائيلي التي نشهدها للحدود الشرقية بين الحين والآخر».

ولادة متعسّرة

في الحقيقة، بعد سقوط النظام في سوريا، كانت هناك خشية لبنانية كبيرة من تفلّت أمني ينسحب على لبنان. وظلّت السلطات في بيروت تراقب من بعيد التطورات إلى أن قرّر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي زيارة دمشق للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن اللقاء بقي دون نتائج. وعملية.

أيضاً، عُقد لقاء بين الشرع وعون على هامش القمة العربية في مارس (آذار) الحالي، شدَّدا خلاله على ضرورة ضبط الحدود بين البلدين. لكن المواجهات المسلحة التي تلت اللقاء أكدت أن الملف يتطلب معالجة أعمق وعلى المستويات كافة.

هنا لا تُنكر مرح البقاعي أن «العلاقات السورية - اللبنانية تشهد ولادة متعسّرة، سواءً في سوريا بعد سقوط النظام، أو في لبنان بعد الفراغ الحكومي الطويل. وكلا البلدين في حاجة ماسة إلى التعاون في مختلف المجالات، وأهمها المجال الأمني».

وهي ترى أيضاً أن «ما يمنح الدولة السورية الجديدة شرعية كبيرة، ويجعل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، يثق بها، هو أن بعض المجموعات التي كانت في السلطة سابقاً والمصنّفة على قوائم الإرهاب لم تعُد جزءاً من المشهد». وتتابع أن «الدول الأوروبية بدأت بالتعامل بشكل إيجابي مع الدولة الوليدة في سوريا. والسبب الرئيس لهذا التغير هو قدرة السلطات الجديدة في سوريا على إنهاء وجود حزب الله والميليشيات الإيرانية في البلاد خلال وقت قياسي... وهذا إنجاز يحسب لها، ليس فقط على المستويين الدولي والإقليمي، بل أيضاً بالنسبة للشعب السوري نفسه. إذ تم تحرير سوريا، وحياتها العامة، ومجتمعها من قبضة النفوذ الإيراني، الذي تسبّب في حالة من الفساد وانعدام الاستقرار لعقود طويلة».