ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

تتحدّر من أصول عراقية كاثوليكية كلدانية

ألينا حبّة
ألينا حبّة
TT

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة

منذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منتصف عام 2015 الترشّح للمرة الأولى في سباق الرئاسة الأميركية، كان يؤخذ عليه تعامله مع النساء، ولم يتوانَ عن توجيه النقد لهنّ، وبالأخص، اللاتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي. ورغم محاولات ترمب تصوير الاتهامات التي وُجّهت وتوجّه إليه، بأنها «اضطهاد سياسي»، لم يستطع التخلي عن أسلوبه الخاص في تقريع منافسيه، حتى ولو أفقده ذلك ميزات لا يزال الناخبون الأميركيون - ولا سيما قاعدته الشعبية - يرون أنها قد تكون كافية لتمكينه من العودة إلى البيت الأبيض. وهو بدلاً من التطرق إلى المواضيع التي يقول الناخبون إنهم يهتمون بها كثيراً، فإنه غالباً ما كان - ولا يزال - يتورّط في مواجهات بدت خياراً استراتيجياً، وسط خوضه سباقاً محتدماً مع نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، ويواجه ما يمكن أن يكون فجوة تاريخية مع النساء، وسط سعيه لجذب الناخبات في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع تسلّم كمالا هاريس لواء ترشيح الحزب الديمقراطي، وقولها إنها عملت في وقت ما في سلسلة «ماكدونالد» للوجبات السريعة، ثم إعلانها أنها تخاطب النساء مع جيل من أقرانها جئن من بيئات اجتماعية وسياسية «متواضعة»، بدأ السباق على كسب أصوات الناخبات، وكأنه مواجهة مع فئة أخرى من النساء... يسعى ترمب من خلالهن إلى تغيير الصورة النمطية التي وسمت علاقته بهنّ.

هكذا، صعدت سارة ساندرز هاكابي، حاكمة ولاية أركنسو والناطقة السابقة باسم البيت الأبيض، ولورا لومر، مناصرة «نظريات المؤامرة» اليمينية المتطرفة، والمحامية ألينا حبّة. والثلاث آتيات من أصول «أرقى» اجتماعياً إلى دائرة الضوء، في مسعى من الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري، لجَسر الهوة التي يعانيها ترمب مع الناخبات، عبر الدفع بهن إلى مواقع متقدمة في حملته الانتخابية.

قبل نحو 3 أشهر، أعلنت حملة ترمب أن ألينا حبّة، المحامية والناطقة القانونية باسمه، باتت مسؤولة عن دور رئيسي جديد، سيكون محوَرياً في إعادة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وراهناً، تعمل حبّة «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب، وهذه ترقية تأتي بعد حصولها على اعتراف وطني بدورها القانوني في فريقه على مدى السنوات القليلة الماضية. وبالتالي، غدت حبّة من العناصر الرئيسية في فريق الرئيس السابق، وقد تلعب دوراً محورياً في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، مرّة أخرى.

إلا أن صعود ألينا حبّة، المحامية الأميركية ذات الأصول العراقية، يسلّط الضوء على كثرة من الأميركيين ذوي الأصول العربية المهاجرة ومسيراتهم، الذين انحازوا إلى الخطاب الشعبوي المناهض للهجرة.

عن ألينا حبّة؟ولدت ألينا سعد حبة عام 1984 في مدينة ساميت بولاية نيوجيرسي، لوالدين من الكاثوليك الكلدانيين الذين فرّوا من العراق في أوائل الثمانينات، أما والدها فهو الدكتور سعد حبّة، الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي.

تخرّجت ألينا في مدرسة كينت بليس الخاصة في نيوجيرسي عام 2002. ثم التحقت بجامعة ليهاي المرموقة، في ولاية بنسلفانيا، وتخرّجت فيها عام 2005 بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد التخرج، عملت بين عامي 2005 و2007، في صناعة الأزياء وإنتاج الإكسسوارات والتسويق مع شركة «مارك جاكوبس» إحدى العلامات التجارية الرائدة في أميركا. وقالت في تصريح لها، إنها على الرغم من استمتاعها بصناعة الأزياء، قررت مواصلة تعليمها العالي، والالتحاق بكلية الحقوق، لأسباب مالية. وبالفعل، حصلت على إجازة في القانون جامعة وايدنر، القريبة من مدينة فيلادلفيا، عام 2010. ومن ثم، عملت لفترة وجيزة كاتبةً قانونية لدى قاضي المحكمة العليا في نيوجيرسي آنذاك، يوجين كودي الابن، ثم رئيسة للمحكمة المدنية العليا في مقاطعة إسكس بنيوجيرسي، من عام 2010 إلى عام 2011.

بدأت حبّة عملها الخاص محاميةً في نهاية 2011، عندما انضمت مساعدةً في شركة «تومبكن ماغواير»، حتى بداية 2013. وبعدها التحقت بشركة محاماة أسسها زوجها السابق حتى عام 2020، قبل أن تغادرها وتؤسس شركتها الخاصة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تشغل حبّة حالياً منصب الشريك الإداري لشركة «حبّة مادايو وشركاؤهم» القانونية، وتتمتع بخبرة في التقاضي وتأسيس الشركات، والعقارات التجارية، وقانون الأسرة، وصناعة الخدمات المالية والقضايا المتعلقة بالبناء.

وفي سياق متّصل، حصلت ألينا حبّة على رخصة لممارسة المحاماة في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونكيتيكت. وعملت محاميةً رئيسية في ثلاث قضايا، منها دعوى جماعية فيدرالية ضد دار رعاية في نيوجيرسي متهمة بارتكاب العديد من مخالفات الإهمال وانتهاكات الاحتيال على المستهلك. وشغلت أيضاً منصب المستشار العام لشركة تدير مرائب السيارات مملوكة من زوجها الثاني غريغ روبن.

التقرّب من ترمبسياسياً، يرى البعض أن ميول حبّة سرعان ما برزت عبر محاولتها التقرّب من الرئيس السابق. وكانت قد انضمت عام 2019 إلى نادي ترمب الوطني للغولف بيدمينستر في نيوجيرسي، وتعرّفت عليه هناك.

غير أنها لم تتولَ أي عمل قانوني لصالح ترمب عندما عيّنها، خلال سبتمبر (أيلول) 2021، ضمن فريقه القانوني لتحلّ محل العديد من المحامين المعروفين الذين عملوا لدى ترمب لسنوات عديدة، قبل انسحابهم من خدمته، ومنهم مارك كاسويتز، وتشارلز هاردر، وجوانا هندون، ومارك موكاسي، وجاي سيكولو ولورانس روزين.

وبعد فترة وجيزة، رفعت حبّة دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابةً عن ترمب ضد صحيفة «النيويورك تايمز»، وثلاثة مراسلين للصحيفة، وابنة أخت ترمب، ماري ترمب. إلا أن القاضي ردّ الدعوى. ثم عملت حبّة لصالح ترمب في القضية التي كانت رفعتها سومر زيرفوس ضده عام 2017 بتهمة التشهير. وفي ذلك العام رمى ترمب زيرفوس بـ«الكذب»، بعدما اتهمته بتقبيلها وملامستها من دون موافقتها، عندما كانت متسابقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «ذي أبرينتيس».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رفعت حبّة دعوى مضادة ضد زيرفوس؛ بحجة أنها كانت تحاول خنق حق ترمب في حرية التعبير، لكن القضية أوقفت بعدما سحبت زيرفوس دعوتها.

محامية ترمب الأولىوهكذا، حظيت حبّة بثقة ترمب، بعدما ساعدته ومثّلته في دعاوى قضائية عدة، بينها قضية التصريح الكاذب لقيمة أصوله التي طلبت منه البنوك تقديمها سنوياً للتأكد من أن لديه الأموال الكافية لسداد قروضها. واستأنفت دون نجاح أمر محكمة يطلب من ترمب وأبنائه الإدلاء بشهادة تحت القسم حول التقييمات التي وقّعوا عليها عند تقديم تلك الإقرارات. وبعدما استجوبت ليتيشيا جيمس، المدعية العامة لنيويورك، ترمب في أغسطس (آب) 2022، قادت حبّة الدفاع عنه، لينقل عنها لاحقاً إدلاؤها بتعليقات عنصرية ضد جيمس، واصفة إياها بـ«العاهرة السوداء»، وأنها «شخص مريض».

بعدها، في سبتمبر 2022، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية دعوى رفعتها حبّة لمصلحة ترمب ضد هيلاري كلينتون وجون بوديستا (الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي) وجايك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي)، وديبي واسرمان شولتز، والعديد من المسؤولين الديمقراطيين، للمطالبة بتعويضات عن أدوارهم المزعومة في التخريب على حملته الرئاسية عام 2016.

وخلص القاضي إلى أن شكوى ترمب لم تكن كافية من جميع النواحي، محتفظاً بالحق في فرض عقوبات على محامي ترمب. وهو ما حصل بعد شهرين، حين فرض غرامات عليهم، من بينهم ألينا حبّة، ومايكل ماديو، وبيتر تيكتين وجيمي آلان ساسون. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أمر القاضي كلاً من ترمب وحبّة وشركتها بدفع 938 ألف دولار تكاليف قانونية لـ31 متهماً، بينهم اللجنة الوطنية الديمقراطية وهيلاري كلينتون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. هذا، وكانت حبّة، أحد أعضاء فريق الدفاع عن ترمب في قضية «شراء الصمت» التي رفعتها ضده وربحتها ممثلة أفلام إباحية، وغرّم عليها بقيمة 83.3 مليون دولار.

أبواب الشهرة والثروة... فُتحتلا شك في أن تعيين ترمب ألينا حبّة محامية له، فتح أمامها أبواب الشهرة والثروة، لتبرز على الساحة العامة باعتبارها، أبرز الناطقين باسمه والمدافعين عنه. وهي الآن مستشارة أولى للجنة العمل السياسي في حركة «ماغا» (لنعيد أميركا عظيمة) الناشطة لدعم إعادة انتخابه، الأمر الذي رفع ثروتها الشخصية؛ إذ تجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار، وحصلت على أكثر من 3.5 مليون دولار مقابل عملها مستشارةً، وفقاً لشبكة «إيه بي سي نيوز».

أيضاً، منذ أصبحت حبّة مساعدة قانونية رئيسة لترمب، انجذبت أكثر فأكثر إلى دائرته، وصارت من الشخصيات التي يتكرر ظهورها في نواديه، بنيوجيرسي وفلوريدا. وفي عيد ميلادها خلال فبراير (شباط)، نشرت صورة لها جالسة إلى جانبه.

وبعد كلمة حبّة في الليلة الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، يوم 15 يوليو (تموز)، وإثر تعرّض ترمب لمحاولة الاغتيال الأولى، قالت لشبكة «فوكس نيوز» عندما سُئلت عن شعورها إزاء الضمادة التي وضعها على أذنه المصابة ودخل قاعة المؤتمر وسط هتافات مؤيديه وتصفيقهم: «أعتقد أن أفضل كلمة لوصف ذلك هي تأثّرت... أعتقد أن أميركا يمكن أن ترى أن الرئيس ترمب مختلف اليوم». وتابعت: «لم أظن قَطّ في حياتي أنني سأعيش ذلك، ناهيك بأن أعيشه وأقول هذا صديقي... كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي. إنه أمرٌ مؤلم، لكنني فخورة به».

صوت ترمب في المستقبلعدّت حبّة ترقيتها إلى «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب بأنها «شرف عظيم»، وتعهّدت بأنها ستوفر لها، كأم، الفرصة لمناقشة القضايا المهمة للنساء في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت استعدادها لمواصلة دورها محاميةً له، في القضايا الجارية التي تشارك فيها، لكنها تخطط أيضاً لأن تصبح الآن «صوتاً للرئيس ترمب» من أجل التكلّم عن مجموعة واسعة من القضايا.

يبقى القول، أن حبّة تصف نفسها، كاثوليكيةً، بأنها «متدينة للغاية»؛ ما يجعل رسالتها المحافظة قريبة من اتجاهات كثيرين من المسيحيين العرب الأميركيين، الذين يعتبرون ترمب ممثلاُ لهم في هذا المجال. وهي، رغم تمكّنها من الحفاظ على خصوصية حياتها العائلية حتى الآن، فقد قالت في نوفمبر الماضي لصحيفة «النيويورك بوست» اليمينية إن لديها ثلاثة أطفال، مراهق يبلغ من العمر 14 سنة، وابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وابنة تبلغ سبع سنوات من زوجها الأول ماثيو آيت، الذي تطلقت منه عام 2019. وفي عام 2020 تزوّجت من غريغ روبن، زوجها الثاني، ويعيشون في برناردزفيل بنيوجيرسي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن حبّة تعتبر صديقة مقربة من إريك نجل دونالد ترمب. وظهرت مع كيمبرلي غيلفويل، خطيبة دونالد ترمب «الابن» في العديد من المناسبات.


مقالات ذات صلة

مكافأة أميركية بقيمة 20 مليون دولار للقبض على ضابط إيراني

الولايات المتحدة​ مبنى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن (أرشيفية - رويترز)

مكافأة أميركية بقيمة 20 مليون دولار للقبض على ضابط إيراني

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الخميس عن مكافأة تصل إلى 20 مليون دولار في مقابل معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على ضابط من «الحرس الثوري» الإيراني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يُلوّح بيده بعد إلقاء كلمة خلال نشاط انتخابي في تاكسن أريزونا 12 سبتمبر (أ.ف.ب)

أريزونا... ولاية بنفسجية تهيمن عليها قضيتا الهجرة والإجهاض

تحظى أريزونا باهتمام من المرشحيْن للانتخابات الأميركية؛ نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب بوصفها رمزاً لقضيتي الهجرة والإجهاض المحوريتين.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب لدى مشاركته في فعالية انتخابية بنورث كارولاينا يوم 25 سبتمبر (أ.ف.ب)

ترمب يعود إلى موقع محاولة اغتياله الأولى... ويهدد إيران بـ«الدمار»

يعتزم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة، العودة مجدداً إلى الموقع الذي تعرض فيه لمحاولة اغتيال في 13 يوليو (تموز).

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وزوجته ميلانيا (د.ب.أ)

ميلانيا ترمب: نجاة زوجي من محاولتي اغتيال «معجزة حقيقية»

وصفت ميلانيا ترمب نجاة زوجها، الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية، دونالد ترمب من محاولتَي اغتيال بأنها «معجزة حقيقية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب (أ.ب)

بعد محاولة اغتياله... ترمب يعود مجدداً لعقد تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا

أعلن المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترمب عن نيته الظهور مجدداً في الموقع الذي تعرض فيه لمحاولة اغتيال في يوليو (تموز) الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق تواجه أخطر أزماتها

السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
TT

الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق تواجه أخطر أزماتها

السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)

على الرغم من كونها أكثر كتلة برلمانية عدداً وتنتمي إلى المكون المذهبي الأكبر في البلاد، لا تبدو قوى «الإطار التنسيقي» التي تمثّل الحاكمية الشيعية في العراق في أحسن حالاتها؛ ففي الوقت الذي لا يمرّ أي رئيس جمهورية أو رئيس برلمان إلا من خلال موافقتها، سواء كانت داخل البرلمان كونها الأكثرية في البرلمان، أو بالفضاء الوطني كون الشيعة يمثلون غالبية عدد سكان العراق؛ فإن أصعب المشاكل التي بدأت تعانيها ليست مع الشركاء (الكرد والعرب السنّة) مثلما كانت عليه الحال عقب سقوط النظام السابق عام 2003، بل من داخلها. يعرف مُتابع الشأن العراقي أن القوى الشيعية تحتكر المنصب الأول في الدولة، ألا وهو رئاسة الحكومة، وهذا احتكار عُرفي لا وجود له في الدستور. والشيء نفسه ينطبق على منصب رئيس الجمهورية المحجوز للكُرد، ورئاسة البرلمان المخصّصة للعرب السنّة. بيد أن الخلاف بشأن منصب رئيس الوزراء داخل أوساط القوى الشيعية دبّ منذ أيام رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي؛ ذلك أن الكاظمي جاء عقب مظاهرات كبرى هزّت النظام السياسي في البلاد، وأدّت فضلاً عن استقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، إلى سقوط مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى، معظمهم من المناطق و«الحواضن» الشيعية التي تقول الحاكمية الشيعية إنها تمثّلهم. والحال أن الأوضاع السياسية في العراق، أثّرت كثيراً على البعد الاجتماعي والوطني، وعبّرت عنها الشعارات التي رفعتها مظاهرات تشرين الأول (أكتوبر)، وأبرزها: «نريد وطناً».

مقتدى الصدر (ا ف ب/غيتي)

يمكن القول إن العملية السياسية التي أسّسها الوجود الأميركي عام 2003، بعد إسقاط الرئيس السابق صدام حسين ونظامه، لم تنتج حتى الآن بعد مرور 21 سنة «نظاماً سياسياً مؤسساتياً». وهذا، مع أن ما أُنتج «شكل نظام» يقوم على قواعد عمل ديمقراطية تحكمها انتخابات دورية ثابتة، وتفرز حكومات تتشكّل في ضوء نتائج الانتخابات. وصَدَق هذا على الانتخابات الأخيرة، التي فاز فيها «التيار الصدري» بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً)؛ إذ تمكّن الصدر من تشكيل الحكومة بـ«تحالف وطني عابر» قوامه تياره (الشيعي)، متحالفاً مع كتلة سنّية كبيرة تضم حزب «تقدّم» بزعامة محمد الحلبوسي، وكتلة كردية كبيرة متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ومع ذلك لم يتمكن من تشكيل الحكومة التي أرادها الصدر أن تكون حكومة غالبية وطنية «لا شرقية ولا غربية» طبقاً للشعار الذي رفعه، وهو الأمر الذي أدّى إلى انسحابه من البرلمان.

هذا الانسحاب جاء مع تعزيز القوى الشيعية المعارضة له مكانتها. ولكن هذا التطوّر لم يترجَم إلى تحوّل هذه القوى إلى كتلة سياسية تعمل بموجب نظام داخلي وسياقات عمل تنظيمية واضحة المعالم. وللعلم، تنضوي هذه القوى في كتلة «الإطار التنسيقي» التي تضم أبرز القوى الشيعية المعروفة مثل: «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«فيلق بدر» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وتيار «الحكمة» بزعامة عمّار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، وشخصيات شيعية أخرى مثل فالح الفيّاض وهمام حمودي.

الخوف من السودانيبعد انسحاب الصدر، الذي «ترك الجمل بما حمل» لقوى «الإطار التنسيقي»، اختارت الأخيرة محمد شيّاع السوداني، المهندس الزراعي ورجل الدولة، ليرأس الحكومة. وميزة السوداني لجهة اختلافه عن معظم القيادات العراقية التي تولّت مناصب عليا، بما فيها رئاسة الحكومة، أنه تدرّج في الوظيفة العمومية من أدنى مستوياتها إلى أعلاها؛ إذ بدأ موظفاً زراعياً في زمن صدام حسين، ثم أصبح قائمقاماً لأحد أقضية محافظة ميسان بعد عهد صدام، ثم محافظاً لميسان، فوزيراً لنحو 5 وزارات قبل تكليفه بتشكيل الحكومة أواخر عام 2022.

أيضاً من المُفارقات في وضع السوداني أنه رُشّح لرئاسة الحكومة مع أن كتلته تضم نائبين فقط في البرلمان، وكذلك أنه حقق سلسلة نجاحات خلال السنتين الأخيرتين، بدأت تثير المخاوف لدى الأوساط السياسية الشيعية. فالرجل نجح في إنجاز نسب كبيرة من برنامجه الحكومي، وحاز رضًى سياسياً ووطنياً عاماً تمثّل بدعم كامل من قبل العرب السنّة والكرد. وفي المقابل، صار الخوف الأكبر لدى قوى «الإطار التنسيقي» هو أن يشكّل السوداني في أي انتخابات مقبلة كتلة كبيرة تهدّد مكانة العديد من تلك القوى، وقد تمهّد لحصوله على ولاية ثانية. وما حصل أخيراً على صعيد ما سُمّي بـ«شبكة جوحي»، التي على أثرها اعتُقل عدد من الموظفين في مكتب السوداني، خلط الأوراق كثيراً داخل المكوّن الشيعي بالدرجة الأولى.

حول هذه المسألة، بالذات، لا علاقة للكرد والعرب السنّة بهذه القصة، التي تتضمّن تسريبات صوتية وتسجيلات تتعلّق بقيادات شيعية. وهو ما عدّه كثيرون بمثابة تهديد للمكانة التي يحتلها موقع رئيس الحكومة في العراق بوصفه المنصب التنفيذي الأول في البلاد. وبغض النظر عن كون التسريبات - التي هي الآن أمام القضاء - محصورة بقيادات شيعية فقط، فإن أي تأثير على موقع رئاسة الحكومة قد يؤثر على مجمل العملية السياسية، وبالتالي يُلحق الضرر بالقوى السياسية من مختلف المكوّنات. وفي هذا السياق، مع أنه لم تظهر نتائج التحقيقات في هذه القضية بعد، تُبذل حالياً مساعٍ مستمرة بين القيادات الشيعية للملمة الأمر ومنع توسّعه؛ لأن من شأن أي تداعيات أخرى لهذا الملف تهديد الحاكمية الشيعية بالدرجة الأولى، التي باتت تعاني الآن أخطر أزمة منذ تولّيها السلطة عام 2003.

صمت الصدر لتاريخه، لم يعلّق مقتدى الصدر على ما حصل خلال الأيام الأخيرة داخل «البيت الشيعي»، الذي يُعد هو وتياره الكبير جزءاً أساسياً منه، حتى وإن لم يعُد جزءاً من كتلة «الإطار التنسيقي» التي شُكّلت بعد انسحاب الصدر أواخر عام 2021. وللعلم، كان «البيت الشيعي» قد مرّ خلال العقدين الماضيين من التغيير في العراق بعدة مراحل على صعيد الوصف الذي يحدّد مكانته داخل العملية السياسية في العراق.

في المرحلة الأولى، بعد تغيير النظام، تشكّل ما سُمّي «البيت الشيعي» الذي برز فيه رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» الراحل أحمد الجلبي (تُوفّي عام 2015)، مع أن الجلبي ترأس تجمّعاً سياسياً طابعه العام علماني. غير أن قصة «البيت» لم تستمر طويلاً بعد تراجع أهمية الجلبي، الذي كان يرى دوره هو الأهم على صعيد إقناع الأميركيين بإسقاط نظام صدام حسين؛ ذلك أنه بعد بروز الأحزاب الإسلامية التقليدية، مثل «حزب الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» و«التيار الصدري» و«بدر» و«عصائب أهل الحق»، بقي الجلبي على الهامش حتى وفاته المفاجئة والغامضة عام 2015. وإثر انتهاء ما سُمّي «البيت الشيعي» الأصلي، شُكّل «الائتلاف العراقي الموحّد» الذي حصد معظم نتائج انتخابات عام 2005، ومن بعده تشكل «التحالف الوطني» الذي انتهى عملياً عام 2018.

ثم، بعد المظاهرات الكبرى، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، انقسمت القوى الشيعية، خصوصاً، بعد صعود «التيار الصدري» وزعيمه مقتدى الصدر، الذي ظل يتصدر نتائج الانتخابات حتى عام 2021؛ إذ حصل على 73 مقعداً. وبعدما انسحب، اضطرت القوى الشيعية إلى تكوين ما يُطلق عليه اليوم «الإطار التنسيقي» كجهة تنسيقية توحّد مواقف القوى الشيعية الرئيسية، وهي عملياً الكتلة البرلمانية الكبرى تمثيلاً التي جاءت برئيس الوزراء الحالي السوداني.

زعيم «التيار الصدري»، الذي يُنظر إليه كقائد لأكبر تيار شيعي، لم يعلن بعد موقفاً واضحاً من إمكانية مشاركته في الانتخابات المبكرة. لكنه عندما أعلن العام الماضي عن تغيير تسمية «التيار الصدري» إلى «التيار الوطني الشيعي»، شعرت القوى السياسية - وفي مقدّمها القوى الشيعية - أنه عائد لا محالة إلى الانتخابات المقبلة المقررة بنهاية عام 2025. لكن الأهم أن الصدر لم يعلّق على أقوى «هزّة» تعرض لها البيت الشيعي الحاكم منذ عام 2003، والتي تمثلت بسلسلة من الفضائح المالية والسياسية غير المتوقعة بالطريقة التي حصلت بها أو تداعياتها المنتظرة.

ومع أن الحراك السياسي خلال السنة قبل الأخيرة من حكم السوداني اتجه نحو الانتخابات، سواء كانت مبكرة أو في موعدها بنهاية العام المقبل - فضلاً عن الجدل حول القانون الانتخابي - فإن القاسم المشترك على صعيد هذا الحراك هو الصدر. وهذا مع أن الصدر، كما سبق، لم يعلن رسمياً اعتزامه المشاركة في الانتخابات، لا هو شخصياً ولا أي من القيادات الصدرية المعروفة.

«الإطار التنسيقي»أما «الإطاريون»، قبيل سلسلة الهزات التي لحقت بهم أخيراً، فكانوا يتسابقون على تقديم ما يبدو «رغبات قوية» في التحالف مع الصدر، وعلى رأسهم «دولة القانون» بزعامة المالكي... الذي يرى أن الخطر الأكبر عليه في الانتخابات المقبلة يأتي من السوداني لا من الشركاء الآخرين في «البيت الشيعي».

وللتذكير، السوداني كان محسوباً على «دولة القانون» و«حزب الدعوة» قبيل انشقاقه عن المالكي، إلا أنه تحوّل الآن إلى رقم صعب بعد النجاحات التي حققها كرئيس للحكومة؛ ولذا تحاول القوى الشيعية المنافسة الحد من قوته بعد ظهور «شبكة جوحي». من جهة أخرى، في حال نسج تحالف بين السوداني والصدر، فإن هذا يعني بروز ائتلاف كبير ولو كان تحت اسم «شيعي»، قد يكرّر تجربة «التحالف الثلاثي» بين الصدر والبارزاني والحلبوسي... الذي فشل بسبب «الثلث المعطّل».

مع هذا، المتغير الأهم على صعيد هذه المسألة أن خطورتها لم تعُد تقتصر على المالكي وائتلافه، بل تشمل كل قوى «الإطار التنسيقي». وبالفعل، اندفعت قيادات «الإطار» إلى البحث عن نقاط خلل في أداء السوداني وتطلعاته، بدءاً بقضية انسحاب القوات الأميركية من العراق، ومروراً بسلسلة من القضايا الأخرى، ووصولاً إلى «سرقة القرن» وهروب نور زهير (المتهم الرئيسي فيها) وتأجيل محاكمته، الأمر الذي عدّته بعض قوى «الإطار» خللاً تتحمل مسؤوليته الحكومة. وهكذا، جاءت قصة التسريبات في مكتب رئيس الحكومة «هدية من السماء» لبعض القيادات الشيعية في «حربها» على السوداني.

هدية خامنئي... وصواريخ بزشكيان

* تتواصل داخل «البيت الشيعي» العراقي مساعي احتواء أزمة التسجيلات التي يمكن أن تضعف القوى الشيعية، بل وتهدد مكانتها في قيادة البلاد. وبالتوازي، عقدت قوى «انتفاضة تشرين عام 2018»، اجتماعاً لها أخيراً بمناسبة قرب ذكرى الانتفاضة، لبحث مسار عملها المستقبلي. وبينما كانت أنظار الجميع تتجه نحو زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق، كأول محطة له بعد تسلمه منصبه، بُذلت وتُبذل محاولات لاحتواء قضية التسريبات أو هروب المتهم الرئيسي بما سُمّي «سرقة القرن»، والاتهامات التي وجّهها رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون إلى القضاء بتعطيل مسار عمل الهيئة اتخذت سياقات مختلفة. وفي حين سعت قيادات شيعية إلى احتواء الأزمة تماماً والخروج منها بأقل الخسائر، مع الاستمرار في دعم الحكومة ورئيسها محمد شياع السوداني، فإن أطرافاً شيعية أخرى داخل «البيت الشيعي» إما تميل إلى تقليص صلاحيات رئيس الحكومة ورفض منحه ولاية ثانية، أو ترفض أي طروحات لا تذهب باتجاه إقالة السوداني. مع أن شيئاً من ذلك لم يظهر إلى العلن، فهذا ما يدور في الغرف السرية للقيادات الشيعية. وإذا كان بعض هذه القوى ينتظر قرارات القضاء كي يحدد موقفه النهائي، فإن المسار العام للأحداث، طبقاً لكل المؤشرات، يتجه نحو التهدئة، لا سيما عقب الزيارة التي قام بها إلى العراق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. زيارة بزشكيان يراها خصوم السوداني الشيعة أنها تصب في مصلحته، غير أن هذه القيادات أياً كانت مكانتها في العراق لا تستطيع في النهاية التأثير في القرار الإيراني. ومن جانب آخر، لم تخلُ زيارة بزشكيان من مفارقات، منها ما لها دلالات رمزية مهمة والأخرى خطيرة. فمن ناحية، ما إن هبطت طائرة بزشكيان واكتملت مراسم الاستقبال الرسمية، حتى تلقى رئيس الوزراء العراقي هدية نادرة من المرشد الإيراني علي خامنئي حملها إليه الرئيس الإيراني. والهدية هي عبارة عن لوحة مكتوبة باللغة العربية من خامنئي شخصياً يشيد فيها بالجهود التي بذلتها الحكومة العراقية في تأمين زيارة محرم الأخيرة، لا سيما المعاملة الحسنة للزوّار الإيرانيين، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة رضًى إيراني كامل ومن أعلى سلطة (أي سلطة المرشد) عن السوداني. مقابل ذلك، قبيل هبوط طائرة الرئيس الإيراني في مطار بغداد بساعات معدودة، استُهدف موقع دعم لوجستي تابع للسفارة الأميركية في بغداد ضمن المطار نفسه. وأدى ذلك إلى إرباك قوي، وإثارة عشرات التساؤلات حول مَن هو المستفيد من إفشال الزيارة ما دام الرئيس الإيراني قريباً من الفصائل المسلحة. وفي هذا السياق، رأت «كتائب حزب الله» - إحدى أبرز هذه الفصائل - على لسان الناطق باسمها أن الضربة الصاروخية على المطار عشية زيارة بزشكيان تهدف إلى التأثير سلباً على الزيارة، داعية بغداد إلى التحقيق فيما حدث.