ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

بعد انتصار حزب «البديل» في ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
TT

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)

قبل 4 سنوات كانت نسبة التأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، على المستوى الوطني، لا تتعدى 12 في المائة. ومع أن تأييده في الولايات الألمانية الشرقية التي كانت تحت الحكم السوفياتي حتى عام 1990 كان أعلى، فهناك أيضاً لم يتخطَّ آنذاك عتبة 20 في المائة. الأمر تغيّر الآن، وبات الحزب المراقَب من قبل الاستخبارات بسبب شكوك بأنه يعمل ضد الدستور والديمقراطية، ثاني أقوى حزب في ألمانيا. فعلى الصعيد الوطني وصلت نسبة التأييد له إلى 17 في المائة متخطياً بشعبيته شعبية الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم الذي تعطيه آخر الاستطلاعات 15 في المائة فقط، ثم إن «البديل من أجل ألمانيا» صار الحزب المفضل في الولايات الشرقية، ويحتل الصدارة منذ أشهر، حيث تتجاوز نسبة تأييده 30 في المائة في بعض الولايات. وأثبتت الانتخابات المحلية في ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا الأحد الماضي شعبية الحزب المتطرف؛ إذ حصد في ثورينجيا نسبة 33 في المائة من الأصوات، وغدت هذه الولاية الأولى التي تعيد حزباً يمينياً متطرفاً إلى الطليعة منذ النازيين. أما في ساكسونيا فحاز الحزب نسبة قاربت 41 في المائة من الأصوات. ولكن رغم هذين الإنجازين لن يتمكّن الحزب من الحكم؛ لكون كل الأحزاب الأخرى ترفض التحالف معه، وهو أمر ضروري في نظام انتخابي يولّد عدداً كبيراً من الأحزاب التي لا تحصد أي منها غالبية مطلقة. ومع أن ألمانيا معتادة على التحالفات، ازداد هذا الأمر صعوبة اليوم في ظل صعود «البديل من أجل ألمانيا» وتنامي شعبيته. ومع أنه لن يحكم في الولايتين رغم حصده عدداً كبيراً من الأصوات، فتمثيله القوي في ولاية ثورينجيا يمكّنه من تعطيل القوانين التي يتطلّب إقرارها ثلثَي الأصوات.

بيورن هوكه زعيم تنظيم "البديل" في ثورينجيا يحيي مؤيديه (رويترز)

شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا»، بلا شك، تتزايد في عموم ألمانيا، لكن الواضح أن ولايات الشرق هي معقله الأول ومركز ثقله الأساسي. وحقاً، محللون كثر قالوا بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة إنها أثبتت أن الهوة بين الولايات الشرقية والغربية تتزايد، وإن ولايات الشرق ما زالت مشكلة بالنسبة لألمانيا. وقد يكون في هذا شيء من الحقيقة.

لقد أظهرت دراسة نُشرت الصيف الماضي وأجرتها جامعة لايبزيغ - التي تقع في ولاية ساكسونيا (شرق) - أن نصف سكان الولايات الشرقية «يتوقون لحكم الرجل القوي» أو لقيادة «حزب واحد»، وفي هذا أصداء للعقود التي عاشها سكان تلك الولايات تحت الحكم السوفياتي. كذلك بيّن البحث «تشكيكاً كبيراً» بالديمقراطية لدى سكان الولايات الشرقية حيث يعيش نحو خُمس سكان ألمانيا. وقال نصف المُستَفتين إنهم يؤيدون حظراً على استقبال المسلمين، في حين أيد 70 في المائة منهم مزاعم المُعادين للأجانب بأن هؤلاء يأتون إلى ألمانيا لاستغلال نظام الرعاية الاجتماعي. وفي المقابل، وجد البحث أن الأفكار المعادية للسامية منتشرة جداً، وأن واحداً من كل 3 مستفتين يرى أن «تأثير اليهود ما زال كبيراً جداً». وبذا استخلص معدّو البحث أن «رسائل الأحزاب اليمينية المتطرفة تجد أصداء قوية عند جزء كبير من السكان» في الشرق.

حزب زارا فاغنكنشت

من جهة ثانية، بيّنت الحصيلة ليس فقط تقدم حزب «البديل» في الانتخابات الأخيرة، بل أيضاً بروز حزب جديد يحمل الكثير من أفكار «البديل»، أسسته الزعيمة السابقة لحزب «دي لينكا» اليساري المتطرف زارا فاغنكنشت إثر انشقاقها عن حزبها.

يحمل الحزب الجديد الذي أُسس مطلع العام اسم زعيمته، المولودة في مدينة يينا بولاية ثورينجيا، والتي عاشت في «جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة»، وكانت ناشطة في الحزب الشيوعي، قبل أن تتحوّل بعد انهيار «جدار برلين» إلى «دي لينكا». ورغم أن حزب «تحالف زارا فاغنكنشت» قام على أسس عقائدية يسارية، فهو يروّج لأفكار يمينية فيما يتعلق بالهجرة، ويؤيد روسيا، ويشكك في حلف شمال الأطلسي (ناتو). هذا الحزب انتزع أصواتاً كثيرة من «دي لينكا» والاشتراكيين وحتى «الخضر»، في ولايتَي ساكسونيا وثورينجيا، وحصل في الأولى على نسبة قاربت 12 في المائة من الأصوات، وفي الثانية على 13 في المائة، ما حوّل الحزب لاعباً أساسياً لا بد من التحالف معه لتشكيل حكومة. لكن، بينما تظهر هذه النتائج أن الهجرة تتصدّر هموم الناخبين في الولايات الشرقية، فإنها تبيّن أيضاً تأثير الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الأوكرانية، والذي يبدو أقسى في ولايات الشرق الأكثر فقراً من ولايات الغرب.

على أي حال، مع أن فاغنكنشت رفضت تحالف حزبها مع «البديل» رغم التشابه الكبير في برنامجيهما إزاء الهجرة ودعم روسيا، عليها الآن الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومتين في الولايتين مع حزب تختلف معه في نقاط كثيرة، هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ إذ حل هذا الحزب اليميني الوسطي الذي قادته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل ثانياً في ثورينجيا بـ23 في المائة من الأصوات، في حين نال في ساكسونيا 32 في المائة؛ أي تخلّف بفارق ضئيل جداً لا يزيد على النقطة عن «البديل».

شرط «مفاوضة» موسكو

فاغنكنشت تشترط على الديمقراطيين المسيحيين والأحزاب الأخرى التي تريد الدخول في تحالف معها، إعلان تأييدها لدعم «مفاوضات سلام» بين روسيا وأوكرانيا، ورفضها خطط الولايات المتحدة بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى ألمانيا العام المقبل وإبقائها على الأراضي الألمانية ضمن قوات «ناتو».

هذا، ومع أن الحكومات المحلية غير معنية بالسياسة الخارجية، تصر فاغنكنشت على تضمين هذه التعهدات في أي ائتلاف حكومي محلي يتشكّل. لكن تعهدات كهذه صعبة بالنسبة للديمقراطيين المسيحيين الذين يؤيدون الدعم الحكومي لأوكرانيا، بل ينتقدون الحكومة «لتقصيرها» بتقديم دعم كافٍ لكييف.

أمام كل هذه الخلافات، يتوقع أن تستغرق عملية تشكيل الحكومتين المحليتين أشهراً من التفاوض تدخل فيها الأحزاب الألمانية تجارب جديدة غير واضحة نهايتها، إلا أنها قد تكون مؤشراً لمستقبل الحالة السياسية التي تغدو اعتيادية في ألمانيا في حال انعكست النتائج، وإن بشكل أقل دراماتيكية، على المستوى الوطني في الانتخابات العامة العام المقبل.

تحليل اتجاهات الشباب

أيضاً، هذه نسبة مرتفعة شكلت مفاجأة لكثيرين. وللعلم، ينشط سياسيو «البديل» على منصة «تيك توك» بكثافة، والحزب من أكثر الأحزاب نجاحاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الشباب.

وفي دراسة أجراها باحثون في جامعة بوتسدام بولاية براندنبرغ (شرق)، حول استخدام الأحزاب لمنصة «تيك توك»، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب، تبين أن نجاح «البديل» على هذه المنصة ساهم على الأرجح بنجاح الحزب في ساكسونيا وثورينجيا. وقال البروفيسور رولاند فرفيبي، أحد مُعدّي الدراسة، إن «الشباب ما بين 16 و24 سنة يحصلون على معلوماتهم السياسية فقط من (تيك توك)، وهذا يجعل المنصة بالغة التأثير». وفي تحليل معدّي الدراسة لبيانات على «تيك توك»، استخلصوا أنه خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، كانت الفيديوهات التي تروّج لحزب «البديل» تصل إلى المستخدمين بكثافة أكبر بكثير من الفيديوهات التي تروّج للأحزاب الأخرى.

وفي تحليلهم، خلق الباحثون 30 حساباً وهمياً لأشخاص مولودين في عام 2006 ويعيشون في ثورينجيا وساكسونيا وبراندنبرغ - التي تجري انتخابات محلية في نهاية الشهر الجاري - وحلل الباحثون أكثر من 75 ألف فيديو ظهر على الحسابات في الأسابيع السابقة للانتخابات. وتبيّن أنه يظهر أمام المستخدمين ما معدله 9 فيديوهات أسبوعياً لحزب «البديل» مقابل فيديو واحد للديمقراطيين المسيحيين أو «تحالف زارا فاغنكنشت»، وأقل بكثير للأحزاب الأخرى.

وأيضاً تبين أن الفيديوهات التي تظهر للمستخدمين لا تتماشى مع أعداد الفيديوهات التي تنتج من قبل الأحزاب. ووجد البحث أن الاشتراكيين، مثلاً، أنتجوا عدداً أكبر بكثير من الفيديوهات المتعلقة بالانتخابات من «البديل»، لكن ذلك لم ينعكس فيما يظهر للمستخدمين. ووفق فرفيبي، فإن أحد الأسباب قد يكون أن شبكة من المستخدمين في منصة «تيك توك» يروّجون لفيديوهات الحزب اليميني المتطرف وهم أنفسهم ينشطون على المنصة بشكل كبير. وبالفعل، حسب دراسة أخرى نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي، فإن «البديل» هو من أكثر الأحزاب الألمانية نشاطاً على «تيك توك».

زارا فاغنكنشت (رويترز)

ملامح قلق اقتصادي

أياً كانت الأسباب، فإن نتائج صعود «البديل من أجل ألمانيا» قد تصبح مرئية أكثر في الولايات الشرقية، حيث بدأت الشركات تتخوف من الآثار السلبية لهذا الصعود على الاقتصاد. وغداة صدور النتائج، قالت مونيكا شنيتزر رئيسة «المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين» معلّقة إن الشركات التي تتخذ من ثورينجيا وساكسونيا مقراً لها «قد تكون في وضع صعب في المنافسة على العمالة الماهرة»، مضيفة أن المؤسسات التعليمية في الولايتين تعاني أصلاً من نقص في العمالة، وهذا الوضع قد يتفاقم نتيجة موقف «البديل» من المهاجرين.

أما مارسيل فراتشير رئيس «المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية»، فقد حذّر من هروب رؤوس الأموال من الولايتين، وقال إن سياسات «البديل» التي تروّج للحمائية الاقتصادية، وخفض الهجرة، وتخفيف التنوع والانفتاح، «قد تؤدي إلى هروب الشركات والعمالة الماهرة».

هذا المناخ المعادي للمهاجرين لم يخلقه فقط «البديل» وحزب فاغنكنشت، بل ساهم فيه أيضاً الاتحاد الديمقراطي المسيحي نفسه، الذي مال خطابه المتعلق بالهجرة إلى الشعبوية، وخاصة منذ انتخاب فريدريش ميرتز زعيماً له. بالطبع، يحاول ميرتز باعتماده خطاباً متشدّداً تجاه الهجرة انتزاع أصوات من «البديل»، لكن هذا الخيار تسبب بمناخ معادٍ للهجرة تفاقم في ولايات الشرق، وبات يخيف أصحاب الأصول المهاجرة. ولكن، إذا كان حزبا فاغنكنشت وميرتز يدعوان للحد من الهجرة، وربما حتى وقف استقبال اللاجئين، فإن «البديل» يذهب أبعد بكثير من ذلك مع أنه قد لا يعكس بتصريحاته العامة خططه لأسباب قانونية؛ إذ إن نيّات الحزب ظهرت في نهاية العام عندما كُشف عن اجتماع سرّي شارك فيه نواب من الحزب ومستشار زعيمته أليس فايدل، ناقش ترحيل ملايين المهاجرين من ألمانيا، بينهم مَن يحملون جنسيات ألمانية، لكنهم يتحدّرون من أصول مهاجرة.

الكشف عن الاجتماع أثار استياءً سياسياً واجتماعياً كبيراً في ألمانيا بسبب أصدائه التاريخية والاجتماع الشهير الذي عقده النازيون قبل «الهولوكوست» وناقشوا فيه «الحل الأخير»، إلا أن «البديل» ما زال ينفي أن تكون هذه سياسته، ويزعم قادته حرصهم على اللعب ضمن ما هو مسموح في القانون، خوفاً من حظر الحزب المراقَب.

عموماً، الفوز المزدوج للمتطرفين في الولايات الشرقية يراه البعض نتيجة لضعف الحكومة الفيدرالية. وهذا ما عبر عنه راينر دولغار رئيس «رابطة أصحاب الأعمال الألمانية»، الذي حذّر من أن صعود «البديل» إنما يعكس «قلقاً عاماً وعميقاً وانعدام الثقة في أن ألمانيا تتحرك بالاتجاه الصحيح». وأردف بأن نتائج الانتخابات «تنبيه واضح للحكومة الائتلافية... وعلى أي حكومة أن تحافظ على الأعمال والتماسك الاجتماعي».

كان لافتاً في نتائج الانتخابات مدى تأثير حزب «البديل من أجل ألمانيا» على الشباب

المستشار الألماني أولاف شولتز (رويترز)

انتخابات براندنبرغ المقبلة... الاختبار الصعب للاشتراكيين و«الخضر»

قد تكون الانتخابات المقبلة في ولاية براندنبرغ المحيطة بالعاصمة برلين، الاختبار الأكبر والأخطر للأحزاب الحكومية، خاصة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتس. فعلى عكس ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا، حيث لم يكن للاشتراكيين أصلاً وجود قوي، يقود الاشتراكيون الحكومة الحالية في براندنبرغ، وكان حزبهم حصل في الانتخابات الماضية على 26 في المائة من نسبة الأصوات مقابل 23 في المائة آنذاك لحزب «البديل من أجل ألمانيا». هذا العام تشير الاستطلاعات إلى انقلاب الوضع، وحلول «البديل» أولاً بنسبة أصوات تصل إلى 27 في المائة مقابل 23 في المائة للاشتراكيين. كذلك سيكون حزب «الخضر» الشريك في الحكومة أيضاً أمام تحدٍّ جدي، هو البقاء في الحكومة وتجنب انخفاض نسبة أصواته عن نسبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان. ووفق الاستطلاعات، يبدو «الخضر» على حافة الحصول على 5 في المائة، في انخفاض كبير عن 11 بالمائة في الانتخابات الماضية. من جهة ثانية، مع أن الولايات الشرقية الخمس قد لا تعكس وضع البلاد بشكل كامل، خاصة أن عدد سكانها ككل لا يزيد على 14.5 في المائة (مليون من أصل 83 مليون ألماني)، فهي تشكّل مؤشراً لتزايد الامتعاض من الحكومة وتراجع الثقة بالأحزاب الكبيرة. فالخلافات المستمرة داخل الحكومة الائتلافية، والوضع الاقتصادي المتدهور - أولاً بسبب جائحة «كوفيد-19»، ثم بسبب الحرب في أوكرانيا - زادا من تراجع الثقة بالأحزاب الحاكمة، ثم إن تحول حزب «الخضر» من حزب مُسالم تاريخياً إلى حزب يدعم الحرب في أوكرانيا، وساعد في إبقاء مرافق الفحم مفتوحة رغم تعهداته بإغلاقها رداً على وقف الغاز الروسي، أبعد عنه كثيرين من مناصريه. يبقى أنه ما زال هناك عام واحد يفصل ألمانيا عن انتخاباتها العامة، وفيه تأمل الأحزاب التقليدية أن تتمكن من مواجهة «البديل من أجل ألمانيا» ووقف تقدمه... وزحفه نحو الولايات الغربية.


مقالات ذات صلة

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع بليز كومباووري (أ.ف.ب)

بوركينا فاسو... 9 سنوات من مواجهة «الجماعات المسلحة»

لم تعرف بوركينا فاسو (أعالي الفولتا) استقراراً سياسياً لعقود طويلة، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت تسعة انقلابات عسكرية؛ كان آخِرها الانقلاب الذي قاده

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد المراقبين السياسيين داخل البلاد وخارجها، الذين كانوا يتابعون «مستجدات ملفات الانتخابات الرئاسية»، فأعلن قبل أسابيع من الموعد


ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
TT

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص الصدّيق الكبير، رئيس المصرف المركزي. إذ أطاح «المجلس الرئاسي» (الغرب) الكبير، فأغلقت حكومة أسامة حماد (الشرق) حقول النفط رداً على قرار «الرئاسي» الذي اتُخذ بمعزل عن «مجلس النواب»، وعلى غير رغبته. هكذا، أصبح «المركزي»، القابع في مبنى تاريخي إيطالي التصميم يقع على الواجهة البحرية للعاصمة طرابلس، وكان يُعرف بـ«قصر الحكم» إبّان الحقبة الاستعمارية الإيطالية، رمزاً لتفاقم الانقسام بين المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» في الشرق، ومحمد المنفّي رئيس «المجلس الرئاسي» في الغرب، وهذه معركة قد تلعب «الأوزان النسبية» للطرفين دوراً في حسمها. ومعها يشتعل الصراع بين الساسة على التحكّم بمصادر التمويل التي يشكّل المصرف المركزي «قلبها النابض». ويرى مراقبون الآن أن النزاع الحالي «قد يصبّ في مصلحة أطراف دولية تلعب أدواراً حالية في البلاد»، أو ربما يدفع أطرافاً أخرى إلى التدخل ومحاولة حلحلة الأزمة السياسية المستمرة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، لا سيما بعدما مسّت الأزمة مصالح الدول الكبرى في النفط الليبي.

المنفي مع الدبيبة (المجلس الرئاسي)

اندلعت المعركة عقب إعلان «المجلس الرئاسي»، يوم 20 أغسطس (آب) الحالي، تعيين محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي، وهو قرار رفض الصدّيق الكبير تنفيذه. ومن ثم، تنحى الشكري عازفاً عن قبول المنصب، في خطوة عدّتها مجلة «فورين بوليسي» الأميركية «انعكاساً لرغبة الشكري في ألا يكون محور صراع دموي بين سلطات ليبيا المتنازعة».

بعدها، لم تتوقف محاولات «الرئاسي» إقالة الكبير رغم تذكير الأخير بأن «تعيين محافظ المصرف المركزي، وفقاً للاتفاق السياسي والقانون رقم (1) لسنة 2005، يتبع السلطة التشريعية»، الأمر الذي أكّده مجلسا «النواب» و«الدولة». لكن في تحدٍ لـ«النواب» أعلن «الرئاسي» تعيين محافظ ومجلس إدارة جديد لـ«المركزي» وتكليف عبد الفتاح عبد الغفار رئاسته، رداً على إنهاء برلمان الشرق ولاية «الرئاسي» و«حكومة الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة في الغرب. وبسرعة، سيطرت «لجنة تسليم واستلام الصلاحيات» المعيّنة من قِبل «الرئاسي» على مقرّ المصرف المركزي لتثبيت مجلس الإدارة الجديد برئاسة. ولقد ذكر عبد الغفار في أول تصريحاته الصحافية الأسبوع الماضي، أن «المصرف يعمل حالياً وفق المعايير الدولية، وعبر مجلس إدارة متكامل من ذوي الخبرات».

بالطبع، لم يلق هذا التصرف قبولاً لدى حكومة أسامة حماد (مقرها بنغازي) التي أعلنت حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ النفطية، ووقف إنتاج النفط وتصديره حتى إشعار آخر. كذلك اشترط عقيلة صالح، رئيس «النواب»، عودة الكبير إلى عمله مقابل إعادة فتح حقول النفط واستئناف التصدير.

الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب «ليبيا الكرامة»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأزمة الحالية كما يبدو «ترجع إلى سياسة التقشف التي فرضها الكبير تجاه (الرئاسي) وحكومة (الوحدة)، مع تقنين الصرف لمواجهة عجز الموازنة. هذا ضيق الخناق عليهما، ليصدر قرار الإقالة الذي لا يعدّ من صلاحيات (الرئاسي)... إنها أزمة متوقعة في ظل وضع صعب تعيشه ليبيا وصراع مستمر بين الكيانات المختلفة».

لكن الصراع الحالي غير محصور بالمصرف المركزي، بحسب الخبير الاقتصادي الليبي وحيد الجبو، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمتد أيضاً إلى المؤسسات الاقتصادية الكبرى كالمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار... إنه صراع بين القوى السياسية المتنازعة على السلطة، لا سيما أن النفط والمال من أهم مراكز القوة، التي يحاول كل طرف أن ينتزعها لنفسه». وبينما يؤكد الجبر «بطلان» قرار الرئاسي بإقالة الكبير، فهو لا يمانع في تغيير محافظ المصرف؛ لأن «التغيير مطلوب، ولكن بموجب إجراء قانوني صحيح».

الحرب الروسية - الأوكرانية

استخدام سلاح النفط في الصراع ليس جديداً، فبعد شهرين من الحرب الروسية - الأوكرانية أُعلن عن حصار نفطي ليبي بسبب مطالبة الدبيبة بالاستقالة لصالح فتحي باشاغا، رئيس الوزراء المنافس في الشرق آنذاك. يومذاك، بدا أن الكبير والدبيبة حليفان، اتُهم رئيس حكومة «الوحدة» بـ«إساءة استخدام أموال الدولة بمساعدة المركزي»، وفق «فورين بوليسي» التي أشارت إلى «انتهاء الحصار في يوليو (تموز) 2022 من دون أن يحقق أي طرف هدفه».

وهو ما يوضحه عبد الهادي ربيع، الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأزمة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها لفترات سابقة حاولت خلالها سلطات شرق ليبيا تغيير محافظ المصرف المركزي بوجه رفض حكومة الغرب، قبل أن تنعكس الصورة أخيراً ويغدو الشرق متمسكاً بالكبير المرفوض من الغرب». وأرجع ربيع الأزمة الأخيرة إلى «نزع مجلس النواب صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة عن المجلس الرئاسي، بالتزامن مع صرف الكبير ميزانية ضخمة لحكومة حماد في الشرق؛ ما أغضب حكومة الدبيبة في الغرب وجعلها تنقلب عليه».

عقيلة صالح (الشرق الاوسط)

من «معسكر القذافي» إلى قلب «الثورة»

الكبير، الذي عُيّن محافظاً لـ«المركزي» عام 2011، صار بالفعل، محور صراع بين السلطتين التنفيذيتين في البلاد. وهو خريج جامعة هارتفورد الأميركية، وكان محسوباً على نظام معمّر القذافي، قبل أن يصبح من أوائل «الثوار» ضد حكمه. فقد انضم إلى المجلس الانتقالي الليبي إثر نشاطه على الأرض، ومنه إلى المصرف المركزي. وطوال 13 سنة لعب الكبير دوراً محورياً في الإدارة السياسية - النقدية في البلاد.

مراقبون يرون أن الكبير دائماً يراهن على «الحصان الرابح»، ويوصف بأنه «آخر من تبقى من الثوار» و«القذافي الجديد»، وهو اتهام بين اتهامات وانتقادات عدة وُجّهت إليه، وبلغت حد التشكيك في جنسيته من قِبل «ثوار الزاوية» عام 2013. أيضاً تعرّض الرجل لاتهامات عدة إبّان عهد القذافي، وتجدّدت مع تعيينه محافظاً، لكنه تخطى الأزمة بمهاراته المعتادة التي أتاحت له في وقت سابق الانتقال من معسكر المحسوبين على نظام القذافي إلى معسكر «الثوار».

واشنطن على خط الأزمة

من جهة ثانية، يُلقب البعض الكبير بأنه «حليف واشنطن»، وربما كان هذا سبب دخول واشنطن على خط الأزمة الحالية، حين أعلنت سفارتها في ليبيا، الأسبوع الماضي، عن لقاء جمع ، الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، جيريمي بيرنت القائم بالأعمال، مع حفتر. ولقد حثّت واشنطن جميع الأطراف الليبية على «المشاركة بشكل بنَّاء في الحوار بدعم من بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا». كذلك، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في اليوم نفسه، عزمها عقد اجتماع طارئ لحل أزمة المصرف المركزي؛ بهدف «التوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقيات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة».

خليفة حفتر (روبترز)

تكمن أهمية المصرف المركزي الليبي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة

«سلاح المعركة»

تكمن أهمية المصرف المركزي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة، قبل إعادة توزيعها بين المناطق الليبية المختلفة، وكانت فترة الهدوء أخيراً ساهمت في رفع إنتاجه إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً. لكن إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة «القوة القاهرة» في حقل الشرارة، أحد أكبر حقول النفط الليبية بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف برميل يومياً، أثار مخاوف دولية بشأن خفض الإنتاج، وارتفاع أسعار الخام عالمياً.

وهكذا، بات النفط سلاحاً رئيسياً في معركة «فرض النفوذ» و«لي الذراع» بين شرق ليبيا وغربها، «يفرض استخدامه خسائر على الاقتصاد الليبي الذي يعاني عجزاً في الميزانية العامة وميزان المدفوعات»، بحسب الجبو، الذي قال إن «خزينة ليبيا ستواجه صعوبات في تسديد المتطلبات من مرتبات ودعم للوقود والكهرباء». أما الفارسي، فيرى أن استخدام سلاح النفط داخلياً قد يُثير «موجة غلاء مع تراجع سعر العملة المحلية مقابل الدولار، كما قد يضرّ بالاستثمارات، ويوثر على التعامل مع المصارف الأجنبية».

للعلم، تقع غالبية حقول النفط تحت سيطرة «الجيش الوطني الليبي»، الذي حذَّر قائده حفتر خلال الأسبوع الماضي، من «المساس بالمصرف المركزي»، بينما تُعدّ منطقة الواحات (بجنوب غربي ليبيا) من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد. ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، فالمصرف المركزي هو الجهاز الوحيد المسؤول عن عائدات النفط، التي تشكل 95 في المائة من ميزانية ليبيا، وبالتالي مَن يتحكّم بالعائدات يتحكّم بالاقتصاد الليبي.

«لعبة شطرنج»

على صعيد متصل، وخلف الكواليس، يُعد المصرف «جزءاً من لعبة شطرنج جيوسياسية روسية»، وفقاً لجايسون باك، مؤسس «ليبيا أناليسيس»، الذي يرى في حديثه لـ«فورين بوليسي» أن إغلاق حقول النفط لن يغير طريقة عمل المصرف، بل يسمح لروسيا بتعزيز مصالحها في ليبيا. وعدّ باك «الأزمة مصطنعة ولا علاقة لها بقضايا المصرف الرئيسية». كذلك، ورد في المجلة عينها تحذير من أنه «إذا تجاهلت الجهات الدولية الرئيسية الفاعلة هذه الأزمة، فهي تترك بذلك ليبيا تحت رحمة روسيا».من جانبه، يرجح الجبو أن «يأتي حل الأزمة عبر ضغط المجتمع الدولي لعودة الكبير إلى منصبه، ومن ثم إجراء اتصالات ومباحثات بين مجلسي النواب و(الدولة) لاختيار محافظ جديد». مذكّراً في هذا الصدد بأن بيان السفارة الأميركية «ندد بإبعاد المحافظ وطالب بإرجاعه». وأيضاً، يرى الفارسي أن «أي حل للأزمة لن يتحقق بمعزل عن جهود المجتمع الدولي وضغوطه، لا سيما مع وجود أطراف دولية فاعلة في الأزمة». وهو يتوقع «حلّ الأزمة سريعاً، مع تشكيل لجنة حوار جديدة تدفع نحو الاستقرار وإجراء الانتخابات، بعدما طال الأمر وتعقد، وبات يمسّ قوت الليبيين ومصالح القوى الدولية في النفط والاستثمارات».