3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

مغامرة زيلينسكي تحرج الكرملين... وتعيد ترتيب أولويات الحرب الأوكرانية


من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
TT

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك


من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

لا شك في أن التوغل الأوكراني المباغت داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية الأسبوع الفائت، شكّل مفاجأة صادمة لموسكو، التي انشغلت خلال الأشهر الأخيرة بتسجيل إنجازاتها على الأرض، ومستوى التقدم البطيء ولكن المتواصل، على عدد من الجبهات. كانت كييف تصارع خلال أشهر لتأكيد قدرتها على الصمود أمام الهجمات الروسية الناجحة على محوري خاركيف ودونيتسك، ولتوصل رسالة إلى الغرب مفادها أن المساعدات التي تقدم إلى أوكرانيا فعالة وضرورية، وأن مقولة «الانتصار الروسي المؤلم ولكن المحتوم» التي بدأت تأخذ رواجاً أكثر في الغرب، ليست أكيدة. في هذه الظروف جاء هجوم كورسك ليقلب موازين القوى، ويضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام إحراج غير مسبوق منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثين شهراً.

وجّهت أوكرانيا ضربة للكرملين، حين سلّطت الضوء على فشله في حماية أراضي روسيا وحطّمت رواية الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا ظلت إلى حد كبير غير متأثرة بالأعمال الحربية على الجبهات البعيدة.

التوغّل الأوكراني في روسيا أرسل أيضاً إشارة قوية إلى حلفاء كييف أن الجيش الأوكراني يمكن أن ينتزع زمام المبادرة ويلحق هزيمة ولو محدودة حتى الآن، بالجيش الروسي. وهذه رسالة مهمة بشكل خاص قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي إطار السجالات الغربية المتزايدة حول آفاق دعم أوكرانيا وتداعيات الحرب المتواصلة على البلدان الأوروبية.

مجريات العملية وأهدافها

بعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة في منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، حسب محلّلين، حتى عمق 35 كيلومتراً على الأقل، والسيطرة على نحو 80 بلدة وقرية روسية بمساحة إجمالية تزيد على 1000 كيلومتر.

يوم 6 أغسطس (آب) الحالي، تدفقت القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك من اتجاهات عدة، وسرعان ما اجتاحت عدداً قليلاً من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي يحرسها حرس الحدود الروس المسلحون تسليحاً خفيفاً. وتخطّت القوات الأوكرانية كذلك وحدات المشاة الروسية على حدود المنطقة الروسية التي يبلغ طولها 245 كيلومتراً (152 ميلاً) مع أوكرانيا.

وعلى النقيض من الهجمات السابقة التي شنّتها مجموعات صغيرة من المتطوّعين الروس الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية، ورد أن التوغّل الأوكراني في منطقة كورسك شمل هذه المرة وحدات من ألوية عدة من الجيش الأوكراني المخضرم.

وأفاد مدوّنون عسكريون روس بأن مجموعات أوكرانية متنقّلة تتألف من مركبات مدرعة عدة، قادت كل منها بسرعة عشرات الكيلومترات (الأميال) إلى داخل الأراضي الروسية، متجاوزة التحصينات الروسية، وزرعت الذعر في جميع أنحاء المنطقة. وشكّل هذا التطور ضربة واسعة لثقة الروس بتقدّم قواتهم على الجبهات، لا سيما أن هذه المساحة التي تحققت السيطرة عليها في أسبوع واحد، تعادل تقريباً المساحة التي سيطرت عليها روسيا في أوكرانيا منذ بداية العام.

الهدف النهائي

ما زال الهدف النهائي من عملية كورسك غير واضح تماماً، رغم الخطوات الأوكرانية على الأرض، بما في ذلك على صعيد الحديث عن إعلان منطقة عسكرية وفتح ممرات إنسانية لخروج المدنيين، أو الخطة التي تكلمت عن إنشاء «منطقة عازلة» في كورسك لتخفيف الضغط المدفعي والصاروخي الروسي على المناطق الأوكرانية المحاذية للحدود. لكن الأكيد وفقاً لتقدير خبراء عسكريين أن درجة نجاح الهجوم المباغت فاجأت حتى الأوكرانيين أنفسهم، الذين بدأوا نقاشات لتحديد آليات الإفادة من الوضع الجديد.

تقارير روسية تشير إلى أن التقدم السريع للقوات الأوكرانية في كورسك تحقَّق بفضل مُعدات حرب إلكترونية قطعت الاتصالات الروسية، وسمحت بتقدم سريع للآليات داخل المناطق الروسية، مدعومة بهجمات من الطائرات المُسيّرة وحماية الدفاع الجوي. وهذا يعكس أن كييف حصلت حتماً على مساعدة لوجستية واستخباراتية قوية من جانب الغرب، الذي ربما يكون، بدوره، فوجئ بتوقيت العملية وحجمها، لكنه بالتأكيد كان على علم بجانب من التخطيط لعملية كبيرة محتملة.

لقد ربح الأوكرانيون عملياً مع السيطرة على مساحة من الأرض الروسية موطئ قدم في روسيا يمكّنهم من إرسال مجموعات استطلاع للبحث عن نقاط ضعف هناك، واستقدام قِطع المدفعية لقصف أهداف داخل عمق أراضيها.

في المقابل، قال مسؤول أميركي إن واشنطن ترى أن أحد أهداف عملية كورسك هو قطع خطوط الإمداد الروسية للجبهة الشرقية، حيث ينفّذ الجيش الروسي هجوماً منذ مايو (أيار) الماضي.

وتقول مصادر إنه بعيداً عن الانتصارات التكتيكية، أظهرت أوكرانيا قدرتها على التخطيط بسرّية لعملية هجومية وتنفيذها، خصوصاً بعد فشل هجومها المضاد الصيف الماضي، الذي طرح تساؤلات في الداخل والخارج حول قدرتها على مواصلة «حرب الخنادق» الطاحنة أمام الهجوم الروسي.

وفقاً لخبراء، سعت كييف عبر شن هذا التوغّل إلى إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك (في شرق أوكرانيا)، حيث شنّت القوات الروسية هجمات في قطاعات عدة وحققت مكاسب بطيئة ولكن ثابتة، معتمدةً على تفوقها في القوة النارية. وإذا تمكنت أوكرانيا من التمسك ببعض مكاسبها من التوغّل داخل روسيا، فمن شأن هذا تعزيز موقف كييف في مباحثات السلام المستقبلية، وقد يسمح لها بتبادل هذه المكاسب مقابل الأراضي الأوكرانية التي تحتلها موسكو.

وعلى الرغم من النجاحات الأولية للتوغّل الأوكراني داخل روسيا، فإنه قد يتسبب في استنزاف بعض أكثر الوحدات قدرةً في أوكرانيا، ويترك القوات الأوكرانية في دونيتسك من دون تعزيزات حيوية، كما أن محاولة تأسيس وجود أوكراني دائم في منطقة كورسك قد تشكّل تحدياً للقوات الأوكرانية، التي ستغدو خطوط إمدادها عُرضة للنيران الروسية.

رد فعل موسكو

لا شك أن التوغل المباغت أحرج الرئيس فلاديمير بوتين، الذي وصف أكبر هجوم بري تتعرض له بلاده منذ الحرب العالمية الثانية بأنه مجرد «استفزاز واسع النطاق»؛ أي إن الكرملين لم يتعامل مباشرة مع التطور بصفته حدثاً كبيراً يمكن أن يؤثر على مسار الحرب وعلى استراتيجيات إدارة الصراع.

ولعل الفشل الروسي في توقع الهجوم أولاً، وفي مواجهته ثانياً، سيخلّفان تداعيات واسعة على المستوى الداخلي؛ إذ لم يكن الروس يتوقعون قبل ثلاثين شهراً عندما أطلق بوتين «العملية العسكرية الخاصة» أن يكونوا يوماً أمام مشهد الدبابات الألمانية وهي تتجوّل فوق أراضيهم، ولا ناقلات الجنود والمدرعات الغربية وهي تبني تحصينات ومواقع دفاعية في مدنهم.

هذا المشهد مع قسوته سيشكّل حافزاً لرفض أي تسويات، ووضع موارد ضخمة بهدف إعادة تحرير المناطق التي دخلتها القوات الأوكرانية.

على المستوى العسكري، حيّر المراقبين فشل روسيا بشن هجوم مضاد سريع ضد الأوكرانيين والحلفاء الغربيين. ولم تنقل وزارة الدفاع الروسية حتى الآن قواتها على نطاق واسع من الدونباس إلى منطقة كورسك.

تبرير ذلك بسيط للغاية، وهو أن موسكو ترى أنه بين أبرز أهداف تخفيف الضغط عن قطاعي خاركيف ودونيتسك، لذلك حرص بوتين خلال اجتماعات القيادة العسكرية على تأكيد أن الهجوم الروسي في العمق الأوكراني لم ولن يتأثر. لكن إلى أي درجة يمكن أن تحافظ موسكو على هذه الوتيرة في التعامل مع الحدث؟

هذا سؤال ما زالت السلطات المختصة في روسيا لم تقدم جواباً بشأنه.

لقد تحرك الهجوم بسرعة كبيرة، وكان رد الروس بطيئاً للغاية لدرجة أن أوكرانيا ربما بدأت تعيد النظر في أهدافها. وبدايةً كانت كييف مدفوعة بالرغبة في رفع معنويات الأوكرانيين وتحفيز الدعم العسكري من حلفائها الغربيين. وبالإضافة إلى ذلك، سعت القوات الأوكرانية إلى تحويل القوات الروسية عن خط المواجهة في منطقة دونيتسك، حيث تتقدم القوات الروسية بالقرب من توريتسك وبوكروفسك وتشاسوفوي يار. وهذا يفسر كلام العسكريين الأوكرانيين بعد مرور أسبوع على بدء الهجوم عن خطط لإنشاء «منطقة عازلة» على الأراضي الروسية أو تعزيز تحصينات إضافية فيها.

زيلينسكي (رويترز)

مغامرة زيلينسكي تقلق الغرب

في هذه الأثناء، يقول خبراء غربيون إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتخذ بإطلاق العملية قراراً جريئاً للغاية، يكاد يقترب من أن يكون مغامرة حقيقية؛ إذ قال زيلينسكي خلال أيام من بدء الهجوم إن كييف «تسعى إلى نقل الحرب» داخل روسيا، وإن أوكرانيا «تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضروري؛ الضغط على المعتدي».

وعندما بدأ التوغل، في 6 أغسطس، بدا الأمر كأنه «عرض آخر للشجاعة العسكرية» من قِبل «الفيلق الروسي»، وهو واحدة من مجموعات الميليشيات المناهضة لبوتين، لكن بعد مرور يومين فقط أصبح من الواضح أن كييف نفسها تحاول توجيه ضربة استراتيجية مضادة لروسيا.

المرجح أن وراء الهجوم قراراً مباشراً من زيلينسكي، الذي ضغط وفقاً لتقارير لعدة أشهر على قادته العسكريين لشنّ هجوم صيفي. ونظراً للمشاكل المتعلقة بالقوى البشرية والموارد في أوكرانيا، كان القادة متردّدين، لكن زيلينسكي كان يسعى جاهداً إلى عكس السرد القائل إن أوكرانيا تخسر الحرب. بل حاول فعلاً إيجاد طريقة لوقف خسارة المزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا، وتعطيل هذه الديناميكية أو عكسها. وهذا الخيار العسكري الاستراتيجي «أسلوب إلى حد كبير جريء ومحفوف بالمخاطر»، وفقاً لتعبير معلق عسكري.

أما القادة الغربيون فيشعرون الآن بالقلق، وبخاصة مع استخدام بعض المعدات الأرضية (مركبات قتالية مدرّعة، ومركبات مشاة مدرّعة، وقاذفات صواريخ، ومدافع هاون، ووحدات دفاع جوي أرضية) لحلف شمال الأطلسي (ناتو) داخل روسيا، الأمر الذي يمثّل تجاوزاً لعتبة أو «خط أحمر» آخر، ولو أن القادة الأوكرانيين طلبوا الإذن الغربي مسبقاً لما حصلوا عليه. لذلك أقدم زيلينسكي على الهجوم من دون تنسيق واسع، وفقاً لتقديرات مع الغرب. وهذا يفسر أن واشنطن في الأيام التالية قالت إنها تنتظر معلومات إضافية من كييف حول الهجوم.

مع هذا، مغامرة زيلينسكي محفوفة بالمخاطر؛ فليس أمام موسكو الآن من خيارات سوى فعل كل ما يلزم لوقف التوغل، ولا يمكن للضربة المضادة الأوكرانية في كورسك أن تحقّق سوى أهداف محدودة.

وكحد أقصى، قد تأمل القوات الأوكرانية حول كورسك في توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من احتلال محطة الطاقة النووية فيها، مقابلاً لاحتلال روسيا لمحطة زابوريجيا الأوكرانية عام 2022، لكن هذه الأهداف ستعتمد على المدة التي ستستغرقها العملية، وبأي طريقة يمكن للأوكرانيين الصمود داخل كورسك.

تشير تقارير إلى أن التقدم السريع للقوات الأوكرانية تحقَّق بفضل مُعدات حرب إلكترونية قطعت الاتصالات الروسية

ماذا بعد كورسك؟

يقول المحلل العسكري فرانتز ستيفان غادي، من جنيف، إن المرحلة المقبلة من عملية كورسك تعتمد على الاحتياطي المُتاح لدى كل طرف، وكيف سيستخدمه على الجبهة. ويتابع: «ستحتاج أوكرانيا إلى نقل جنود وموارد عسكرية إضافية للجبهة كي تحافظ على زخم الهجوم، في حين ستسعى روسيا لصدّ الهجوم بسرعة، واستخدام قوتها النارية كالقنابل المنزلقة».

ويرى غادي، كما نقلت عنه «وول ستريت جورنال»، أن المشكلة الرئيسية في عملية كورسك أنها لا تُغير الوضع على الجبهة الشرقية، حيث ما زالت القوات الروسية تتقدم، وإن كان بوتيرة أبطأ. ويضيف: «عملية كورسك تتطلب قدراً كبيراً من الموارد، خصوصاً جنود المشاة، الذين قد تحتاج إليهم أوكرانيا على جبهة أخرى». وعلى الجبهة الشرقية يعاني الضباط الأوكرانيون قلة عدد الجنود، ويتساءلون عن مغزى مهاجمة الأراضي الروسية، رغم أنهم يأملون أن تؤدي هذه العملية الهجومية في كورسك إلى تخفيف الضغط على جبهتهم.

وهنا، يرجّح أن الجيش الأوكراني يفضّل الوقوف والقتال في الجيب الذي أنشأه، وربما يتم تعزيزه، لكن الأعداد الهائلة من الجنود الذين سترسلهم موسكو ستُنبئنا في نهاية المطاف بشكل القتال المقبل. واستمرار وجود هذا التوغل داخل الأراضي الروسية سيكون أمراً غير مقبول بالنسبة للرئيس بوتين.

 

بوتين (رويترز)

الخيارات الثلاثة: مزيد من التقدم، تراجع أو انسحاب جزئي

يتوقع الجنرال الأسترالي المتقاعد، ميك رايان، 3 سيناريوهات لتطور الأحداث في منطقة كورسك. يتضمن السيناريو الأول، الأكثر اندفاعاً، محاولة التمسك بالأراضي التي أمكن الاستيلاء عليها، حتى التقدم أكثر من أجل سحب مزيد من القوات الروسية من أوكرانيا، والحصول على أوراق مساومة في المفاوضات المستقبلية. لكن هذا أمر محفوف بالمخاطر، وفق المحلل، لأنه سيكون من الصعب على القوات الأوكرانية توفير غطاء للحرب الإلكترونية والدفاع الجوي، حتى للقوات المتمركزة جيداً في مثل هذه المنطقة الواسعة.أما السيناريو الثاني فهو التراجع وإنقاذ القوات والمعدات وإعادة تجهيزها، وقد تسلحت بروح معنوية عالية، في محاولة تحرير أراضيهم العام المقبل. وأما الخيار الثالث فيقوم على الانسحاب جزئياً إلى مواقع أكثر أمناً أقرب إلى الحدود الأوكرانية. وسيتطلب الأمر قوات أقل عدداً، وتوفير دعم مدفعي أفضل ولوجستيات أفضل، وتأمين قاعدة لمزيد من الهجمات في المستقبل. ويشير مصدر لمجلة «الإيكونوميست» في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية إلى أن هذا الخيار هو الأكثر ترجيحاً. وقد جرى بالفعل نقل جزء من الخدمات اللوجستية - قوات الهندسة والوقود والمستشفيات الميدانية وقواعد الغذاء والإصلاح - على بعد عدة كيلومترات إلى عمق الأراضي الروسية.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.