هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

أحد «صقور الحرب» الذي قفز اسمه إلى لائحة مرشحي ترمب لمنصب نائب الرئيس

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون
TT

هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري بعد نحو 5 أشهر، لا يزال اسم نائب الرئيس الذي سيُدرج على بطاقة الانتخاب مع الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، أمراً غير محسوم. غير أن قائمة الترشيحات حملت أسماءً عدة؛ ما أضفى على التكهنات مزيداً من الغموض. ولقد برز اسم السيناتور الجمهوري توم كوتون، من ولاية أركنسو، بشكل غير متوقّع كأحد أبرز المنافسين على منصب نائب الرئيس، في إشارة إلى أن الرئيس السابق يفضل الخبرة والقدرة على إدارة حملة منضبطة على عوامل أخرى. ويأتي صعود أسهم كوتون مع تزايد الإعلام والراصدين السياسيين على خيارات ترمب الرئيسية لمنصب نائب الرئيس. وكان قد نقل عنه قوله سراً إنه ينظر إلى كوتون باعتباره جهة اتصال موثوقة وفاعلة في المقابلات الإخبارية عبر القنوات الفضائية، وأشاد بخدمته العسكرية في العراق وأفغانستان.

على الرغم من تسارع العد التنازلي لانتخابات الرئاسة أميركية يقول مقربون من الرئيس السابق دونالد ترمب، إنه لم يُشر بعد إلى شخص معين يفضله على غيره لمنصب نائب الرئيس، كما لم يُظهر اهتماماً كبيراً بحسم الأمر قريباً. هنا يرى البعض أن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري شبه المحسوم، ربما يرغب في تحقيق هدفين: استخدام اختيار الاسم سلاحاً سياسياً للحصول على «الولاء»، وإكمال استراتيجيته للسيطرة على قيادة الحزب الجمهوري بعدما ضمن ولاء القاعدة.

ومع قول مراقبين إن ترمب راغب حقاً في اختيار نائب له بعيداً عن الأخطار الناجمة عن تشتيت حملته الرئاسية جرّاء التهديدات القانونية التي يتعرّض لها، وهو ما قد يفسر اهتمامه بكوتون، الذي فاز بسهولة بولاية ثانية في مجلس الشيوخ عام 2020. فإن هؤلاء يحذّرون من أن تفضيلاته لمنصب نائب الرئيس قد تتغير، وهو ما قد يشير أيضاً إلى وجود فرصة لمنافس آخر غير كوتون.

مَن هو كوتون؟

ولد توماس بريانت كوتون يوم 13 مايو (أيار) 1977 في بلدة دردنيلز، بولاية أركنسو. وهو محام وضابط عسكري سابق، كان قد انتُخب عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن الولاية الجنوبية المحافظة عام 2015 وهو في سن الـ37 سنة. وسبق له أن خدم في مجلس النواب بين عامَي 2013 و2015.

الأب، توماس ليونارد كوتون، كان مشرفاً في وزارة الصحة بأركنسو، والأم، أفيس كوتون، كانت معلّمة مدرسة وصارت في ما بعد مديرة المدرسة المتوسطة في منطقتهم. أما العائلة، فعاشت في ريف أركنسو لمدة سبعة أجيال، ونشأ الصغير توم في مزرعة الماشية الخاصة بأسرته. وعندما التحق بمدرسة دردنيلز الثانوية، أتاح له طوله (1.96 متر) للعب في فرق كرة السلة المحلية والإقليمية. وهو متزوج من المحامية آنا بيكهام منذ عام 2014، ولديهما طفلان.

سنوات هارفارد

بعد تخرّج كوتون في المدرسة الثانوية عام 1995، التحق بجامعة هارفارد العريقة، وهناك تخصص في الحكومة (الإدارة العامة) وكان عضواً في هيئة تحرير مجلة «هارفارد كريمزون» الجامعية، وبسبب خلفيته اليمينية المحافظة، كان غالباً من معارضي الغالبية الليبرالية فيها. ومن ثم، بعد التخرج في هارفارد، عام 1998، قُبل كوتون في برنامج الماجستير بجامعة كليرمونت للدراسات العليا بولاية كاليفورنيا. لكنه غادرها عام 1999، بحجة أنه وجد الحياة الأكاديمية «راكدة للغاية». وعلى الأثر، عاد إلى هارفارد حيث التحق بكلية الحقوق فيها، وتخرّج مُجازاً في القانون عام 2002.

في أعقاب التخرج في كلية الحقوق، أمضى كوتون سنة واحدة في العمل كاتباً قانونياً، ثم انتقل بعد ذلك إلى الممارسة الخاصة مساعداً في شركات محاماة بالعاصمة الأميركية واشنطن، إلى أن التحق بالجيش الأميركي في عام 2005. وفي الجيش، دخل مدرسة الضباط المرشحين وأكمل عمليتي نشر قتاليتين في العراق وأفغانستان، حيث حصل على النجمة البرونزية، واثنين من أوسمة الثناء العسكري، وشارة المشاة القتالية، وميدالية حملة أفغانستان، وميدالية العراق، وفي النهاية جرى تسريحه بدرجة شرف في سبتمبر (أيلول) 2009.

ومن هناك وجّه اهتمامه صوب السياسة...

في الانتخابات التمهيدية لمجلس النواب التي أجريت عام 2012، فاز كوتون في الانتخابات العامة على منافسه جين جيفريز بنسبة 59.5 في المائة من الأصوات، بفضل دعم من السيناتور الراحل جون ماكين (أريزونا) وحركة «حزب الشاي» و«المؤسسة» الحزبية الجمهورية. ثم في عام 2014 أعلن عن ترشحه لمقعد في مجلس الشيوخ، وهذه المرة مدعوماً من تجمع المحافظين والسيناتور ماركو روبيو (فلوريدا) والسيناتور ميت رومني (يوتاه) المرشح الرئاسي السابق. وفاز بمنصبه متغلباً على السيناتور الديمقراطي مارك بريور، بعد حصل على 56.5 في المائة من الأصوات.

نجم يميني صاعد

لطالما اعتُبر توم كوتون أحد النجوم الصاعدين في الحزب الجمهوري، وهذا طموح قد يضرّ بفرصه مع ترمب، الذي قوّض حلفاءه في الماضي عندما رأى أنهم يتطفلون على سرقة الأضواء منه. وبطبيعة الحال، يصعب التنبؤ بتصرفات ترمب، الذي - كما سبقت الإشارة - لا يبدو في عجلة من أمره لاتخاذ قراره بشأن تسمية الشخصية التي سيختارها لمنصب نائب الرئيس. وكان ترمب قد قال أخيراً في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إنه من المرجح أن يكون موعد اختياره أقرب إلى موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، المقرر أن يبدأ في 15 يوليو (تموز) المقبل.

وللعلم، مع أن كثيرين يرَون أن تصويت كوتون بالمصادقة على نتائج انتخابات الرئاسة لعام 2020 - التي فاز فيها جو بايدن - خطوة معاكسة لإصرار ترمب على القول بأن الانتخابات «سُرقت منه»، وقد يؤثر على اختياره. يجب القول إن كوتون ليس الوحيد من بين الأسماء المطروحة راهناً الذين عارضوا ادعاءات ترمب. إذ صادق أيضاً السيناتوران ماركو روبيو وتيم سكوت على النتائج، بينما قال دوغ بورغوم إن نائب الرئيس السابق مايك بنس فعل الشيء الصحيح من خلال مقاومة ضغوط ترمب لمحاولة قلب النتائج.

تحوّلاته الشعبوية

على الرغم مما تقدّم، يصف كثيرون كوتون بأنه أحد الأصوات الرائدة في الساحة «الترمبية». وكتبت صحيفة «الواشنطن بوست» عنه قائلة: «الأمر المذهل كيفية تكيّف كوتون منذ فوز ترمب بالرئاسة للمرة الأولى، في حين جادل آخرون بأن (السيناتور الشاب) يمكن أن يكون (وريثاً) للجناح (الترمبي) في الحزب الجمهوري». ثم أنه عندما سُئل كوتون عن الخدمة في إدارة ترمب الثانية في حال فاز الأخير بالانتخابات، أجاب إن مناقشاته معه تركز على كيفية الفوز. وصرّح يوم 20 مايو (أيار) على قناة «فوكس نيوز» موضحاً: «عندما نتكلّم فإننا نتكلّم عمّا سيتطلبه الأمر للفوز بهذه الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، وعن انتخاب الرئيس ترمب لفترة ولاية أخرى في البيت الأبيض وانتخاب كونغرس جمهوري كي نتمكن من البدء في إصلاح الضرر الذي أصاب هذا البلد بسبب رئاسة جو بايدن».

وهنا، يقول ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس ترمب والمخطط اليميني المتشدّد، عن كوتون: «بجانب ترمب، إنه المسؤول المنتخب الذي يمثّل أكبر قدر من القومية الاقتصادية. وكان كوتون هو الأكثر دعماً لنا، في المقدمة وخلف الكواليس، منذ البداية. وهو يدرك أن النخبة في واشنطن – هذه الطبقة السياسية الدائمة لكلا الحزبين، والمستشارين والسياسيين – في حاجة إلى التحطيم». غير أن مسيرة كوتون السياسية وتحوّلاته نحو اليمين الشعبوي المحافظ، بدأت منذ انتُخب نائباً، وكان منذ ذلك معارضاً قوياً للسياسات الخارجية والداخلية لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، واقترع عملياً ضد كل مشاريع القوانين التي اقترحتها إدارته.

يتفوّق على ترمب

في عام 2020، أعيد انتخاب كوتون سيناتوراً، إثر فوزه على ريكي هارينغتون منافسه من الحزب الليبرتاري (الحزب «التفلتي» في أقصى اليمين) - لم يكن للديمقراطيين مرشح في هذه الانتخابات، لكنهم صوّتوا لهارينغتون -. بل وتفوّق كوتون حتى على ترمب في الانتخابات الرئاسية المتزامنة بنسبة 4.1 في المائة من معدل الأصوات.

وخلال رئاسة ترمب، عُد كوتون من الموالين له، وقال في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، بعد وقت قصير من الانتخابات الرئاسية لعام 2016، إن أسلوب الإيهام بالغرق - الذي طالب ترمب باستئنافه - ليس من أشكال التعذيب. وأردف إن «الدعوات الصعبة» مثل السماح بذلك، خيار كان ترمب على استعداد لاتخاذه «لأنه رجل قوي».

كذلك، قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية عام 2020، أيّد كوتون تصويتاً فورياً في مجلس الشيوخ على مرشح ترمب لملء المنصب الشاغر في المحكمة العليا بسبب وفاة القاضية روث بايدر غينزبرغ، لكنه رفض في مارس (آذار) 2016، النظر في مرشح أوباما للمحكمة العليا خلال عام الانتخابات الرئاسية، وكانت حجته «لماذا نقطع النقاش الوطني حول القاضي المقبل؟ لماذا نسحق صوت الشعب؟ هل نحرم الناخبين من فرصة إبداء رأيهم في تشكيل المحكمة العليا؟».

العنصرية والعبودية

وبعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد وهو في قبضة الشرطة، رفض كوتون الرأي القائل بوجود «عنصرية نظامية في نظام العدالة الجنائية في أميركا»، وأيّد ترمب - وسط الاحتجاجات التي تلت ذلك - على «إكس» («تويتر» سابقاً)، إلى استخدام الجيش لدعم الشرطة. وفي وصفه للعبودية، قدّم كوتون في 2020، قانون «إنقاذ التاريخ الأميركي»، قائلاً: «كما قال الآباء المؤسسون، كانت الشر الضروري الذي بُني عليه الاتحاد. ولكن بُني الاتحاد بطريقة، كما قال (الرئيس إبراهام) لنكولن، لوضع العبودية في طريقها إلى انقراضها النهائي».

السلاح والهجرة والإجهاض

وفي يناير (كانون الثاني) 2019، كان توم كوتون واحداً من 31 سيناتوراً جمهورياً رعوا مشروع قانون «المعاملة بالمثل» الدستوري، لحمل السلاح المخفي، وهو مشروع قانون قدّمه السيناتوران الجمهوريان جون كورنن وتيد كروز من شأنه أن يمنح الأفراد ذوي امتيازات حمل السلاح المخفي في ولايتهم الأصلية، الحق في ممارسة هذا الحق في أي ولاية أخرى. وللعلم، فإن كوتون أحد المشرّعين الأميركيين الحاصلين على أكبر قدر من التمويل من لوبي «الرابطة الوطنية للسلاح». وعام 2017، بحضور الرئيس ترمب، اقترح كوتون والسيناتور ديفيد بيردو مشروع قانون جديداً للهجرة، من شأنه الحد من مسار الأسرة أو الهجرة المتسلسلة، كما يحدد المشروع عدد اللاجئين الذين يُعرض عليهم الإقامة عند 50 ألفاً سنوياً، ويزيل تأشيرة الهجرة المتنوعة. وعام 2018 نفى كوتون، الذي كان حاضراً في اجتماع، أن يكون قد سمع ترمب يصف هايتي والدول الأفريقية بـ«البلدان القذرة». ومع أن البيت الأبيض لم ينفِ ذلك، نشر ترمب أقواله في تغريدة في اليوم التالي.

أخيراً، عارض كوتون قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، وقال عام 2012 إن «الخطوة الأولى هي إلغاء هذا القانون الذي يسيء إلى مجتمع حر وشعب حر». وكذلك عارض قانون حماية المرأة ضد العنف، ودافع عن الزواج التقليدي، ودعم بقوة قانون إلغاء الحق بالإجهاض، بحجة أنه «خطأ مأساوي» جرى «تصحيحه».


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
TT

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً في الانتخابات. هكذا خسر دونالد ترمب أمام هيلاري كلينتون عام 2016، وخسر جورج بوش الإبن أمام جون كيري عام 2004، لكنهما مع ذلك فازا بالبيت الأبيض. وقد يحتاج الأمر لعدة أسابيع لمعرفة تأثير نتائج مناظرة مساء الثلاثاء، بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق ترمب، على الناخبين «المتردّدين». لكن مع ذلك، أشارت النتائج الأولية إلى أن هاريس ربما تكون نجحت في تقديم رسالة أعمق بكثير من مجرّد كونها «منافسة جدّية» لترمب، تسعى إلى تقديم «أوراق اعتمادها» للناخبين بسرعة قياسية.

وسط عجز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن وقف تحدّي كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي، مساء الثلاثاء، تمكنت الأخيرة من تكرار الخطاب الذي ألقته في مؤتمر الحزب الديمقراطي، الشهر الماضي. وفيه قالت إنها تمثل «جيلاً» جديداً في السياسة الأميركية، آتياً «إلى واشنطن» من أصول سياسية واجتماعية وثقافية وعِرقية وعُمرية، يعكس التغيير الديمغرافي الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة، بدأت تداعياته بانتخاب باراك أوباما أول رئيس من غير البِيض.

ولعلَّ انضمام المغنية الأميركية الشهيرة، تايلور سويفت، التي أُثيرَ حولها كثير من «قصص المؤامرات»، بما فيها الكلام عن «مخطّط» تورّط به «البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)» لدعم هاريس، عبر منصة «إنستغرام» التي يتابعها فيها أكثر من 280 مليون شخص، يعكس هذا الجيل، الذي تُراهن عليه المرشحة الديمقراطية لإحداث التغيير.

سويفت كتبت أنها ستُصوّت لهاريس؛ «لأنها تُناضل من أجل حقوق وقضايا أعتقد أنها بحاجة لمحاربٍ يدافع عنها». وأضافت: «أعتقد أنها شخصية واثقة من نفسها وزعيمة موهوبة، وسيكون بإمكاننا أن نحقق كثيراً في هذه البلاد، إذا كان الزعيم الذي يقودنا هادئاً وليس فوضوياً». وجاء رد ترمب عليها سريعاً بأنه «لم يكن من المعجبين بتايلور سويفت... إنها شخص ليبرالي جداً، ويبدو أنها تؤيد دائماً المرشح الديمقراطي، وستدفع، على الأرجح، ثمن ذلك في السوق».

«تحييد» ترمب

منذ اللحظات الأولى للمناظرة، توجهت هاريس إلى منصة ترمب، وأجبرته على مصافحتها، فارضةً شروطها في إدارة الحوار، الذي سيحكم سلوكها من الآن وحتى يوم الانتخابات، بعد أقل من ثمانية أسابيع.

ومع محاولة هاريس أن تبدو نشيطة ومُفعمة برؤية مستقبلية إيجابية، فهي نجحت عملياً في «تحييده» وتجريده من أسلحته الهجومية، ومنعته من إهانتها بأسلوبه المعروف. لا، بل تمكنت من تأكيد الرسالة التي أرادت، من خلالها، مع عشرات النساء «العاملات» في مؤتمر الحزب الديمقراطي، القول للأميركيين: «إنه لاستعادةِ التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي اختلّ في أميركا، يجب أن نعيد بناء الطبقة الوسطى، التي تَراجع دورها ووزنها لمصلحة فاحشي الغنى والفقراء».

وفي المقابل، وقف ترمب محدّقاً وصارخاً بصوت عالٍ، منتقداً وضع أميركا، واصفاً إياها بأنها «دولة فاشلة». ومع تكراره خطاباته وشعاراته المعروفة، بدا أنه «خارج لعبته»، التي كان يعتقد أنه سيتمكن من مواصلتها في المناظرة معها، فأُصيبَ بالذهول من اللكمات التي تلقّاها من هاريس، من دون أن يتمكن من توجيه سوى قليل منها في المقابل.

هاريس لطيّ الصفحة

استطلاعات الرأي السابقة للمناظرة كانت تشير إلى أن ما يقرب من ثلث الناخبين «يريدون معرفة المزيد» عن هاريس. ولقد بدا أن رفضها الخضوع لضغوط الجمهوريين وانتقاداتهم إياها بسبب امتناعها عن عقد مؤتمرات صحافية مفتوحة، كان مقصوداً لمنع ترمب من الحصول على «داتا» من المعلومات عنها يستطيع استخدامها في مهاجمتها، بعدما أصبحت مرشحة الحزب الديمقراطي.

ومقابل نجاح هاريس في تقديم أداء موجّه؛ ليس فقط لتوسيع ائتلافها من الأقليات، بل النساء والفئات الطموحة لتغيير وضعها الاجتماعي، فشل ترمب في تقديم خطاب مماثل. وبدلاً من أن تردّ هاريس على الضغوط «للتعريف عن نفسها» بشكل أكبر أمام الناخبين، من خلال تحديد مواقفها بشأن السياسات، اختارت الرد عبر تقديم نفسها بصفتها سياسية قوية نشطت بلا هوادة في مهاجمة ترمب.

وهكذا لعبت دور المدَّعي العام منذ بداية المناظرة إلى نهايتها، ولا سيما عندما دعت «إلى طي صفحة ترمب»، ووصفته بأنه تهديد لمستقبل البلاد إذا عاد إلى المكتب البيضاوي، وصوّرته على أنه مهووس بنفسه، وليس بالأشخاص الذين يسعى لخدمتهم.

كذلك قدمت تفاصيل عن إداناته الجنائية، ولوائح الاتهام الموجّهة إليه، حتى إنها استهزأت بشأن أحجام الحشود في مهرجاناته الانتخابية، وصولاً إلى «الانتقادات» التي «سمعتها» من القادة الأجانب والعسكريين، الذين قالت إنهم وصفوه بأنه «عار». وبدا أداؤها مهيمناً ومباشراً وثابتاً لمستوى لم يعهده ترمب من قبلُ في حياته السياسية.

قاعدة ترمب هي الأساس

في المقابل، وبدلاً من أن يبذل ترمب جهداً لتوسيع قاعدته الانتخابية، فإنه حافظ على خطابه وتصوّراته الموجّهة لقاعدته الأكثر ولاءً، ما أدى إلى تآكل قدرته على مخاطبة الناخبين الأكثر اعتدالاً، وبالأخص إحجامه عن توضيح نياته تجاه الناخبين الأساسيين في الولايات المتأرجحة الذين سيقرّرون نتيجة الانتخابات. ثم إن الرئيس السابق بدا، في كثير من الأحيان، أنه يتمنى لو كان لا يزال يناقش مُنافسه السابق، الرئيس جو بايدن. وفي تفسيرها ارتباك ترمب، خاطبته هاريس قائلة: «أنت لا تترشح ضد جو بايدن، أنت تتنافس ضدي».

لقد كان طبيعياً أن يشعر الديمقراطيون بالارتياح من أداء مرشحتهم، مقابل تقليل الجمهوريين من أهمية «فشل» أداء زعيمهم. ومع ذلك، فإنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان أداء هاريس القوي سيُترجَم إلى زخم جديد. لذا اكتفي الديمقراطيون بالقول إنها حسّنت فرصها، وسط استطلاعات رأي فورية أجْرتها وسائل إعلام رئيسة كبرى، تشير إلى احتمال أن يكون عدد الناخبين في الولايات المتأرجحة، الذين قد يقرّرون نتيجة الانتخابات المقبلة، وقاموا بتغيير رأيهم، قد وصل إلى 200 ألف شخص.

بدلاً من أن يبذل ترمب جهداً لتوسيع قاعدته الانتخابية... فإنه حافظ على خطابه الموجّه لقاعدته

قوة ترمب... ملفا الاقتصاد والهجرة

غير أن عدداً كبيراً من المعلّقين أشار إلى أن خسارة ترمب المفترضة للمناظرة لم تُفقده «الأفضلية» التي لا يزال يتمتع بها منذ فترة طويلة في أهم قضيتين في الانتخابات: الاقتصاد والهجرة.

ومع استمرار انتظار كثير من الناخبين تحقيق الوعود بانتعاش اقتصادي - الذي لن يأتي خلال الأسابيع الثمانية المقبلة - من غير المؤكَّد أن تُشكّل المناظرة عاملاً حاسماً في تغيير اتجاهات تصويتهم. ومن ناحية ثانية، وإنْ بدت رسائل ترمب «الشعبوية» المتشائمة بشأن الهجرة والجريمة مُبالَغاً فيها، فإنها أثبتت فاعليتها في بلدٍ يعيش انقساماً عميقاً تَغذَّى من انهيار كثير من شبكات الأمان الاجتماعية نتيجة اتساع الهوة بين طبقات المجتمع الأميركي، والتغييرات البنيوية التي أصابت الإنتاج الاقتصادي. وعليه، يحذّر خبراء من أن بعض الأحداث غير المتوقعة، داخلياً وخارجياً، قد تسهم، خلال الشهرين المقبلين، في ترجيح كفة أحد المتنافسين على مُنافسه.

وحقاً، تَعِد الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية بأن تكون مثيرة للجدل، مثل المناظرة التي استمرت 90 دقيقة بين ترمب وهاريس. إذ أظهرت استطلاعات الرأي غياب «الزعيم» الواضح لشعب متوتر حائر. ورغم تمكن هاريس من التصدّي لصدامية شخصية ترمب و«ذكوريته» - على الأقل جزئياً بأدائها القوي والثابت - ففي سباق متقارب... لا يستطيع أي من المرشحين تحمّل العثرات أو الأخطاء.

وبالفعل، حذّر عدد من الجمهوريين من أن استخفاف ترمب بهاريس جعله يُقبِل على مناظرة لم يتوقعها. وكان سبق له أن استخفَّ بها شخصياً، وشكَّك في ذكائها وهويتها. وعندما حُوصر في المناقشة، استخدم قضية الهجرة لشنّ الهجوم المضاد، لكنه كرر أيضاً كثيراً من الادعاءات غير المثبَتة... التي لم تُسعفه كثيراً.

سباق متقارب رغم كل شيء

تكراراً، استراتيجية ترمب كانت تهدف، إلى حد ما، إلى جذب قاعدته المُوالية فقط، التي يراهن على أنها هي كل ما سيحتاج إليه للفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وحتماً، كانت تلك القاعدة راضية عن هجماته المتواصلة على سِجلّيْ بايدن وهاريس، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة والسياسة الخارجية. لكن مع منافسة شديدة بينهما، بدت هاريس، بجاذبيتها التي فتحت صفحة جديدة، أكثر اهتماماً منه بتوسيع دعمها بما يكفي لتجاوزه في نوفمبر.

ومع هذا، لا بد من القول إنه على الرغم من كل الاضطرابات والتغييرات التي جرت، الشهرين الماضيين، وكل ما قاله ترمب وفعله، بما في ذلك إدانته بارتكاب جريمة، وهجماته الشخصية على هاريس، لا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى أن انتخابات عام 2024 متقاربة بشكل شديد، وكأنها نزالٌ أخير في معركة بين «جيلين» ستُغيّر؛ ليس فقط مستقبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بل أميركا نفسها.

قبل المناظرة، ركز معظم التعليقات على ما يتوجب على هاريس فعله، والأخطار التي تهددها إذا كان أداؤها ضعيفاً. بَيْد أنها بعد العرض المشجِّع الذي قدمته، ستحاول، الآن، الحفاظ على الزخم الذي حققته في الأسابيع المقبلة.

كذلك مع انسحاب بايدن، تحوّلت هاريس من مرشحة بديلة إلى مرشحة ديمقراطية رائدة بين ليلةٍ وضحاها، مستفيدة من موجة الحماسة التي سبقت مؤتمر الحزب، في شيكاغو، الشهر الماضي، وتخلَّلته وتَلَتْه.

بالنسبة للديمقراطيين، فإن مجرد عودتهم إلى السباق جاءت بمثابة دفعة معنوية. وبعدما كانوا يخشون من عجز بايدن عن الفوز في الانتخابات، حرّكت هاريس استطلاعات الرأي بأربع إلى خمس نقاط في جميع ولايات الصراع الرئيسة، وفقاً لاستطلاعات رأي عدة. وبعكس بايدن، أعادت هاريس توحيد الديمقراطيين حول ترشيحها لتُعيد السباق الرئاسي، على الأقل، إلى معركة تنافسية عنيفة بعدما بدا أن ترمب في طريقه إلى فوز محتّم. وبالفعل، قالت، للصحافيين في قاعة مراقبة المناظرة، إن «اليوم كان يوماً جيداً»، إلا أنها حذّرت من سباق «متقارب جداً... وما زلنا الطرف المستضعَف في هذا السباق».

أخيراً، في انتخابات متقاربة الأنفاس للغاية، يرى خبراء الانتخابات أن كل شيء مهم، المناقشات، والرسائل، والإعلانات، والحماس، وأين ومتى يقوم المرشحون بحملاتهم. ومع قول هاريس إنها «المستضعَفة»، وبالنظر إلى المفاجأة التي حققها ترمب عام 2016، من المحتمل أن يكون تحذيرها هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه، فهي جاءت إلى المناظرة لإثبات شيء ما، وفعلت ذلك، لكنها لا تستطيع أن تتوقف، ولا يوجد ثمة هامش للخطأ.

 

الولايات السبع المتأرجحة هي الأكثر قسوة في التشدد لحسم السباق الرئاسي

يُنظَر إلى الديمقراطيين على أنهم يتمتعون بقدرات ميدانية قوية لحضّ الناخبين على التصويت، كما أثبتوا ذلك في الانتخابات النصفية عام 2022، عندما كان أداؤهم أفضل بكثير مما أشارت إليه استطلاعات الرأي والتوقعات. لكن الوقع قد يختلف بوجود ترمب على بطاقة الاقتراع، إذ أثبت أنه مُحفّز قوي للقاعدة الجمهورية، حتى في غياب البنية التحتية الضرورية لحملته في كل ولاية على حدة. ومع إدراك الديمقراطيين أن عليهم العمل لدفع ناخبيهم إلى مراكز الاقتراع، فهم يشعرون بالقلق من أن أنصار ترمب الغاضبين والقلِقين لا يحتاجون للتحفيز.ومع بقاء أقل من ثمانية أسابيع على الانتخابات، تبدو المنافسة شديدة الحرارة إحصائياً على الصعيد الوطني. والأهم من ذلك أن ولايات الصراع السبع التي ستقرر النتيجة: ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن ونورث كارولينا وجورجيا ونيفادا وأريزونا، تبدو أيضاً أكثر قسوة، استناداً إلى متوسطات استطلاعات الرأي، التي أجرتها أربع مؤسسات هي: «الواشنطن بوست»، و«النيويورك تايمز»، و«الريل كلير بوليتيكس»، و«538».إذ ارتفع معدل هاريس نقطتين مئويتين في ميشيغان، وتعادلت بنقطة مئوية مع ترمب في جورجيا وأريزونا. وتُظهر بنسلفانيا، التي يرى عدد من المحللين أنها مفتاح الانتخابات، أن هاريس تتقدم بفارق نقطة أو نقطتين مئويتين. أما الولاية الوحيدة التي يتقدم فيها أحد المرشحين بأكثر من نقطتين مئويتين فهي ولاية ويسكونسن، حيث تتمتع هاريس بفارق ثلاث نقاط مئوية في المتوسط. ومع هذا، ففي أربعة من الانتخابات الستة الماضية في ويسكونسن - بما في ذلك عاما 2020 و2016 - كان هامش الفائز نقطة مئوية أو أقل، ما يشير إلى وجود منافسة حامية الوطيس هناك.تقدّم الانتخابات الماضية للديمقراطيين تحذيرات تفرض عليهم التوقف أمام نتائجها، إذ تقدَّم ترمب، في استطلاعات الرأي خلال عامي 2016 و2020، لكنه ربح الأولى، وخسر الثانية. وفي ساحات الصراع الشمالية الثلاث، قلّلت استطلاعات الرأي، قبل الانتخابات، من دعم ترمب النهائي بثلاث نقاط في ميشيغان، وثلاث نقاط في بنسلفانيا، وخمس نقاط في ويسكونسن. وفي الوقت نفسه، تُظهر متوسطات موقع «الريل كلير بوليتيكس»، أن دعم ترمب يتقدّم، هذا العام، مقارنة بما كان عليه قبل أربع سنوات.