هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

أحد «صقور الحرب» الذي قفز اسمه إلى لائحة مرشحي ترمب لمنصب نائب الرئيس

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون
TT

هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري بعد نحو 5 أشهر، لا يزال اسم نائب الرئيس الذي سيُدرج على بطاقة الانتخاب مع الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، أمراً غير محسوم. غير أن قائمة الترشيحات حملت أسماءً عدة؛ ما أضفى على التكهنات مزيداً من الغموض. ولقد برز اسم السيناتور الجمهوري توم كوتون، من ولاية أركنسو، بشكل غير متوقّع كأحد أبرز المنافسين على منصب نائب الرئيس، في إشارة إلى أن الرئيس السابق يفضل الخبرة والقدرة على إدارة حملة منضبطة على عوامل أخرى. ويأتي صعود أسهم كوتون مع تزايد الإعلام والراصدين السياسيين على خيارات ترمب الرئيسية لمنصب نائب الرئيس. وكان قد نقل عنه قوله سراً إنه ينظر إلى كوتون باعتباره جهة اتصال موثوقة وفاعلة في المقابلات الإخبارية عبر القنوات الفضائية، وأشاد بخدمته العسكرية في العراق وأفغانستان.

على الرغم من تسارع العد التنازلي لانتخابات الرئاسة أميركية يقول مقربون من الرئيس السابق دونالد ترمب، إنه لم يُشر بعد إلى شخص معين يفضله على غيره لمنصب نائب الرئيس، كما لم يُظهر اهتماماً كبيراً بحسم الأمر قريباً. هنا يرى البعض أن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري شبه المحسوم، ربما يرغب في تحقيق هدفين: استخدام اختيار الاسم سلاحاً سياسياً للحصول على «الولاء»، وإكمال استراتيجيته للسيطرة على قيادة الحزب الجمهوري بعدما ضمن ولاء القاعدة.

ومع قول مراقبين إن ترمب راغب حقاً في اختيار نائب له بعيداً عن الأخطار الناجمة عن تشتيت حملته الرئاسية جرّاء التهديدات القانونية التي يتعرّض لها، وهو ما قد يفسر اهتمامه بكوتون، الذي فاز بسهولة بولاية ثانية في مجلس الشيوخ عام 2020. فإن هؤلاء يحذّرون من أن تفضيلاته لمنصب نائب الرئيس قد تتغير، وهو ما قد يشير أيضاً إلى وجود فرصة لمنافس آخر غير كوتون.

مَن هو كوتون؟

ولد توماس بريانت كوتون يوم 13 مايو (أيار) 1977 في بلدة دردنيلز، بولاية أركنسو. وهو محام وضابط عسكري سابق، كان قد انتُخب عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن الولاية الجنوبية المحافظة عام 2015 وهو في سن الـ37 سنة. وسبق له أن خدم في مجلس النواب بين عامَي 2013 و2015.

الأب، توماس ليونارد كوتون، كان مشرفاً في وزارة الصحة بأركنسو، والأم، أفيس كوتون، كانت معلّمة مدرسة وصارت في ما بعد مديرة المدرسة المتوسطة في منطقتهم. أما العائلة، فعاشت في ريف أركنسو لمدة سبعة أجيال، ونشأ الصغير توم في مزرعة الماشية الخاصة بأسرته. وعندما التحق بمدرسة دردنيلز الثانوية، أتاح له طوله (1.96 متر) للعب في فرق كرة السلة المحلية والإقليمية. وهو متزوج من المحامية آنا بيكهام منذ عام 2014، ولديهما طفلان.

سنوات هارفارد

بعد تخرّج كوتون في المدرسة الثانوية عام 1995، التحق بجامعة هارفارد العريقة، وهناك تخصص في الحكومة (الإدارة العامة) وكان عضواً في هيئة تحرير مجلة «هارفارد كريمزون» الجامعية، وبسبب خلفيته اليمينية المحافظة، كان غالباً من معارضي الغالبية الليبرالية فيها. ومن ثم، بعد التخرج في هارفارد، عام 1998، قُبل كوتون في برنامج الماجستير بجامعة كليرمونت للدراسات العليا بولاية كاليفورنيا. لكنه غادرها عام 1999، بحجة أنه وجد الحياة الأكاديمية «راكدة للغاية». وعلى الأثر، عاد إلى هارفارد حيث التحق بكلية الحقوق فيها، وتخرّج مُجازاً في القانون عام 2002.

في أعقاب التخرج في كلية الحقوق، أمضى كوتون سنة واحدة في العمل كاتباً قانونياً، ثم انتقل بعد ذلك إلى الممارسة الخاصة مساعداً في شركات محاماة بالعاصمة الأميركية واشنطن، إلى أن التحق بالجيش الأميركي في عام 2005. وفي الجيش، دخل مدرسة الضباط المرشحين وأكمل عمليتي نشر قتاليتين في العراق وأفغانستان، حيث حصل على النجمة البرونزية، واثنين من أوسمة الثناء العسكري، وشارة المشاة القتالية، وميدالية حملة أفغانستان، وميدالية العراق، وفي النهاية جرى تسريحه بدرجة شرف في سبتمبر (أيلول) 2009.

ومن هناك وجّه اهتمامه صوب السياسة...

في الانتخابات التمهيدية لمجلس النواب التي أجريت عام 2012، فاز كوتون في الانتخابات العامة على منافسه جين جيفريز بنسبة 59.5 في المائة من الأصوات، بفضل دعم من السيناتور الراحل جون ماكين (أريزونا) وحركة «حزب الشاي» و«المؤسسة» الحزبية الجمهورية. ثم في عام 2014 أعلن عن ترشحه لمقعد في مجلس الشيوخ، وهذه المرة مدعوماً من تجمع المحافظين والسيناتور ماركو روبيو (فلوريدا) والسيناتور ميت رومني (يوتاه) المرشح الرئاسي السابق. وفاز بمنصبه متغلباً على السيناتور الديمقراطي مارك بريور، بعد حصل على 56.5 في المائة من الأصوات.

نجم يميني صاعد

لطالما اعتُبر توم كوتون أحد النجوم الصاعدين في الحزب الجمهوري، وهذا طموح قد يضرّ بفرصه مع ترمب، الذي قوّض حلفاءه في الماضي عندما رأى أنهم يتطفلون على سرقة الأضواء منه. وبطبيعة الحال، يصعب التنبؤ بتصرفات ترمب، الذي - كما سبقت الإشارة - لا يبدو في عجلة من أمره لاتخاذ قراره بشأن تسمية الشخصية التي سيختارها لمنصب نائب الرئيس. وكان ترمب قد قال أخيراً في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إنه من المرجح أن يكون موعد اختياره أقرب إلى موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، المقرر أن يبدأ في 15 يوليو (تموز) المقبل.

وللعلم، مع أن كثيرين يرَون أن تصويت كوتون بالمصادقة على نتائج انتخابات الرئاسة لعام 2020 - التي فاز فيها جو بايدن - خطوة معاكسة لإصرار ترمب على القول بأن الانتخابات «سُرقت منه»، وقد يؤثر على اختياره. يجب القول إن كوتون ليس الوحيد من بين الأسماء المطروحة راهناً الذين عارضوا ادعاءات ترمب. إذ صادق أيضاً السيناتوران ماركو روبيو وتيم سكوت على النتائج، بينما قال دوغ بورغوم إن نائب الرئيس السابق مايك بنس فعل الشيء الصحيح من خلال مقاومة ضغوط ترمب لمحاولة قلب النتائج.

تحوّلاته الشعبوية

على الرغم مما تقدّم، يصف كثيرون كوتون بأنه أحد الأصوات الرائدة في الساحة «الترمبية». وكتبت صحيفة «الواشنطن بوست» عنه قائلة: «الأمر المذهل كيفية تكيّف كوتون منذ فوز ترمب بالرئاسة للمرة الأولى، في حين جادل آخرون بأن (السيناتور الشاب) يمكن أن يكون (وريثاً) للجناح (الترمبي) في الحزب الجمهوري». ثم أنه عندما سُئل كوتون عن الخدمة في إدارة ترمب الثانية في حال فاز الأخير بالانتخابات، أجاب إن مناقشاته معه تركز على كيفية الفوز. وصرّح يوم 20 مايو (أيار) على قناة «فوكس نيوز» موضحاً: «عندما نتكلّم فإننا نتكلّم عمّا سيتطلبه الأمر للفوز بهذه الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، وعن انتخاب الرئيس ترمب لفترة ولاية أخرى في البيت الأبيض وانتخاب كونغرس جمهوري كي نتمكن من البدء في إصلاح الضرر الذي أصاب هذا البلد بسبب رئاسة جو بايدن».

وهنا، يقول ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس ترمب والمخطط اليميني المتشدّد، عن كوتون: «بجانب ترمب، إنه المسؤول المنتخب الذي يمثّل أكبر قدر من القومية الاقتصادية. وكان كوتون هو الأكثر دعماً لنا، في المقدمة وخلف الكواليس، منذ البداية. وهو يدرك أن النخبة في واشنطن – هذه الطبقة السياسية الدائمة لكلا الحزبين، والمستشارين والسياسيين – في حاجة إلى التحطيم». غير أن مسيرة كوتون السياسية وتحوّلاته نحو اليمين الشعبوي المحافظ، بدأت منذ انتُخب نائباً، وكان منذ ذلك معارضاً قوياً للسياسات الخارجية والداخلية لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، واقترع عملياً ضد كل مشاريع القوانين التي اقترحتها إدارته.

يتفوّق على ترمب

في عام 2020، أعيد انتخاب كوتون سيناتوراً، إثر فوزه على ريكي هارينغتون منافسه من الحزب الليبرتاري (الحزب «التفلتي» في أقصى اليمين) - لم يكن للديمقراطيين مرشح في هذه الانتخابات، لكنهم صوّتوا لهارينغتون -. بل وتفوّق كوتون حتى على ترمب في الانتخابات الرئاسية المتزامنة بنسبة 4.1 في المائة من معدل الأصوات.

وخلال رئاسة ترمب، عُد كوتون من الموالين له، وقال في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، بعد وقت قصير من الانتخابات الرئاسية لعام 2016، إن أسلوب الإيهام بالغرق - الذي طالب ترمب باستئنافه - ليس من أشكال التعذيب. وأردف إن «الدعوات الصعبة» مثل السماح بذلك، خيار كان ترمب على استعداد لاتخاذه «لأنه رجل قوي».

كذلك، قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية عام 2020، أيّد كوتون تصويتاً فورياً في مجلس الشيوخ على مرشح ترمب لملء المنصب الشاغر في المحكمة العليا بسبب وفاة القاضية روث بايدر غينزبرغ، لكنه رفض في مارس (آذار) 2016، النظر في مرشح أوباما للمحكمة العليا خلال عام الانتخابات الرئاسية، وكانت حجته «لماذا نقطع النقاش الوطني حول القاضي المقبل؟ لماذا نسحق صوت الشعب؟ هل نحرم الناخبين من فرصة إبداء رأيهم في تشكيل المحكمة العليا؟».

العنصرية والعبودية

وبعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد وهو في قبضة الشرطة، رفض كوتون الرأي القائل بوجود «عنصرية نظامية في نظام العدالة الجنائية في أميركا»، وأيّد ترمب - وسط الاحتجاجات التي تلت ذلك - على «إكس» («تويتر» سابقاً)، إلى استخدام الجيش لدعم الشرطة. وفي وصفه للعبودية، قدّم كوتون في 2020، قانون «إنقاذ التاريخ الأميركي»، قائلاً: «كما قال الآباء المؤسسون، كانت الشر الضروري الذي بُني عليه الاتحاد. ولكن بُني الاتحاد بطريقة، كما قال (الرئيس إبراهام) لنكولن، لوضع العبودية في طريقها إلى انقراضها النهائي».

السلاح والهجرة والإجهاض

وفي يناير (كانون الثاني) 2019، كان توم كوتون واحداً من 31 سيناتوراً جمهورياً رعوا مشروع قانون «المعاملة بالمثل» الدستوري، لحمل السلاح المخفي، وهو مشروع قانون قدّمه السيناتوران الجمهوريان جون كورنن وتيد كروز من شأنه أن يمنح الأفراد ذوي امتيازات حمل السلاح المخفي في ولايتهم الأصلية، الحق في ممارسة هذا الحق في أي ولاية أخرى. وللعلم، فإن كوتون أحد المشرّعين الأميركيين الحاصلين على أكبر قدر من التمويل من لوبي «الرابطة الوطنية للسلاح». وعام 2017، بحضور الرئيس ترمب، اقترح كوتون والسيناتور ديفيد بيردو مشروع قانون جديداً للهجرة، من شأنه الحد من مسار الأسرة أو الهجرة المتسلسلة، كما يحدد المشروع عدد اللاجئين الذين يُعرض عليهم الإقامة عند 50 ألفاً سنوياً، ويزيل تأشيرة الهجرة المتنوعة. وعام 2018 نفى كوتون، الذي كان حاضراً في اجتماع، أن يكون قد سمع ترمب يصف هايتي والدول الأفريقية بـ«البلدان القذرة». ومع أن البيت الأبيض لم ينفِ ذلك، نشر ترمب أقواله في تغريدة في اليوم التالي.

أخيراً، عارض كوتون قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، وقال عام 2012 إن «الخطوة الأولى هي إلغاء هذا القانون الذي يسيء إلى مجتمع حر وشعب حر». وكذلك عارض قانون حماية المرأة ضد العنف، ودافع عن الزواج التقليدي، ودعم بقوة قانون إلغاء الحق بالإجهاض، بحجة أنه «خطأ مأساوي» جرى «تصحيحه».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.