هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

أحد «صقور الحرب» الذي قفز اسمه إلى لائحة مرشحي ترمب لمنصب نائب الرئيس

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون
TT
20

هل يصبح السيناتور توم كوتون وريث «الترمبية» في الحزب الجمهوري؟

السيناتور توم كوتون
السيناتور توم كوتون

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري بعد نحو 5 أشهر، لا يزال اسم نائب الرئيس الذي سيُدرج على بطاقة الانتخاب مع الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، أمراً غير محسوم. غير أن قائمة الترشيحات حملت أسماءً عدة؛ ما أضفى على التكهنات مزيداً من الغموض. ولقد برز اسم السيناتور الجمهوري توم كوتون، من ولاية أركنسو، بشكل غير متوقّع كأحد أبرز المنافسين على منصب نائب الرئيس، في إشارة إلى أن الرئيس السابق يفضل الخبرة والقدرة على إدارة حملة منضبطة على عوامل أخرى. ويأتي صعود أسهم كوتون مع تزايد الإعلام والراصدين السياسيين على خيارات ترمب الرئيسية لمنصب نائب الرئيس. وكان قد نقل عنه قوله سراً إنه ينظر إلى كوتون باعتباره جهة اتصال موثوقة وفاعلة في المقابلات الإخبارية عبر القنوات الفضائية، وأشاد بخدمته العسكرية في العراق وأفغانستان.

على الرغم من تسارع العد التنازلي لانتخابات الرئاسة أميركية يقول مقربون من الرئيس السابق دونالد ترمب، إنه لم يُشر بعد إلى شخص معين يفضله على غيره لمنصب نائب الرئيس، كما لم يُظهر اهتماماً كبيراً بحسم الأمر قريباً. هنا يرى البعض أن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري شبه المحسوم، ربما يرغب في تحقيق هدفين: استخدام اختيار الاسم سلاحاً سياسياً للحصول على «الولاء»، وإكمال استراتيجيته للسيطرة على قيادة الحزب الجمهوري بعدما ضمن ولاء القاعدة.

ومع قول مراقبين إن ترمب راغب حقاً في اختيار نائب له بعيداً عن الأخطار الناجمة عن تشتيت حملته الرئاسية جرّاء التهديدات القانونية التي يتعرّض لها، وهو ما قد يفسر اهتمامه بكوتون، الذي فاز بسهولة بولاية ثانية في مجلس الشيوخ عام 2020. فإن هؤلاء يحذّرون من أن تفضيلاته لمنصب نائب الرئيس قد تتغير، وهو ما قد يشير أيضاً إلى وجود فرصة لمنافس آخر غير كوتون.

مَن هو كوتون؟

ولد توماس بريانت كوتون يوم 13 مايو (أيار) 1977 في بلدة دردنيلز، بولاية أركنسو. وهو محام وضابط عسكري سابق، كان قد انتُخب عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن الولاية الجنوبية المحافظة عام 2015 وهو في سن الـ37 سنة. وسبق له أن خدم في مجلس النواب بين عامَي 2013 و2015.

الأب، توماس ليونارد كوتون، كان مشرفاً في وزارة الصحة بأركنسو، والأم، أفيس كوتون، كانت معلّمة مدرسة وصارت في ما بعد مديرة المدرسة المتوسطة في منطقتهم. أما العائلة، فعاشت في ريف أركنسو لمدة سبعة أجيال، ونشأ الصغير توم في مزرعة الماشية الخاصة بأسرته. وعندما التحق بمدرسة دردنيلز الثانوية، أتاح له طوله (1.96 متر) للعب في فرق كرة السلة المحلية والإقليمية. وهو متزوج من المحامية آنا بيكهام منذ عام 2014، ولديهما طفلان.

سنوات هارفارد

بعد تخرّج كوتون في المدرسة الثانوية عام 1995، التحق بجامعة هارفارد العريقة، وهناك تخصص في الحكومة (الإدارة العامة) وكان عضواً في هيئة تحرير مجلة «هارفارد كريمزون» الجامعية، وبسبب خلفيته اليمينية المحافظة، كان غالباً من معارضي الغالبية الليبرالية فيها. ومن ثم، بعد التخرج في هارفارد، عام 1998، قُبل كوتون في برنامج الماجستير بجامعة كليرمونت للدراسات العليا بولاية كاليفورنيا. لكنه غادرها عام 1999، بحجة أنه وجد الحياة الأكاديمية «راكدة للغاية». وعلى الأثر، عاد إلى هارفارد حيث التحق بكلية الحقوق فيها، وتخرّج مُجازاً في القانون عام 2002.

في أعقاب التخرج في كلية الحقوق، أمضى كوتون سنة واحدة في العمل كاتباً قانونياً، ثم انتقل بعد ذلك إلى الممارسة الخاصة مساعداً في شركات محاماة بالعاصمة الأميركية واشنطن، إلى أن التحق بالجيش الأميركي في عام 2005. وفي الجيش، دخل مدرسة الضباط المرشحين وأكمل عمليتي نشر قتاليتين في العراق وأفغانستان، حيث حصل على النجمة البرونزية، واثنين من أوسمة الثناء العسكري، وشارة المشاة القتالية، وميدالية حملة أفغانستان، وميدالية العراق، وفي النهاية جرى تسريحه بدرجة شرف في سبتمبر (أيلول) 2009.

ومن هناك وجّه اهتمامه صوب السياسة...

في الانتخابات التمهيدية لمجلس النواب التي أجريت عام 2012، فاز كوتون في الانتخابات العامة على منافسه جين جيفريز بنسبة 59.5 في المائة من الأصوات، بفضل دعم من السيناتور الراحل جون ماكين (أريزونا) وحركة «حزب الشاي» و«المؤسسة» الحزبية الجمهورية. ثم في عام 2014 أعلن عن ترشحه لمقعد في مجلس الشيوخ، وهذه المرة مدعوماً من تجمع المحافظين والسيناتور ماركو روبيو (فلوريدا) والسيناتور ميت رومني (يوتاه) المرشح الرئاسي السابق. وفاز بمنصبه متغلباً على السيناتور الديمقراطي مارك بريور، بعد حصل على 56.5 في المائة من الأصوات.

نجم يميني صاعد

لطالما اعتُبر توم كوتون أحد النجوم الصاعدين في الحزب الجمهوري، وهذا طموح قد يضرّ بفرصه مع ترمب، الذي قوّض حلفاءه في الماضي عندما رأى أنهم يتطفلون على سرقة الأضواء منه. وبطبيعة الحال، يصعب التنبؤ بتصرفات ترمب، الذي - كما سبقت الإشارة - لا يبدو في عجلة من أمره لاتخاذ قراره بشأن تسمية الشخصية التي سيختارها لمنصب نائب الرئيس. وكان ترمب قد قال أخيراً في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إنه من المرجح أن يكون موعد اختياره أقرب إلى موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، المقرر أن يبدأ في 15 يوليو (تموز) المقبل.

وللعلم، مع أن كثيرين يرَون أن تصويت كوتون بالمصادقة على نتائج انتخابات الرئاسة لعام 2020 - التي فاز فيها جو بايدن - خطوة معاكسة لإصرار ترمب على القول بأن الانتخابات «سُرقت منه»، وقد يؤثر على اختياره. يجب القول إن كوتون ليس الوحيد من بين الأسماء المطروحة راهناً الذين عارضوا ادعاءات ترمب. إذ صادق أيضاً السيناتوران ماركو روبيو وتيم سكوت على النتائج، بينما قال دوغ بورغوم إن نائب الرئيس السابق مايك بنس فعل الشيء الصحيح من خلال مقاومة ضغوط ترمب لمحاولة قلب النتائج.

تحوّلاته الشعبوية

على الرغم مما تقدّم، يصف كثيرون كوتون بأنه أحد الأصوات الرائدة في الساحة «الترمبية». وكتبت صحيفة «الواشنطن بوست» عنه قائلة: «الأمر المذهل كيفية تكيّف كوتون منذ فوز ترمب بالرئاسة للمرة الأولى، في حين جادل آخرون بأن (السيناتور الشاب) يمكن أن يكون (وريثاً) للجناح (الترمبي) في الحزب الجمهوري». ثم أنه عندما سُئل كوتون عن الخدمة في إدارة ترمب الثانية في حال فاز الأخير بالانتخابات، أجاب إن مناقشاته معه تركز على كيفية الفوز. وصرّح يوم 20 مايو (أيار) على قناة «فوكس نيوز» موضحاً: «عندما نتكلّم فإننا نتكلّم عمّا سيتطلبه الأمر للفوز بهذه الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، وعن انتخاب الرئيس ترمب لفترة ولاية أخرى في البيت الأبيض وانتخاب كونغرس جمهوري كي نتمكن من البدء في إصلاح الضرر الذي أصاب هذا البلد بسبب رئاسة جو بايدن».

وهنا، يقول ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس ترمب والمخطط اليميني المتشدّد، عن كوتون: «بجانب ترمب، إنه المسؤول المنتخب الذي يمثّل أكبر قدر من القومية الاقتصادية. وكان كوتون هو الأكثر دعماً لنا، في المقدمة وخلف الكواليس، منذ البداية. وهو يدرك أن النخبة في واشنطن – هذه الطبقة السياسية الدائمة لكلا الحزبين، والمستشارين والسياسيين – في حاجة إلى التحطيم». غير أن مسيرة كوتون السياسية وتحوّلاته نحو اليمين الشعبوي المحافظ، بدأت منذ انتُخب نائباً، وكان منذ ذلك معارضاً قوياً للسياسات الخارجية والداخلية لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، واقترع عملياً ضد كل مشاريع القوانين التي اقترحتها إدارته.

يتفوّق على ترمب

في عام 2020، أعيد انتخاب كوتون سيناتوراً، إثر فوزه على ريكي هارينغتون منافسه من الحزب الليبرتاري (الحزب «التفلتي» في أقصى اليمين) - لم يكن للديمقراطيين مرشح في هذه الانتخابات، لكنهم صوّتوا لهارينغتون -. بل وتفوّق كوتون حتى على ترمب في الانتخابات الرئاسية المتزامنة بنسبة 4.1 في المائة من معدل الأصوات.

وخلال رئاسة ترمب، عُد كوتون من الموالين له، وقال في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، بعد وقت قصير من الانتخابات الرئاسية لعام 2016، إن أسلوب الإيهام بالغرق - الذي طالب ترمب باستئنافه - ليس من أشكال التعذيب. وأردف إن «الدعوات الصعبة» مثل السماح بذلك، خيار كان ترمب على استعداد لاتخاذه «لأنه رجل قوي».

كذلك، قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية عام 2020، أيّد كوتون تصويتاً فورياً في مجلس الشيوخ على مرشح ترمب لملء المنصب الشاغر في المحكمة العليا بسبب وفاة القاضية روث بايدر غينزبرغ، لكنه رفض في مارس (آذار) 2016، النظر في مرشح أوباما للمحكمة العليا خلال عام الانتخابات الرئاسية، وكانت حجته «لماذا نقطع النقاش الوطني حول القاضي المقبل؟ لماذا نسحق صوت الشعب؟ هل نحرم الناخبين من فرصة إبداء رأيهم في تشكيل المحكمة العليا؟».

العنصرية والعبودية

وبعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد وهو في قبضة الشرطة، رفض كوتون الرأي القائل بوجود «عنصرية نظامية في نظام العدالة الجنائية في أميركا»، وأيّد ترمب - وسط الاحتجاجات التي تلت ذلك - على «إكس» («تويتر» سابقاً)، إلى استخدام الجيش لدعم الشرطة. وفي وصفه للعبودية، قدّم كوتون في 2020، قانون «إنقاذ التاريخ الأميركي»، قائلاً: «كما قال الآباء المؤسسون، كانت الشر الضروري الذي بُني عليه الاتحاد. ولكن بُني الاتحاد بطريقة، كما قال (الرئيس إبراهام) لنكولن، لوضع العبودية في طريقها إلى انقراضها النهائي».

السلاح والهجرة والإجهاض

وفي يناير (كانون الثاني) 2019، كان توم كوتون واحداً من 31 سيناتوراً جمهورياً رعوا مشروع قانون «المعاملة بالمثل» الدستوري، لحمل السلاح المخفي، وهو مشروع قانون قدّمه السيناتوران الجمهوريان جون كورنن وتيد كروز من شأنه أن يمنح الأفراد ذوي امتيازات حمل السلاح المخفي في ولايتهم الأصلية، الحق في ممارسة هذا الحق في أي ولاية أخرى. وللعلم، فإن كوتون أحد المشرّعين الأميركيين الحاصلين على أكبر قدر من التمويل من لوبي «الرابطة الوطنية للسلاح». وعام 2017، بحضور الرئيس ترمب، اقترح كوتون والسيناتور ديفيد بيردو مشروع قانون جديداً للهجرة، من شأنه الحد من مسار الأسرة أو الهجرة المتسلسلة، كما يحدد المشروع عدد اللاجئين الذين يُعرض عليهم الإقامة عند 50 ألفاً سنوياً، ويزيل تأشيرة الهجرة المتنوعة. وعام 2018 نفى كوتون، الذي كان حاضراً في اجتماع، أن يكون قد سمع ترمب يصف هايتي والدول الأفريقية بـ«البلدان القذرة». ومع أن البيت الأبيض لم ينفِ ذلك، نشر ترمب أقواله في تغريدة في اليوم التالي.

أخيراً، عارض كوتون قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، وقال عام 2012 إن «الخطوة الأولى هي إلغاء هذا القانون الذي يسيء إلى مجتمع حر وشعب حر». وكذلك عارض قانون حماية المرأة ضد العنف، ودافع عن الزواج التقليدي، ودعم بقوة قانون إلغاء الحق بالإجهاض، بحجة أنه «خطأ مأساوي» جرى «تصحيحه».


مقالات ذات صلة

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

حصاد الأسبوع الزعفراني

سارة الزعفراني... مهندسة مخضرمة تترأس حكومة تونسية أولوياتها اقتصادية

بعد نحو ستة أشهر من تعديل حكومي واسع شمل 22 حقيبة وزارية ورئاسة الحكومة، أعلنت رئاسة الجمهورية في تونس عن إقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، الخبير الدولي في المفاوضات الاجتماعية والاقتصادية، وتعويضه بوزيرة التجهيز والإسكان في حكومته سارة الزعفراني الزنزري. جاء هذا التعديل، وهو السادس من نوعه منذ يناير (كانون الثاني) 2020، في مرحلة شهدت تعقد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تمر بها تونس والمنطقة، وخلال فترة عرفت تزايد انتقادات الرئيس التونسي قيس سعيّد لـ«لوبيات» اتهمها بعرقلة مشاريع الإصلاح التي أراد أن يفتتح بها عهدته الرئاسية الثانية. هذه الانتقادات أعادت إلى الأذهان تصريحات وبلاغات إعلامية رئاسية عديدة صدرت خلال الأشهر الماضية عن الرئيس سعيّد ومقرّبين منه تتهم مسؤولين كباراً في الحكومة وفي الإدارة بالسلبية والفشل وسوء التصرف في الأملاك العمومية، وأيضاً في ملفات التضخم وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية، بجانب ملفات أمنية عديدة، بينها تدفق آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وتمركزهم في تونس بطريقة غير قانونية.

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع رئيس الدولة قيس سعيّد (رويترز)

صلاحيات رئيسَي الدولة والحكومة في دستور تونس الجديد

فتح التغيير الرابع لرئيس الحكومة التونسية في ظرف ثلاث سنوات ونصف السنة والسادس في ظرف خمس سنوات نقاط استفهام وسط المراقبين داخل البلاد وخارجها. وبرزت مواقف.

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع ممارسات إسرائيل في الضغة الغربية مصدر قلق بالغ للأردن (آ ب)

الأردن يعيش شهوراً فاصلة بمواجهة الهموم الداخلية والإقليمية

لا يخلو تاريخ الأردن القريب من تحديات مصيرية هدّدت أمنه واستقراره، وسعت للتشويش على استقرار نظامه السياسي. فجملة التحديات التي فرضتها جغرافيا المملكة وتاريخها معاً صارت العناوين ذات الأولوية في مناقشة المصالح الأردنية في المدى المنظور. جولة على هذه التحديات تُمكّن المراقبين من تقدير الموقف الأردني وتعقيداته؛ فعلى جبهة الأردن الغربية عانت البلاد من حالة الطوارئ العسكرية على مدى السنوات والعقود الماضية بفعل الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع نكبة هجرة الفلسطينيين عام 1948، ونكسة حزيران من عام 1967 التي تسبّبت بهجرة الفلسطينيين الثانية. والحال ليست بأفضل على الجبهة الشمالية مع سوريا، فخلال سنوات الحرب الماضية كانت الجبهة الشمالية ملفاً أمنياً - عسكرياً ساخناً، كما استقبل عبرها نحو مليون لاجئ سوري. وتستمر محاولات عصابات تجارة المخدّرات والسلاح في تهديد الأمن على الحدود في مشهد متكرّر دفع الأردن للقصف بالطائرات عدداً من مصانع المخدرات في الجنوب السوري، التي كانت تابعة لميليشيات محسوبة على «حزب الله» اللبناني وإيران و«الفرقة الرابعة» في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد. وأخيراً لا آخراً، على الشرق هناك الحدود البرية الطويلة مع العراق، وفي آخر 22 سنة ظلت هذه الحدود عنوان تهديد لأمن الأردن، كما حصل في أحداث تفجير الفنادق في العاصمة عمّان عام 2005، بالإضافة إلى محاولات أخرى أُحبطت قبل استكمال أهدافها.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع العاهل الاردني عبدالله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمدوالشرع في مطار ماركا بعمّان (سانا)

حرب غزة وفّرت على حكومة حسّان مواجهات قاسية

على مدى شهور العدوان الإسرائيلي على غزة تراجعت أولوية الشأن الداخلي؛ ما أعفى الحكومة الأردنية من مواجهات قاسية مع الشارع والبرلمان. وسمح ذلك لشخص رئيس الوزراء.

حصاد الأسبوع الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يتوسط الوزيرين منسى وابو قصرة في لقاء التوقيع بمدينة جدة (واس)

ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما

شكّلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان منتصف شهر مارس (آذار) الحالي أول اختبار للدولتين اللبنانية والسورية الجديدتين،

بولا أسطيح (بيروت)

إسرائيل تتوسع في عدوانها... «الحل العسكري لكل المشاكل»

إحدى الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا (رويترز)
إحدى الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا (رويترز)
TT
20

إسرائيل تتوسع في عدوانها... «الحل العسكري لكل المشاكل»

إحدى الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا (رويترز)
إحدى الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا (رويترز)

«في الجبهة الشمالية، على الرغم من أن التهديد قلّ، يجب أن نستعد للتطورات المحتملة: تقوية الجيش السوري مجدداً، إنشاء (محور مقاومة) سني أو إعادة إحياء المحور الإيراني. لذا؛ على إسرائيل إنشاء ممرّ في جنوب سوريا من هضبة الجولان إلى المناطق الكردية. إلى الشرق من هضبة الجولان، على طول حدود سوريا - الأردن، توجد نقطة استراتيجية حرجة – التنف. rnهذه الكلمات الواضحة والصريحة،نُشرت أخيراً في موقع «ميدا» الإسرائيلي اليميني، الذي يُعدّ واحداً من مواقع وقنوات عدة أنشأها أنصار بنيامين نتنياهو لمواجهة الإعلام العبري الليبرالي... الذي يعدّونه «يسارياً».nيضيف الموقع: «التنف» وموقعها الفريد عند تقاطع الطرق بين سوريا والأردن والعراق، وعلى الطريق من بغداد إلى دمشق، يجعلها جزءاً أساسياً من أي استراتيجية إقليمية. لهذا السبب أسست الولايات المتحدة قاعدة عسكرية هناك، وأنشأت منطقة منزوعة السلاح في دائرة نصف قطرها 55 كم بدعم من المتمردين المحليين الذين يخضعون لسلطتها. ومع تغير النظام في سوريا، والتهديد المتناقص من (داعش)، وعزوف إدارة ترمب عن التدخل العالمي، ثمة احتمال كبير للانسحاب الأميركي من التنف. في هذه الحالة، ستحتلها الميليشيات الموالية لإيران، أو قوات (داعش) أو قوات المتشدّدين التابعة للنظام السوري الجديد. وهذا سيعرّض خطط إنشاء الممر البرّي من الجولان إلى الأكراد للخطر، ويتيح إعادة بناء الممر البري بين إيران ولبنان أو ممر سني مشابه.

ويتابع الموقع: «من ناحية أخرى، سيسمح الوجود الإسرائيلي في المنطقة، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع الولايات المتحدة، بربط جبل الدروز بالأكراد، وتوفير قدرة استجابة سريعة ضد التهديدات تجاه الحلفاء – حتى من شرق جبل الدروز – والسيطرة على المحور بين بغداد ودمشق. علاوة على ذلك، فإن نشر سرب طائرات إسرائيلي هناك سيكون عامل ردع فعالاً ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق، ويقصّر المسافات اللازمة للهجوم ضد إيران» حتى لو كان كلّ ما كتب في الموقع يعبر عن رأيه الشخصي، إلا أنه يثبت أنه «بوق» لحزب الليكود الحاكم ولنتنياهو شخصياً. النغمة التي تصدر من بين السطور، هي الأنغام التي يردّدها قادة اليمين باستمرار، وبينهم عدد من الجنرالات السابقين.

بالطبع، لا أحد يصدّق أن إسرائيل مستعدة لخوض حرب في سوريا لأجل الأكراد أو الموحّدين الدروز. فهذه مجرد تقوّلات جاءت لتغطي على الأهداف التوسّعية، وفي بعض الأحيان تُطلَق لغرض التهديد والوعيد. بيد أنها تعكس صورة لمرض الغرور المتغطرس الذي يتحكّم في العقيدة الإسرائيلية منذ عام 1967. فالقيادات الإسرائيلية التي تعيش عقدة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لا تريد أن تتعلم الدرس، بل تصرّ على المضي قدماً في عقلية «الحل العسكري لكل المشاكل».

أزمة خالدة

يوم 7 أكتوبر تلقت عقلية الحل العسكري هذه ضربة قاصمة. فإسرائيل، بكل جبروتها العسكري فشلت في رصد هجوم «حماس»، التي تُعدّ تنظيماً مسلحاً صغيراً ومحدوداً، واحتاجت إلى ساعات طويلة حتى تمكّنت من وقفه. ثم دخلت حرباً شرسة، غير مسبوقة للانتقام.

«حماس»، من جهتها، نفذت هجوماً عسكرياً فوجئت هي نفسها بنتائجه. إذ تمكنت في غضون ساعات قليلة من تحطيم الحواجز الحدودية «المحصّنة»، واحتلت 11 موقعاً عسكرياً و22 بلدة مدنية. كذلك خطفت 251 جندياً وضابطاً ومدنياً، وراحت تقاوم الهجوم الإسرائيلي بشبكة أنفاق ضخمة وعمليات عسكرية نوعية.

لكن «حماس» لم تجرِ حسابات صحيحة لهجومها. فقد ترافق أولاً بعمليات قتل وإبادة لعائلات يهودية بأكملها، وخُطف أطفال ونساء. ثم إنها لم تتوقع هجوماً إسرائيلياً بهذه الفظاعة، ولم تُحسن الدفاع عن مواطني قطاع غزة، ولم تأخذ في حسابها ما سيحصل للقضية الفلسطينية من جراء هجومها. بل لم تحسب ما سيجري لمصير معسكرها برمته، الذي يسمى «محور المقاومة».

لم تُحسن قراءة لا الخريطة الإسرائيلية ولا الإقليمية ولا العالمية.

لم تدرك أن في إسرائيل حكومة يمين متطرف تخوض حرباً وجودية، وتواجه أكبر عملية مواجهة لإسقاطها جماهيرياً. بل إن هذه الحكومة كانت تفتّش عن وسيلة تتيح لها إشعال حرب لكي تفلت من قبضة الجمهور المعارض لها. ولم تدرك «حماس» أن الجيش الإسرائيلي، وكل الأجهزة الأمنية، كانوا شركاء في المعركة ضد حكومة نتنياهو. ولذا؛ فإن توجيه ضربة قاسية لها كما حدث 7 أكتوبر، سيُخرج القيادات العسكرية عن طورها ويجعلها تتصرف بمنتهى الجنون والوحشية.

وحتى عندما خاضت «حماس» مفاوضات تبادل الأسرى، لم تقرأ الخريطة الإسرائيلية والعالمية جيداً، فرفضت التوصل إلى صفقة شاملة اقترحها الأميركيون والوسطاء المصريون والقطريون لإنهاء الحرب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وراهنت على محكمة لاهاي ومؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من الإجراءات الدولية ضد حرب الإبادة والتدمير. وراهنت على مشاركة «حزب الله» في لبنان والعراق والحوثيين في اليمن، وبالطبع، على إيران. وبالنتيجة، استفاد القادة الإسرائيليون من هذا الأداء ليديروا حرباً عدُّوها «وجودية»، وعبَّر عن ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما بشَّر شعبه بأنه «سيعيش على الحراب أبد الدهر».

خطط إسرائيل وأطماعها

كان أهم هدف للقيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية استعادة الهيبة أمام جيوش العالم. فالجيش الإسرائيلي يعدّ واحداً من أقوى عشرة جيوش في العالم، ويساهم بتدريب 34 جيشاً لمختلف دول العالم ويشارك جيوش الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بتطوير الأسلحة والتكنولوجيا الحربية. وهؤلاء جميعاً لم يستوعبوا كيف يمكن لهذا الجيش أن يسقط في امتحان بسيط مثل هجوم «حماس».

كيف يستعيد الهيبة؟

أولاً، عبر الانتقام بلا رحمة من غزة كلها، بقضها وقضيضها. وحقاً قتلت إسرائيل أكثر من 50 ألفاً، معظمهم أطفال ونساء ومرضى ومسنون. ودمّرت جميع الجامعات ونصف المدارس وثلث المساجد وألحقت أضراراً بالكنائس الثلاث وشلّت كل المستشفيات وهدمت أكثر من ثلثي البيوت والعمارات. وحطمت الاقتصاد، ومارست التجويع والتعطيش واستخدمت في ذلك أفتك أنواع الأسلحة... وأدت خدمات هائلة لشركات إنتاج السلاح في الولايات المتحدة وغيرها، عندما جرّبت أسلحتهم الحديثة على أهل غزة. أيضاً أظهرت إسرائيل قدرات خارقة في التجسّس على «حزب الله» اللبناني وعلى إيران وسوريا، فتمكنت من اغتيال أبرز القيادات على أراضي هذه الدول، ونفّذت عملية تفجير «البيجرز» بعد تمكّنها من بيعها لـ«حزب الله» وقبض ثمنها بالدولارات، ودمرت جزءاً كبيراً من القدرات العسكرية لـ«محور المقاومة» برمته.

ثم إنها مع كل تقدّم في عملياتها، ازداد نهمها فراحت تحتل الأرض وتقيم المواقع العسكرية في الأراضي العربية. وحتى بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، احتلت الأرض ودكّت القدرات الهجومية والدفاعية للجيش السوري، كما نفذت غارات على الأراضي الإيرانية وفي اليمن.

وهي، بينما تحاول الآن إقناع واشنطن بأن الفرصة مواتية لتنفيذ هجوم على إيران يشلّ مشروعها النووي، بدأت تتكلّم عن «الإمبريالية التركية الجديدة» و«تهديد الجيش المصري».

المشكلة الكبرى في هذه الأطماع كونها نابعة من قناعات بأن قادة إسرائيل، يقولون صراحة إنهم يريدون أن يدفع العرب ثمن هجوم «حماس» بخسارة الأرض. وفعلاً، طرح بعضهم مشروع التهجير «الطوعي»، ووضعوا مخطّطات عملية، وشكّلوا لجنة حكومية لتنفيذ المشروع. وقسم جدّي منهم يتكلّم عن «الانتصار الكامل» و«تغيير وجه الشرق الأوسط» لصالح إسرائيل.

إنهم يفعلون ذلك بسياسة عربدة لا تعرف الحدود في جبهات عدة. ويقولون إنهم «استخلصوا العبر» من إخفاقات «حماس»، والآن لا يكتفون بسياسة الدفاع والردع والاحتواء، بل ينتقلون إلى المبادرة و«العمليات الاستباقية» والهجوم المباغت.

في كل هذا، هؤلاء القادة يوحون بأنهم لا يحسنون قراءة خريطة المنطقة ولا منطق التاريخ. بل إنهم يعودون لتكرار الأخطاء الجسيمة التي أدت بهم إلى إخفاقات أكتوبر، ليس فقط في 2023، بل أيضاً في 1973، وإلى ما حصل بينهما. وهذه الأخطاء تتمثل في ذلك الجهل البدائي في تلك القراءة. حتى الجنرالات، الذين تعلّموا في المدارس العسكرية الابتدائية بأنه لا بد للحرب من هدف سياسي، ومَن ينهِ الحرب بلا هدف سياسي يحوّل إنجازاته خسارة، نسوا الدرس... فبنوا حربهم على حفر أخاديد جارحة لا تُنسى وبنوا جيشاً من كارهيهم، ليس فقط بين الفلسطينيين والعرب، بل في العالم أجمع. والكراهية وقود حارق لإشعال الحروب القادمة.

هذه الحروب قد لا تنتهي بانتصار، فكيف عندما يكون هؤلاء القادة يفوّتون مرة أخرى الفرصة السانحة لإنهاء الحرب وفتح آفاق سياسية جديدة تغير الشرق الأوسط فعلاً.

آفاق باتجاه تسوية الصراع وتحقيق السلام مع كل الدول العربية والإسلامية، كما يقترح القادة العرب ومعهم عديد من قادة دول الغرب والمجتمع الدولي. بينما تحاول تل أبيب إقناع واشنطن بأن الفرصة مواتية للهجوم على إيران بدأت تتكلّم عن «الإمبريالية التركية» و«تهديد الجيش المصري» القدس: نظير مجلي