التطرّف اليميني الأوروبي من الهامش... إلى قلب الساحة السياسية

أوربان (رويترز)
أوربان (رويترز)
TT

التطرّف اليميني الأوروبي من الهامش... إلى قلب الساحة السياسية

أوربان (رويترز)
أوربان (رويترز)

> يشهد العالم -وأوروبا خصوصاً- منذ سنوات مساراً سياسياً دؤوباً لتشكيل «تحالف» دولي يضمّ كوكبة غير متجانسة من القوى والأحزاب القومية والشعبوية والمتطرفة والمناهضة للفكر الليبرالي تناصب العداء لكل ما هو يساري أو تقدمي، وهدفها الانقضاض على مراكز السلطة على الصعيد العالمي.

لقد حدد هذا «التحالف» هدفه المقبل في انتخابات البرلمان الأوروبي المقرّر أن تبدأ في السادس من الشهر الحالي وتستمر حتى التاسع منه. ويتوقع كثيرون أن تكون نتائجها حاسمة في رسم معالم الطريق التي سيسلكها الاتحاد في السنوات الخمس المقبلة عبر عدة محطات مفصلية.

من هذا المنطلق كان انعقاد «المنتدى» الذي نظّمه حزب «فوكس» Vox الإسباني بنهاية الأسبوع الماضي في مدريد ليكون منصة انطلاق حملته الانتخابية للبرلمان الأوروبي بمشاركة قيادات اليمين المتطرّف في بلدان الاتحاد... من المجري فيكتور أوربان والإيطالية جورجيا ميلوني إلى البولندي ماتيوش مورافيسكي والفرنسية مارين لوبان والبرتغالي آندريه فنتورا. وبجانب هؤلاء سجّل حضور لافت لوزير الشتات الإسرائيلي وعدد من أعضاء الحزب الجمهوري الموالين لدونالد ترمب، والرئيس الأرجنتيني خافير ميلي الذي أمضى ثلاثة أيام في مدريد من غير أن يطلب مقابلة العاهل الإسباني فيليبي السادس أو رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز الذي تسببت تصريحاته حول قرينته التي وصفها بـ«الفاسدة» بأزمة دبلوماسية بين البلدين ما زالت تتفاعل إلى اليوم.

ميلوني (رويترز)

«المنتدى» أظهر كيف أن هذه المجموعة غير المتجانسة من القوى السياسية «حيّدت» نقاط التباين والاختلاف بينها، وأعطت الأولوية للهدف الذي يجمع بينها في هذه المرحلة، أي: كسر الحواجز الفاصلة بين الأحزاب اليمينية المحافظة وتلك اليمينية المتطرفة للوصول إلى السلطة وفرض برنامجها السياسي بعد الانتخابات المقبلة، فضلاً عن إعلان «المانيفست اليميني المتطرف» تحت شعار «صون الهوية الوطنية وسيادة الدول الأعضاء»، والتعاقد الباطني لإدارة ملف الهجرة غير الشرعية، كما فعلت بريطانيا في رواندا، أو إيطاليا في ألبانيا، وهولندا بعد فوز خيرت ويلدرز، وإعادة النظر في «الميثاق الأوروبي الأخضر».

جمع «المنتدى»، الذي نظمه «فوكس» في مدريد/ جميع الأحزاب التي تنادي جهراً بالحفاظ على «نقاء العرق الأوروبي» الأبيض والمسيحي، الذي شكّل -إلى جانب نهمها للسلطة- القاسم المشترك الذي سمح بإبطال مفاعيل التناقضات الكثيرة بين أطيافها. وإلاّ، فكيف يمكن تفسير هذا التحالف بين العائلات السياسية التي تنهج سياسة أطلسية في «حرب أوكرانيا» مثل ميلوني أو حزب القانون والعدالة البولندي... وتلك التي لا تخفي تعاطفها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل مارين لوبان وماتيو سالفيني وفيكتور أوربان. أو كيف يمكن تفسير التناقضات الداخلية مثل مطالبة البرتغالي آندريه فنتورا زعيم حزب «شيغا» العنصري الذي يطالب بوقف «المدّ الإسلامي والمسلم لإنقاذ مستقبل حضارتنا»، بينما تهاجم هذه الأحزاب «مناهضة السامية» المزعومة ضد اليهود رغم سجلها الحافل بمعاداة السامية.

لقد كان «منتدى» مدريد موعداً مع ظاهرة معقدة ومتنامية، متعددة الأوجه ومثيرة للقلق، جمعت بين الفاشيين الجدد والديماغوجيين والشعبويين. وتمكنت من نسج شعارات بسيطة في سردية متماسكة ترسّخ وتتفاعل بسهولة مع المخاوف التي تثيرها التحديات المعاصرة.

فيلدرز (رويترز)

لكن ما يبعث أكثر على القلق، هو أن هذا التماسك في مواقف اليمين المتطرف -برغم تبايناته- يقابله ارتباك وبلبلة في أوساط اليمين المحافظ الذي ما زال يتلعثم في تحديد معالم أوروبا التي يريد... ومع من يريد بناءها. فجميع الاستطلاعات التي نشرت حتى اليوم تشير إلى صعود القوى اليمينية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي بعد أسبوعين، رغم الانتكاسات التي أصابت بعضها أخيراً كما في بولندا علـى سبيل المثال.

اليوم ترجح التوقعات أن يفوز اليمين المتطرف بالمركز الأول في إيطاليا وفرنسا وهولندا والمجر والنمسا، وأن يحلّ ثانياً في ألمانيا، وأن يحصل على ما يزيد عن 180 مقعداً من أصل 720.

مثل هذه النتيجة تعطي اليمين المتطرف قدرة فاعلة على التأثير في الولاية الاشتراعية الأوروبية المقبلة التي من المقرر أن تبتّ عدداً من المشاريع والملفات المفصلية في الاتحاد. وسيكون في مقدورها مثلاً إبطاء الانتقال إلى «الاقتصاد الأخضر»، أو الميثاق الأوروبي الجديد حول سيادة القانون، أو توسعة الاتحاد نحو بلدان أوروبا الشرقية، وفي المقابل الدفع باتجاه سياسة أكثر تشدداً في ملف الهجرة.

وليس مستبعداً في ظروف كهذه تعثّر الدعم الأوروبي لأوكرانيا، خاصة، بعد علامات التردد، والوهن الذي ظهرت عليه في الآونة الأخيرة، أو في الموقف الأوروبي من الحرب على غزة، الذي دخل مرحلة جديدة بعد اعتراف إسبانيا والنرويج وآيرلندا بالدولة الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

بدء محاكمة مارين لوبن بتهمة اختلاس أموال أوروبية

أوروبا مارين لوبن (رويترز)

بدء محاكمة مارين لوبن بتهمة اختلاس أموال أوروبية

بدأت محاكمة زعيمة حزب اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن إلى جانب 24 عضوا في حزب التجمع الوطني، بتهمة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتمويل رواتب موظفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا نمساويون يرفعون لافتة تقول «ليخرج النازيون من البرلمان» بعد تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات بفيينا الأحد (إ.ب.أ)

صعود اليمين المتطرف في النمسا يدفع قضية الهجرة إلى صدارة المشهد

يشعر كثير من النمساويين بالقلق بشأن قدرة بلادهم على دمج المهاجرين، لا سيما المسلمين، وهو ما شكل أرضية لليمين المتطرف للفوز بالانتخابات

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا زعيم حزب الحرية هربرت كيكل بعد إدلائه بصوته في الانتخابات التشريعية (أ.ف.ب)

اليمين المتطرف يحقق فوزاً انتخابياً تاريخياً في النمسا

بعد 5 سنوات من هزيمته، عاد اليمين المتطرف بقوة في الانتخابات التشريعية بالنمسا الأحد.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا عناصر من الشركة الألمانية (رويترز)

اتهام رجل بصنع قنبلة في مدينة هاله الألمانية

أفاد ممثلو الادعاء في مدينة هاله الألمانية، اليوم الجمعة، بتوجيه اتهام لرجل بالتخطيط لشن هجوم يميني متطرف بقنبلة بدائية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم متظاهرون ضد حزب «البديل من أجل ألمانيا» في مدينة إيرفورت بولاية ثورينغيا الألمانية (رويترز)

صعود اليمين المتطرّف في العالم الغربي... مرحلة عابرة أم واقع «مقيم»؟

الخطر الأكبر في عالم السياسة الغربية هو أن هو أن الشباب لا يجذبهم الاعتدال، بل يُنصتون بتركيز إلى المتحدثين بصوت عالٍ و يزعمون امتلاك الحقيقة والحلول السحر.

أنطوان الحاج

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.