«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

حلقة في مسلسل استمرار جنوح المؤسسات الأوروبية نحو اليمين

أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
TT

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)

بعد أسابيع على إعلانها التشكيلة الجديدة للمفوضية الأوروبية في ولايتها الثانية، التي من المفترض أن تباشر مهامها الشهر المقبل، تواجه فون دير لاين حملة شرسة في البرلمان الأوروبي يقودها مانفريد ويبير، زعيم الحزب الشعبي الأوروبي الذي تنتمي إليه، معترضاً على تعيين الاشتراكية الإسبانية، ماريا تيريزا ريبيرا، نائبة تنفيذية للرئيسة مكلفة واحدة من أهم الحقائب التي تشمل الميثاق الأوروبي الأخضر والمنافسة.

لكن المناورة التي يقودها ويبير، المعروف بخصومته الشخصية الشديدة لرئيسة المفوضية، التي كان ينافسها على المنصب نفسه في الولاية الأولى، ليست سوى نقلة في حركة واسعة تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات البرلمانية بين القوى السياسية في بداية الولاية الجديدة، وأيضاً إلى ترسيخ سلطة البرلمان الأوروبي، والكتلة التي يقودها، في مواجهة فون دير لاين والمفوضية، فضلاً عن إضعاف الكتلة الاشتراكية وزعيمها القوي الوحيد المتبقي في المجلس الأوروبي، الإسباني بيدرو سانشيز، بعد أفول المستشار الألماني أولاف شولتس.

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)

الانطباع السائد في المفوضية أن الأمور سائرة نحو الخروج عن السيطرة، بعد أن أصبحت المعارك السياسية الوطنية هي التي تؤثر على حركة التعيينات في المفوضية، أو تؤخرها أو تعطلها، وهو أمر لم يحصل أبداً في السابق.

بعض الشخصيات المحافظة، والتي تنتمي إلى الحزب الشعبي الأوروبي، مثل رئيس وزراء لوكسمبورغ لوك فريدين، دعت إلى التهدئة وإبعاد المؤسسات الأوروبية عن الصراعات الوطنية، وطالبت بالإسراع في الموافقة على تشكيلة المفوضية الجديدة لتباشر أعمالها حسب الجدول الزمني المقرر. لكن مناورات الحزب الشعبي الأوروبي، وما جرّته من صدام سياسي، تعطّل تعيين الإسبانية ريبيرا لتولي ثاني أهم منصب في المفوضية، إذ يطالبها الحزب الشعبي اليميني في إسبانيا بالمثول أمام البرلمان والتعهد بالاستقالة في حال إحالتها إلى المحاكمة، بسبب إدارة أزمة الفيضانات التي اجتاحت إقليم فالنسيا منذ أسبوعين، بينما بادرت عدة تنظيمات يمينية متطرفة إلى الادعاء عليها.

في موازاة ذلك، قرر الاشتراكيون عدم الموافقة على تعيين الإيطالي رافايلي فيتّو الذي رشحته رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني، والمجري أوليفر فارهيلي حليف رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وكلاهما مدعوم من الكتلة الشعبية. ولا تزال رئيسة المفوضية تنتظر حتى الآن موافقة البرلمان الأوروبي على تعيين 6 نواب لها ومفوّض واحد.

أورسولا فون دير لاين تتحدث بعد قمة غير رسمية للمجلس الأوروبي في بودابست 8 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

وبينما تستمر المفاوضات بين الكتل البرلمانية، تخشى أوساط فون دير لاين من ألا تتمكن رئيسة المفوضية من مباشرة ولايتها في الموعد المقرر مطلع الشهر المقبل، خصوصاً أن عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أطلقت صفارات الإنذار في المؤسسات الأوروبية، التي تستعد لتصعيد أميركي على أكثر من جبهة.

والعلاقات الشخصية المتوترة بين ويبير وفون دير لاين تعود إلى عام 2019، عندما أخفق في ترشيحه لمنصب رئاسة المفوضية وجاءت هي مرشحة تسوية ثمرة لاتفاق بين المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وينتمي ويبير إلى التيار البافاري اليميني في الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني الذي تنتمي إليه فون دير لاين، وهو ميّال إلى الانفتاح على الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي، وفك الارتباط التقليدي مع الاشتراكيين والليبراليين والخضر في الائتلاف الذي شكّل حتى الآن «حزاماً صحياً» في وجه القوى المتطرفة المناهضة للمشروع الأوروبي، إذ يعدّ أن الحزب الشعبي بات يملك من القوة ما يكفيه لاختيار الجهة التي يريد أن يتحالف معها في البرلمان.

رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا تتحدث في جلسة للمجلس (أرشيفية - إ.ب.أ)

في الولاية السابقة تعرضت فون دير لاين لنيران ويبير عندما هاجم بعنف سياستها الزراعية والبيئية، وقرارها حظر بيع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بدءاً من عام 2035. وينطلق ويبير في مناوراته الجديدة من أن المشهد السياسي الأوروبي بعد الانتخابات الأخيرة مطلع هذا الصيف، لن يعود كما كان عليه قبلها، وأن القوى اليمينية المتطرفة ستواصل صعوده، خصوصاً بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وهو يسعى منذ فترة إلى إقناع الحزب الشعبي بفتح أبوابه أمام عودة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ولانضمام حزب جورجيا ميلوني (إخوان إيطاليا) رغم جذوره الفاشية.

لكن يرى بعض المراقبين أن هذه الأزمة ليست سوى حلقة أخرى في مسلسل استمرار جنوح المؤسسات الأوروبية نحو اليمين، بعد الانتخابات الأوروبية الأخيرة، في الوقت الذي تراجعت فيه قدرة الدولتين الكبريين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، على ضبط إيقاع التوترات داخل الاتحاد، مع صعود المد اليميني المتطرف الذي تواجه برلين وباريس صعوبة مزدادة في مواجهته.

الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي تتهم ويبير بعدم المسؤولية وتعريض المشروع الأوروبي للخطر، وتقول إن ما بعد هذه المناورة لن يكون كما قبلها. ومع احتدام المواجهة بين الكتلتين الشعبية والاشتراكية، دخلت على الخط رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا متسولا، التي تنتمي إلى الكتلة الشعبية، ودعت إلى التهدئة مؤكدة أن التصويت على التعيينات المتبقية سيتم في موعده منتصف الأسبوع المقبل، «لأن البرلمان ملتزم كل الالتزام بمسؤوليته في تشكيل المفوضية الجديدة حسب الجدول الزمني المقرر، خصوصاً في الظروف الدولية الراهنة».


مقالات ذات صلة

ميلي يدعو من روما إلى إقامة تحالف يميني عالمي

أوروبا ميلوني وميلي في تجمع «إخوان إيطاليا» بروما السبت (أ.ب)

ميلي يدعو من روما إلى إقامة تحالف يميني عالمي

أجرى ميلي محادثات مع ميلوني تناولت تعزيز التعاون التجاري والقضائي بين البلدين لمكافحة الجريمة المنظمة، وتنسيق الجهود لمواجهة «العدو اليساري المشترك».

شوقي الريّس (روما)
شؤون إقليمية نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس الخميس الماضي (أ.ف.ب)

سقوط الأسد يمنح نتنياهو 3 مقاعد إضافية بالكنيست

أشار استطلاع الرأي الأسبوعي لصحيفة «معاريف» إلى أن شعبية بنيامين نتنياهو، التي تتراجع باستمرار، ازدادت بأكثر من 15 في المائة في الأسبوع الماضي.

نظير مجلي (تل أبيب)
أوروبا أشخاص يمرون بالقرب من ملصقات انتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية في بوخارست (أ.ف.ب)

المحكمة الدستورية في رومانيا تلغي الانتخابات الرئاسية

ألغت المحكمة الدستورية في رومانيا، الجمعة، الانتخابات الرئاسية قبل الجولة الثانية، بعد عملية فوضوية تشوبها شكوك بشأن تدخّل روسي لصالح مرشّح اليمين المتطرّف.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
أوروبا إيمانويل ماكرون (إلى اليمين) يحيي عن بعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بمناسبة مؤتمر اقتصادي في الرياض الثلاثاء (أ.ف.ب)

فرنسا تواجه أزمة سياسية حادة وأصوات تطالب برحيل الرئيس ماكرون عن الإليزيه والبلاد تدخل في نفق مجهول.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا ناشطون ضد اليمين المتطرف يتظاهرون أمام البوندستاغ ويدعون لتسريع خطوات حظر «البديل من أجل ألمانيا» (إ.ب.أ)

«البديل» الألماني يبحث خطوات لتجنب حظره

تبحث قيادات «البديل من أجل ألمانيا» فصل الحزب الأم عن جناح الشباب المصنف من قبل المخابرات بأنه أكثر تطرفاً، في خطوة استباقية ربما لمنع حظر الحزب.

راغدة بهنام (برلين)

الكرملين يحذر من «فرضيات» تحطم الطائرة الأذربيجانية

مختصون بالطوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب التابعة لشركة «الخطوط الجوية الأذربيجانية» بالقرب من مدينة أكتاو غرب كازاخستان الأربعاء (أ.ف.ب)
مختصون بالطوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب التابعة لشركة «الخطوط الجوية الأذربيجانية» بالقرب من مدينة أكتاو غرب كازاخستان الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

الكرملين يحذر من «فرضيات» تحطم الطائرة الأذربيجانية

مختصون بالطوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب التابعة لشركة «الخطوط الجوية الأذربيجانية» بالقرب من مدينة أكتاو غرب كازاخستان الأربعاء (أ.ف.ب)
مختصون بالطوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب التابعة لشركة «الخطوط الجوية الأذربيجانية» بالقرب من مدينة أكتاو غرب كازاخستان الأربعاء (أ.ف.ب)

حذّر الكرملين، أمس (الخميس)، من طرح «فرضيات» بشأن تحطّم الطائرة الأذربيجانية التي كانت متوجّهة إلى روسيا الأربعاء. وجاء ذلك في الوقت الذي نقلت فيه وكالة «رويترز» عن 4 مصادر مطّلعة في أذربيجان، أن نظام دفاع جوي روسياً كان وراء إسقاط الطائرة التي تحطمت في كازاخستان. كما تحدّث مسؤول أميركي للوكالة نفسها عن رصد «مؤشرات أولية» على أن نظاماً روسياً مضاداً للطائرات ربما أصاب الطائرة.

في المقابل، قال أبيلايبك أورداباييف المدعي العام المكلف بشؤون النقل في إقليم مانجستاو بكازاخستان، إن التحقيق لم يتوصل بعدُ إلى أي شيء يشير إلى إسقاط الدفاعات الجوية الروسية للطائرة.

وكانت الطائرة، وهي من طراز «إمبراير 190»، في رحلة من باكو إلى غروزني، وانحرفت عن مسارها فوق بحر قزوين. وفُتح تحقيق للوقوف على أسباب الحادثة، لكن خبراء عسكريين قالوا إن الطائرة ربما أصيبت عن طريق الخطأ بنيران روسية حين كانت تحلق بمنطقة أُبلغ فيها عن نشاط للمسيّرات الأوكرانية.