جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

متى تقع المواجهة الكبرى بين إسرائيل و«حزب الله»؟

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
TT

جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)

رفعت إسرائيل من وتيرة عملياتها في العمق اللبناني، مستهدفةً بشكل ممنهج مواقع لـ«حزب الله»، ومنفّذة عمليات اغتيال طالت قادة ميدانيين، في حين يردّ الحزب بضرب مواقع إسرائيلية ذات بُعد استراتيجي. أما القاسم المشترك بين الطرفين فيتمثّل باستخدامهما أسلحة جديدة أبرزها المُسيَّرات الهجوميّة التي باتت وسيلة فاعلة على الجبهتين، وعنوان «معركة الاستنزاف» المستمرّة منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. يتمسّك «حزب الله» حتى الآن بقواعد الاشتباك، وعدم تغيير ظروف اللعبة تجنباً لحربٍ واسعة تريدها إسرائيل وتسعى لاستدراجه إليها، بينما تُوسّع تل أبيب دائرة استهدافها العمق اللبناني ويشّن طيرانها الحربي غارات تطول معظم بلدات الجنوب وأطراف مدينة صيدا وصولاً إلى البقاع الذي يشكل امتداداً لبيئة الحزب، وقد أسفرت غارة إسرائيلية قبل يومين على منطقة الزهراني في قضاء صيدا، عن مقتل عنصر في الحزب وطفلين سوريين، كما كثّفت غاراتها على بلدات جنوبية منها النجارية والعدوسيّة القريبتين من مدينة صيدا البعيدة جداً عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.

في حين نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم إن إيران نقلت وسائل دفاع جوي متقدمة لـ«حزب الله»، مستندين في ذلك إلى صور من موقع عسكري هاجمه الجيش الإسرائيلي، أدخل «حزب الله» في المقابل أسلحة جديدة على المعركة لإظهار قدراته القتالية، ومحاولة خلق «توازن رعب» جديد مع إسرائيل.

وفي هذا الإطار أعلن الحزب عن «تنفيذ عملية بواسطة مُسيَّرة هجوميّة مسلّحة مزوّدة بصاروخين من طراز (إس – 5) على موقع عسكري في المطلة بأقصى شمال شرقي إسرائيل، قبل أن تنفجر». وأيضاً نشر مقطع فيديو يوثّق تحليق المُسيَّرة باتجاه الموقع حيث توجد دبابات ولحظة إطلاقها الصاروخين ثم انفجارها.

دخول الأسلحة الجديدة على المعركة لا يعني بالضرورة أن الحزب يهيئ الأرضية لفتح جبهة الجنوب على امتدادها، بقدر ما هو توجيه رسائل إلى الجانب الإسرائيلي تفيد بأن المغامرة العسكرية ستكون أثمانها مكلفة جداً.

وهنا أشار الدكتور رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري والخبير في شؤون الأمن والتسلّح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حزب الله لم يستخدم كل أسلحته منذ البداية، بل آثر أن يرسم لنفسه قواعد الاشتباك المناسبة، ويحصر عملياته العسكرية ضمن جبهة معينة مع إسرائيل».

ولفت قهوجي أيضاً إلى أن الحزب «لا يزال يعتمد على صواريخ (كاتيوشا) و(غراد) إلى جانب صاروخ أطلق عليه اسم (البركان) هو عبارة عن صاروخ (غراد) معدّل برأس أكثر قوّة». ووفق قهوجي فإن «استخدام الحزب الأسلحة التكتيكية، أي الصواريخ المضادة للدروع مثل (كورنيت)، تبقى استراتيجية أكثر فاعلية، لأن الضرر الذي ينجم عن (كاتيوشا) و(غراد) محدود الفاعلية، بالنظر إلى امتلاك إسرائيل قبّة حديدية قادرة على تدمير هذه الصواريخ في الجوّ».

المُسيَّرات الانقضاضيّة

في هذه الأثناء، يواظب «حزب الله» على تصوير عملياته التي تستهدف مواقع إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية، لسببين:

الأول، إظهار قدرته أمام جمهوره وبيئته على إلحاق الخسائر بالعدو والردّ على الاغتيالات التي تطول قيادييه وكوادره.

والثاني، التأثير النفسي على الجانب الإسرائيلي. وكان الحزب قد أعلن أخيراً «استهداف نقطة تموضع واستقرار لجنود العدو في موقع رويسة القرن في مزارع شبعا اللبنانية بصاروخ موجّه». وذكر في بيان له أن العملية «حققت إصابات مباشرة، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها في الموقع المذكور».

ضمن هذا السياق، لا يُخفي رياض قهوجي أن «استخدام الحزب الصواريخ الموجَّهة والطائرات المُسيَّرة الانقضاضية أو الانتحارية، نجح في إيقاع إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين... وكلما اقترب الهدف من الحدود اللبنانية قلّت قدرة إسرائيل على اعتراض مُسيَّرات وصواريخ الحزب وإسقاطها».

تشييع عباس شومان أحد عنصر "حزب الله" (رويترز)

عمليات مركّبة

في المقابل، فرض تفوّق الجيش الإسرائيلي، خصوصاً في سلاح الجوّ والدفاعات الجوية، على «حزب الله» تكتيكات معيّنة، فبدأ الأخير استخدام الطائرات المُسيَّرة بشكل منسق مع الصواريخ الموجهة، في ممارسة أطلق عليها تسمية «العمليات المركّبة».

وعودة إلى رياض قهوجي، فإن «العنوان الأساسي للمعركة الحالية هو الاستنزاف، لأن الحزب لم يتوقّع أن تستمر هذه الحرب لسبعة أشهر». وهنا قدّم الخبير الاستراتيجي اللبناني مقاربة مختلفة لرؤية إسرائيل لهذه الحرب، إذ شدّد على أن الجيش الإسرائيلي «ألغى قواعد الاشتباك وأزال الحدود أمام عملياته، مستخدماً قدراته وتفوّقه الجوّي... وهو ينجح بالاستهداف النوعي ويختار أهدافه عبر اغتيال قادة ميدانيين وكوادر أساسية في الحزب ذات خبرة قتالية عالية وواسعة، بالإضافة لاستهدافه مخازن أسلحة ومواقع سيطرة، فضلاً عن تدمير بلدات وقرى تشكِّل البيئة الحاضنة للحزب، من أجل زيادة الضغط عليه». ثم أردف: «لا شك في أن الجانب الإسرائيلي يستخدم جميع أنواع الأسلحة ضمن استراتيجية واحدة هي الاغتيالات والاستنزاف وتدمير قدرات الحزب بشكل ممنهج».

تحييد المدن الكبرى

لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية، لكنها ما زالت تتجنّب قصف المدن الكبرى مثل صور وصيدا وبيروت. وحسب رأي قهوجي، فإن «تحييد إسرائيل للمدن الكبرى إنما هو لتجنيب مدنها صواريخ (حزب الله)، وهذه قاعدة الاشتباك الوحيدة التي يلتزم بها الطرفان». ومن ثم لفت إلى أن الحزب «يمتلك تشكيلة كبيرة من الأسلحة، خصوصاً في مجال الدفاع الجوي، وقد قدّم نموذجاً منها عندما أسقط ثلاث مُسيَّرات إسرائيلية من طراز (هيرمز 450) و(هيرمز 950)، لكنَّ هذا التقدّم لا يعني تهديد السيطرة الجوية الإسرائيلية، فهي ذات قدرات محدودة أمام الطائرات الحربية النفّاثة، وهذه الصواريخ استُخدمت في سوريا في مواجهة القصف الذي يطول مواقع للحزب وإيران ولم يُثبت فاعليته».

اغتيال القادة الميدانيين

على صعيد آخر، لوحظ بوضوح في الفترة الأخيرة، أن إسرائيل هي التي تسارع إلى الكشف عن اسم الشخصيّة العسكرية التي يغتالها قبل أن يعلن عنه «حزب الله» عن هويّة المستهدف من قادته الميدانيين ودوره وأهميته في الجبهة.

وخلال الساعات الماضية أعلن الجيش الإسرائيلي عن «تنفيذ عملية اغتيال جديدة طالت مسؤولاً في (حزب الله) يتولى قيادة وحدة صاروخية في منطقة ساحل جنوب لبنان». وقال الناطق العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن الجيش «نفّذ غارة جوية في منطقة صور، هاجم فيها قاسم سقلاوي، قائد الوحدة الصاروخية في منطقة الشاطئ في (حزب الله)». وأضاف أدرعي أن سقلاوي «كان مسؤولاً عن التخطيط والتنفيذ لعمليات إطلاق قذائف صاروخية نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث عمل على تنفيذ وتخطيط عمليات إطلاق قذائف صاروخية، وأخرى مضادة للدروع نحو إسرائيل من منطقة الشاطئ في لبنان»، في إشارة إلى منطقة الساحل الجنوبي.

ورداً على هذا الاغتيال والعملية الإسرائيلية في مدينة القصير السورية، التي تسببت بمقتل اثنين من عناصره، أعلن «حزب الله» أن مقاتليه «هاجموا موقع المطلة ‏وحاميته وآلياته بمُسيَّرة مسلّحة بصاروخي (إس 5)، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب هذا النوع من الصواريخ التقليدية غير الموجهة».

معركة استنزاف

ثم إنه صحيح أن المواجهة وضعت «حزب الله»، كما وضعت إسرائيل، أمام معركة استنزاف لم يتوقعها الطرفان، لكن رغم ارتفاع أثمانها والخسائر التي يتكبّدها الحزب فإنه لا مؤشرات على استعداده للذهاب إلى «حربٍ شاملة»، بخلاف حكومة إسرائيل التي تسعى لإشعال الجبهة مع لبنان، رافضةً الضغوط الأميركية والأوروبية. غير أن مصدراً مقرّباً من «حزب الله» قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأخير «ليس في مرحلة استنزاف كما يروّج البعض». وتابع أن الحزب «يضع نفسه في حالة مواجهة دائمة مع الجانب الإسرائيلي، ولذلك يرى أن معركة إشغال إسرائيل ومساندة غزة لا تزال في بدايتها، وأن الحزب يملك نفساً طويلاً في كلّ حروبه من إسرائيل».

ومن ثمَّ أكد المصدر المقرّب من الحزب أن «المقاومة تحتفظ بكثير من المفاجآت التي ستصدم العدو وحلفاءه وليس العكس». وأضاف شارحاً أن «المقاومة في حالة حرب مع الإسرائيلي منذ اجتياح بيروت في عام 1982، وبقيت في هذه الوضعية حتى بعد تحرير الجنوب في 25 مايو (أيار) 2000، لأن العدو لم يُخفِ يوماً نيّاته العدوانية تجاه لبنان». واستطرد: «ما دام الإسرائيلي فتح الحرب في غزة، ووضع لبنان أمام خطر الحرب منذ الثامن من أكتوبر، فعليه أن يتحضّر للمفاجآت إذا ما اختار توسيع المواجهة».

منطقة عازلة

أخيراً، حول احتمالات المستقبل، يُجمع الخبراء على أن جبهة جنوب لبنان ستبقى مشتعلة، إلى أن تتبدّل الظروف التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر الماضي، وأن تل أبيب لن تقبل بوقفٍ لإطلاق النار قبل إقامة «منطقة عازلة» في جنوب لبنان، تقع تحت سيطرة قوات «يونيفيل» والجيش اللبناني، وخالية من أي وجود لمقاتلي «حزب الله».

وفي رأي أحد الخبراء، فإن حكومة إسرائيل «ستعمل على فرض واقع أمني في جنوب لبنان، كي لا تستفيق يوماً على (طوفان أقصى جديد) ينطلق من جنوب لبنان إلى الجليل الأعلى ومستوطنات الشمال... ولذلك نراها ترفض عودة مواطنيها إلى منازلهم في المناطق القريبة من حدود لبنان قبل الانتهاء من هذه الورقة الأمنية، سواء بالحلّ الدبلوماسي أو بالعمل العسكري أياً كانت نتائجه». لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية

منظر لقطاع من الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان (رويترز)

حسابات أوراق القوّة... والخسائر البشرية

> تأهباً للحرب الشاملة التي تتفوّق فيها إسرائيل عتاداً وعديداً تكنولوجياً، فإن «حزب الله» يخبئ أوراقاً قويّة تحضيراً لها. وهنا، أفاد الخبير الاستراتيجي الدكتور رياض قهوجي، بأن الحزب «لا يزال يمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية والصواريخ الدقيقة القادرة على ضرب العمق الإسرائيلي إذا حصل التصعيد في أي وقت». وجزم قهوجي بأن «حزب الله لا يريد الحرب، وهو يعدّل تكتيكاته عبر الصواريخ الموجَّهة والمُسيرات الانقضاضيّة لإيقاع إصابات في إطار حرب الاستنزاف، بخلاف الإسرائيلي الذي يسعى إلى حرب واسعة، لكن عندما تقع هذه الحرب سيُظهر الحزب أوراق القوّة لديه».والمعروف أنه عند كلّ زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو وزير الدفاع يؤاف غالانت، أو رئيس الأركان هرتسي هاليفي، يحضّ هؤلاء جنودَهم على الاستعداد لمعركة طويلة مع لبنان بما فيها احتمال الاجتياح البرّي، ويتكلمون عن «بنك أهداف» كبير ووسائل ربما تكون «حرب 2006» نزهة أمام ما سيحدث.على هذا، ردّ المصدر المقرّب من «حزب الله» بأن إسرائيل «تمارس حرباً نفسيّة على لبنان وحزب الله للخضوع لشروطها»، وشدد على أن الحزب «حدّد بدوره بنك الأهداف داخل الكيان الإسرائيلي في أي مواجهة قادمة». وأضاف: «لقد أعلن (أمين عام حزب الله) السيد حسن نصر الله، أن ضرب بيروت سيقابله تدمير تلّ أبيب، وضرب المنشآت المدنية سيقابَل بتدمير أهداف مدنية استراتيجية لدى العدو، بما فيها منصات الغاز في حقل كاريش».وفي حين لم يكشف الجانب الإسرائيلي عن خسائره البشرية جرّاء عمليات «حزب الله» ضدّ مواقعه وتجمعات جنوده، أعلنت مؤسسة «الدولية للمعلومات» عن سقوط 428 قتيلاً لبنانياً بالقصف الإسرائيلي على لبنان، غالبيتهم من «حزب الله». وأفادت «الدولية للمعلومات» في نشرتها الشهرية، بأنه «منذ عملية طوفان الأقصى في غزة التي بدأت فجر يوم السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ولغاية صباح الأربعاء 22 مايو (أيار) 2024، وصل عدد الشهداء 428 شهيداً، أكثريتهم السّاحقة من حزب الله». وأشار إلى أن القتلى توزّعوا على الشكل التالي:- مقتل جندي واحد للجيش اللبناني سقط يوم الثلاثاء 5 ديسمبر (كانون الأول) 2023، عندما قصفت إسرائيل أحد مراكز الجيش في بلدة العديسة الحدوديّة.- 305 لـ«حزب الله» و18 لحركة «أمل» وواحد للحزب السوري القومي الاجتماعي في 15 ديسمبر 2023، و3 من الإعلاميين.- 61 مدنياً من بينهم الجدة سميرة أيوب وحفيداتها الثلاث اللواتي استُشهدن يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 في الطريق بين عيترون وعيناتا.- عائلة البرجاوي وأقاربهم الذين قضوا يوم الأربعاء 14 فبراير (شباط) 2024.- عائلة فادي حنيكي (الذين قُتلوا داخل منزلهم) في ميس الجبل في 5 مايو 2024.- 9 من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ«حزب الله»، و5 من الجماعة الإسلامية، و7 من مسعفي الهيئة الطبية الإسلاميّة التابعة للجماعة الإسلاميّة أُصيبوا في بلدة الهبّارية، و3 من كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة «أمل»، و7 سوريين، و8 فلسطينيين.


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة
TT

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة

منذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منتصف عام 2015 الترشّح للمرة الأولى في سباق الرئاسة الأميركية، كان يؤخذ عليه تعامله مع النساء، ولم يتوانَ عن توجيه النقد لهنّ، وبالأخص، اللاتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي. ورغم محاولات ترمب تصوير الاتهامات التي وُجّهت وتوجّه إليه، بأنها «اضطهاد سياسي»، لم يستطع التخلي عن أسلوبه الخاص في تقريع منافسيه، حتى ولو أفقده ذلك ميزات لا يزال الناخبون الأميركيون - ولا سيما قاعدته الشعبية - يرون أنها قد تكون كافية لتمكينه من العودة إلى البيت الأبيض. وهو بدلاً من التطرق إلى المواضيع التي يقول الناخبون إنهم يهتمون بها كثيراً، فإنه غالباً ما كان - ولا يزال - يتورّط في مواجهات بدت خياراً استراتيجياً، وسط خوضه سباقاً محتدماً مع نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، ويواجه ما يمكن أن يكون فجوة تاريخية مع النساء، وسط سعيه لجذب الناخبات في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع تسلّم كمالا هاريس لواء ترشيح الحزب الديمقراطي، وقولها إنها عملت في وقت ما في سلسلة «ماكدونالد» للوجبات السريعة، ثم إعلانها أنها تخاطب النساء مع جيل من أقرانها جئن من بيئات اجتماعية وسياسية «متواضعة»، بدأ السباق على كسب أصوات الناخبات، وكأنه مواجهة مع فئة أخرى من النساء... يسعى ترمب من خلالهن إلى تغيير الصورة النمطية التي وسمت علاقته بهنّ.

هكذا، صعدت سارة ساندرز هاكابي، حاكمة ولاية أركنسو والناطقة السابقة باسم البيت الأبيض، ولورا لومر، مناصرة «نظريات المؤامرة» اليمينية المتطرفة، والمحامية ألينا حبّة. والثلاث آتيات من أصول «أرقى» اجتماعياً إلى دائرة الضوء، في مسعى من الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري، لجَسر الهوة التي يعانيها ترمب مع الناخبات، عبر الدفع بهن إلى مواقع متقدمة في حملته الانتخابية.

قبل نحو 3 أشهر، أعلنت حملة ترمب أن ألينا حبّة، المحامية والناطقة القانونية باسمه، باتت مسؤولة عن دور رئيسي جديد، سيكون محوَرياً في إعادة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وراهناً، تعمل حبّة «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب، وهذه ترقية تأتي بعد حصولها على اعتراف وطني بدورها القانوني في فريقه على مدى السنوات القليلة الماضية. وبالتالي، غدت حبّة من العناصر الرئيسية في فريق الرئيس السابق، وقد تلعب دوراً محورياً في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، مرّة أخرى.

إلا أن صعود ألينا حبّة، المحامية الأميركية ذات الأصول العراقية، يسلّط الضوء على كثرة من الأميركيين ذوي الأصول العربية المهاجرة ومسيراتهم، الذين انحازوا إلى الخطاب الشعبوي المناهض للهجرة.

عن ألينا حبّة؟ولدت ألينا سعد حبة عام 1984 في مدينة ساميت بولاية نيوجيرسي، لوالدين من الكاثوليك الكلدانيين الذين فرّوا من العراق في أوائل الثمانينات، أما والدها فهو الدكتور سعد حبّة، الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي.

تخرّجت ألينا في مدرسة كينت بليس الخاصة في نيوجيرسي عام 2002. ثم التحقت بجامعة ليهاي المرموقة، في ولاية بنسلفانيا، وتخرّجت فيها عام 2005 بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد التخرج، عملت بين عامي 2005 و2007، في صناعة الأزياء وإنتاج الإكسسوارات والتسويق مع شركة «مارك جاكوبس» إحدى العلامات التجارية الرائدة في أميركا. وقالت في تصريح لها، إنها على الرغم من استمتاعها بصناعة الأزياء، قررت مواصلة تعليمها العالي، والالتحاق بكلية الحقوق، لأسباب مالية. وبالفعل، حصلت على إجازة في القانون جامعة وايدنر، القريبة من مدينة فيلادلفيا، عام 2010. ومن ثم، عملت لفترة وجيزة كاتبةً قانونية لدى قاضي المحكمة العليا في نيوجيرسي آنذاك، يوجين كودي الابن، ثم رئيسة للمحكمة المدنية العليا في مقاطعة إسكس بنيوجيرسي، من عام 2010 إلى عام 2011.

بدأت حبّة عملها الخاص محاميةً في نهاية 2011، عندما انضمت مساعدةً في شركة «تومبكن ماغواير»، حتى بداية 2013. وبعدها التحقت بشركة محاماة أسسها زوجها السابق حتى عام 2020، قبل أن تغادرها وتؤسس شركتها الخاصة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تشغل حبّة حالياً منصب الشريك الإداري لشركة «حبّة مادايو وشركاؤهم» القانونية، وتتمتع بخبرة في التقاضي وتأسيس الشركات، والعقارات التجارية، وقانون الأسرة، وصناعة الخدمات المالية والقضايا المتعلقة بالبناء.

وفي سياق متّصل، حصلت ألينا حبّة على رخصة لممارسة المحاماة في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونكيتيكت. وعملت محاميةً رئيسية في ثلاث قضايا، منها دعوى جماعية فيدرالية ضد دار رعاية في نيوجيرسي متهمة بارتكاب العديد من مخالفات الإهمال وانتهاكات الاحتيال على المستهلك. وشغلت أيضاً منصب المستشار العام لشركة تدير مرائب السيارات مملوكة من زوجها الثاني غريغ روبن.

التقرّب من ترمبسياسياً، يرى البعض أن ميول حبّة سرعان ما برزت عبر محاولتها التقرّب من الرئيس السابق. وكانت قد انضمت عام 2019 إلى نادي ترمب الوطني للغولف بيدمينستر في نيوجيرسي، وتعرّفت عليه هناك.

غير أنها لم تتولَ أي عمل قانوني لصالح ترمب عندما عيّنها، خلال سبتمبر (أيلول) 2021، ضمن فريقه القانوني لتحلّ محل العديد من المحامين المعروفين الذين عملوا لدى ترمب لسنوات عديدة، قبل انسحابهم من خدمته، ومنهم مارك كاسويتز، وتشارلز هاردر، وجوانا هندون، ومارك موكاسي، وجاي سيكولو ولورانس روزين.

وبعد فترة وجيزة، رفعت حبّة دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابةً عن ترمب ضد صحيفة «النيويورك تايمز»، وثلاثة مراسلين للصحيفة، وابنة أخت ترمب، ماري ترمب. إلا أن القاضي ردّ الدعوى. ثم عملت حبّة لصالح ترمب في القضية التي كانت رفعتها سومر زيرفوس ضده عام 2017 بتهمة التشهير. وفي ذلك العام رمى ترمب زيرفوس بـ«الكذب»، بعدما اتهمته بتقبيلها وملامستها من دون موافقتها، عندما كانت متسابقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «ذي أبرينتيس».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رفعت حبّة دعوى مضادة ضد زيرفوس؛ بحجة أنها كانت تحاول خنق حق ترمب في حرية التعبير، لكن القضية أوقفت بعدما سحبت زيرفوس دعوتها.

محامية ترمب الأولىوهكذا، حظيت حبّة بثقة ترمب، بعدما ساعدته ومثّلته في دعاوى قضائية عدة، بينها قضية التصريح الكاذب لقيمة أصوله التي طلبت منه البنوك تقديمها سنوياً للتأكد من أن لديه الأموال الكافية لسداد قروضها. واستأنفت دون نجاح أمر محكمة يطلب من ترمب وأبنائه الإدلاء بشهادة تحت القسم حول التقييمات التي وقّعوا عليها عند تقديم تلك الإقرارات. وبعدما استجوبت ليتيشيا جيمس، المدعية العامة لنيويورك، ترمب في أغسطس (آب) 2022، قادت حبّة الدفاع عنه، لينقل عنها لاحقاً إدلاؤها بتعليقات عنصرية ضد جيمس، واصفة إياها بـ«العاهرة السوداء»، وأنها «شخص مريض».

بعدها، في سبتمبر 2022، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية دعوى رفعتها حبّة لمصلحة ترمب ضد هيلاري كلينتون وجون بوديستا (الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي) وجايك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي)، وديبي واسرمان شولتز، والعديد من المسؤولين الديمقراطيين، للمطالبة بتعويضات عن أدوارهم المزعومة في التخريب على حملته الرئاسية عام 2016.

وخلص القاضي إلى أن شكوى ترمب لم تكن كافية من جميع النواحي، محتفظاً بالحق في فرض عقوبات على محامي ترمب. وهو ما حصل بعد شهرين، حين فرض غرامات عليهم، من بينهم ألينا حبّة، ومايكل ماديو، وبيتر تيكتين وجيمي آلان ساسون. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أمر القاضي كلاً من ترمب وحبّة وشركتها بدفع 938 ألف دولار تكاليف قانونية لـ31 متهماً، بينهم اللجنة الوطنية الديمقراطية وهيلاري كلينتون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. هذا، وكانت حبّة، أحد أعضاء فريق الدفاع عن ترمب في قضية «شراء الصمت» التي رفعتها ضده وربحتها ممثلة أفلام إباحية، وغرّم عليها بقيمة 83.3 مليون دولار.

أبواب الشهرة والثروة... فُتحتلا شك في أن تعيين ترمب ألينا حبّة محامية له، فتح أمامها أبواب الشهرة والثروة، لتبرز على الساحة العامة باعتبارها، أبرز الناطقين باسمه والمدافعين عنه. وهي الآن مستشارة أولى للجنة العمل السياسي في حركة «ماغا» (لنعيد أميركا عظيمة) الناشطة لدعم إعادة انتخابه، الأمر الذي رفع ثروتها الشخصية؛ إذ تجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار، وحصلت على أكثر من 3.5 مليون دولار مقابل عملها مستشارةً، وفقاً لشبكة «إيه بي سي نيوز».

أيضاً، منذ أصبحت حبّة مساعدة قانونية رئيسة لترمب، انجذبت أكثر فأكثر إلى دائرته، وصارت من الشخصيات التي يتكرر ظهورها في نواديه، بنيوجيرسي وفلوريدا. وفي عيد ميلادها خلال فبراير (شباط)، نشرت صورة لها جالسة إلى جانبه.

وبعد كلمة حبّة في الليلة الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، يوم 15 يوليو (تموز)، وإثر تعرّض ترمب لمحاولة الاغتيال الأولى، قالت لشبكة «فوكس نيوز» عندما سُئلت عن شعورها إزاء الضمادة التي وضعها على أذنه المصابة ودخل قاعة المؤتمر وسط هتافات مؤيديه وتصفيقهم: «أعتقد أن أفضل كلمة لوصف ذلك هي تأثّرت... أعتقد أن أميركا يمكن أن ترى أن الرئيس ترمب مختلف اليوم». وتابعت: «لم أظن قَطّ في حياتي أنني سأعيش ذلك، ناهيك بأن أعيشه وأقول هذا صديقي... كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي. إنه أمرٌ مؤلم، لكنني فخورة به».

صوت ترمب في المستقبلعدّت حبّة ترقيتها إلى «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب بأنها «شرف عظيم»، وتعهّدت بأنها ستوفر لها، كأم، الفرصة لمناقشة القضايا المهمة للنساء في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت استعدادها لمواصلة دورها محاميةً له، في القضايا الجارية التي تشارك فيها، لكنها تخطط أيضاً لأن تصبح الآن «صوتاً للرئيس ترمب» من أجل التكلّم عن مجموعة واسعة من القضايا.

يبقى القول، أن حبّة تصف نفسها، كاثوليكيةً، بأنها «متدينة للغاية»؛ ما يجعل رسالتها المحافظة قريبة من اتجاهات كثيرين من المسيحيين العرب الأميركيين، الذين يعتبرون ترمب ممثلاُ لهم في هذا المجال. وهي، رغم تمكّنها من الحفاظ على خصوصية حياتها العائلية حتى الآن، فقد قالت في نوفمبر الماضي لصحيفة «النيويورك بوست» اليمينية إن لديها ثلاثة أطفال، مراهق يبلغ من العمر 14 سنة، وابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وابنة تبلغ سبع سنوات من زوجها الأول ماثيو آيت، الذي تطلقت منه عام 2019. وفي عام 2020 تزوّجت من غريغ روبن، زوجها الثاني، ويعيشون في برناردزفيل بنيوجيرسي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن حبّة تعتبر صديقة مقربة من إريك نجل دونالد ترمب. وظهرت مع كيمبرلي غيلفويل، خطيبة دونالد ترمب «الابن» في العديد من المناسبات.