جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

متى تقع المواجهة الكبرى بين إسرائيل و«حزب الله»؟

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
TT

جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)

رفعت إسرائيل من وتيرة عملياتها في العمق اللبناني، مستهدفةً بشكل ممنهج مواقع لـ«حزب الله»، ومنفّذة عمليات اغتيال طالت قادة ميدانيين، في حين يردّ الحزب بضرب مواقع إسرائيلية ذات بُعد استراتيجي. أما القاسم المشترك بين الطرفين فيتمثّل باستخدامهما أسلحة جديدة أبرزها المُسيَّرات الهجوميّة التي باتت وسيلة فاعلة على الجبهتين، وعنوان «معركة الاستنزاف» المستمرّة منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. يتمسّك «حزب الله» حتى الآن بقواعد الاشتباك، وعدم تغيير ظروف اللعبة تجنباً لحربٍ واسعة تريدها إسرائيل وتسعى لاستدراجه إليها، بينما تُوسّع تل أبيب دائرة استهدافها العمق اللبناني ويشّن طيرانها الحربي غارات تطول معظم بلدات الجنوب وأطراف مدينة صيدا وصولاً إلى البقاع الذي يشكل امتداداً لبيئة الحزب، وقد أسفرت غارة إسرائيلية قبل يومين على منطقة الزهراني في قضاء صيدا، عن مقتل عنصر في الحزب وطفلين سوريين، كما كثّفت غاراتها على بلدات جنوبية منها النجارية والعدوسيّة القريبتين من مدينة صيدا البعيدة جداً عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.

في حين نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم إن إيران نقلت وسائل دفاع جوي متقدمة لـ«حزب الله»، مستندين في ذلك إلى صور من موقع عسكري هاجمه الجيش الإسرائيلي، أدخل «حزب الله» في المقابل أسلحة جديدة على المعركة لإظهار قدراته القتالية، ومحاولة خلق «توازن رعب» جديد مع إسرائيل.

وفي هذا الإطار أعلن الحزب عن «تنفيذ عملية بواسطة مُسيَّرة هجوميّة مسلّحة مزوّدة بصاروخين من طراز (إس – 5) على موقع عسكري في المطلة بأقصى شمال شرقي إسرائيل، قبل أن تنفجر». وأيضاً نشر مقطع فيديو يوثّق تحليق المُسيَّرة باتجاه الموقع حيث توجد دبابات ولحظة إطلاقها الصاروخين ثم انفجارها.

دخول الأسلحة الجديدة على المعركة لا يعني بالضرورة أن الحزب يهيئ الأرضية لفتح جبهة الجنوب على امتدادها، بقدر ما هو توجيه رسائل إلى الجانب الإسرائيلي تفيد بأن المغامرة العسكرية ستكون أثمانها مكلفة جداً.

وهنا أشار الدكتور رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري والخبير في شؤون الأمن والتسلّح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حزب الله لم يستخدم كل أسلحته منذ البداية، بل آثر أن يرسم لنفسه قواعد الاشتباك المناسبة، ويحصر عملياته العسكرية ضمن جبهة معينة مع إسرائيل».

ولفت قهوجي أيضاً إلى أن الحزب «لا يزال يعتمد على صواريخ (كاتيوشا) و(غراد) إلى جانب صاروخ أطلق عليه اسم (البركان) هو عبارة عن صاروخ (غراد) معدّل برأس أكثر قوّة». ووفق قهوجي فإن «استخدام الحزب الأسلحة التكتيكية، أي الصواريخ المضادة للدروع مثل (كورنيت)، تبقى استراتيجية أكثر فاعلية، لأن الضرر الذي ينجم عن (كاتيوشا) و(غراد) محدود الفاعلية، بالنظر إلى امتلاك إسرائيل قبّة حديدية قادرة على تدمير هذه الصواريخ في الجوّ».

المُسيَّرات الانقضاضيّة

في هذه الأثناء، يواظب «حزب الله» على تصوير عملياته التي تستهدف مواقع إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية، لسببين:

الأول، إظهار قدرته أمام جمهوره وبيئته على إلحاق الخسائر بالعدو والردّ على الاغتيالات التي تطول قيادييه وكوادره.

والثاني، التأثير النفسي على الجانب الإسرائيلي. وكان الحزب قد أعلن أخيراً «استهداف نقطة تموضع واستقرار لجنود العدو في موقع رويسة القرن في مزارع شبعا اللبنانية بصاروخ موجّه». وذكر في بيان له أن العملية «حققت إصابات مباشرة، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها في الموقع المذكور».

ضمن هذا السياق، لا يُخفي رياض قهوجي أن «استخدام الحزب الصواريخ الموجَّهة والطائرات المُسيَّرة الانقضاضية أو الانتحارية، نجح في إيقاع إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين... وكلما اقترب الهدف من الحدود اللبنانية قلّت قدرة إسرائيل على اعتراض مُسيَّرات وصواريخ الحزب وإسقاطها».

تشييع عباس شومان أحد عنصر "حزب الله" (رويترز)

عمليات مركّبة

في المقابل، فرض تفوّق الجيش الإسرائيلي، خصوصاً في سلاح الجوّ والدفاعات الجوية، على «حزب الله» تكتيكات معيّنة، فبدأ الأخير استخدام الطائرات المُسيَّرة بشكل منسق مع الصواريخ الموجهة، في ممارسة أطلق عليها تسمية «العمليات المركّبة».

وعودة إلى رياض قهوجي، فإن «العنوان الأساسي للمعركة الحالية هو الاستنزاف، لأن الحزب لم يتوقّع أن تستمر هذه الحرب لسبعة أشهر». وهنا قدّم الخبير الاستراتيجي اللبناني مقاربة مختلفة لرؤية إسرائيل لهذه الحرب، إذ شدّد على أن الجيش الإسرائيلي «ألغى قواعد الاشتباك وأزال الحدود أمام عملياته، مستخدماً قدراته وتفوّقه الجوّي... وهو ينجح بالاستهداف النوعي ويختار أهدافه عبر اغتيال قادة ميدانيين وكوادر أساسية في الحزب ذات خبرة قتالية عالية وواسعة، بالإضافة لاستهدافه مخازن أسلحة ومواقع سيطرة، فضلاً عن تدمير بلدات وقرى تشكِّل البيئة الحاضنة للحزب، من أجل زيادة الضغط عليه». ثم أردف: «لا شك في أن الجانب الإسرائيلي يستخدم جميع أنواع الأسلحة ضمن استراتيجية واحدة هي الاغتيالات والاستنزاف وتدمير قدرات الحزب بشكل ممنهج».

تحييد المدن الكبرى

لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية، لكنها ما زالت تتجنّب قصف المدن الكبرى مثل صور وصيدا وبيروت. وحسب رأي قهوجي، فإن «تحييد إسرائيل للمدن الكبرى إنما هو لتجنيب مدنها صواريخ (حزب الله)، وهذه قاعدة الاشتباك الوحيدة التي يلتزم بها الطرفان». ومن ثم لفت إلى أن الحزب «يمتلك تشكيلة كبيرة من الأسلحة، خصوصاً في مجال الدفاع الجوي، وقد قدّم نموذجاً منها عندما أسقط ثلاث مُسيَّرات إسرائيلية من طراز (هيرمز 450) و(هيرمز 950)، لكنَّ هذا التقدّم لا يعني تهديد السيطرة الجوية الإسرائيلية، فهي ذات قدرات محدودة أمام الطائرات الحربية النفّاثة، وهذه الصواريخ استُخدمت في سوريا في مواجهة القصف الذي يطول مواقع للحزب وإيران ولم يُثبت فاعليته».

اغتيال القادة الميدانيين

على صعيد آخر، لوحظ بوضوح في الفترة الأخيرة، أن إسرائيل هي التي تسارع إلى الكشف عن اسم الشخصيّة العسكرية التي يغتالها قبل أن يعلن عنه «حزب الله» عن هويّة المستهدف من قادته الميدانيين ودوره وأهميته في الجبهة.

وخلال الساعات الماضية أعلن الجيش الإسرائيلي عن «تنفيذ عملية اغتيال جديدة طالت مسؤولاً في (حزب الله) يتولى قيادة وحدة صاروخية في منطقة ساحل جنوب لبنان». وقال الناطق العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن الجيش «نفّذ غارة جوية في منطقة صور، هاجم فيها قاسم سقلاوي، قائد الوحدة الصاروخية في منطقة الشاطئ في (حزب الله)». وأضاف أدرعي أن سقلاوي «كان مسؤولاً عن التخطيط والتنفيذ لعمليات إطلاق قذائف صاروخية نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث عمل على تنفيذ وتخطيط عمليات إطلاق قذائف صاروخية، وأخرى مضادة للدروع نحو إسرائيل من منطقة الشاطئ في لبنان»، في إشارة إلى منطقة الساحل الجنوبي.

ورداً على هذا الاغتيال والعملية الإسرائيلية في مدينة القصير السورية، التي تسببت بمقتل اثنين من عناصره، أعلن «حزب الله» أن مقاتليه «هاجموا موقع المطلة ‏وحاميته وآلياته بمُسيَّرة مسلّحة بصاروخي (إس 5)، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب هذا النوع من الصواريخ التقليدية غير الموجهة».

معركة استنزاف

ثم إنه صحيح أن المواجهة وضعت «حزب الله»، كما وضعت إسرائيل، أمام معركة استنزاف لم يتوقعها الطرفان، لكن رغم ارتفاع أثمانها والخسائر التي يتكبّدها الحزب فإنه لا مؤشرات على استعداده للذهاب إلى «حربٍ شاملة»، بخلاف حكومة إسرائيل التي تسعى لإشعال الجبهة مع لبنان، رافضةً الضغوط الأميركية والأوروبية. غير أن مصدراً مقرّباً من «حزب الله» قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأخير «ليس في مرحلة استنزاف كما يروّج البعض». وتابع أن الحزب «يضع نفسه في حالة مواجهة دائمة مع الجانب الإسرائيلي، ولذلك يرى أن معركة إشغال إسرائيل ومساندة غزة لا تزال في بدايتها، وأن الحزب يملك نفساً طويلاً في كلّ حروبه من إسرائيل».

ومن ثمَّ أكد المصدر المقرّب من الحزب أن «المقاومة تحتفظ بكثير من المفاجآت التي ستصدم العدو وحلفاءه وليس العكس». وأضاف شارحاً أن «المقاومة في حالة حرب مع الإسرائيلي منذ اجتياح بيروت في عام 1982، وبقيت في هذه الوضعية حتى بعد تحرير الجنوب في 25 مايو (أيار) 2000، لأن العدو لم يُخفِ يوماً نيّاته العدوانية تجاه لبنان». واستطرد: «ما دام الإسرائيلي فتح الحرب في غزة، ووضع لبنان أمام خطر الحرب منذ الثامن من أكتوبر، فعليه أن يتحضّر للمفاجآت إذا ما اختار توسيع المواجهة».

منطقة عازلة

أخيراً، حول احتمالات المستقبل، يُجمع الخبراء على أن جبهة جنوب لبنان ستبقى مشتعلة، إلى أن تتبدّل الظروف التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر الماضي، وأن تل أبيب لن تقبل بوقفٍ لإطلاق النار قبل إقامة «منطقة عازلة» في جنوب لبنان، تقع تحت سيطرة قوات «يونيفيل» والجيش اللبناني، وخالية من أي وجود لمقاتلي «حزب الله».

وفي رأي أحد الخبراء، فإن حكومة إسرائيل «ستعمل على فرض واقع أمني في جنوب لبنان، كي لا تستفيق يوماً على (طوفان أقصى جديد) ينطلق من جنوب لبنان إلى الجليل الأعلى ومستوطنات الشمال... ولذلك نراها ترفض عودة مواطنيها إلى منازلهم في المناطق القريبة من حدود لبنان قبل الانتهاء من هذه الورقة الأمنية، سواء بالحلّ الدبلوماسي أو بالعمل العسكري أياً كانت نتائجه». لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية

منظر لقطاع من الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان (رويترز)

حسابات أوراق القوّة... والخسائر البشرية

> تأهباً للحرب الشاملة التي تتفوّق فيها إسرائيل عتاداً وعديداً تكنولوجياً، فإن «حزب الله» يخبئ أوراقاً قويّة تحضيراً لها. وهنا، أفاد الخبير الاستراتيجي الدكتور رياض قهوجي، بأن الحزب «لا يزال يمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية والصواريخ الدقيقة القادرة على ضرب العمق الإسرائيلي إذا حصل التصعيد في أي وقت». وجزم قهوجي بأن «حزب الله لا يريد الحرب، وهو يعدّل تكتيكاته عبر الصواريخ الموجَّهة والمُسيرات الانقضاضيّة لإيقاع إصابات في إطار حرب الاستنزاف، بخلاف الإسرائيلي الذي يسعى إلى حرب واسعة، لكن عندما تقع هذه الحرب سيُظهر الحزب أوراق القوّة لديه».والمعروف أنه عند كلّ زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو وزير الدفاع يؤاف غالانت، أو رئيس الأركان هرتسي هاليفي، يحضّ هؤلاء جنودَهم على الاستعداد لمعركة طويلة مع لبنان بما فيها احتمال الاجتياح البرّي، ويتكلمون عن «بنك أهداف» كبير ووسائل ربما تكون «حرب 2006» نزهة أمام ما سيحدث.على هذا، ردّ المصدر المقرّب من «حزب الله» بأن إسرائيل «تمارس حرباً نفسيّة على لبنان وحزب الله للخضوع لشروطها»، وشدد على أن الحزب «حدّد بدوره بنك الأهداف داخل الكيان الإسرائيلي في أي مواجهة قادمة». وأضاف: «لقد أعلن (أمين عام حزب الله) السيد حسن نصر الله، أن ضرب بيروت سيقابله تدمير تلّ أبيب، وضرب المنشآت المدنية سيقابَل بتدمير أهداف مدنية استراتيجية لدى العدو، بما فيها منصات الغاز في حقل كاريش».وفي حين لم يكشف الجانب الإسرائيلي عن خسائره البشرية جرّاء عمليات «حزب الله» ضدّ مواقعه وتجمعات جنوده، أعلنت مؤسسة «الدولية للمعلومات» عن سقوط 428 قتيلاً لبنانياً بالقصف الإسرائيلي على لبنان، غالبيتهم من «حزب الله». وأفادت «الدولية للمعلومات» في نشرتها الشهرية، بأنه «منذ عملية طوفان الأقصى في غزة التي بدأت فجر يوم السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ولغاية صباح الأربعاء 22 مايو (أيار) 2024، وصل عدد الشهداء 428 شهيداً، أكثريتهم السّاحقة من حزب الله». وأشار إلى أن القتلى توزّعوا على الشكل التالي:- مقتل جندي واحد للجيش اللبناني سقط يوم الثلاثاء 5 ديسمبر (كانون الأول) 2023، عندما قصفت إسرائيل أحد مراكز الجيش في بلدة العديسة الحدوديّة.- 305 لـ«حزب الله» و18 لحركة «أمل» وواحد للحزب السوري القومي الاجتماعي في 15 ديسمبر 2023، و3 من الإعلاميين.- 61 مدنياً من بينهم الجدة سميرة أيوب وحفيداتها الثلاث اللواتي استُشهدن يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 في الطريق بين عيترون وعيناتا.- عائلة البرجاوي وأقاربهم الذين قضوا يوم الأربعاء 14 فبراير (شباط) 2024.- عائلة فادي حنيكي (الذين قُتلوا داخل منزلهم) في ميس الجبل في 5 مايو 2024.- 9 من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ«حزب الله»، و5 من الجماعة الإسلامية، و7 من مسعفي الهيئة الطبية الإسلاميّة التابعة للجماعة الإسلاميّة أُصيبوا في بلدة الهبّارية، و3 من كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة «أمل»، و7 سوريين، و8 فلسطينيين.


مقالات ذات صلة

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

حصاد الأسبوع 
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
حصاد الأسبوع جاء إلى السلطة معتمداً على إرث من محاربة الفقر والاستعمار والاستغلال ومعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية

يويري موسيفيني... طامح لولاية سابعة بعد أربعة عقود من الحكم

متعهداً بـ«تنمية اقتصاد بلاده»، أعلن رئيس أوغندا يويري موسيفيني، البالغ من العمر 81 سنة، اعتزامه الترشح لولاية رئاسية سابعة، مستكملاً مسيرة بلغت نحو أربعة عقود

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
حصاد الأسبوع عيدي آمين  آ ب

«لؤلؤة أفريقيا»... أوغندا أمام تحديات سياسية واقتصادية

في شرق القارة الأفريقية تقع أوغندا، التي تُعرَف بـ«لؤلؤة أفريقيا». وهي دولة غير ساحلية، لكنها تزخر بالغابات المطيرة والبحيرات والتنوع البيئي والحيوي. كذلك،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع لولا خلال قمة العشرين في ريو دي جانيرو (إيبا - ايفي)

«لولا» يضطر إلى التخلي عن حلم قيادة البرازيل نحو دور عالمي

عندما وقف لويس إينياسيو لولا دا سيلفا «لولا» أمام القاضي، وهو على أبواب الثمانين من عمره، يدافع عن براءته من التهم التي كانت موجهة إليه إبّان عهد الرئيس

حصاد الأسبوع آثار القصف الإسرائيلي على طهران (رويترز)

الصين وإيران وإسرائيل... لعبة التوازن في شرقٍ يتغير

تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى آلاف السنين حين كانت «طريق الحرير» القديمة الرابط الحيوي بين حضارتين عظميين. في عمق التاريخ هذا، لم تكن تلك الطرق مجرد مسارات

وارف قميحة ( بيروت)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
TT

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق سيطرتها، وثانياً من تعثّر تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش - وتتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة - من تقطيع أوصال السودان وتجزئته. معارضون وموالون للطرفين أبدوا قلقهم العميق على وحدة البلاد، وحذّروا من احتمالات ولادة دولة داخل دولة، أو تجزئة البلاد إلى دولتين، كسابقة انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة في الإقليم السوداني. وأثار هؤلاء أسئلة عن تنازع «الشرعية» بين الحكومتين «غير الشرعيتين»، وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي ولدتها الحرب في السودان. في نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» - اختصاراً «تأسيس» - يوم الثلاثاء الماضي تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو، وهي خطوة وصفت بأنها تمهيد لاقتراب تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» خلال فبراير (شباط) الماضي في العاصمة الكينية، نيروبي، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

«حكومة السلام والوحدة»

ووقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي. وقالوا إنهم سيشكلون حكومة تحمل اسم «حكومة السلام والوحدة» وتنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتتجه للسيطرة على كل السودان. إلا أن تشكيل «الحكومة» تعثّر أو تأخر كثيراً، إذ بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف وتصريحات مسؤولين فيه، توقَّع مراقبون كثر أن يكون تشكيل تلك الحكومة وشيكاً.

في الجهة الأخرى، تعثّر أيضاً تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. وبعدما أصدر عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، واجهت درويش تعقيدات عدة أبرزها الخلافات على تسنم كراسي الوزارة، لا سيما مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه «الدعم السريع».

والحال أن لدى كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، إصراراً على الاحتفاظ بوزارتَي المالية والمعادن، بلغ حد تلميح بعض قياداتهما لفض الشراكة مع الجيش، بل وقد تصل الأمور حد «التحالف مع قوات الدعم السريع».

في هذه الأثناء، لا تعترف القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. إذ ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما لا ترى في حكومة التحالف الموعودة، سوى خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

البرهان (آ ف ب

مناطق السيطرة

راهناً، يتوزَّع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على السودان. فالحكومة الموالية للجيش تسيطر على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكَسَلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

أما «قوات الدعم السريع» فتسيطر على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وثمة جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور. وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

دولة أم دولتان؟

مراراً، أكد قادة «قوات الدعم السريع» أن الهدف من خطوتها «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، وفي الوقت ذاته لا يعترف بحكومة الجيش. لكن الخطوة (تشكيل حكومة) أثارت قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، خشية إعادة تجربة انفصال جنوب السودان، كحد أعلى، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بما يخصه، الجيش بحكم تحالفه مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الكلام عن فصل دارفور والأقاليم الغربية، لكن بعض حلفائه الإسلاميين، لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب أسوة بما فعلوه مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه يغض الجيش الطرف عن تحرك مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد، تدعو علانية لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، تحت ذرائع التمايز التاريخي والثقافي، وهي كالذرائع التي أدت لانفصال جنوب السودان.

وحقاً، حذّر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع، وما قد تؤدي إليه من كوارث، فقال: «تقسيم السودان قد يزّج العالم في عقود من الحرب». وحذَّر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب، وتعجِّل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

دور الإسلاميين

بدأ المحلل السياسي محمد لطيف حواراً مع «الشرق الأوسط» بسؤال: «لماذا الحرب»؟ وأردف: «بصفتي مراقباً أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

لطيف استبعد أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفاً: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصاً على وحدة البلاد، وليس منزعجاً من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتاً كثيرة جداً تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطاً على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وما إن كانت الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه أخيراً قادرة على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديداً».

مؤتمر في واشنطن

من جهة أخرى، وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريباً؛ لبحث الأزمة في السودان، يشارك فيه وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي.

وأكد بولس وفق صحيفة «سودان تربيون»، أن هدف المؤتمر إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

هنا، أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

تحذير... وتشديد على وحدة السودان

من جهته، حذّر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق الذي أطيح به بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، من تشكيل حكومة في بورتسودان، وقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذَّر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

وفق الفكي لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيساً لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيداً. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

صراع السلطة بين الجنرالين يفاقم الأزمة الإنسانية وقد يؤدي إلى كوارث

«الإسلاميون» ضد وقف الحرب

في هذه الأثناء، خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي المتشدد والوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، هجوماً عنيفاً على دعاة وقف الحرب. وقال إنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، وبعدما وصفهم بـ«أعداء الوطن»، دعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

عمر شكك أيضاً في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيداً».

"حميدتي" (آف ب - غيتي)

لسنا دعاة انفصال

أما علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، فقال إن «أياماً فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وإن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

وحول مكان إقامة الحكومة، أوضح نقد أن أجهزتها ستكون موزّعة الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا - تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

أيضاً، نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

وأوضح نقد أن «حكومته» المُزمعة ستتضمن جهازاً تنفيذياً وبرلماناً وجهازاً قضائياً. وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلّق نقد على الجاري تداوله بأن هدف حكومة «تأسيس» الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، فقال: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».