أندريه بيلوسوف... خبير اقتصادي ناجح يتربّع على مقعد وزير الدفاع في روسيا

«رجل المرحلة» الذي اختاره بوتين لإعادة تأهيل الجيش وضمان النصر في أوكرانيا

يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
TT

أندريه بيلوسوف... خبير اقتصادي ناجح يتربّع على مقعد وزير الدفاع في روسيا

يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية

العنوان الرئيسي الذي لفت الأنظار في المناقلات والتعيينات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فور تسلمه رسمياً مهام ولايته الرئاسية الخامسة، لم يكن إقالة سيرغي شويغو وزير دفاعه لسنوات طويلة وصديقه المقرب، بل تعيين أندريه بيلوسوف رجل الاقتصاد الذي عمل لسنوات طويلة بصمت، بعيداً عن الأضواء، حتى إن كثيرين من الروس لا يكادون يعرفون على وجه الدقة طبيعة المهام الكبرى التي كُلّف بتنفيذها في مرحلة تُعد الأصعب في تاريخ روسيا المعاصر. وهكذا انهالت التعليقات، من كل صوب وحدب، وسارع مسؤولون ووسائل إعلام بارزة لإطلاق وصفات جاهزة، لتفسير قرار وضع الخبير الاقتصادي على مقعد وزير الدفاع. بعضهم رأى في القرار دليلاً على «يأس» فلاديمير بوتين، وفق واشنطن. في حين انبرى محللون لتكرار مقولة إن إسناد الكرملين وزارة الدفاع إلى رجل «لم يلبس قط البدلة العسكرية» يضع علامات استفهام كبرى حول قدرته على قيادة الجيش في ظروف معركة مصيرية بالنسبة إلى روسيا.

خلافاً للتكهنات الكثيرة خارج الحدود، وبعيداً عن مصنع القرار الروسي، بدا الكرملين واثقاً من خياراته الأخيرة، ومقتنعاً بأن من شأن اختيار أندريه بيلوسوف لقيادة وزارة الدفاع «إعادة تشغيل» القطاعات الصناعية والاقتصادية كلها في إطار «اقتصاد الحرب» وتحت شعار توجيه مقدرات البلاد لـ«خدمة المعركة».

ولكن مَن بيلوسوف؟ ولماذا حظيَ بثقة بوتين الواسعة، وبات بين الأسماء البارزة على لوائح العقوبات الغربية؟ وفي التساؤلات أيضاً: ماذا سيفعل خبير الاقتصاد الذي فضَّل طويلاً أن يعمل بصمت خلف الأضواء، في منصب وزير الدفاع الروسي؟

خبير ابن خبير

كان أندريه بيلوسوف، وهو نجل خبير اقتصادي سوفياتي بارز، يعمل في الأوساط الأكاديمية قبل ضمه إلى الحكومة عام 1999، واستمر في مناصب اقتصادية، منها وزير التنمية الاقتصادية، والمستشار الاقتصادي لبوتين، حتى شغل عام 2020 منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، في مرحلة صعبة للغاية خلال مواجهة تداعيات تفشي «كوفيد - 19» على المجتمع والاقتصاد. وطوال تلك الفترة، دعا بيلوسوف باستمرار إلى دور قوي للدولة في الاقتصاد، وإلى تحفيز نموها عبر الاستثمارات، وأسعار الفائدة المنخفضة، والسياسات المالية والائتمانية الناعمة.

وُلد أندريه بيلوسوف عام 1959 في موسكو لعائلة الاقتصادي ريم ألكساندروفيتش بيلوسوف، وعالمة الكيمياء الإشعاعية أليسا بافلوفنا بيلوسوفا. وكان الأب خبيراً اقتصادياً مرموقاً يُعد -وفقاً لتقارير- «مؤسس» المدرسة العلمية السوفياتية في مجال التسعير والإدارة، وكان أحد المشاركين في إعداد «إصلاحات كوسيغين»، نسبةً إلى رئيس الوزراء السوفياتي أليكسي كوسيغين الذي قاد مرحلة من التغييرات الاقتصادية هدفت إلى توسيع اللامركزية في تبني القرارات الاقتصادية. أما الأم فكانت عالمة في مجال الكيمياء الإشعاعية، ودرّست لسنوات طويلة كيمياء العناصر النادرة.

تميُّز أكاديمي وبحثي

في هذا الوسط الأكاديمي العلمي شبّ الابن أندريه، مما ترك انعكاسات مهمة على كل مراحل حياته العملية لاحقاً، لجهة الرصانة في أداء عمله والاهتمام بكل التفاصيل، فضلاً عن روح الابتكار في نشاطه المهني.

وبعد التخرّج في المدرسة الثانية للفيزياء والرياضيات، التحق أندريه بكلية الاقتصاد في جامعة موسكو الحكومية، وتخرّج فيها بمرتبة الشرف عام 1981 متخصصاً بـ«التحكم الآلي الاقتصادي». وهناك برزت مواهبه باكراً جداً، ففي أثناء دراسته، بدأ التعاون مع مجموعة من الاقتصاديين البارزين تحت قيادة ألكسندر أنشيشكين، الذي كان في 1977 - 1981 رئيساً لقسم تخطيط الاقتصاد الوطني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية.

ولاحقاً، عمل بيلوسوف في «معهد الاقتصاد وتوقّع التقدم العلمي والتكنولوجي» التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، الذي أُسس عام 1986 على أساس عديد من الأقسام العلمية لمعهد الاقتصاد المركزي، وفيه شغل على التوالي مناصب باحث مبتدئ، فباحث، فباحث كبير. ولقد تركّزت أولوياته البحثية على رصد اتجاهات الاقتصاد الكلي، فضلاً عن التضخّم والأزمة الهيكلية في الاقتصادات على النمط السوفياتي. وبهذا المعنى أدرك باكراً مشكلات الاقتصاد الاشتراكي، لكنه في الوقت ذاته، ظل مؤمناً بنظريات سيطرة الدولة على المقدرات الاقتصادية والتشغيلية.

عام 1991 المفصليّ

كان عام 1991 حاسماً لبيلوسوف كما كان حاسماً لمصير البلاد كلها. وحينذاك عُيّن رئيساً لمختبر التحليل وتوقُّع عمليات الاقتصاد الكلي في معهد الاقتصاد والتكنولوجيا التابع لأكاديمية العلوم، وسرعان ما أصبح عضواً في المجموعة التحليلية لجمعية السياسة الخارجية التي شُكلت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وعُرفت باسم «مجموعة بيسميرتنيخ»، (على اسم مؤسسها وزير خارجية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق ألكسندر بيسميرتنيخ).

في تلك المرحلة كان الاتحاد السوفياتي قد لفظ أنفاسه الأخيرة. لكن الرجل واصل مساره بشكل ثابت، وأسس عام 2000 «مركز الدراسات والتوقّع (أو الرصد)» الذي لعب أدواراً مهمة في المرحلة اللاحقة، رشّحته بقوة ليغدو أحد أبرز رجال الاقتصاد في عهد بوتين. إذ أعدَّ تقريراً بالغ الأهمية عام 2005 حول «الاتجاهات طويلة المدى في الاقتصاد الروسي: سيناريوهات التنمية الاقتصادية لروسيا حتى عام 2020». وتوقّع التقرير حدوث الأزمة الاقتصادية عام 2008، كما أشار إلى احتمال حدوث ركود اقتصادي في 2011 - 2012 وفشل نظام الإدارة العامة. وكلها توقّعات جسّدتها التطوّرات اللاحقة.

ولكن، لعل من المفارقات هنا أن الرجل الذي يحظى حالياً بثقة مطلقة من جانب بوتين، عمل لسنوات طويلة بمنح مالية من جانب الولايات المتحدة؛ إذ تلقى بيلوسوف منحاً من «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». والمفارقة الأهم، أن الذين يحصلون على هذه المنحة اليوم يُدرجون فوراً على لائحة «العملاء الأجانب» ويُحظر تعيينهم في مناصب حكومية.

في عام 2004، نشر بيلوسوف بأموال أميركية تقريراً بعنوان: «تنمية الاقتصاد الروسي على المدى المتوسط: تحليل التهديدات»، محللاً حالة الدفاع عن روسيا. وفي العام التالي، عُيّن مديراً لمشروع «شروط تحقيق المزايا التنافسية للاقتصاد الروسي (النهج الهيكلي الكلي)» الذي أُطلق أيضاً بأموال أميركية.

بيد أن تلك المرحلة من حياته لم تؤثر في مسيرته السياسية. فعام 1999 أصبح عضواً في مجلس إدارة وزارة الاقتصاد، وعمل مستشاراً لعدد من رؤساء الحكومة الروسية: يفغيني بريماكوف، وسيرغي ستيباشين، وميخائيل كاسيانوف، وميخائيل فرادكوف.

في الخدمة العامة

دخل بيلوسوف الخدمة العامة، رسمياً عام 2006، وتولّى منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية. وفي هذا المنصب أشرف على كتلة الاقتصاد الكلي، بما في ذلك قضايا تحسين مناخ الاستثمار، وتنفيذ البرامج المستهدفة الفيدرالية، والأنشطة الاستثمارية لـ«مصرف التجارة الدولي» أكبر مصرف حكومي في البلاد. وتحت قيادته طُوّر عام 2020 مفهوم التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة المدى.

لكنَّ النقلة الرئيسية في الجهاز الحكومي لبيلوسوف جاءت عام 2008، عندما عيّنه بوتين (رئيس الوزراء آنذاك) مديراً لدائرة الاقتصاد والمالية التابع لمجلس الوزراء. وفي تلك الفترة بين 2008 و2012، التي أمضاها بوتين رئيساً للوزراء قبل عودته رئيساً إلى الكرملين، بدأ العمل المباشر مع بيلوسوف، الذي حظي بثقة كبرى من بوتين وصار من الدائرة المقربة إليه، وغدا مع النائب الأول لرئيس الوزراء إيغور شوفالوف، ووزيرة التنمية الاقتصادية إلفيرا نابيولينا، المسؤولين عن صياغة الأجندة الاقتصادية للحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، صار مسؤولاً عن القضايا المتعلقة بإعداد الميزانية والاستثمار العام وتحسين مناخ الاستثمار. وبمشاركته، أُسّست وكالة المبادرات الاستراتيجية وأُطلقت ما تسمى «المبادرة الوطنية لريادة الأعمال» على أساسها، هادفةً إلى تحسين ظروف ممارسة الأعمال التجارية في روسيا.

وزيراً للتنمية الاقتصادية

وبعدها، فور عودة بوتين إلى الكرملين عام 2012، عيّن بيلوسوف وزيراً للتنمية الاقتصادية، ثم مساعداً للرئيس الروسي للشؤون الاقتصادية. قبل أن يغدو عام 2020 نائباً أول لرئيس الوزراء ومسؤولاً مباشراً عن القطاع الاقتصادي في الحكومة. ومن هذا المنصب واجه الرجل تفشي «كوفيد - 19»، وأظهر براعةً في تقليص الأضرار على الاقتصاد، كما واجه لاحقاً تداعيات رُزم العقوبات التي انهالت على روسيا بعد قرار إطلاق الحرب في أوكرانيا في 2022.

وبناءً عليه، يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية. فقد تعامل مع مشكلات السوق وعدّل التدابير لدعم الشركات الروسية في ظروف الحصار. وساهم في تحسين مناخ الاستثمار وتقليص تداعيات العقوبات، خصوصاً من خلال برامج أطلقها بشأن حماية وتشجيع الاستثمار في الظروف الراهنة، لا سيما على صعيد الضرائب والرسوم الجمركية وتعويض تكاليف أضرار البنى التحتية.

أيضاً، يُعد بيلوسوف مُطلق مشاريع تعديل مسار سلاسل التوريد، وقد أسهم في «طرح» الهيكل اللوجيستي الجديد، وبناء ممرّات نقل لإعادة توجيه التجارة الخارجية لروسيا ومنها وآليات التعامل مع أسواق جديدة.

وكان أحد مشاريع بيلوسوف الأخيرة، بصفته النائب الأول لرئيس الحكومة، بلوَرة استراتيجية «السيادة التكنولوجية» القائمة على ضمان تنمية الاقتصاد الروسي في المجالات الرئيسية، بالاعتماد على موارده العلمية والتكنولوجية الخاصة. وتحديداً، أعدَّ مفهوماً للتطور التكنولوجي في الاتحاد الروسي ينصّ على تقليص الفجوة بين العلم والإنتاج في إطار مشاريع الابتكار الكبيرة بمشاركة الدولة، وتطوير آليات لدعم الابتكار في الاتحاد الروسي -في مفهوم التقنيات الحيوية (المطلوبة الآن) والتقنيات الشاملة (تقنيات المستقبل الواعدة).

ماذا سيفعل الآن في وزارة الدفاع؟

يرى البعض أن أهمية تعيين بيلوسوف وزيراً للدفاع تكمن في ضرورة التعامل مع متطلبات تسخير موارد الدولة الروسية لخدمة الجبهة، وفي الوقت ذاته تحاشي إهمال القطاعات الأخرى التي تؤثر بشكل مباشر على الجبهة الداخلية. فالدولة تستثمر حالياً موارد هائلة في الصناعة العسكرية وفي بعض قطاعات الصناعة المدنية المرتبطة بها والضرورية جداً لسد الفجوات الحاصلة بسبب العقوبات. وبالتالي، طبيعي أن تتمثل الاستراتيجية العسكرية للسلطات الروسية في تقليص الخسائر على كل المستويات. وكذلك يجب إيلاء أقصى قدر من الاهتمام للخدمات اللوجيستية، مع المحافظة على أعلى درجة ممكنة من الشفافية وخفض مخاطر الفساد في الظروف الراهنة... وهو أمر برع فيه بيلوسوف.

اليوم يقول خبراء إن التكليف أشبه بعملية «إعادة تشغيل» السلطة التنفيذية برمّتها. وقد يكون تعليق ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، الأكثر وضوحاً ودقة عندما قال: «في ساحة المعركة، الفائز الآن هو الطرف الأكثر انفتاحاً على الابتكار والتنفيذ الأكثر كفاءة».

لشرح هذه الفكرة قال بيسكوف: «موازنة وزارة الدفاع والكتلة الأمنية كانت في الآونة الأخيرة في حدود 3 في المائة، ثم ارتفعت إلى 3.4 في المائة. وفي الآونة الأخيرة وصلت إلى 6.7 في المائة. وليس خافياً أن وزارة الدفاع مسؤولة عن تقديم جميع الطلبات للصناعة. وهذا ليس رقماً حاسماً بعد، فهو ماضٍ باتجاه تصاعدي (...) لأسباب جيوسياسية معروفة. إننا نقترب تدريجياً من الوضع الذي كان عليه في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت حصة الإنفاق على الكتلة الأمنية العسكرية أكثر من 7 في المائة. هذا مهم للغاية، ويتطلّب موقفاً خاصاً لجهة ضرورات الدمج بين متطلبات اقتصاد كتلة القطاع العسكري مع اقتصاد البلاد ككل».

إذاً، مهمة أندريه بيلوسوف، كاقتصادي متخصّص ورؤيوي استراتيجي، هي بناء أساس اقتصادي وبنية تحتية للجيش للقتال على المستوى التكنولوجي المناسب، وإحلال نظم جديدة توازن بين المتطلبات العسكرية في المرحلة الراهنة لخدمة الجبهة مع حاجات القطاعات الاقتصادية والصناعية في البلاد.

ولذا كان بدهياً أن يُجمل بيلوسوف، في أثناء عرض ترشيحه لتولي وزارة الدفاع في مجلس الفيدرالية (الشيوخ)، المهمة الرئيسية التي كُلّف بها في «تحقيق النصر في ساحة المعركة في أوكرانيا بأقل قدر من الخسائر في القوات». فضلاً عن التركيز «على حاجة القطاع العسكري إلى مزيد من الكفاءة والابتكار لتحقيق أهدافه».

وباختصار، يبدو من تعيين بيلوسوف أن بوتين يريد سيطرة أوثق على الإنفاق الدفاعي القياسي في روسيا، وإطلاق عملية إصلاح واسعة تقود إلى تعزيز قدرات البلاد الصناعية في مرحلة الحرب وما بعدها. يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية


مقالات ذات صلة

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

حصاد الأسبوع دمار غزة (إ.ب.أ)

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كمالا هاريس (آ ب)

ستيفانيك الطموحة تراجعت عن مواقفها المعتدلة لأجل طموحاتها السياسية

مواقف النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك من إسرائيل، ولا سيما بعد «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)» عزّزت تحوّلها إلى شخصية مفضّلة عند الرئيس السابق دونالد ترمب، غير

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)

أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

بمواجهة الخوف من التعرض لعقوبات أميركية، وبعد سنوات من المفاوضات والانتكاسات، وقّعت الهند، أخيراً، اتفاقية طويلة الأمد مع إيران بخصوص تشغيل وإدارة ميناء

براكريتي غوبتا (يودلهي)
حصاد الأسبوع مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

لأول مرة منذ تأسيس المشروع الأوروبي أواخر خمسينات القرن الماضي يرى الناظر إلى الساحة الأوروبية أن كل شيء قد تبدّل، أو هو على أعتاب تغيير عميق. لم يحصل أبداً أن

شوقي الريّس (بروكسل)

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)
TT

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، حظيت خطوته بتقدير كبير من الجمهور. وفي أول استطلاع رأي أجرته صحيفة «معاريف» خلال تلك الفترة، في أول ديسمبر (كانون الأول) منحه الناخبون 40 مقعداً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قوته الانتخابية، إذ كان له 12 مقعداً فقط. وحسب تلك النتائج، هبط حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو من 32 مقعداً، له اليوم، إلى 18 مقعداً. ودلَّت النتائج على أن معسكر نتنياهو يهبط من 64 إلى 43 مقعداً، فيما يرتفع نصيب المعسكر المناوئ له من 54 إلى 77 مقعداً. حصاد3 – مستقبل إسرائيل تحت هيمنة اليمين المطلقة

لقد نظر الشارع الإسرائيلي إلى بيني غانتس بنهاية العام الماضي على أنه قائد متواضع يتصرّف كجندي في الاحتياط، يمتثل للأوامر العسكرية، ويضع مصلحة الدولة فوق أي اعتبار. ورأى أن الرجل، «الملسوع» من تجربة سابقة مع بنيامين نتنياهو -والذي استقال أخيراً من حكومته- عضّ على جرحه وعاد للتحالف معه مجدداً في سبيل «الوحدة الوطنية». ويذكر أن الإعجاب بغانتس قد ازداد أكثر عندما أعلن قُبيل تعيينه أنه لا يطالب بوزارات له ولرفاقه، بل كل ما يطلبه هو الشراكة الفعلية في إدارة الحرب، وكان له ما أراد.

يومها، وفقاً لشهود عيان كثيرين، كان نتنياهو محطماً نفسياً من هول الضربة. إذ تمكّنت «حماس» من مباغتة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات وإلحاق خسائر فادحة، قتلى وجرحى، واحتلت 11 موقعاً عسكرياً و22 بلدة، فيما بدت القيادة الإسرائيلية كأنها تغطّ في سُبات عميق.

أيضاً، نتنياهو، بصفته رئيس حكومة، يتحمّل مسؤولية أساسية عن هذا الإخفاق، ولذا طالبه 84 في المائة من الإسرائيليين بالاستقالة. أما الجيش فعمد إلى فعلٍ انتقامي هستيري، وشن حرب دمار شامل أحرق فيها غزة وأهلها -وليس «حماس»- وأخذ يُعدّ لتوجيه ضربة استباقية إلى لبنان، حتى قبل أن يعلن «حزب الله» حرب «الإسناد».

الكرامة وإنقاذ الهيبة

كان غانتس، ومعه «شريكه» رئيس الأركان السابق الآخر غادي آيزنكوت، قد جاءا إلى «مجلس قيادة الحرب» ليسهما في «إنقاذ هيبة وكرامة الجيش الإسرائيلي»، وحقاً صار الجمهور يرى في غانتس أفضل المرشحين لرئاسة الحكومة بدل نتنياهو. ولكن الآن بعد مضيّ أكثر من 8 أشهر، عاد الجمهور الإسرائيلي يفتش عن رئيس حكومة آخر، بعد فقدانه الأمل في نتنياهو يقنعه... وأيضاً في غانتس وكل مرشح من الشخصيات القيادية المطروحة.

الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن غانتس سيهبط إلى 27 مقعداً، ولكن إذا أُسس حزب يميني آخر سيوزّع الجمهور أصواته بين غانتس والحزب الجديد. وهذا ليس تصوراً وهمياً، بل واقعي جداً. إذ إن رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت، يسعى لتشكيل حزب يضم يوسي كوهين، رئيس «الموساد» السابق، وغدعون ساعر الوزير والحليف السابق لغانتس، وأفيغدور ليبرمان رئيس حزب «اليهود الروس»، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن هذا الحزب سيحصد الأصوات من كل الأحزاب وسيصبح الحزب الأكبر، مما يعني أنه سيكلَّف بتشكيل الحكومة.

وهكذا، يخرج غانتس مرة أخرى «من المولد بلا حمص»، بعدما انفضّ الجمهور عنه. فلماذا يحصل له هذا وهو الذي يحمل على كتفه 33 سنة من الخدمة العسكرية ويتعامل مع محيطه بصدق وصراحة... ومعروف أنه لا ينتمي إلى شريحة السياسيين الفاسدين؟

نتنياهو حاضراً اجتماعاً حكومياً (رويترز)

طريقة اللعب... وتقبّل الفساد

غانتس بنفسه ليس بريئاً من هذه النتيجة، لكنَّ المسؤولية لا تنحصر به. فإسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى، سياسية ومجتمعية شاملة، والشارع يتجه نحو اليمين بشكل جارف، وكما في كل حرب... يتجه أكثر وأكثر إلى اليمين. بينما غانتس يُعد من الجناح الليبرالي، وكان قد أعرب عن تأييده لـ«حل الدولتين».

أيضاً، ليست «حماس» وحدها، بل أيضاً اليمين الحاكم نجح في تقويض هيبة ومكانة الجيش وغيره من أجهزة الأمن. ومع أن الجيش ما زال أكثر مؤسسة رسمية تحظى باحترام الناس وثقتهم، فقد انخفضت نسبة الثقة به من 87 في المائة إلى 63 في المائة. وقسم كبير من الشارع يسير وراء الشعارات العاطفية فارغة المضمون، وتفتش عن قائد «أزعر» و«فهلوي» و«يتقن اللعب والخداع» لا عن قائد «رمادي بارد».

وفي مكان ما، لم يعد الجمهور أيضاً ينفر من «القائد الفاسد»، خصوصاً في يمين الخريطة الحزبية. فوفق استطلاع أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، ونُشر عام 2018، قال 47 في المائة من المستفتين إن القيادة السياسية في إسرائيل «فاسدة». وفي تحليل النتائج، تبين أن هذه النسبة تنخفض لدى ناخبي اليمين إلى 25 في المائة، أي إن غالبية 75 في المائة لا يرون أن القيادة السياسية فاسدة، مع أن رئيس الوزراء يحاكَم بتهمة الفساد، وهناك ثلاثة وزراء أُدينوا بالفساد. ثم إن الحكومة الإسرائيلية الحالية سعت لسن قوانين تجيز للوزارات تعيين مسؤولين عديدين على أساس القرب من الوزير وليس الكفاءة. وأقرت في موازنتها صرف أكثر من 1.5 مليار دولار للأحزاب تصرفها على مصالحها الذاتية من موازنة الدولة. والمستشارة القضائية للحكومة حذرت من أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، يُحدث تغييراً جوهرياً في الشرطة بما يلائم سياسة حزبه المتطرف ويختار لرئاسة الدوائر والأذرع ضباطاً مقربين منه وليس وفق معيار المهنية. وبالتالي، مضى الزمن الذي كان فيه وزير ينتحر، عندما يكتشفون أنه ارتكب مخالفة فساد. فالفساد ببساطة لم يعد أمراً معيباً.

الخوف

ثمة محنة أخرى يعيشها المجتمع الإسرائيلي تدفعه إلى قرارات وسياسات متهوّرة بعيدة عن الحكمة. فالقيادة اليمينية بمجملها، وليس فقط نتنياهو، تتبنى عقيدة الخوف والتخويف، وتبني سياستها على الاعتقاد بأن عدواً ما يلاحق اليهود لإبادتهم في كل عصر. ووفق قناعات هؤلاء «اليهود شعب الله المختار» والعالم كله يغار منهم ويحسدهم، ويريد التخلص منهم.

بدأ ذلك بالعداء للسامية في الغرب -وأوروبا بشكل خاص– وتفاقم مع «المحرقة النازية»، والآن العرب والإسلام.

طبعاً، هناك أساس لهذا الاعتقاد، فالنازية فعلاً عملت على «إبادة» اليهود. وتوجد جماعات عربية وإسلامية تطلق شعارات معادية لليهود، لكنَّ هؤلاء أقلية ضئيلة، لا تزيد نسبتها -مثلاً- على نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يريدون إبادة الشعب الفلسطيني!

في المقابل، العرب يقدمون لإسرائيل عرضاً سخياً لإنهاء الصراع الإسرائيلي - العربي من جذوره، عبر مبادرة السلام السعودية، التي غدت مبادرة عربية تقبلها «منظمة التعاون الإسلامي» وجميع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني. وسيشمل العرض سلاماً شاملاً بين إسرائيل والعرب والدول الإسلامية يشمل إقامة دولة فلسطينية على مساحة 22 في المائة من فلسطين التاريخية.

قصة اللاسامية

مع هذا، يحاول قادة اليمين إقناع اليهود بأنه لا أحد معهم، وبأن اللاسامية تتحكم بمؤسسات الأمم المتحدة. واستمرت تهم اللاسامية عندما خرج ملايين الناس عبر العالم في مظاهرات غضب إثر مشاهدة صور أطفال غزة يتمزقون بحمم المتفجرات الإسرائيلية. وطالت التهم حتى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، اللتين قررتا التحقيق في ممارسات إسرائيل في غزة بناءً على معطيات رهيبة وأدلة كثيرة، بينها تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي أمر الجيش بالتعامل مع الفلسطينيين على أنهم «حيوانات»، ووزير آخر طلب إبادة غزة بقنبلة نووية، ووزير ثالث دعا إلى محو غزة. بل حتى الرئيس الأميركي جو بايدن، اتهمه بعض الوزراء بـ«التآمر مع حماس» عندما اختلف مع الحكومة الإسرائيلية.

تلاشي «حل الدولتين»

أخيراً، استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الشارع ما عاد متقبّلاً «حل الدولتين». بل حتى أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تبني مواقفها على أساس دراسات ومعطيات استخبارية، وترى أن المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل تكمن في «حل الدولتين»، تقف عاجزة عن التصدّي لسياسات اليمين، وأبرزها مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية الهادفة إلى إجهاض «حل الدولتين»، وحملات القمع الدموية، وحماية مخططات المستوطنين بما فيها طرد مزارعين فلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم لكي يسيطروا هم عليها.

إسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى سياسية ومجتمعية شاملة

افتداء الأسرى الإسرائيليين... صار قضية كبيرة

عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من عائلات الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، أن يَحذروا من أن يؤدي «نضالهم الشرعي لتحرير أبنائهم» إلى تشجيع «حماس» على تشديد مطالبها في الصفقة، اختلفوا فيما بينهم؛ بعضهم وافقه وبعضهم اعترض بحجة أن نتنياهو «مخادع ويحاول منعنا من ممارسة الضغوط عليه».وفي لقائه الثاني معهم، اقترح عليهم ممارسة الضغط على «حماس» لا عليه، وعرض عليهم السفر على حساب الدولة إلى دول أوروبا وأميركا والتقاء القادة السياسيين لـ«تجنيدهم إلى جانب إسرائيل في المعركة ضد (حماس)». وبالفعل، وافق قسم كبير منهم، وسافروا، في عدة رحلات نظَّمتها وزارة الخارجية، والتقوا عدة زعماء ووزراء، ورفض آخرون هذه الرحلات مؤكدين أن نتنياهو يخدعهم.وبعدما صارت مظاهرات عائلات الرهائن يومية، صاروا يقرأون في الشبكات الاجتماعية منشورات تهاجمهم وتتهمهم بـ«طعن الدولة في ظهرها والمساس بمعنويات الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون العدو»، لكنهم لم يرتدعوا. وكان ردهم: «نحن دولة ديمقراطية، حرية التعبير فيها مكفولة، والاختلافات أمر صحي». ولكن، عندما بدأوا يتعرّضون لاعتداءات جسدية من نشطاء في اليمين المتطرف ينعتونهم بالخيانة، بدا الخوف يتسلل إليهم وبعضهم ارتدع عن المشاركة في المظاهرات.وعندما أطلق الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الرّسَن للشرطة كي تفرّقهم بالقوة وتعتدي على كثيرين منهم، لا فرق بين شابٍّ ومسنٍّ، أو بين رجل وامرأة، أُصيب متظاهر بكسور في جمجمته، فبدأت العائلات تدرك أن الحكومة اليمينية أدخلتهم إلى «الحرب الداخلية» لا «حرب غزة»، بعد اتهامهم بأنهم «أعداء». ولقد تساءلت باسمها وباسمهم، والدة أحد الجنود الأسرى: «هل يُعقَل أن

قيادة الدولة اليهودية تفقد أهم قيمة في اليهودية، افتداء الأسرى وأبدلت بها إهدار دم الأسرى بشكل متعمَّد؟».

من مظاهرات مناوئي الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب (إ.ب.أ)

ولكن، قبل نحو أسبوعين، أزال الوزراء في حكومة نتنياهو الستار عن عورة موقفهم عندما حضروا إلى الكنيست (البرلمان) ليخاطبوا قادتهم.كانت الأنباء تتحدث عن «قبول إسرائيل المقترح الإسرائيلي للصفقة»، حسب الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جاك سوليفان. لكنَّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، حضر إلى المداولات في لجنة المالية، وقال إنه لن يؤيد الصفقة الجاري العمل عليها مع «حماس». وأضاف: «ما يطلبه (يحيى) السنوار الآن هو تحرير مئات القتلة مع دم على الأيدي كي يحرّر مخطوفين. هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى قتل الكثير جداً من اليهود... نحن سنقلب كل حجر كي نعيد كل المخطوفين، لكننا لن ننتحر بشكل جماعي».وفي نقاش آخر اصطدم النائب إسحاق فيندروس من «يهدوت هتوراة» لليهود المتديّنين، مع إستر بوخشتاف، أُم المخطوف ياغف بوخشتاف، بعدما طلبت الأم حق الكلام أمام اللجنة التي يترأسها فيندروف. إذ سألها: «أتريدون ممارسة نشاط سياسي حزبي؟». فصُدمت الأم وصرخت في وجهه: «أنت تتهمني بالسياسة وأنا أحاول أن أبثّ ألمي على ولدي؟ ألا تخجل من نفسك؟ أنت رجل دين وتعرف أن التوراة تعد افتداء الأسرى عملاً مقدّساً... فهل هكذا تفهم أحكام الدين؟ مَن منّا يُغلِّب السياسة الحزبية؟ مَن منّا تنازل عن القِيَم؟».في الواقع، الكلام عن القِيَم يكثر هذه الأيام في إسرائيل وسط أجواء التوتر الشديد والحرب متعددة الجبهات. فعلى هامش هذه الحرب ثمة تراجع صارخ وغير مسبوق عن قِيَم كثيرة. وهناك مَن يشعر بأن مصير القِيَم صار أخطر بكثير من السؤال عمّن يحكم إسرائيل في المرحلة التالية، بعد استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من الحكومة. وكثرة يقولون إن هناك ما يهدّد مستقبل إسرائيل برمّتها، لأنها بُنيت على أساس تلك القِيَم... وأهمها: افتداء الأسرى.وإلى جانب أحكام الدين في الموضوع، توجد مسألة استراتيجية تتعلق بها. فامتناع الحكومة عن الذهاب إلى صفقة لتحرير الأسرى، البالغ عددهم اليوم 120 أسيراً، يثير شكوكاً لدى كل جندي يحارب في الميدان حول مصيره. فيتساءل: «هل إذا وقعتُ في الأسر، سيصيبني ما يصيب هؤلاء الأسرى؟ سأتعفّن في نفق تحت الأرض ولا يسأل عني أحد؟ أهذه هي إسرائيل التي أنتمي إليها وأحارب لأجلها وأفتديها بروحي وحياتي؟».وعليه، فالقضية هي: هل يستطيع أن يحارب بإقدام وشجاعة مَن يسكنه هاجس كهذا؟