إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

بين استمرار تأثير «النخب» في الأولى... ونفوذ الجيش في الثانية

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
TT

إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)

شهدت كل من إندونيسيا وباكستان، وهما أكبر دولتين إسلاميتين من حيث عدد السكان، إذ تضمان 33.8 في المائة من سكان العالم المسلمين، انتخابات عامة خلال فبراير (شباط) المنصرم، شارك فيها ما يقرب من 320 مليون ناخب مؤهلين للتصويت. إندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم، والدولة التي تضم أكثر من 270 مليون نسمة، تعد ليس فقط أكبر دولة إسلامية وصاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا، وإنما باتت أيضاً ثالث أكبر دولة ديمقراطية في العالم - بعد الهند والولايات المتحدة - إثر العملية الإصلاحية عام 1998 التي أنهت حكم الرئيس سوهارتو. وكان الأخير قد ظل على رأس السلطة لأكثر من ثلاثة عقود. وفي المقابل، يعيش في باكستان ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهي أيضاً تتمتع بموقع استراتيجي في جنوب آسيا. بيد أنه بالإضافة إلى اقتصادها المتدهور، خضعت البلاد منذ تأسيسها عام 1947 لفترات طويلة من الحكم العسكري.

في إندونيسيا حقق المرشح برابوو سوبيانتو انتصاراً ساحقاً بأكثر من 60 في المائة من إجمالي الأصوات، ما رجّح أن يكون الرئيس المقبل. أما في باكستان فتأخر الحسم واستمر الغموض لبعض الوقت مع تنازع ثلاث قوى رئيسية السواد الأعظم من المقاعد. وهذا قبل اتجاه الحزبين الموصوفين بـ«العائليين»، أي «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» وحزب الشعب الباكستاني، للتحالف في تشكيل سلطة اتحادية جديدة ضد القوة الثالثة التي يشكلها مناصرو الرئيس السابق عمران خان. والمفهوم أن هذا يعني تولي شهباز شريف من «الرابطة» رئاسة الحكومة وانتخاب آصف زرداري من حزب الشعب رئيساً للجمهورية.

للعلم، هذه ليست المرة الأولى التي يتفاهم فيها الحزبان الغريمان تقليدياً، ذلك أنهما توافقا ضمن تحالف في أعقاب الإطاحة بحكم عمران خان في أبريل (نيسان) 2022 وتوليا الحكم لنحو 16 شهراً. ويومذاك تنحى جانباً نواز شريف الزعيم البارز لـ«الرابطة» ورئيس الحكومة ثلاث مرات، تاركاً المنصب لأخيه الأصغر شهباز.

عمران خان (آ ف ب)

إرث الحكم العسكري

لكل من إندونيسيا وباكستان تاريخ مشترك من الديكتاتوريات العسكرية لعقود من الزمن. إذ بقيت إندونيسيا تحت ديكتاتورية الجنرال سوهارتو لمدة 32 سنة، كما ظلت ديمقراطية ناشئة لأكثر من 25 سنة حتى الآن، وإن كانت من الناحية الدستورية دولة علمانية تقوم على فصل بين الدين والدولة. ثم إنه في حين يضطلع البرلمان (الهيئة التشريعية) الإندونيسي بدور ثانوي نسبياً في صنع القرار، تقع سلطة صنع السياسات على عاتق الرئاسة.

غورجيت سينغ، وهو سفير سابق للهند في إندونيسيا يرى أنه «رغم العملية الانتخابية الحيوية، ما زال القادة السياسيون والتجاريون والعسكريون يهيمنون على الديمقراطية في إندونيسيا، وجل هؤلاء ممن جمعوا ثرواتهم خلال 32 سنة من حكم سوهارتو. وفقط تحت ضغط شعبي هائل، اتفق هؤلاء على إضفاء الطابع الديمقراطي، لكنهم وضعوا القواعد الانتخابية لتحقيق هدفين: خلق حواجز مجحفة أمام دخول لاعبين جدد مع ضمان المنافسة العادلة فيما بينهم».

في المقابل، تاريخ باكستان السياسي مليء بالاضطرابات. إذ عاشت في ظل ثلاثة دساتير ومرّت بثلاثة انقلابات عسكرية، ومن بين رؤساء وزرائها الثلاثين، لم يُكمل أي منهم فترة ولاية كاملة مدتها 5 سنوات. كذلك، يحكم الجيش الباكستاني البلاد منذ عام 1947، ويشارك منذ فترة طويلة في السياسة، حتى عندما لا يكون في السلطة بصفة مباشرة. وكان الجنرال برويز مشرف آخر حاكم عسكري باكستاني، حكم من 1999 إلى 2008.

راهناً، تمر باكستان بأزمة سياسية جديدة، وسط استمرار الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي والهجمات الإرهابية المكثفة في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. ويذكر أنه في عام 2024، شاب الانتخابات العامة جدل ولغط ومزاعم بأن الجيش زوّر الانتخابات لصالح ائتلاف سياسي بقيادة نواز شريف. وفي هذا السياق، غالباً ما تعلق الصحافية الباكستانية آروز كاظمي على قناتها في «يوتيوب» قائلة: «منذ الاستقلال، شابت الانتخابات في باكستان الخلافات، بما في ذلك تدخل الجيش القوي، ومزاعم واسعة النطاق بالفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية وتزوير الناخبين. لم يزدهر الأساس الديمقراطي الحقيقي في باكستان أبداً، بل دائماً ما غمرته الانقلابات العسكرية، ولا يزال الجيش يحكم البلاد بشكل غير مباشر».

كيف ستتأثر السياسة الإندونيسية؟

خاض 3 مرشحين الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إندونيسيا، هم: برابوو سوبيانتو (72 سنة) الجنرال السابق للقوات الخاصة ووزير الدفاع الحالي - الذي فاز في السباق -، وأنيس باسويدان (54 سنة) الحاكم السابق للعاصمة جاكارتا ووزير التعليم والثقافة السابق والمثقف الإسلامي التقدمي العربي الأصل، وغنجار برانوو حاكم جاوة الوسطى السابق.

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عام 1998، عندما فجّر التأثير المدمّر للأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية واسعة ضد حكم سوهارتو، الذي تولّى السلطة على خلفية عمليات تطهير واسعة ضد الشيوعيين واليساريين عام 1965. وفي مواجهة الاحتجاجات العامة المتزايدة ضد ديكتاتورية سوهارتو، أجبره حلفاؤه العسكريون والسياسيون على الاستقالة. ثم أجريت انتخابات حرة في غضون سنة.

ولقد تنافس 48 حزباً في انتخابات عام 1999، تمكن 21 منها من الفوز بمقاعد في البرلمان. ومع هذا، كان أصحاب الأداء الأعلى هي الأحزاب الثلاثة «المطيعة» الممثلة في برلمان سوهارتو ذي الموافقات الروتينية. أما الفائز الأكبر فكان «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDIP) بقيادة ميغاواتي ابنة أحمد سوكارنو، أول رئيس استقلالي للبلاد (الذي عزله سوهارتو). وحل ثانياً حزب «غولكار» الذي تزعمه سوهارتو وقاده مناصروه. وجاء ثالثاً «حزب التنمية المتحد»، المؤلف من نخب إسلامية تمثل فئات اجتماعية وآيديولوجية مختلفة. والملاحظ هنا تحدر رؤساء إندونيسيا الثلاثة المنتخبين ديمقراطياً منذ عام 1999 من عائلات سياسية أو دينية أو عسكرية قوية، ولقد احتفظوا بنفوذهم في السياسة رؤساء لأحزابهم السياسية.

سنا جفري، الباحثة في برنامج آسيا بـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» تعلق على الواقع بالقول: «على مدى العقدين الماضيين، تنقّلت السلطة في الغالب ضمن هذه النخب، التي تقرّر أحزابها السياسية من يظهر في الاقتراع وما يفعله الفائزون ما بين الانتخابات. وكان جوكو ويدودو، الرئيس صاحب الشعبية الكبيرة في البلاد، أول شخص خارجي يخترق هذه الزمرة. لكنه سرعان ما أدرك أن الدعم الشعبي ربما ساعده على بلوغ قمة السلطة، إلا أن ممارستها في ظل سيطرة نخب عهد سوهارتو تتطلب منه اللعب وفق قواعدها».

ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لإندونيسيا؟

أما الأكاديمي أديتيا بيردانا فيعد أن انتخابات 2024 «ستضع إندونيسيا على أعتاب تغيير أجيال وشيك. إذ لا تزال النخب القديمة مسؤولة عن اختيار المرشحين، وباتباع التقاليد العريقة لسياسة النخبة المهيمنة، اتخذ العديد منهم تدابير لتوريث قيادة أحزابهم لأبنائهم». وأردف أن لدى إندونيسيا «جميع المكوّنات الصحيحة لجعلها واحدة من أكثر الدول نفوذاً في آسيا، وأيضاً تتمتع بالموارد الطبيعية الضخمة التي لا تحتاج إلا إلى استثمارات أجنبية لربطها والاستفادة منها». ثم أضاف: «(الرئيس الحالي جوكو) برابوو تعهد بمواصلة خطط ويدودو للتنمية الاقتصادية التي استفادت من احتياطات إندونيسيا الوفيرة من النيكل والفحم والنفط والغاز... وقادت أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا خلال عقد من النمو السريع والتحديث الذي وسع بشكل كبير شبكات الطرق والسكك الحديدية في البلاد. ويشمل ذلك مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة تسمى نوسانتارا. وهي تعتمد بشكل متزايد على الصين للقيام بذلك».

وهنا استدرك بيردانا ليشير إلى أن إندونيسيا «لا تريد أن تضطر إلى الانحياز لأي طرف في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مع أن ويدود اقترب أكثر من الصين، وأشار برابوو أيضاً إلى أنه قد يحذو حذوه، برغم أن الموازنة بين المصلحة والاستثمار من الغرب والصين في مشروع العاصمة الجديدة ستشكل تحدياً جدياً».

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عندما فجّرت الأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية ضد حكم سوهارتو

التاريخ الانتخابي لباكستان

تشكل المشهد الانتخابي الباكستاني عبر فترات متقطعة من الحكم الديمقراطي المتداخل مع الأنظمة العسكرية. ويضطلع الجيش بدور حاسم في السياسة الباكستانية، ويعد القوة الدافعة الرئيسية وراء الانتخابات. وحول هذا الأمر يقول البروفسور سوميت غانغولي، من جامعة إنديانا الأميركية، في كتاب بعنوان «مستقبل داعش»، شارحاً: «لا يمكن لأي مرشح أن ينجح من دون دعم قادة الجيش. وأي شخص يعارض المؤسسة العسكرية يخاطر بالاعتقال أو النفي أو ما هو أسوأ. وطوال ماضي باكستان المضطرب، سيطر الجنرالات العسكريون على الانتخابات وقادوا البلاد في بعض الأحيان بأنفسهم».

وبالفعل، كانت انتخابات الشهر المنصرم مثيرة للجدل، وشابتها مزاعم بتزوير الأصوات، وأسفرت عن تفويض منقسم مع ظهور المرشحين المستقلين من حزب «حركة الإنصاف الباكستانية» بزعامة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان كأكبر كتلة انتخابية. فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة «الفجر» الباكستانية اليومية، فاز المستقلون بعدد 93 مقعداً في الجمعية الوطنية، مقابل 75 لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» و54 لـ«حزب الشعب الباكستاني». وللعلم، يستلزم تشكيل الحكومة أن يخرج الحزب بغالبية 33 مقعداً من أصل 265 مقعداً في البرلمان (الجمعية الوطنية).

 

صورة من ختام يوم الاقتراع في إندونيسيا (رويترز)

تحديات متعددة الأوجه

في الحقيقة تواجه باكستان تحديات متعددة الأوجه، بما في ذلك التنشيط الاقتصادي والمخاوف الأمنية والتفاعلات الإقليمية وإصلاحات الحوكمة... وسط توقعات عالية عند الناخبين الآملين بقيادة سريعة الاستجابة، بجانب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والحكم الفعال.

وهنا ترى الكاتبة الصحافية الهدية ميرا باتيل: «على الصعيد الدولي، فقدت باكستان دعم الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، منذ سحبها قواتها من أفغانستان عام 2021، وتضاؤل مساعداتها العسكرية والاقتصادية لإسلام آباد. كذلك ربطت الحكومة الهندية التعامل مع إسلام آباد باعتراف الأخيرة بدورها في دعم الإرهاب (وفق باتيل)، كما تواجه باكستان باستمرار مناوشات عسكرية مع جيرانها إيران وأفغانستان. أما على الصعيد الداخلي، فتواجه البلاد الإرهاب، مع تزايد جرأة (حركة طالبان الباكستانية) في محاولة استهداف مرافق مدنية وعسكرية».

واقتصادياً، تواجه الحكومة المقبلة في إسلام آباد واقعاً قاسياً يتمثل باقتصاد مأزوم، حيث من بين 241 مليون باكستاني يعيش حوالي 40 في المائة منهم تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل التضخم لأكثر من 30 في المائة، وفقاً للبيانات التي نشرها صندوق النقد الدولي. ويضاف إلى ما سبق أن البلاد تواجه أزمة سداد ديون محتملة، حين أبلغ البنك المركزي عن 24 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية المستحقة بحلول يونيو (حزيران) 2024.

 

برابوو سوبيانتو... مسيرة عسكرية وسياسية

برابوو سوبيانتو، الذي سيحل محل الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو، هو صهر الديكتاتور السابق سوهارتو. ومن المثير للاهتمام أن برابوو خاض 3 مرات انتخابات الرئاسة بعد فشله مرتين ضد ويدودو.ولكن، هذه المرة، أصبح المنافسون السابقون حلفاء ضمنيين احتضنوه ليرث ويدودز، بل اختاروا نجل ويدودو، جبران راكابومينج راكا (36 سنة)، عمدة مدينة سوراكارتا، مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، ما منحه الغالبية.عموماً لا يميل الرؤساء الإندونيسيون إلى تبني مرشحين، لكن ويدودو الذي استوفى الحد الدستوري للرئاسة المحدد بفترتين، فضّل دعم سوبيانتو على مرشح حزبه السابق لانتخابات 2024.ومع أن برابوو كان خصماً ومنافساً لويدودو في الانتخابات السابقة، عينّه الأخير بعد فوزه وزيراً للدفاع. وبالتالي، منح هذا الشكل من «الائتلاف» الرئيس ويدودو سيطرة شبه كاملة على البرلمان خلال الفترة السابقة. ومن ثم، بناءً على هذا النجاح، باشر ويدودو عملية البحث عن طرق للحصول على فترة ولاية ثالثة من خلال تعديل الدستور. غير أن كثيرين من نخب حزبه «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDI - P) أعربوا عن قلقهم، وكانت الرئيسة السابقة ميغاواتي، أول امرأة تتولى رئاسة إندونيسيا، هي التي منعت بشكل حاسم الجهود المبذولة لتعديل الدستور، وأجبرت الحكومة على تحديد موعد الانتخابات في عام 2024.ولد سوبيانتو عام 1951 لواحدة من أقوى العائلات نفوذاً في إندونيسيا، وهو الثالث بين أربعة أولاد. وكان أبوه سوميترو دجوجوهاديكوسومو سياسياً نافذاً ووزيراً في عهدي الرئيسين سوكارنو وسوهارتو. ولقد عمل الأب لأول مرة لدى سوكارنو، بطل استقلال البلاد وتحررها من الاستعمار الهولندي، وأول رؤساء إندونيسيا المستقلة. إلا أن الابن سوبيانتو أمضى معظم سنوات طفولته في الخارج، وهو بالمناسبة يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية والهولندية.عادت أسرة سوبيانتو إلى إندونيسيا بعد وصول الجنرال سوهارتو إلى الحكم عام 1967. والتحق بالأكاديمية العسكرية الإندونيسية عام 1970، وتخرّج فيها عام 1974. وعلى الأثر خدم في الجيش لما يقرب من 3 عقود. في عام 1076 انضم سوبيانتو إلى «القوات الخاصة» بالجيش الوطني الإندونيسي، المسماة «كوباسوس»، وكان قائداً لمجموعة تعمل فيما يُعرف الآن بتيمور الشرقية. ويُقال إن أوامره، عام 1998، تضمّنت خطف وتعذيب النشطاء المؤيدين للديمقراطية المعارضين لسوهارتو - والد زوجته آنذاك - وأنه كان مسؤولاً عن عدد من انتهاكات الحقوق المدنية في بابوا وتيمور الشرقية. ولكن، رغم محاكمة العديد من رجاله وإدانتهم، فإنه نفى جميع المزاعم، ولم يتعرّض للإدانة.كذلك، مع أن سوبيانتو سُرّح من الخدمة بشكل غير مُشرف عام 1998، لكنه لم يواجه المحاكمة أبداً، بل ذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن عام 1998، ثم عاد من الأردن عام 2008، وساعد في تأسيس حزب «غيريندا» (حركة إندونيسيا العظيمة).من جهة لأخرى، كانت لسوبيانتو علاقات وثيقة مع الإسلاميين المتشددين الذين استخدمهم لتقويض خصومه. لكن بالنسبة لانتخابات 2024، طرح سوبيانتو صورة لنفسه أكثر ليونة لاقت صدى لدى عدد كبير من الشباب في إندونيسيا، بما في ذلك مقاطع فيديو له وهو يرقص على خشبة المسرح وإعلانات تظهر عروضاً رقمية تشبه الرسوم المتحركة له وهو يمارس رياضة التزحلق في شوارع جاكارتا.ثم قال في أول خطاب له بعد الفوز: «سنكون... الرئيس ونائب الرئيس والحكومة لجميع الشعب الإندونيسي. سأحكم، مع جبران (لحماية) الشعب الإندونيسي والدفاع عنه بأسره، بصرف النظر عن القبيلة، والجماعة الإثنية، والعرق أو الدين، ومهما كانت الخلفية الاجتماعية. وستكون مسؤوليتنا تجاه جميع الشعب الإندونيسي هي حماية مصالحه».

 

 

شهباز شريف... وتجربة حكم جديدة

ولد شهباز شريف، الأخ الأصغر للزعيم الباكستاني نواز شريف، يوم 23 سبتمبر (أيلول) 1951 في مدينة لاهور عاصمة البنجاب، أكبر أقاليم باكستان وأغناها. وهو سليل أسرة مرموقة لعبت دوراً سياسياً نشطاً في باكستان لعقود، كما أنه متزوج مرتين، وأب لولدين وبنتين من زواجه الأول.تلقى شهباز تعليمه في «الكلية الحكومية» بلاهور، ولاحقاً درس الحقوق في جامعة البنجاب. وخلال عقد الثمانينات دخل حلبة السياسة، وترقى بسرعة في صفوف حزب أخيه «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز»، ومن ثم شغل لعدة فترات منصب رئيس حكومة إقليم البنجاب. غير أنه قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة الباكستانية عُرف بوصفه إدارياً قديراً أكثر مما هو سياسي لامع. وبالفعل يصفه العاملون معه والمقربون منه بأنه نشيط ومحب للعمل.وعلى مسرح السياسة العليا يذكر عن شهباز لعبه دوراً بارزاً في الحفاظ لمدة 16 شهراً على الائتلاف غير المتجانس الذي حكم باكستان بعد إطاحة البرلمان حكم عمران خان.

 

 


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».