إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

بين استمرار تأثير «النخب» في الأولى... ونفوذ الجيش في الثانية

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
TT

إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)

شهدت كل من إندونيسيا وباكستان، وهما أكبر دولتين إسلاميتين من حيث عدد السكان، إذ تضمان 33.8 في المائة من سكان العالم المسلمين، انتخابات عامة خلال فبراير (شباط) المنصرم، شارك فيها ما يقرب من 320 مليون ناخب مؤهلين للتصويت. إندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم، والدولة التي تضم أكثر من 270 مليون نسمة، تعد ليس فقط أكبر دولة إسلامية وصاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا، وإنما باتت أيضاً ثالث أكبر دولة ديمقراطية في العالم - بعد الهند والولايات المتحدة - إثر العملية الإصلاحية عام 1998 التي أنهت حكم الرئيس سوهارتو. وكان الأخير قد ظل على رأس السلطة لأكثر من ثلاثة عقود. وفي المقابل، يعيش في باكستان ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهي أيضاً تتمتع بموقع استراتيجي في جنوب آسيا. بيد أنه بالإضافة إلى اقتصادها المتدهور، خضعت البلاد منذ تأسيسها عام 1947 لفترات طويلة من الحكم العسكري.

في إندونيسيا حقق المرشح برابوو سوبيانتو انتصاراً ساحقاً بأكثر من 60 في المائة من إجمالي الأصوات، ما رجّح أن يكون الرئيس المقبل. أما في باكستان فتأخر الحسم واستمر الغموض لبعض الوقت مع تنازع ثلاث قوى رئيسية السواد الأعظم من المقاعد. وهذا قبل اتجاه الحزبين الموصوفين بـ«العائليين»، أي «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» وحزب الشعب الباكستاني، للتحالف في تشكيل سلطة اتحادية جديدة ضد القوة الثالثة التي يشكلها مناصرو الرئيس السابق عمران خان. والمفهوم أن هذا يعني تولي شهباز شريف من «الرابطة» رئاسة الحكومة وانتخاب آصف زرداري من حزب الشعب رئيساً للجمهورية.

للعلم، هذه ليست المرة الأولى التي يتفاهم فيها الحزبان الغريمان تقليدياً، ذلك أنهما توافقا ضمن تحالف في أعقاب الإطاحة بحكم عمران خان في أبريل (نيسان) 2022 وتوليا الحكم لنحو 16 شهراً. ويومذاك تنحى جانباً نواز شريف الزعيم البارز لـ«الرابطة» ورئيس الحكومة ثلاث مرات، تاركاً المنصب لأخيه الأصغر شهباز.

عمران خان (آ ف ب)

إرث الحكم العسكري

لكل من إندونيسيا وباكستان تاريخ مشترك من الديكتاتوريات العسكرية لعقود من الزمن. إذ بقيت إندونيسيا تحت ديكتاتورية الجنرال سوهارتو لمدة 32 سنة، كما ظلت ديمقراطية ناشئة لأكثر من 25 سنة حتى الآن، وإن كانت من الناحية الدستورية دولة علمانية تقوم على فصل بين الدين والدولة. ثم إنه في حين يضطلع البرلمان (الهيئة التشريعية) الإندونيسي بدور ثانوي نسبياً في صنع القرار، تقع سلطة صنع السياسات على عاتق الرئاسة.

غورجيت سينغ، وهو سفير سابق للهند في إندونيسيا يرى أنه «رغم العملية الانتخابية الحيوية، ما زال القادة السياسيون والتجاريون والعسكريون يهيمنون على الديمقراطية في إندونيسيا، وجل هؤلاء ممن جمعوا ثرواتهم خلال 32 سنة من حكم سوهارتو. وفقط تحت ضغط شعبي هائل، اتفق هؤلاء على إضفاء الطابع الديمقراطي، لكنهم وضعوا القواعد الانتخابية لتحقيق هدفين: خلق حواجز مجحفة أمام دخول لاعبين جدد مع ضمان المنافسة العادلة فيما بينهم».

في المقابل، تاريخ باكستان السياسي مليء بالاضطرابات. إذ عاشت في ظل ثلاثة دساتير ومرّت بثلاثة انقلابات عسكرية، ومن بين رؤساء وزرائها الثلاثين، لم يُكمل أي منهم فترة ولاية كاملة مدتها 5 سنوات. كذلك، يحكم الجيش الباكستاني البلاد منذ عام 1947، ويشارك منذ فترة طويلة في السياسة، حتى عندما لا يكون في السلطة بصفة مباشرة. وكان الجنرال برويز مشرف آخر حاكم عسكري باكستاني، حكم من 1999 إلى 2008.

راهناً، تمر باكستان بأزمة سياسية جديدة، وسط استمرار الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي والهجمات الإرهابية المكثفة في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. ويذكر أنه في عام 2024، شاب الانتخابات العامة جدل ولغط ومزاعم بأن الجيش زوّر الانتخابات لصالح ائتلاف سياسي بقيادة نواز شريف. وفي هذا السياق، غالباً ما تعلق الصحافية الباكستانية آروز كاظمي على قناتها في «يوتيوب» قائلة: «منذ الاستقلال، شابت الانتخابات في باكستان الخلافات، بما في ذلك تدخل الجيش القوي، ومزاعم واسعة النطاق بالفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية وتزوير الناخبين. لم يزدهر الأساس الديمقراطي الحقيقي في باكستان أبداً، بل دائماً ما غمرته الانقلابات العسكرية، ولا يزال الجيش يحكم البلاد بشكل غير مباشر».

كيف ستتأثر السياسة الإندونيسية؟

خاض 3 مرشحين الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إندونيسيا، هم: برابوو سوبيانتو (72 سنة) الجنرال السابق للقوات الخاصة ووزير الدفاع الحالي - الذي فاز في السباق -، وأنيس باسويدان (54 سنة) الحاكم السابق للعاصمة جاكارتا ووزير التعليم والثقافة السابق والمثقف الإسلامي التقدمي العربي الأصل، وغنجار برانوو حاكم جاوة الوسطى السابق.

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عام 1998، عندما فجّر التأثير المدمّر للأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية واسعة ضد حكم سوهارتو، الذي تولّى السلطة على خلفية عمليات تطهير واسعة ضد الشيوعيين واليساريين عام 1965. وفي مواجهة الاحتجاجات العامة المتزايدة ضد ديكتاتورية سوهارتو، أجبره حلفاؤه العسكريون والسياسيون على الاستقالة. ثم أجريت انتخابات حرة في غضون سنة.

ولقد تنافس 48 حزباً في انتخابات عام 1999، تمكن 21 منها من الفوز بمقاعد في البرلمان. ومع هذا، كان أصحاب الأداء الأعلى هي الأحزاب الثلاثة «المطيعة» الممثلة في برلمان سوهارتو ذي الموافقات الروتينية. أما الفائز الأكبر فكان «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDIP) بقيادة ميغاواتي ابنة أحمد سوكارنو، أول رئيس استقلالي للبلاد (الذي عزله سوهارتو). وحل ثانياً حزب «غولكار» الذي تزعمه سوهارتو وقاده مناصروه. وجاء ثالثاً «حزب التنمية المتحد»، المؤلف من نخب إسلامية تمثل فئات اجتماعية وآيديولوجية مختلفة. والملاحظ هنا تحدر رؤساء إندونيسيا الثلاثة المنتخبين ديمقراطياً منذ عام 1999 من عائلات سياسية أو دينية أو عسكرية قوية، ولقد احتفظوا بنفوذهم في السياسة رؤساء لأحزابهم السياسية.

سنا جفري، الباحثة في برنامج آسيا بـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» تعلق على الواقع بالقول: «على مدى العقدين الماضيين، تنقّلت السلطة في الغالب ضمن هذه النخب، التي تقرّر أحزابها السياسية من يظهر في الاقتراع وما يفعله الفائزون ما بين الانتخابات. وكان جوكو ويدودو، الرئيس صاحب الشعبية الكبيرة في البلاد، أول شخص خارجي يخترق هذه الزمرة. لكنه سرعان ما أدرك أن الدعم الشعبي ربما ساعده على بلوغ قمة السلطة، إلا أن ممارستها في ظل سيطرة نخب عهد سوهارتو تتطلب منه اللعب وفق قواعدها».

ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لإندونيسيا؟

أما الأكاديمي أديتيا بيردانا فيعد أن انتخابات 2024 «ستضع إندونيسيا على أعتاب تغيير أجيال وشيك. إذ لا تزال النخب القديمة مسؤولة عن اختيار المرشحين، وباتباع التقاليد العريقة لسياسة النخبة المهيمنة، اتخذ العديد منهم تدابير لتوريث قيادة أحزابهم لأبنائهم». وأردف أن لدى إندونيسيا «جميع المكوّنات الصحيحة لجعلها واحدة من أكثر الدول نفوذاً في آسيا، وأيضاً تتمتع بالموارد الطبيعية الضخمة التي لا تحتاج إلا إلى استثمارات أجنبية لربطها والاستفادة منها». ثم أضاف: «(الرئيس الحالي جوكو) برابوو تعهد بمواصلة خطط ويدودو للتنمية الاقتصادية التي استفادت من احتياطات إندونيسيا الوفيرة من النيكل والفحم والنفط والغاز... وقادت أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا خلال عقد من النمو السريع والتحديث الذي وسع بشكل كبير شبكات الطرق والسكك الحديدية في البلاد. ويشمل ذلك مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة تسمى نوسانتارا. وهي تعتمد بشكل متزايد على الصين للقيام بذلك».

وهنا استدرك بيردانا ليشير إلى أن إندونيسيا «لا تريد أن تضطر إلى الانحياز لأي طرف في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مع أن ويدود اقترب أكثر من الصين، وأشار برابوو أيضاً إلى أنه قد يحذو حذوه، برغم أن الموازنة بين المصلحة والاستثمار من الغرب والصين في مشروع العاصمة الجديدة ستشكل تحدياً جدياً».

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عندما فجّرت الأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية ضد حكم سوهارتو

التاريخ الانتخابي لباكستان

تشكل المشهد الانتخابي الباكستاني عبر فترات متقطعة من الحكم الديمقراطي المتداخل مع الأنظمة العسكرية. ويضطلع الجيش بدور حاسم في السياسة الباكستانية، ويعد القوة الدافعة الرئيسية وراء الانتخابات. وحول هذا الأمر يقول البروفسور سوميت غانغولي، من جامعة إنديانا الأميركية، في كتاب بعنوان «مستقبل داعش»، شارحاً: «لا يمكن لأي مرشح أن ينجح من دون دعم قادة الجيش. وأي شخص يعارض المؤسسة العسكرية يخاطر بالاعتقال أو النفي أو ما هو أسوأ. وطوال ماضي باكستان المضطرب، سيطر الجنرالات العسكريون على الانتخابات وقادوا البلاد في بعض الأحيان بأنفسهم».

وبالفعل، كانت انتخابات الشهر المنصرم مثيرة للجدل، وشابتها مزاعم بتزوير الأصوات، وأسفرت عن تفويض منقسم مع ظهور المرشحين المستقلين من حزب «حركة الإنصاف الباكستانية» بزعامة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان كأكبر كتلة انتخابية. فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة «الفجر» الباكستانية اليومية، فاز المستقلون بعدد 93 مقعداً في الجمعية الوطنية، مقابل 75 لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» و54 لـ«حزب الشعب الباكستاني». وللعلم، يستلزم تشكيل الحكومة أن يخرج الحزب بغالبية 33 مقعداً من أصل 265 مقعداً في البرلمان (الجمعية الوطنية).

 

صورة من ختام يوم الاقتراع في إندونيسيا (رويترز)

تحديات متعددة الأوجه

في الحقيقة تواجه باكستان تحديات متعددة الأوجه، بما في ذلك التنشيط الاقتصادي والمخاوف الأمنية والتفاعلات الإقليمية وإصلاحات الحوكمة... وسط توقعات عالية عند الناخبين الآملين بقيادة سريعة الاستجابة، بجانب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والحكم الفعال.

وهنا ترى الكاتبة الصحافية الهدية ميرا باتيل: «على الصعيد الدولي، فقدت باكستان دعم الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، منذ سحبها قواتها من أفغانستان عام 2021، وتضاؤل مساعداتها العسكرية والاقتصادية لإسلام آباد. كذلك ربطت الحكومة الهندية التعامل مع إسلام آباد باعتراف الأخيرة بدورها في دعم الإرهاب (وفق باتيل)، كما تواجه باكستان باستمرار مناوشات عسكرية مع جيرانها إيران وأفغانستان. أما على الصعيد الداخلي، فتواجه البلاد الإرهاب، مع تزايد جرأة (حركة طالبان الباكستانية) في محاولة استهداف مرافق مدنية وعسكرية».

واقتصادياً، تواجه الحكومة المقبلة في إسلام آباد واقعاً قاسياً يتمثل باقتصاد مأزوم، حيث من بين 241 مليون باكستاني يعيش حوالي 40 في المائة منهم تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل التضخم لأكثر من 30 في المائة، وفقاً للبيانات التي نشرها صندوق النقد الدولي. ويضاف إلى ما سبق أن البلاد تواجه أزمة سداد ديون محتملة، حين أبلغ البنك المركزي عن 24 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية المستحقة بحلول يونيو (حزيران) 2024.

 

برابوو سوبيانتو... مسيرة عسكرية وسياسية

برابوو سوبيانتو، الذي سيحل محل الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو، هو صهر الديكتاتور السابق سوهارتو. ومن المثير للاهتمام أن برابوو خاض 3 مرات انتخابات الرئاسة بعد فشله مرتين ضد ويدودو.ولكن، هذه المرة، أصبح المنافسون السابقون حلفاء ضمنيين احتضنوه ليرث ويدودز، بل اختاروا نجل ويدودو، جبران راكابومينج راكا (36 سنة)، عمدة مدينة سوراكارتا، مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، ما منحه الغالبية.عموماً لا يميل الرؤساء الإندونيسيون إلى تبني مرشحين، لكن ويدودو الذي استوفى الحد الدستوري للرئاسة المحدد بفترتين، فضّل دعم سوبيانتو على مرشح حزبه السابق لانتخابات 2024.ومع أن برابوو كان خصماً ومنافساً لويدودو في الانتخابات السابقة، عينّه الأخير بعد فوزه وزيراً للدفاع. وبالتالي، منح هذا الشكل من «الائتلاف» الرئيس ويدودو سيطرة شبه كاملة على البرلمان خلال الفترة السابقة. ومن ثم، بناءً على هذا النجاح، باشر ويدودو عملية البحث عن طرق للحصول على فترة ولاية ثالثة من خلال تعديل الدستور. غير أن كثيرين من نخب حزبه «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDI - P) أعربوا عن قلقهم، وكانت الرئيسة السابقة ميغاواتي، أول امرأة تتولى رئاسة إندونيسيا، هي التي منعت بشكل حاسم الجهود المبذولة لتعديل الدستور، وأجبرت الحكومة على تحديد موعد الانتخابات في عام 2024.ولد سوبيانتو عام 1951 لواحدة من أقوى العائلات نفوذاً في إندونيسيا، وهو الثالث بين أربعة أولاد. وكان أبوه سوميترو دجوجوهاديكوسومو سياسياً نافذاً ووزيراً في عهدي الرئيسين سوكارنو وسوهارتو. ولقد عمل الأب لأول مرة لدى سوكارنو، بطل استقلال البلاد وتحررها من الاستعمار الهولندي، وأول رؤساء إندونيسيا المستقلة. إلا أن الابن سوبيانتو أمضى معظم سنوات طفولته في الخارج، وهو بالمناسبة يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية والهولندية.عادت أسرة سوبيانتو إلى إندونيسيا بعد وصول الجنرال سوهارتو إلى الحكم عام 1967. والتحق بالأكاديمية العسكرية الإندونيسية عام 1970، وتخرّج فيها عام 1974. وعلى الأثر خدم في الجيش لما يقرب من 3 عقود. في عام 1076 انضم سوبيانتو إلى «القوات الخاصة» بالجيش الوطني الإندونيسي، المسماة «كوباسوس»، وكان قائداً لمجموعة تعمل فيما يُعرف الآن بتيمور الشرقية. ويُقال إن أوامره، عام 1998، تضمّنت خطف وتعذيب النشطاء المؤيدين للديمقراطية المعارضين لسوهارتو - والد زوجته آنذاك - وأنه كان مسؤولاً عن عدد من انتهاكات الحقوق المدنية في بابوا وتيمور الشرقية. ولكن، رغم محاكمة العديد من رجاله وإدانتهم، فإنه نفى جميع المزاعم، ولم يتعرّض للإدانة.كذلك، مع أن سوبيانتو سُرّح من الخدمة بشكل غير مُشرف عام 1998، لكنه لم يواجه المحاكمة أبداً، بل ذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن عام 1998، ثم عاد من الأردن عام 2008، وساعد في تأسيس حزب «غيريندا» (حركة إندونيسيا العظيمة).من جهة لأخرى، كانت لسوبيانتو علاقات وثيقة مع الإسلاميين المتشددين الذين استخدمهم لتقويض خصومه. لكن بالنسبة لانتخابات 2024، طرح سوبيانتو صورة لنفسه أكثر ليونة لاقت صدى لدى عدد كبير من الشباب في إندونيسيا، بما في ذلك مقاطع فيديو له وهو يرقص على خشبة المسرح وإعلانات تظهر عروضاً رقمية تشبه الرسوم المتحركة له وهو يمارس رياضة التزحلق في شوارع جاكارتا.ثم قال في أول خطاب له بعد الفوز: «سنكون... الرئيس ونائب الرئيس والحكومة لجميع الشعب الإندونيسي. سأحكم، مع جبران (لحماية) الشعب الإندونيسي والدفاع عنه بأسره، بصرف النظر عن القبيلة، والجماعة الإثنية، والعرق أو الدين، ومهما كانت الخلفية الاجتماعية. وستكون مسؤوليتنا تجاه جميع الشعب الإندونيسي هي حماية مصالحه».

 

 

شهباز شريف... وتجربة حكم جديدة

ولد شهباز شريف، الأخ الأصغر للزعيم الباكستاني نواز شريف، يوم 23 سبتمبر (أيلول) 1951 في مدينة لاهور عاصمة البنجاب، أكبر أقاليم باكستان وأغناها. وهو سليل أسرة مرموقة لعبت دوراً سياسياً نشطاً في باكستان لعقود، كما أنه متزوج مرتين، وأب لولدين وبنتين من زواجه الأول.تلقى شهباز تعليمه في «الكلية الحكومية» بلاهور، ولاحقاً درس الحقوق في جامعة البنجاب. وخلال عقد الثمانينات دخل حلبة السياسة، وترقى بسرعة في صفوف حزب أخيه «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز»، ومن ثم شغل لعدة فترات منصب رئيس حكومة إقليم البنجاب. غير أنه قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة الباكستانية عُرف بوصفه إدارياً قديراً أكثر مما هو سياسي لامع. وبالفعل يصفه العاملون معه والمقربون منه بأنه نشيط ومحب للعمل.وعلى مسرح السياسة العليا يذكر عن شهباز لعبه دوراً بارزاً في الحفاظ لمدة 16 شهراً على الائتلاف غير المتجانس الذي حكم باكستان بعد إطاحة البرلمان حكم عمران خان.

 

 


مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.