ميشيل أونيل... أول شخصية «قومية» تقود آيرلندا الشمالية

تتوقّع تنظيم استفتاء على وحدة الجزيرة خلال 10 سنوات

تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
TT

ميشيل أونيل... أول شخصية «قومية» تقود آيرلندا الشمالية

تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب

إن كان للمفارقات التاريخية تعريف، فإنه يتجسّد بلا شك في وزيرة آيرلندا الشمالية الأولى ميشيل أونيل. أونيل، التي باتت أول «قومية آيرلندية» وأول كاثوليكية تتولى هذا المنصب في تاريخ آيرلندا الشمالية، كرّست حياتها السياسية لإنهاء وجود هذا الكيان بشكله الحالي وإعادة توحيده مع جمهورية آيرلندا، وها هي اليوم تتبوّأ أعلى مناصبه التنفيذية. وللعلم، رغم انتخابها في مايو (أيار) 2022، لم تتسلم أونيل مهامها إلا مطلع الشهر الحالي بعد انجلاء أزمة سياسية عرقلت العمل التشريعي والتنفيذي في آيرلندا الشمالية قرابة سنتين. وعبر خطابها في قصر ستورمونت (مقر البرلمان الآيرلندي الشمالي) التاريخي، أكّدت أونيل أنها تسعى لخدمة جميع مواطني آيرلندا الشمالية؛ في مسعى لطمأنة «الاتحاديين» الداعمين للمملكة المتحدة. فهل ستنجح أونيل في تمثيل «المجتمع بأطيافه كافة»؟ وكيف ستسهم نشأتها وتاريخ أسرتها في بلورة سياساتها؟

منذ دخول ميشيل أونيل عالم السياسة، ارتبطت صورتها بتاريخ انخراط أسرتها في أحداث العنف الأهلي الدامية التي عرفت بـ«الاضطرابات»، التي أودت بحياة أكثر من 3600 شخص وامتدّت 30 سنة، قبل أن تلجمها «اتفاقية الجمعة العظيمة» المبرمة عام 1998 بين «الاتحاديين» (وجلهم من البروتستانت) و«القوميين» (وجلهم من الكاثوليك).

النشأة والعائلة

وُلدت ميشيل دوريس أونيل (دوريس اسم عائلتها) يوم 10 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة فيرموي بأقصى جنوب جمهورية آيرلندا، لكنها تنحدر من كلونوي في محافظة تايرون، لعائلة من خلفية جمهورية آيرلندية.

سُجن والدها برندان دوريس، قبل ولادتها، بسبب انتمائه لميليشيا «الجيش الجمهوري الآيرلندي» المحظورة في بريطانيا والمتهمة بنحو نصف ضحايا الصراع وآلاف الانفجارات إبان فترة «الاضطرابات». وأصبح برندان بعد ذلك عضو مجلس محلي ممثلاً حزب «شين فين» في بلدة دونغانون خلال الثمانينات. أما عمها، بول دوريس، فكان رئيساً لمجموعة «نورايد»، وهي مجموعة جمهورية ناشطة في جمع التبرعات.

بل إن ابن عمّها توني دوريس، كان أحد ثلاثة مسلحين تابعين لـ«الجيش الجمهوري الآيرلندي» قُتلوا في كمين نصبته الخدمة الجوية الخاصة التابعة للجيش البريطاني عام 1991. وكان توني يقود فرقة اغتيالات في قرية بمحافظة تايرون، وتعرّض لإطلاق رصاص كثيف جعل من الصعب التعرف على جثّته. وفي حادثة أخرى عام 1997، أصيب قريب آخر لميشيل أونيل، هو المتطوّع في «الجيش الجمهوري الآيرلندي» غاريث ملاكي دوريس، بالرصاص.

تعليمها ومسيرتها المهنية

تلقت ميشيل تعليمها في مدرسة «أكاديمية سانت باتريك» للفتيات في دونغانون. وفي سن الخامسة عشرة، عندما كانت لا تزال تلميذة، حملت أونيل بطفلها الأول. وهي تستذكر تلك الفترة بألم ممزوج بالامتنان. إذ قالت في إحدى المقابلات الصحافية مع «ذي آيريش تايمز» إنها كانت تُعامل في المدرسة كما لو كانت «مصابة بالطاعون». وأضافت: «لن أنسى تلك التجربة أبداً. والتزمت بيني وبين نفسي أن أحداً لن يعاملني بهذه الطريقة مرة أخرى».

وفي مقابلة مع شبكة «سكاي نيوز»، تحدّثت أونيل عن الصعوبات التي واجهتها في تربية ابنتها «سيرسي» في مجتمع آيرلندا الشمالية الكاثوليكي المحافظ في التسعينات. وقالت: «تم وضعي في خانة: أم عازبة وغير متزوجة، تم شطبها (من المجتمع) تقريباً. لكنني كنت مصممة على ألّا أشطب اسمي، وأن أعمل بجد وأعيش حياة جيدة من أجل ابنتي». وفي وقت لاحق، رُزقت بابن، وأصبحت في عام 2023 جدة.

في المقابل، عبّرت ميشيل أونيل عن امتنانها الشديد لأسرتها، وخاصة لأمها التي استقالت من عملها كي تهتم بحفيدتها وتتيح لابنتها استكمال دراستها. وقالت أونيل في فيديو نشرته على حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي «لقد تخلت أمي عن العمل حتى أتمكن من العودة إلى المدرسة... لقد بقيت في المنزل، وتولت مجالسة طفلتي ورعايتها وبذا سمحت لي بالعودة وإكمال تعليمي...».. وبالفعل، عادت إلى «أكاديمية سانت باتريك» لإكمال اختبارات التخرج GCSE. وبعد ذلك، بدأت تدريبها لتصبح محاسبة.

دخول عالم السياسة

تزامن دخول ميشيل أونيل عالم السياسة عام 1998، مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة»، وهي اتفاق السلام الذي ساهم في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب في آيرلندا الشمالية. وآنذاك انضمّت أونيل إلى حزب «شين فين»، الحزب السياسي القومي المنتشر في عموم الجزيرة الآيرلندية، أي في كل من آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا. وما يذكر أنه لطالما عدّت السلطات البريطانية هذا الحزب «الجناح السياسي» لميليشيا «الجيش الجمهوري الآيرلندي».

وبعد انضمامها، صارت أونيل مقرّبة من نائب زعيم الحزب مارتن ماكغينيس، الذي كان آنذاك مرشّحاً في دائرة ميد آلستر الانتخابية، وأصبح عرّاباً لها في مسيرتها السياسية. وأيضاً، بينما كانت أونيل تعمل مع ماكغينيس وزميله عضو مجلس ميد آلستر فرانسي مولوي، عملت كذلك مستشارة لحقوق الرعاية الاجتماعية.

وفي أعقاب تنحّي والدها برندان عن مقعده في المجلس المحلي (البلدي) لدونغانون وساوث تايرون قبل انتخابات 2005، عقب تشخيصه بمرض مزمن، فازت بمقعده. ولقد توفي الأب بعد أشهر من فوز ابنته بالانتخابات وشغلها مقعده.

على الأثر، انطلقت مسيرة ميشيل أونيل صعوداً وبسرعة، فغدت بعد ذلك أول امرأة تتولى منصب عمدة دونغانون وساوث تايرون. وهذا إنجاز أسعدها جداً، إذ قالت خلال حديث لها عن أبيها «أنا متأكدة أنه لو كان على قيد الحياة، لكان نظر إلي بالرضا والاعتزاز... وافتخر كثيراً بابنته الصغيرة».

وتسارعت المسيرة منذ 2007، عندما انضمت أونيل إلى ماكغينيس ومولوي بصفتها «نائباً» في برلمان آيرلندا الشمالية عن دائرة ميد آلستر. ومن ثم، عُيّنت ناطقة باسم حزبها لشؤون الصحة، كما شغلت مقعداً في لجنة التعليم البرلمانية.

وبعد أربع سنوات من نشاطها في مقر البرلمان بقصر ستورمونت، عيّنها حزب «شين فين» وزيرة للزراعة عام 2011. وفي عام 2016 أصبحت وزيرة للصحة، التي تعدّ واحدة من أكثر الحقائب الوزارية صعوبة وتحديات في آيرلندا الشمالية.

ترقية تاريخية

حصلت أونيل في 2017 على ترقية داخل «شين فين» حملتها خلال فترة قياسية إلى منصب نائب الوزير الأول لآيرلندا الشمالية.

ذلك أنه في يناير من ذلك العام، أعلن مارتن ماكغينيس استقالته من منصب نائب الوزير الأول إثر خلافه مع «الحزب الديمقراطي الاتحادي» (البروتستانتي) حول مخطّط للطاقة. وأدّت هذه الاستقالة إلى انهيار السلطة التنفيذية التي تتقاسم السلطة بين الحزبين الكبيرين في ستورمونت، ما نتج عنه فترة جمود سياسي استمرت ثلاث سنوات.

بل إن ماكغينيس توفي بعد استقالته بوقت قصير، وعندها اختار الحزب ميشيل أونيل لتحل محله نائباً لزعيم «شين فين»، في خطوة وصفتها بـ«أكبر شرف وامتياز» في حياتها.

وبعد ذلك، عندما تجاوز نواب ستورمونت أزمة الفراغ التنفيذي في يناير 2020، مُنهين ثلاث سنوات من الجمود، عُينت أونيل نائبتاً للوزيرة الأولى آرلين فوستر من الحزب الديمقراطي الاتحادي، وجاءت هذه الخطوة عندما كانت جائحة «كوفيد - 19» تعصف بمناطق المملكة المتحدة.

غير أن حدثاً لافتاً سجّل في مايو 2022، عندما أصبح «شين فين» أكبر حزب في برلمان ستورمونت لأول مرة في تاريخ آيرلندا الشمالية. ولقد كرّر هذه النتيجة في انتخابات المجالس المحلية في عام 2023. وحول هذا الأمر، وصفت أونيل الحدثين الانتخابيين بـ«التاريخيين».

ولكن على الرغم من هذا الإنجاز، لم تتمكّن أونيل من شغل منصب الوزيرة الأولى إلا يوم 3 فبراير (شباط) 2024؛ وذلك بسبب فترة جديدة من الجمود فرضها «الديمقراطيون الاتحاديون» على برلمان ستورمونت. ذلك أن الحزب الموالي للدولة البريطانية قرّر مقاطعة حكومة «تقاسم السلطة» لفترة استمرت سنتين، احتجاجاً على اتفاقات «بريكست» التي فرضت عبئاً جمركياً إضافياً على السلع المتبادلة بين آيرلندا الشمالية وبريطانيا.

معادلة دقيقة

اليوم تواجه ميشيل أونيل في منصبها الجديد، بصفتها وزيرة أولى، تحدّياً كبيراً يحتّم عليها المواءمة بين ولائها لأمل «الوحدة الآيرلندية» وتعهدها بخدمة أفراد المجتمع الآيرلندي الشمالي بكل أطيافه.

وحقاً، قالت أونيل في خطاب تنصيبها أمام برلمان ستورمونت متعهدة: «سأخدم الجميع بالتساوي، وسأكون الوزيرة الأولى للجميع... مهما كانت تطلعاتنا، بإمكاننا ويجب علينا أن نبني مستقبلنا معاً. علينا أن نجعل تقاسم السلطة ناجحاً لأننا بشكل جماعي مكلفون بالقيادة وتقديم الخدمات لجميع أفراد شعبنا».

أيضا، عدّت أونيل تعيين وزير أول «جمهوري» «فجراً جديداً» لم تكن تتصوّره الأجيال السابقة من الكاثوليك. وسعت لتأكيد موقفها التصالحي مع لندن عبر حضورها جنازة الملكة إليزابيث الثانية وحفل تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك على الرغم من مواقفها - ومواقف حزبها الجمهوري القومي الآيرلندي - الرافضة لشرعية التاج البريطاني في آيرلندا الشمالية.

هذا، وكانت أونيل قد أثارت حفيظة «الاتحاديين» في آيرلندا الشمالية وبعض السياسيين البريطانيين غير مرة خلال السنوات الماضية. فقد أثارت جدلاً كبيراً في عام 2017، عندما ألقت كلمة أمام تجمع حاشد بمناسبة الذكرى الثلاثين لمقتل ثمانية مسلحين من «الجيش الجمهوري الآيرلندي» على أيدي القوات البريطانية الجوية الخاصة. ويومذاك قُتل الرجال في هجوم شنوه على مركز شرطة يوم 8 مايو 1987. وبمواجهة الغضب العارم بين «الاتحاديين» دافعت أونيل عن حضورها، وقالت إنها «جمهورية آيرلندية»، وإنها حريصة على «إحياء ذكرى موتانا».

كذلك في عام 2022، أصرّت على موقف أزعج كثيرين من «الاتحاديين» بقولها في «بودكاست» لـ«البي بي سي» إنه لم يكن للجمهوريين الآيرلنديين «بديل» عن اللجوء إلى العنف، قبل عملية السلام في التسعينات.

إلى ذلك، تعمد أونيل – مثل معظم «القوميين» والجمهوريين – إلى استخدام عبارة «شمال آيرلندا» بدلاً من «آيرلندا الشمالية»، وإن كانت قد كسرت هذه العادة في بعض المرات منذ تسلمها منصب الوزيرة الأولى.

ثم إنه، بدا أن أونيل لا تزال متمسّكة بتنظيم استفتاء حول «الوحدة الآيرلندية». إذ توقّعت في حوار ببرنامج على قناة «آر. تي. إي» الآيرلندية، أن تشهد السنوات العشر المقبلة تطوّراً في اتّجاه «إصلاحات دستورية» تقود إلى تنظيم استفتاء حول الوحدة الآيرلندية.

وعن قدرتها على تحقيق توازن بين هويتها السياسية ومهامها بصفتها وزيرة أولى لجميع ناخبي آيرلندا الشمالية، قالت أونيل لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية: «من الواضح أنني جمهورية بل وجمهورية فخورة. لكنني أعتقد أنه من المهم حقاً أن أتطلع إلى الجمهوريين الآيرلنديين، وإلى أصحاب هوية بريطانية اتحادية على حد السواء، وأن أخبرهم أنني أحترم قيمهم وثقافتهم».

تحدي المنصب

تقود أونيل في منصبها الجديد الذراع التنفيذية للسلطة في آيرلندا الشمالية، وإلى جانبها نائبتها «الاتحادية» إيما ليتل - بينغيلي.

ومثل أونيل، تُحسب ليتل - بينغيلي على «جيل الجمعة العظيمة»، الذي شهد على تداعيات عقود من الانقسام الطائفي والقتال المسلّح... إلا أنها تنتمي إلى الفريق «الاتحادي» البروتستانتي. ومثل أونيل، كان والد ليتل - بينغلي منخرطاً في النشاط العسكري للميليشيات البروتستانتية، ونُقل عنه في ذروة نشاط حركة «ألستر المقاومة»، معارضته الشديدة لأي تسوية مع الجمهوريين «حتى النهاية المريرة... حتى الموت».هذا موقف تجاوزته ابنته إيما ولكن من دون التخلي عن قيمها «الاتحادية» وانتمائها البريطاني. واليوم بينما تعمل «الزعيمتان» على تحييد خلافاتهما الآيديولوجية جانباً، والتركيز على تحسين الاقتصاد ومكافحة البطالة وإصلاح النظام الصحي، يخشى كثيرون من فشل هذه المغامرة السياسية... والعودة من جديد إلى فترات الجمود والتعطيل.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.