د. محمد صباح السالم... كفاءة ونزاهة لقيادة المسار الحكومي في الكويت

وسط تساؤلات عن الحاجة إلى برلمان جديد

لا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد ستكون معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة
لا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد ستكون معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة
TT

د. محمد صباح السالم... كفاءة ونزاهة لقيادة المسار الحكومي في الكويت

لا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد ستكون معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة
لا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد ستكون معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة

لم يلقَ رئيس للحكومة في الكويت استبشاراً وترحيباً من مختلف القوى والاتجاهات السياسية مثلما لقيه رئيس الوزراء الحالي الشيخ محمد صباح السالم الصباح، ثم إنه طوال 12 سنة من ابتعاده عن العمل الحكومي كانت الأصوات تتعالى مطالِبة بعودته لقيادة دفة الحكومة خصوصاً في الأوقات التي تشهد فيها البلاد أزمات وانسدادات سياسية. الشيخ الدكتور محمد صباح السالم المولود يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) 1955 هو الابن الرابع للشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت الثاني عشر، والثاني من سلسلة الأمراء الذين حكموا البلاد بعد الاستقلال. أما والدته فهي الشيخة نورية أحمد الجابر الصباح ومن ثم فأمير البلاد الحالي الشيخ مشعل الأحمد كما الأمراء السابقون الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد والشيخ نواف الأحمد هم أخواله. أما شقيقه الأكبر فهو الشيخ سالم صباح السالم الصباح وزير الدفاع والداخلية الأسبق.

اختار أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في لقائه مع الحكومة الجديدة بعد أدائها اليمين الدستورية، برئاسة الشيخ محمد صباح السالم، أن يصف المرحلة الجديدة التي تُباشر فيها الحكومة الجديدة مهامّها، بأنها مرحلة جديدة (..) مرحلة عنوانها «الإصلاح والتطوير»، ركائزها «العمل والإشراف والرقابة والمحاسبة»، وإطارها «الواجبات والحقوق الوطنية».

كان الأمير الشيخ مشعل الأحمد في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة «البرلمان»، يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قد شنّ هجوماً شديداً على الحكومة و«مجلس الأمة»، متهماً إياهما بالتواطؤ في الإضرار بمصالح البلاد.

ومما قاله الشيخ مشعل الأحمد، الذي تَسلّم الحُكم خَلفاً لأخيه الأمير الراحل، الشيخ نواف الأحمد الصباح، في خطابه أمام البرلمان: «إن الحكومة والمجلس توافقا على الإضرار بمصالح الكويت، وما حصل في تعيينات المناصب القيادية دليل على عدم الإنصاف»، ومن ثم أشار إلى «ما حصل من تغيير للهوية الكويتية، وملف العفو وتداعياته، والتسابق لإقرار قانون رد الاعتبار، كأنها صفقة تبادل مصالح بينهما».

أيضاً أكد الشيخ مشعل أنه من الضروري مراجعة واقع الكويت الحالي، خصوصاً على صُعُد الأمن والاقتصاد والأحوال المعيشية، مضيفاً «لم نلمس تغييراً أو تصحيحاً للمسار»؛ في إشارة إلى الخطاب الأميري، يوم 22 يونيو (حزيران) 2022، الذي دعا فيه إلى «تصحيح المسار»، وجرى بعده حلّ «مجلس الأمة» في أغسطس (آب) 2022، وإجراء انتخابات جديدة. وكان أمير الكويت قد قال، في خطابه أمام البرلمان آنذاك: «أكدنا في خطاباتنا السابقة أن هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين. وبالتالي، لم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية، واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد».

تساؤلات... بالجملة

لذا برز السؤال: هل يستقيم المسار الجديد مع برلمان اتهمه الأمير بالتواطؤ مع الحكومة للإضرار بمصالح البلاد والعباد؟

أليس من المرجح أيضاً أن تتجه الحكومة الجديدة هي الأخرى لصدام مع المجلس يؤدي لحلّه وانتخاب مجلس جديد يشكل مع حكومة جديدة مسار العهد الجديد، وهو ما عبّر عنه الأمير مكرّراً بـ«تصحيح المسار»؟

وعليه، لعلّ السؤال الأبرز، اليوم، ليس هل ستصمد الحكومة، بل إلى متى ستصمد الحكومة الجديدة، وهل ستتمكن فعلاً من اغتنام التأييد الشعبي للعبور إلى مرحلة الإصلاح وتحقيق الاستقرار السياسي، أم ستخوض بعد انقشاع الغيم، في وحل المناكفات السياسية المعهودة.

ثم هل نتوقع أن تغضّ بعض مراكز القوى التي حُرمت من المشاركة في الحكومة، الطرْف فتفسح الطريق لرئيس الحكومة أن يمضي قُدماً، أم ستتمكّن من تحريك أدوات التأزيم... وصولاً إلى حشر الرئيس والحكومة في المآزق السياسية.

البارز هنا ردّ الأمانة العامة لـ«مجلس الأمة» على ما قيل عن قيام أعضاء في المجلس بإغراق الحكومة الجديدة بالأسئلة، حتى قبل أن تتشكل، محاولين إبطاء حركتها أو دفعها للمواجهة مبكراً. هذه المزاعم ردّت عليها الأمانة العامة للمجلس بتصريح نفَت فيه «الأخبار المتداولة في شأن توجيه أسئلة برلمانية إلى رئيس مجلس الوزراء المكلَّف الشيخ الدكتور محمد صباح السالم»، مشيرةً إلى أن «جميع الأسئلة التي قُدّمت كانت موجَّهة للحكومة المستقيلة».

الرئيس النزيه

غالباً ما يختلف الكويتيون بشأن القيادات التي تتولى زمام الحكومة، لكنّ الشيخ محمد صباح السالم يحظى بشعبية عارمة، إذ يسبغ الكويتيون عليه عدداً من الشمائل؛ أبرزها النزاهة ونظافة اليد.

الأمين العام لـ«مجلس التعاون الخليجي» السابق، والكاتب الكويتي الدكتور عبد الله بشارة، قال، عبر مقال له في «القبس»، معلقاً: «أشعر من معرفتي بالشيخ محمد الصباح أنه ورث من والده أجمل الصفات: التواضع، ونظافة الضمير، وحب الخير، والإنصاف في الرأي».

وهنا نذكر أنه أنهى عمله الحكومي معترضاً على ما قيل إنه قضية تتعلق بالفساد. وكان آخِر منصب تولّاه عندما عُيّن في 8 مايو (أيار) 2011 نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية، واستمر في المنصب إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2011، حين قدَّم استقالته؛ احتجاجاً على ما يُعتقد أنه تقاعس الحكومة عن القيام بتحقيقات إزاء ما يزعم أنها قضية الإيداعات المليونية التي استفاد منها نواب في «مجلس الأمة» وآخرون خارج البلاد.

هذا الموقف أعطاه زخماً شعبياً، خصوصاً أن الحقبة التي أعقبت خروجه من الحكومة شهدت إثارة عدد من الملفات المتعلقة بالفساد. ولا يختلف اثنان على أن أولى مهام رئيس الوزراء الجديد ستكون معالجة ملف الفساد، الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة، ووصل إلى حدّ التراشق بين أقطاب الحكومة - وهم أقطاب بارزون في الأسرة الحاكمة - كما حدث قبل سنوات قليلة بعدما اتهم وزير الدفاع الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد زميله في الحكومة وزير الداخلية (آنذاك) الشيخ خالد الجراح الصباح، بتجاوزات مالية. ويومذاك كشف عن وثائق تُظهر الاستيلاء على نحو 800 مليون دولار أميركي من صندوق لمساعدة العسكريين، عندما كان الجراح وزيراً للدفاع. ولقد أمكن، خلال الشهرين الأخيرين، إقفال ملف «صندوق الجيش»، بعد إدانة عدد من المسؤولين أبرزهم رئيس وزراء سابق، ووزير داخلية ودفاع سابق، وعدد من المسؤولين الآخرين.

من جهة ثانية، سبَق لمحكمة الوزراء أن قضت بحبس وزير الشؤون الاجتماعية السابق سبع سنوات مع الشغل والنفاذ، على أثر إدانته في قضية تنفيع من المال العام والإضرار به، عبر التواطؤ مع مالك شركة تعاونية، وإبرام عقد غير قانوني مع شركته بهدف تنفيعه.

قضية «الصندوق الماليزي»

يضاف إلى هذه القضايا ملفات فساد، مثل ملف أكبر قضية غسل أموال، المعروفة باسم «الصندوق الماليزي»، حين حكمت «محكمة الجنايات»، في 28 مارس (آذار) 2023، بحبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة (شيخ) وشريكه ووافدين اثنين، 10 سنوات، وبحبس محام 7 سنوات، وإلزامهم بردّ مليار دولار، وتغريمهم متضامنين مبلغ 145 مليون دينار كويتي (ما يعادل نصف مليار دولار).

وتعود القضية الأصلية في ماليزيا، التي تضاف إلى سلسلة قضايا الفساد العالمية، إلى عام 2016، عندما رفع ممثلو الادعاء الأميركيون دعوى قضائية بهدف استعادة أصول بقيمة تتجاوز مليار دولار يقال إنها تتصل بمؤامرة دولية لغسل أموال مختلَسة من الصندوق السيادي الماليزي «1إم. دي. بي.» الذي يشرف عليه رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق، واستُخدمت لتمويل فيلم سينمائي في هوليود، وشراء عقارات وأعمال فنية شهيرة.

القضية أُثيرت في الكويت خلال مايو 2020، بعدما قدّم مسؤولون أميركيون في وزارة الدفاع معلومات إلى وزير الدفاع الكويتي السابق (الراحل) الشيخ ناصر صباح الأحمد، توضح تورّط عدد من المسؤولين السابقين في تسهيل تمرير عمليات مالية مشبوهة لصالح شركات صينية وماليزية عبر مشاريع مشبوهة.

وفي الكويت أثبتت التحريات دخول ما يقارب مليار دولار إلى حساب شخصية كويتية نافذة، ثم جرى إعادة تحويلها إلى الخارج. وتربط التحقيقات بين خبير ماليزي متهم في هذه القضية، وبين نجل رئيس وزراء كويتي سابق هو الشيخ صباح جابر المبارك، نجل رئيس الوزراء السابق، الذي أُلقي القبض عليه وسُجن على خلفية قضية «الصندوق الماليزي»، كما أُلقي القبض على شريك له في هذه القضية.

مؤشرات الفساد و«الشفافية»

وقبيل بداية العام الحالي، أظهر تقرير حديث أصدرته «جمعية الشفافية الكويتية» تراجع الكويت 4 مراكز في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022. وأعلنت الجمعية التقرير السنوي الذي تُعدّه «منظمة الشفافية الدولية»، حين جاءت الكويت في المركز السابع عربياً بعد دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والأردن والبحرين، وهو ترتيبها نفسه عربياً في التقرير السابق. وتراجعت الكويت في مؤشر مدركات الفساد درجة واحدة (من 43 إلى 42 من مائة)، مقارنة بمؤشر 2021، ما ترتب عليه تدني ترتيب الكويت 4 مراكز، إذ تراجعت من المركز 73 إلى 77 عالمياً.

مفرح المطيري، رئيس مجلس إدارة «جمعية الشفافية الكويتية» أوضح، من جهته، أن «منظمة الشفافية الدولية» أعلنت، نهاية ديسمبر الماضي، نتائج مؤشر مدركات 2022 تحت شعار «الفساد والنزاع والأمن»، الذي صنَّف 180 دولة حول العالم استناداً إلى مدى فساد القطاع العام بتلك البلدان، وذلك وفق إدراك الخبراء والمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال. ومما قاله المطيري: «لقد انخفض ترتيب دولة الكويت درجة واحدة في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2022 (من 43 إلى 42)، ما ترتب عليه تدني ترتيب الكويت عالمياً 4 مراكز (من المركز 73 إلى 77)، لكن لم يتغير ترتيب الكويت عربياً فظلت في المركزالـ7 في حين تدنّى ترتيبها خليجياً إلى المركز السادس لتقبع في ذيل ترتيب الدول الخليجية».

ومن ثم جاء خطاب أمير الكويت (يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2024) أمام الحكومة الجديدة ليؤكد محاربة الفساد بوصفها أول أهداف العهد الجديد. وبعد أداء أعضاء الحكومة اليمين الدستورية أمامه، شدد الشيخ مشعل الأحمد الصباح على أعضاء الحكومة ضرورة العمل على «تطبيق القانون على الجميع دون استثناء وبلا تهاون، وترسيخ أمن الوطن وتوفير الأمان لمواطنيه وقاطنيه ومحاربة الفساد والمحسوبية».

«رجل الاقتصاد»

أيضاً قال الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في خطابه للحكومة الجديدة التي يرأسها الشيخ محمد صباح السالم، الذي رسم فيه مسار المرحلة المقبلة: «إن ثمة ملفات عدة تنتظر منكم العمل والتخطيط، لعلّ أهمها: تعيين القياديين من ذوي الخبرة والكفاءة، والاهتمام بالشباب والمرأة، ومراعاة تكافؤ الفرص في التعيينات، والملف الاقتصادي الاستثماري، وتنويع مصادر الدخل والاستدامة المالية، وتعزيز دور القطاع الخاص، وحماية الأموال العامة، وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الحيوية والتنموية، والتحول الرقمي تحقيقاً للشفافية والقضاء على الواسطة، وتعزيز السياسة الخارجية ودور دولة الكويت ومكانتها وثوابتها ومواقفها تجاه الدول الشقيقة والصديقة وقضاياها المشتركة». وشدد على أن تضع الحكومة «خطة عمل محددة الأهداف ملتزمة ببرنامج زمني».

في هذا الإطار، يتمتع الشيخ محمد الصباح السالم الصباح، بالفعل، بواحدة من أهم المميزات التي تجعله قيادياً للمرحلة المقبلة؛ ألا وهي الخبرة الاقتصادية، فالشيخ محمد، الذي تلقّى تعليمه العالي في الولايات المتحدة، حاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية كليرمونت ماكينا (إحدى كليات منظومة كليات كليرمونت الجامعية المرموقة في ولاية كاليفورنيا) عام 1978، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد ودراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفارد؛ أعرق الجامعات الأميركية قاطبةً.

بعدها عمل الشيخ محمد في الحقل الأكاديمي، فشغل عدة وظائف؛ بينها وظيفة معيد عضو بعثة في قسم الاقتصاد بكلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الكويت بين عاميْ 1979 و1985، ثم أستاذ في القسم عام 1985، وانتدب إلى «معهد الكويت للأبحاث العلمية» من عام 1987 إلى عام 1988.

ومن ثم فهذه الكفاءة مطلوبة تماماً، بينما تحتاج الكويت إلى إصلاحات اقتصادية جوهرية، وهو ما يستدعي التعاون بين الحكومة والبرلمان لإقرارها، وهو أمر تعذّر تحقيقه في السنوات السابقة، وهذا الملف أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة ورئيسها.


مقالات ذات صلة

الخليج الوزير السابق مبارك الحريص (كونا)

محكمة الوزراء الكويتية تقضي بحبس وزير سابق بتهمة الفساد

قضت محكمة الوزراء الكويتية، اليوم (الثلاثاء)، بحبس الوزير السابق مبارك الحريص 4 سنوات مع الشغل والنفاذ، وتغريمه 400 ألف دينار (1.3 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة عالمية الشيخ أحمد اليوسف الصباح الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم (الشرق الأوسط)

أحمد اليوسف يعلن الترشح لرئاسة الاتحاد الكويتي لكرة القدم

أعلن الشيخ أحمد اليوسف الصباح، الرئيس السابق للاتحاد الكويتي لكرة القدم، (السبت)، ترشحه لرئاسة الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
يوميات الشرق المذكرة تضمنت تعزيز العمل المشترك بين البلدين في مختلف المجالات الثقافية (واس)

تفاهم سعودي - كويتي لتعزيز التعاون الثقافي

أبرم وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، ونظيره الكويتي عبد الرحمن المطيري، مذكرة تفاهمٍ لتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الكويتي الذي عقد اليوم في قصر بيان برئاسة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء (كونا)

الكويت: تعديلات تحرم «الأزواج الأجانب» من الجنسية بالتبعية

أقرّت الحكومة الكويتية، تعديلات على قانون الجنسية، بحيث لا يترتب على كسب الأجنبي الجنسية الكويتية أن تصبح زوجته كويتية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟