ظلال ثقيلة لحرب غزة على الداخل العراقي

وسط فشل ضبط قواعد الاشتباك بين واشنطن والفصائل المسلّحة

قاسم سليماني و"ابو مهدي المهندس" (رويترز)
قاسم سليماني و"ابو مهدي المهندس" (رويترز)
TT

ظلال ثقيلة لحرب غزة على الداخل العراقي

قاسم سليماني و"ابو مهدي المهندس" (رويترز)
قاسم سليماني و"ابو مهدي المهندس" (رويترز)

لم تصمد المساعي التي بذلها رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في ضبط قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية المسلّحة التي تُواصل قصف القواعد والمنشآت التي تتمركز فيها قوات مسلّحة أميركية في كل من العراق وسوريا. وفي حين يسعى السوداني إلى أن يجعل من العام الجديد (2024) «عام منجزات»، كما وعد العراقيين، وسط وفرة مالية عبر موازنة ثلاثية نجح في تمريرها داخل البرلمان - وهذا أمر يحصل للمرة الأولى - فإن التحديات التي بدأت تفرضها تداعيات «حرب غزة»، وتفاعل عدد من الفصائل العراقية المسلَّحة القريبة من إيران معها، أخذت تُلقي بظلالها على الداخل العراقي، وسط انقسام سياسي ومجتمعي في كيفية التعامل معها.

كان رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، قد سقف تحدّيه للفصائل المسلّحة التي استهدفت، الشهر الماضي، مقر السفارة الأميركية في بغداد. فيومذاك وصف ما فعلته تلك الفصائل، التي باتت معروفة وتعلن صراحةً ما تقوم به، بأنه «عمل إرهابي». وحقّاً، حاز هذا الوصف رضا واشنطن، وفي المقابل لم يلقَ ممانعة في الداخل، بما في ذلك قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي التي يحسبها البعض على طهران.

إلا أنه في النهاية لم يؤدِّ إلى منع تلك الفصائل من مواصلة استهداف القواعد؛ حيث تتمركز القوات الأميركية بصفة «مستشارين» - مثلما تقول الحكومة العراقية - في قاعدتيْ عين الأسد بمحافظة الأنبار، وحرير بمحافظة أربيل، ولا إلى قدرة الحكومة على اعتقال العناصر التي تعلن دائماً، وطبقاً للبيانات الرسمية، أنها ستقدّمهم إلى العدالة.

الجانب الوحيد الذي التزمت به تلك الفصائل هو تجنّبها توجيه ضربات أخرى إلى مجمع السفارة الأميركية، وهو ما يعني أنها، طبقاً لتصريحات صدرت عن بعض قيادات الفصائل، ستحترم رؤية الدولة بشأن حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية، بما فيها السفارة الأميركية. بيد أن نوبات القصف للمواقع والمنشآت الأميركية، التي أدت إلى وقوع إصابات في صفوف العسكريين الأميركيين داخل مواقع استهدفتها تلك الفصائل على الحدود العراقية السورية أدّت إلى ردّ فعل أميركي لم يكن متوقّعاً إلى حد كبير، إذ جاء الرد عبر استهداف مقر لقوات «الحشد الشعبي» نتج عنه وقوع قتلى وجرحى عراقيين.

ما يستحق الذكر أن رئيس الوزراء العراقي كان قد أخذ موافقة قوى «الإطار التنسيقي» إزاء كيفية التعامل مع عناصر يُطلق عليها أحياناً مسمى «خارجين على القانون»، وأحياناً أخرى مسمى «إرهابيين». إلا أن الوصف الأخير بات يطلَق للمرة الأولى على فصائل لها عناوين واضحة وتعتبر نفسها «فصائل مقاومة»، الأمر الذي يعكس طبيعة الانقسام داخل قوى «الإطار التنسيقي» التي تسيطر على الحكم الآن؛ كون محمد شيّاع السوداني ينتمي إليها.

في هذا الصدد، فإن رؤية السوداني، سواءً لجهة طريقة إدارة الدولة في الداخل أم على صعيد التعامل مع ملفّات الخارج، بدأت تختلف عما يراه عدد من قادة قوى «الإطار التنسيقي». لكن إقدام القوات الأميركية على ضرب مقرّ لـ«الحشد الشعبي» في منطقة جرف الصخر، جنوب بغداد، كان «المتغير» الذي أدى إلى إحداث خلل بموازين العلاقة بين بغداد وواشنطن. وهنا نشير إلى أن الأخيرة كانت قد أعربت عن رضاها على خطوات السوداني حيال استهداف السفارة الأميركية من قِبل الفصائل المسلّحة، بما في ذلك إطلاقه وصف «العمل الإرهابي» على ما حدث.

من جهة ثانية، صحيح أن الحكومة العراقية أدانت عملية جرف الصخر، لكن الإدانة ظلّت دون مستوى تقديم احتجاج، كما علّقت أطراف عراقية مناوئة للوجود الأميركي في العراق. ثم إن «اللغة الدبلوماسية» التي كُتب بها البيان، توحي وكأن هذه الحكومة تسير على «حبل مشدود» بين واشنطن من جهة، والفصائل المسلَّحة من جهة أخرى، ولا سيما في ظل التأكيد الدائم للحكومة العراقية بحاجتها إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ناهيك عن التمسك بـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي» الموقَّعة بين بغداد وواشنطن عام 2009. وبالفعل، فإن البيان الحكومي يقول: «نُدين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، الذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية؛ ما يُعدّ انتهاكاً واضحاً للسيادة، ومحاولة للإخلال بالوضع الأمني الداخلي المستقر، فالحكومة العراقية هي المعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين».

«رسالتا احتجاج وطمأنة»هذا يعني أن الهجوم شُنّ دون علم الحكومة العراقية، وبدا، من ناحية، كما لو كان «رسالة احتجاج» موجهة إلى واشنطن، لإحجامها عن التنسيق مع بغداد، رغم أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي تُلزمها بذلك، ومن ناحية ثانية بدا بمثابة «رسالة طمأنة» للفصائل المسلَّحة بأن الحكومة لم تعطِ واشنطن «الضوء الأخضر» بأي شكل من الأشكال، وهو ما عدّته انتهاكاً للسيادة.

ليس هذا فحسب، بل إن البيان الحكومي كرّر الترحيب بالتحالف الدولي، عندما نصّ على أن «وجود التحالف الدولي في العراق هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلّحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة، وأن ما جرى يُعدّ تجاوزاً واضحاً للمهمة التي توجد من أجلها عناصر التحالف الدولي لمحاربة (داعش) على الأراضي العراقية؛ لذلك فإنها مدعوّة إلى عدم التصرف بشكل منفرد، وأن تلتزم سيادة العراق التي لا تهاون إزاء خرقها بأي شكل كان».

مجمع السفارة الأميركية في بغداد (آ ف ب / غيتي)

ومع هذا، حسم رئيس الوزراء الحالي محمد شيّاع السوداني، بخلاف كل رؤساء الوزراء العراقيين السابقين، العلاقة الملتبسة بين الدولة والفصائل المسلَّحة، التي دأبت طوال السنوات الماضية، على استهداف المصالح الأميركية في العراق، إذ إن هذه الفصائل، التي تربط غالبيتها علاقات تحالفية مع إيران، ركّزت هجماتها على القواعد؛ حيث الوجود العسكري الأميركي في البلاد، كقاعدتيْ عين الأسد وحرير، بجانب مقر السفارة الأميركية، من منطلق رفضها بقاء القوات الأميركية في العراق. غير أن تلك الهجمات تكرّرت، طوال السنوات الماضية، وارتفعت وتيرتها على عهد حكومة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، ولم تتبنَّ أية جهة المسؤولية عن تنفيذها.

«عملية المطار»

ثم إن الحكومة العراقية نفسها، حينذاك، ما كانت تجرؤ لا على تحديد هوية تلك الفصائل، ولا إطلاق أوصاف تتجاوز وصف «الخارجين عن القانون»، في بيانات الإدانة. وكانت في الغالب تكتفي بالقول إنها تمكنت من العثور على منصات إطلاق الصواريخ. وفي حين كان الكاظمي يعلن الاتفاق مع الأميركيين على جدولة انسحابهم من العراق، والقول إن ما سيبقى منهم لن يزيد على نحو 2000 مستشار تحتاج إليهم الحكومة العراقية بموجب «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» - التي كان العراق قد وقّعها مع الولايات المتحدة عام 2009 على عهد حكومة نوري المالكي - فإن الفصائل كانت تهاجم الكاظمي بشدة، وثمة مَن اتهمه بأنه هو من سهّل «عملية المطار»، التي وقعت يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2020 أيام كان رئيساً لجهاز المخابرات خلال فترة تصريف الأعمال لحكومة عادل عبد المهدي. وكما هو معروف، نفّذت في تلك العملية طائرة حربية أميركية ضربة، بالقرب من مطار بغداد الدولي، أدت إلى مقتل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقي، وأدت، من ثم، إلى تصعيد غير مسبوق، سواء في الهجمات أم المواقف السياسية. وحقّاً، خلال ثلاثة أيام من العملية، أصدر البرلمان العراقي قراراً غير مُلزِم للحكومة العراقية بإخراج الأميركيين من العراق، لكن هذا القرار تَحوّل إلى شمّاعة تُعلّق عليه القوى السياسية المناوئة للوجود الأميركي كل خلافاتها مع الحكومة التي كان يرأسها مصطفى الكاظمي في الشهر الخامس من عام 2020.

وبينما ازدادت الهجمات، ومعها تعقيد العلاقة مع الكاظمي، إلى حد تنفيذ بعض الفصائل ضربة على منزله بهدف اغتياله، فإن التداعيات اللاحقة فاقمت تعقيدات الموقف حتى ظهور نتائج الانتخابات التي أُجريت أواخر عام 2021، ونتج عنها إخراج الكاظمي ومطاردته مع فريقه، والمجيء بحكومة شكّلتها قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي التي رشحت السوداني لرئاستها.لا حياد مع الدولةعلى صعيد آخر، بعد اندلاع حرب غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أعلنت فصائل عراقية أطلقت على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق»؛ من بينها حركة «النجباء»، و«كتائب حزب الله» العراقي، أنها قرّرت استهداف المواقع والأهداف الأميركية، سواءً في العراق أم سوريا، من منطلق أن واشنطن تقف بالكامل خلف إسرائيل في حربها ضد غزة وحركة «حماس»، وأيضاً أعلنت بشكل واضح أنها جزء من «وحدة الساحات» في مواجهة إسرائيل.

إقدام القوات الأميركية على ضرب مقرّ لـ«الحشد الشعبي» في منطقة جرف الصخر كان «المتغير» الذي أدى إلى إحداث خلل في موازين العلاقة بين بغداد وواشنطن

في الداخل العراقي، على صعيد القوى الرئيسة التي شكّلت الحكومة الحالية؛ وهي قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، بدا أن الأمر أضحى مُحرجاً لجهة كون بعض قوى «الإطار التنسيقي» جزءاً من الحكومة، مثلما لبعضها تمثيل برلماني، وإن كانت تَعتبر نفسها جزءاً من محور «المقاومة». ومع كشف الفصائل، التي باتت تستهدف القوات الأميركية في العراق أو السفارة الأميركية، عن اسمها الصريح، غدا واضحاً أن القوى الأخرى التي هي جزء من «الإطار التنسيقي» الذي يقود الحكومة، وفي الوقت عينه تَعدُّ نفسها جزءاً من المقاومة، صارت تشعر بالحرج لجهة كيفية التوفيق بين مسارين لا يلتقيان. فالحكومة العراقية، وعلى لسان رئيسها، أعلنت موقفاً رسمياً واضحاً حيال حرب غزة تَعدُّه القوى السياسية المؤيدة لرئيس الوزراء موقفاً قوياً. ومع استمرار الحكومة في هذا الموقف، صار استهداف الفصائل المسلَّحة المصالح الأميركية - وبأسمائها الصريحة – واقعاً محرجاً للحكومة نفسها ولداعميها من داخل «الإطار التنسيقي»، وذلك لجهة الفصل بين ضرورة احترام سيادة الدولة، وبين البعد العاطفي في سياق الحرب على غزة وما تفرضه من سياقات دعم.

وفي محاولة من رئيس الوزراء لعقد تسوية مع الأطراف المسلَّحة عن طريق القوى التي تصنِّف نفسها بأنها «مقاومة» مثلها، لكنها جزء من الحكومة للتخفيف من استهداف القواعد العراقية التي تضم قوات التحالف الدولي، أدى استمرار الضربات إلى تصاعد الرفض الرسمي لعمليات الاستهداف، وإن كان من دون أن يبلغ مدًى يمكن أن تترتب عليه مواقف سياسية حادّة. لكن استهداف السفارة الأميركية في قلب بغداد كان «القشّة التي قصمت ظهر بعير» العلاقة بين الحكومة وتلك الفصائل.

ففي بيان حكومي يُعدّ الأقوى لجهة التوصيف، أطلق محمد شيّاع السوداني وصف «عمل إرهابي» على ما فعلته الفصائل باستهدافها السفارة الأميركية. إلا أن هذا الوصف بقدر ما أدى إلى مزيد من المواقف المحرِجة داخل تلك الفصائل، كان محل قبول من قِبل الأميركيين الذين بدا أنهم كانوا ينتظرون مثل هذه الخطوة، وبالأخص، أنهم كانوا يلامون عراقياً لجهة إدراجهم بعض هذه الفصائل في خانة «الإرهاب». ولهذا فإن هذا التوصيف، وخصوصاً أنه جاء على لسان الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلّحة، له دلالاته العميقة.

السوداني لم يكتف بذلك، بل أخذ موافقة قوى «الإطار التنسيقي» التي اجتمع معها ليلة الحادث، لكي تعلن دعمها إياه في سياق حماية البعثات الأجنبية في البلاد. وعلى صعيد هذا التوصيف بدا أن قواعد الاشتباك اختلفت بين الفصائل المسلّحة وواشنطن التي سعى رئيس الوزراء إلى ضبط إيقاعها قدر الإمكان. ومع أن العلاقة ظلت طبيعية بين السوداني والفصائل المسلّحة، من منطلق أنها قريبة من الحكومة - ما أدى إلى حصول هدنة طويلة امتدت لسنة تقريباً - فإن تكثيف العمليات العسكرية في سياق حرب غزة، وتصاعد عمليات الاستهداف للمصالح الأميركية في العراق، أنهيا الهدنة بين الطرفين.

 

محمد شيّاع السوداني (آ ف ب)

هل سيكون 2024 «عام المنجزات» في العراق؟

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، في إطار برنامجه الحكومي، الذي بدا شاملاً وطَموحاً، مع مطلع العام الجديد، أن هذا العام سيكون «عام المنجزات».السوداني كتب، في سياق تهئنته للعراقيين بمناسبة دخول العام الجديد: «ندخل عاماً جديداً نحمل فيه تطلعات شعبنا، ونعقد الأمل والعزيمة، ونجدد الإصرار على أن يكون عاماً مفعماً بالتقدّم والعمل والعطاء، والمُضيّ بما التزمت به الحكومة في برنامجها وأولوياته التنفيذية، بأنها حكومة خدمات وإصلاح وتحقيق المتطلبات والاحتياجات، التي تلاقي تطلعات المواطنين في كل مكان من هذا الوطن الغالي». وتابع: «عامنا الجديد سيكون (عام الإنجازات) بإذن الله تعالى، سيكون عام تحويل الخُطط إلى واقع عمل، وقطف ثمار الجهد وحصاده، بما يلبّي طموح مواطنينا في كلّ مكان. حفظ الله العراق عزيزاً قوياً مُعافى». وفعلاً، في مارس (آذار) الماضي، أعلن السوداني أن 2023 سيكون «عام المشاريع». وتعهّد رئيس الوزراء، في كلمة له بمناسبة إطلاق الحزمة الأولى من المشاريع الخاصة بفك الاختناقات المرورية في العاصمة العراقية بغداد، خلال احتفالية أقامتها وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، بأن «الحكومة وضعت أولويات الخدمات في مقدمة برنامجها، وبغداد اليوم بحاجة ماسّة إلى مشاريع خِدمية». وأردف أن «اليوم كل موظف بحاجة إلى ساعتين للوصول إلى مكان عمله، بسبب الاختناقات المرورية... وعام 2023 سيكون عام المشاريع». السوداني أوضح أن «مشاريع المجسّرات تُعدّ ضرورية في العاصمة، وبغداد تستحق تنفيذ حلول دائمة لمسألة الزحامات المرورية»، مبيناً أن «المشاريع التي ستطلَق، اليوم، تحصل للمرة الأولى في بغداد». ومن ثم أضاف أن «الحلول موجودة رغم التأخير والمركز، وأطراف بغداد ستكون واحدة لسهولة التنقل... وهذه المشاريع لن تذهب مع المشاريع المتلكئة، وأي جهة تعرقل تنفيذ المشاريع فأنا موجود»، إلى أن قال: «هذه المشاريع تأتي التزاماً وإيفاءً بما وعدنا به شعبنا، وما سبق أن أدرجناه في البرنامج الحكومي، ضمن حزمة الخدمات التي هي جزء أساس من واجبنا واستحقاقات شعبنا».وطبقاً للمراقبين والمتابعين، فإن ما تحقَّق من منجزات، خلال السنة الأولى من عمر حكومة السوداني، ما كان يمكن أن يتحقق لولا الاستقرار السياسي الذي كان أحد العوامل المساعِدة للعمل. ففي خلال العام كله، وبخلاف الأعوام الماضية، لم تحدث إلا تظاهرات مطلبية بسيطة من قِبل الموظفين أو العاطلين عن العمل أو المفسوخة عقودهم. وحتى حين حاولت بعض القوى المدنية المعارِضة رفع سقف المعارضة والخروج إلى الشارع بتظاهرات، فإنها بسبب تغيب «التيار الصدري» عنها، لم تتمكن من حشد الأعداد المطلوبة التي كان يمكن أن تشكل خطراً تستدعي اتخاذ إجراءات استثنائية في مواجهتها. «التيار الصدري»، على الرغم من زخمه الجماهيري الكبير، لم يتحرك في الشارع ضد الحكومة، مع أنه بقي رافضاً لها، فقد درج زعيم «التيار» مقتدى الصدر على إطلاق تسمية حكومة «بني العباس» عليها، في مقابل «العلويين» الذين يعلن أنه مَن يمثلهم. غير أنه مع دخول العام الجديد الذي يريده السوداني أن يكون «عام المنجزات»، تظل المخاوف قائمة إذا ما واصلت الفصائل المسلَّحة ضرب المواقع المرافقية والعسكرية الأميركية. كذلك هناك خشية من أن يأتي الرد الأميركي قوياً في المرات المقبلة. وما يزيد من وتيرة المخاوف أكثر هو الخشية من انخراط إسرائيل في المواجهة مع تلك الفصائل داخل العراق، ما يسبب إحراجاً كبيراً للحكومة، وللسوداني شخصياً، في ظل تركيبة سياسية غير متجانسة في ملفات عدة، رغم كونها تشكل ائتلافاً كبيراً داعماً للحكومة اسمه «ائتلاف إدارة الدولة».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».