خبراء لـ «الشرق الأوسط» : وقف هجمات الحوثيين يحتاج قراراً سياسياً من واشنطن وليس أمنياً فقط

ترابط الأزمات الدولية من غزة إلى أوكرانيا يهدد الاستقرار

خبراء لـ «الشرق الأوسط» : وقف هجمات الحوثيين يحتاج قراراً سياسياً من واشنطن وليس أمنياً فقط
TT

خبراء لـ «الشرق الأوسط» : وقف هجمات الحوثيين يحتاج قراراً سياسياً من واشنطن وليس أمنياً فقط

خبراء لـ «الشرق الأوسط» : وقف هجمات الحوثيين يحتاج قراراً سياسياً من واشنطن وليس أمنياً فقط

بمرور نحو 70 يوماً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت على أثر هجمات حركة «حماس» على ما يسمى «غلاف غزة» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تزداد المخاوف من احتمال تمدّد الصراع المسلّح إقليمياً وتهديده أمن الممرّات البحرية، وذلك مع استمرار الهجمات التي يشنّها الحوثيون على السفن المدنية والحربية، وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة. وبعيداً عن «المُضمرات» التي يخفيها أطراف الصراع، فإن التحديات الأبرز التي يرصدها المراقبون تتعلق بأهداف القوى الإقليمية الأكثر استفادة من هذا التصعيد. وفي المقابل، على الرغم من استبعاد هؤلاء احتمالات انعكاس التصعيد على سوق الطاقة، وسط الأخطار التي تتعرض لها المضايق البحرية الرئيسة في الشرق الأوسط، إذ إن هجمات الميليشيات الحوثية في البحر الأحمر تجاوزت «توجيه الرسائل»، بينما يطرح تعطّل المفاوضات المتعلقة ببرنامج إيران النووي تساؤلات عن «الثمن» الذي تريده إيران، في ظل ردود فعل أميركية وغربية محدودة، تهدد على المدى البعيد؛ ليس فقط صدقية الحرص على استقرار منطقة الخليج، بل المشروعات الاقتصادية الضخمة التي تعمل دولُها على تطويرها، أمام خلفية تنافس المخططات الأميركية والدولية مع «طريق الحرير» الصيني.

على الرغم من تصعيد الولايات المتحدة لهجتها تجاه الحوثيين، تستبعد أوساط المراقبين الوصول إلى حد التهديد بعمل عسكري منفرد ومباشر ضدّهم، بل ترى أن واشنطن تفضّل معالجة الهجمات عبر «عمل مشترك» مع أطراف دولية وإقليمية أخرى، فقد قال ناطق باسم «الخارجية» الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الوزير أنتوني بلينكن «كان واضحاً حين قال إن ما رأيناه من الحوثيين في استهداف السفن بتلك المنطقة يشكل تهديداً؛ ليس لنا أو لإسرائيل فحسب، بل لعشرات الدول التي تشارك في الشحن البحري، والتي تعتمد على هذا الممر لنقل البضائع في كل مكان».

وأضاف الناطق أن هذا الواقع أدى إلى التأثير بشكل مباشر على مصالح أكثر من اثنتي عشرة دولة، وعلى طواقم من جميع أنواع الأماكن المختلفة، والسفن المسجلة والمؤمَّنة في أماكن مختلفة، «لذا يجب أن يكون هذا مصدر قلق دولي».

هذا، وكان مسؤول عسكري أميركي قد صرح، في وقت سابق، بأن واشنطن تسعى لتوسيع القوة البحرية متعددة الجنسيات بالبحر الأحمر؛ لحماية السفن من التهديدات الحوثية. وأبلغ صحيفة «واشنطن بوست» بأن «كثيراً من الدول لها مصلحة في منع تعطيل الشحن التجاري عبر هذا الجزء من العالم»، مشيراً إلى أن هذه النقطة أكدها مسؤولو الإدارة للدول الأخرى، خلال مباحثات توسيع القوة البحرية.

كما وصف المسؤول الجهود الأميركية بأنها «طَموح» إلى حد كبير، لافتاً إلى غياب جدول زمني واضح حتى الآن يساعد «الحُلفاء والشركاء على تقييم كيفية مشاركتهم»، وأن المناقشات حول توسيع القوة «تجري بنشاط».

غير أن إحجام واشنطن حتى الساعة عن إعادة تصنيف الحوثيين «جماعة إرهابية» - الذي كانت الإدارة الأميركية السابقة قد اتخذته ولكن عادت عنه إدارة الرئيس جو بايدن خلال أيامها الأولى من رئاسته في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام في اليمن - لم ينجح إلا في إقرار هدنة مؤقتة انتهت مفاعيلها على أرض الواقع.

إدارة بايدن كانت تراهن، عبر ما عُدّ يومذاك «قراراً سياسياً»، على تحقيق أهداف عدة؛ أبرزها:

- منع تمدد الحرب في غزة إلى صراع أوسع في المنطقة.

- منع الدخول في عمل عسكري منفرد.

- استمرار جهودها لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ولو على حساب علاقاتها وشراكاتها في المنطقة، وذلك للضغط عليها في ملفات أخرى؛ على رأسها ملف العلاقة مع إسرائيل.

أمن المنطقة سياسي

في الواقع، تكاد التقارير البحثية وشبه الرسمية تُجمع على أن أمن الطاقة العالمي لا يرتبط فحسب بحشد الإمكانات العسكرية والأمنية، في منطقة الخليج، بل يتصل أيضاً بالأمن السياسي. واليوم، تزداد الحاجة للكلام عن حلول سياسية، بعدما سلّطت الحرب الدائرة على غزة الضوء مجدّداً على «محورية» حل القضية الفلسطينية، وهي القضية التي سمح الإمعان في تهميشها بحالة الفوضى التي يعيشها اليمن، وكذلك في أن تهدد استقرار جميع الدول دون استثناء، حتى دون التطرق إلى «أهداف ضمنية» - سواء من إيران أو من غيرها - لإجهاض مشروعات التعاون والاستقرار في المنطقة.

الدكتور أنس الحجي، مستشار التحرير في «منصة الطاقة المتخصصة»، المقيم في ولاية تكساس الأميركية، يقول إن الخوف على أمن الطاقة الدولي والتجارة العالمية عموماً «لم يعد محصوراً بتهديد دولة ما، سواء أكانت مارقة أم لا».

ويضيف الحجي، خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، أنه «وسط حسابات وتغييرات عميقة طرأت، في السنوات الأخيرة، على تعامل الدول مع سلاح الطاقة، فإن الخوف الأكبر يأتي، اليوم، من جماعات مسلَّحة، بل حتى من أفراد غاضبين مسلَّحين بمُسيّرات لا يتجاوز ثمن إحداها بضع مئات من الدولارات، لكنها تُمكّنهم من استهداف السفن التجارية وناقلات النفط والغاز والمنشآت النفطية أيضاً».

«ومع أن الهجمات الحوثية المستمرة لم تطل بعدُ مضيق هرمز، الذي يُعدّ أهم نقطة عبور للنفط والغاز في العالم، فإن متابعي السوق يرصدون عن كثب التأثيرات المحتملة على أسعار الطاقة، في حال تمدد الصراع، فالتجارب السابقة لاستهداف ناقلات النفط في المضيق لا تزال ماثلة في الأذهان، ولا سيما إذا قرر البعض دفع الصراع إلى حافة الهاوية»، وفق ما صرح به مسؤول نفطي كبير من أحد المصدّرين الأساسيين في الخليج، لصحيفة «وول ستريت جورنال».

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (أ.ف.ب)

ترابط ملفات الصراع

بيد أن ترابط ملفات الصراع المندلعة في المنطقة بدا واضحاً بشكل كبير، من ملف إيران النووي... إلى الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها السياسية الدولية والإقليمية، مروراً بالحرب المندلعة في غزة.

وفي حين أوضح وزير الخارجية الأميركي بلينكن، أخيراً، أن «إيران تبدو إما غير راغبة أو عاجزة عن فعل ما هو ضروري للتوصل إلى اتفاق... وأنها تُواصل محاولة إدخال قضايا خارجة عنه في المفاوضات، ما يجعل الاتفاق أقل احتمالاً»، أكدت طهران، في المقابل، يوم 20 سبتمبر (أيلول) 2023، أنه على واشنطن إثبات «حسن نياتها وعزمها» لإحياء الاتفاق بشأن برنامجها النووي.

لكن مع إبقاء دول الاتحاد الأوروبي، يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي - أي بعد نحو 10 أيام على اندلاع الحرب في غزة - إجراءاتها التقييدية على إيران، بموجب نظام عقوبات منع الانتشار النووي، اتخذ المجلس الأوروبي خطوات قانونية للإبقاء على العقوبات التي فرضتها «الأمم المتحدة». وهي تبدأ على الأفراد، ثم على كيانات ضالعة في أنشطة نووية، أو تطوير صواريخ باليستية، أو مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

من الناحية النظرية، من الممكن في حال فشل الاتفاق النووي، أن تحاول إيران إغلاق مضيق هرمز، من خلال نشر سفنها الحربية أو زراعة ألغام، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى فقد إمكانية الوصول إلى الأسواق بصورة شِبه كلية.

بالون اختبار إيراني

في هذا الشأن، أوضح المحلل السياسي الأميركي، إيلان بيرمان، أن «توقيت الرسائل الإيرانية التي تشبه بالون الاختبار، تأتي في وقت تدهور العلاقات مع الغرب بسبب انهيار المباحثات النووية، وكذلك تشدد المواقف الأوروبية بسبب دور طهران في حرب أوكرانيا». ويتابع بيرمان أن النظام الإيراني «يتجه نحو مواقف أكثر صدامية مع الغرب، لذا يحاول إثبات أنه قوة لا يُستهان بها من الناحية الاستراتيجية».

لكن الرد الأميركي «غير المتكافئ» على التصعيد العسكري الذي تُمارسه ميليشيا الحوثيين في اليمن (المدعومة من طهران) بحجة دعم غزة - وكذلك هجمات ميليشياتها في العراق وسوريا - يثير تساؤلات كثيرة عن أسباب «ضبط النفس» الذي تمارسه واشنطن، على الرغم من الأخطار التي تسببها تلك الهجمات... سواءً على الأمن البحري أم على استقرار المنطقة.

هنا، قال بهنام بن طالبلو، مدير برنامج إيران في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللكمات الموجّهة إلى كل من الراعي والوكيل؛ أي إيران ومحور المقاومة التابع لها، تؤدي إلى نتائج عكسية من جانب واشنطن؛ لأنها تضمن دائماً الجولة التالية من التصعيد». وأردف بن طالبلو: «كلما ابتعدنا عن قرار فبراير (شباط) 2021 إزالتهم (أي الحوثيين) من قائمة الإرهاب، بدت هذه الخطوة أكثر حماقة وتسييساً». ويرى الخبير الإيراني أن الخطوة الأولى للرد على الحوثيين يجب أن تتضمن إعادة تصنيفهم «جماعة إرهابية»، والخطوة الثانية تعزيز وجود القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها في البحر الأحمر حول اليمن، والخطوة الثالثة الانخراط في الردع العقابي؛ أي الرد فعلياً على نقطة الأصل ضد هجمات الحوثيين».

تقليل متعمَّد لخطر التهديدات

من جهة ثانية، في حين تؤكد وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أنها تردّ على التحرشات الحوثية بالأدوات العسكرية اللازمة، يُعرب عدد كبير من المسؤولين الأميركيين عن إحباطهم جرّاء ما يعدّونه «تقليلاً متعمَّداً» لإدارة بايدن من شأن التهديدات التي تتعرّض لها القوات الأميركية بالمنطقة، من اليمن إلى سوريا والعراق.

ويرى هؤلاء أن الإدارة «تقلّل من خطورة الوضع في البحر الأحمر من أجل تجنب تصعيد التوترات» في منطقة متوترة أصلاً بسبب الصراع بين إسرائيل و«حماس» في غزة، على الرغم من تركها الباب مفتوحاً للمناورات السياسية، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية بلينكن حين قال إن واشنطن «ستنظر في كل شيء». وجاء هذا في رده على تصريحات الجنرال كينيث ماكينزي، القائد السابق للقيادة الوسطى الأميركية «سينتكوم»، التي قال فيها «إن واشنطن لم تفعل ما من شأنه لَجْم جماعة الحوثيين عن مواصلة هجماتهم». وتجدر الإشارة هنا إلى أن القوات الأميركية ردّت على عشرات الهجمات التي شنّتها ميليشيات مدعومة من إيران، في العراق وسوريا، خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك ضرب بعض القواعد التي يستخدمها المسلّحون في كلا البلدين.

وحقاً، يشعر المراقبون بالقلق من أن قصف إسرائيل المكثف لقطاع غزة سيدفع مزيداً من خصومها إلى مهاجمتها من جبهات جديدة. وفي المقابل، يرى البعض أن استمرار هجمات الحوثيين يُحرّض بدوره إسرائيل على الرد على «الحصار البحري» الذي تسعى طهران لفرضه عبر الحوثيين، حتى ولو لم تكن سيطرتها على ميليشياتهم هي نفسها على ميليشياتها الأخرى، كـ«حزب الله»، على سبيل المثال. ومع إرسال إسرائيل مدمّرات صاروخية إلى البحر الأحمر، باتت الخشية من توسع الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط الأوسع أكثر ترجيحاً.

في هذا السياق، توقعت مذكرة حديثة لـ«بنك أوف أميركا» أنه في حال قرّرت إسرائيل الانتقام من إيران، فقد يؤدي ذلك إلى إغلاق مضيق هرمز، ما يدفع أسعار النفط إلى أكثر من 250 دولاراً للبرميل؛ ذلك أن إيران منتِج رئيس للنفط، ومن بين وكلائها «حماس»، و«حزب الله»، وإذا تعرضت صادراتها النفطية التي تفوق 1.5 مليون برميل يومياً، للخطر، فستنقطع عائداتها الشهرية المقدَّرة بنحو 40 مليار دولار.

ارتفاع الأسعار مستبعَد

ومع ذلك، يرى بعض متابعي صناعة النفط أن إغلاق المضيق «غير مرجَّح»؛ لأن كثيراً من دول المنطقة لا تزال تعتمد على الإيرادات التي تأتي من تصدير النفط عبر هذا المضيق. كذلك يستبعد هؤلاء «سيناريو هبوط حاد في العرض» نتيجة انقطاع التجارة عبر مضيق هرمز.

في السابق، عادةً ما كانت الحروب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط؛ نظراً لأن المنطقة تختزن نحو نصف الاحتياطيات المؤكَّدة في العالم، ولكن ليس هذه المرة.

في عام 2019، هدّدت إيران مراراً بتعطيل شحنات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرضه سياسة أقصى العقوبات عليها. وفي العامين الماضيين فقط، هاجمت إيران أو تدخّلت ضد 15 سفينة تجارية ترفع العَلم الدولي، وفقاً لبيانات «البحرية» الأميركية.

غير أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال أخيراً، في تغريدة على منصة «إكس (تويتر سابقاً)»، إن إسرائيل «تجاوزت الخطوط الحمراء، الأمر الذي قد يجبر الجميع على التحرك».

ومع هذا، ورغم توقع البنك الدولي ارتفاع أسعار النفط إلى 157 دولاراً للبرميل، إذا تصاعد الصراع المستمر في غزة، فإن الأسعار لم ترتفع إلّا قليلاً، بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، ومن ثم عادت الأسعار إلى ما كانت عليه يوم 6 أكتوبر، أو حتى أقل، لذا يرى آندي ليبو، رئيس شركة «ليبو أويل أسوشيتس»، أن احتمال انقطاع الإمدادات، وخصوصاً إذا أُغلق مضيق هرمز، احتمال ضعيف. ثم يعلّق: «الأوقات مختلفة تماماً، اليوم، عما كانت عليه قبل 50 سنة».

 

 

3 أسباب غيّرت طبيعة سوق النفط العالمية

> عدّت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ثمة 3 أسباب تمنع ارتفاع أسعار النفط؛ هي: ثورة النفط الصخري، وسيكولوجية السوق، والتحول في سياسة النفط. وبعدما كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم، فإنها أضحت الآن أكبر منتج له، بسبب إنتاج الزيت الصخري، الذي تمكن من إعادة التوازن إلى السوق. بيد أن سيكولوجية السوق وتذبذب أسعار النفط هذه الأيام، يعودان في المقام الأول إلى الأخبار والتوقعات الاقتصادية، كارتفاع أسعار الفائدة، واحتمال حدوث تباطؤ اقتصادي أو ركود... وكل هذا من شأنه أن يقيد الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار. وعلى النقيض من سنوات الحصار في السبعينات، فإن التحولات في سياسة النفط تعود إلى أن دول الخليج العربية باتت مندمجة بشكل كامل في الاقتصاد العالمي. وهي تركز راهناً على خلق فرص العمل والتنمية الاقتصادية والاستثمار، وتثبيت الاستقرار السياسي في المنطقة، بما يفيد اقتصاداتها. ورغم اندلاع الحرب في غزة، فمن غير المتوقع أن تؤدي إلى تهديد إمدادات الطاقة بشكل مباشر، ما لم تتوسع الحرب وتهدد مناطق الإنتاج ومرافقه، والناقلات وخطوط الأنابيب. وهنا، يقول خبير الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه في ظل التحالفات الجديدة وأهمية المضائق مع التحولات المشار إليها أعلاه بالنسبة إلى صناعة الطاقة، «فإن الواردات النفطية تذهب الآن إلى أصدقاء العرب وليس لأميركا... وهذا من شأنه أن يعزز التعاون الأمني الموجود أصلاً في المنطقة، الذي تشارك فيه أيضاً الصين والهند وغيرهما، عبر الدوريات الأمنية البحرية». أما آندي ليبو، رئيس شركة «ليبو أويل أسوشيتس»، فيشير إلى أن إيران «تخوض الحرب الآن من خلال وكلائها... وأحد مخاوفي هو أن أحد هؤلاء الوكلاء ربما يرتكب خطأً فادحاً للغاية عندما يهاجم إسرائيل». وعدّ أنه إذا حدث ذلك؛ «فمن المرجح أن تنتقم إسرائيل بمهاجمة إيران؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور كبير والتحول بسرعة إلى صراع إقليمي».

 


مقالات ذات صلة

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

المشرق العربي نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري أشخاص يبحثون عن ممتلكاتهم وسط أنقاض مبانٍ مدمرة وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: حديث عن «تقدم» و«ضغوط» لتسريع الاتفاق

تحدثت واشنطن عن «تقدم» في المفاوضات وإمكانية أن يتم الاتفاق «قريباً جداً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي أكد لازاريني أن «الأونروا» تحظى بدعم مالي وسياسي قوي من السعودية (صور الأمم المتحدة) play-circle 01:02

لازاريني: متمسكون بالأمل ونتطلع لاستئناف الدعم الأميركي لـ«الأونروا»

تواجه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تحديات غير مسبوقة، مع اقتراب موعد تنفيذ قرار الاحتلال الإسرائيلي منع عملها في الأراضي…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شمال افريقيا فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)

مشاورات «اليوم التالي» في غزة... مساعٍ مصرية للتوافق بين «فتح» و«حماس»

مشاورات «اليوم التالي» لحرب غزة عادت للقاهرة مجدداً، عقب تباين في وجهات النظر بين حركتي «حماس» و«فتح» التي تتولى السلطة، بشأن تشكيل «لجنة إدارة القطاع».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

إسرائيل تصنّف الضفة «ساحة رئيسية» للتهديدات

وسعت إسرائيل عمليتها في الضفة الغربية بعدما صنّفتها "ساحة رئيسية" في خريطة التهديدات، وقال وزير الدفاع إن الجيش يستعد للرد وفقاً لذلك.

كفاح زبون (رام الله)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».