الغضب الشعبي والرسمي يكشف مخاوف الأردنيين

«طوفان الأقصى» حرب ليست بعيدة عن هموم عمّان

غزة ... بمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية (رويترز)
غزة ... بمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية (رويترز)
TT

الغضب الشعبي والرسمي يكشف مخاوف الأردنيين

غزة ... بمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية (رويترز)
غزة ... بمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية (رويترز)

تنّبه الأردن الرسمي مبكراً لمخاطر الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة بذريعة ما وصفته بـ«حق الدفاع عن النفس» بعد عملية «طوفان الأقصى». وفي حسابات الأردن الرسمي أن الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 15 ألف شهيد غزي نصفهم من الأطفال والنساء، هي حرب «ترويع» تهدف إلى تنفيذ مخططات «التهجير القسري» للسكان الأصليين، وإعادة بناء المعادلة الديمغرافية لصالح «يهودية الدولة» على حساب وجود «فلسطين الدولة»، واجتثاث خيار «حل الدولتين» من جذور مبادرات السلام. هذا الطرح لا يدعمه اليمين الإسرائيلي في دفع تهجير الغزيين إلى ناحية سيناء المصرية فقط، بل أيضاً هو خيار مطروح بقوة تجاه الدفع بسكان الضفة الغربية إلى تهجير آخر نحو الأردن، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء بشر الخصاونة طرحاً إسرائيلياً «يشكل تهديداً للأمن القومي الأردني، وهو بمثابة إعلان حرب على بلاده، باعتباره مساً مادياً لبنود من معاهدة السلام بين البلدين».

حتمية اشتداد الحرب على غزة، واحتمالات توسع نطاق الصراع الحالي في الأراضي الفلسطينية إلى الضفة الغربية، مخاوف أردنية حقيقية تتكشف مع التطورات اليومية؛ إذ تخشى عمّان من أن تكون أهداف تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء خيار «حل الدولتين»، وقطع الطريق على أي فرص لمفاوضات سياسية جادة تؤدي إلى إعلان قيام «الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني وعاصمتها القدس المحتلة»، في صميم ما تسعى تل أبيب لاستثماره في تصفية حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة، وأيضاً تصفية أي حركة مقاومة في الضفة الغربية بعد حملة اعتقالات لنشطاء فلسطينيين تجاوزت ثلاثة آلاف معتقل، وأمام استشهاد أكثر من 300 فلسطيني في مدن عدة من الضفة.

موقف أردني حاسم

إزاء هذا الوضع، عبّرت السلطات الأردنية بقوة، وبتصريحات رسمية حادة، عن مواقفها، وفي رأسها رفض استهداف المدنيين في غزة، ورفض سياسات العقاب الجماعي التي تنفذها إسرائيل، ورفض الحصار الجائر الذي قطع سلاسل الغذاء والدواء والوقود من الوصول إلى القطاع، وضرب المرافق الحيوية والبنى التحتية، ومنع الجرحى والمصابين والمرضى من حق العلاج بعد استهداف المستشفيات وقصفها، وكذلك ضرب المجمعات السكنية، وتوسع العدوان على مناطق في جنوب غزة بعد إفراغ شمالها من السكان. وبنظر الأردن، التأسيس لهُدن يومية لن يفضي بالضرورة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وحتى اليوم لا تزال جهود الإغاثة وإيصال المساعدات إلى غزة أقل من المتطلبات اليومية للسكان الخارجين تواً من قصف استمر إلى نحو أكثر من 50 يوماً.

إيمن الصفدي (آ ف ب)

انقسام النخب حيال المصلحة الأردنية

اليوم، قد يصح الوصف بأن «سباق التعبير عن الغضب بين الجانب الرسمي والساحات الشعبية أردنياً» كان واضحاً حيال تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة. فقد عاشت الساحة الأردنية جملة من ردود الفعل بتصريحات رسمية «قاسية»، وبنبرة ملكية حادة، ومحاولات شعبية مستمرة لتنفيذ اعتصامات في محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان طمعاً بالوصول والاقتحام، ووسط ترحيب رسمي في توسع نطاق المظاهرات الشعبية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة. وهنا تبرز أسئلة عن المخاوف من مستقبل الحرب الآنية ومدى اتساع نطاقها، متى يمكن أن تدخل الضفة الغربية رسمياً على خط تدهور الأوضاع وتطور الأحداث وصولاً لحرب مفتوحة، لا يمكن التقدير لمدى انتشار نيرانها وتوسع حلقاتها.

حقاً، لا يختلف المحللون على حقيقة أن هناك انقساماً حاداً في صفوف النخب الرسمية في تقييمها للموقف. وثمة مخاوف من أن تؤدي تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى رفع سقف طموحات الشارع الغاضب، لا سيما بعد وصفه لقانون معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بأنها «وثيقة على رفٍّ يعلوها الغبار». ولقد جاء كلام الصفدي هذا في سياق إعلانه عن تجميد المفاوضات على اتفاقية تبادل المياه والكهرباء بين عمّان وتل أبيب، وبعد موقف الحكومة من استدعاء السفير الأردني من تل أبيب، والطلب بعدم عودة السفير الإسرائيلي إلى عمّان. وحسب مراقبين، تسبب هذا الأمر في فتح شهية المعارضة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين - غير المرخصة - وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي»، وذراعها البرلمانية كتلة «تحالف الإصلاح الوطني»، تجاه تنفيذ ما صدر عن الصفدي من تصريحات.

الانقسام في صفوف النخب توزّع على موقفين:

الموقف الأول، يجد أن الصفدي، الذي لا يغرد خارج السرب الملكي في مواقفه وتصريحاته، ربما استعجل في تنفيذ الخطة الرسمية في اتباع سياسة «التصعيد المتدرج» في المواقف؛ إذ وضع مركز القرار الرسمي جملة «جميع الخيارات مفتوحة» أمام سؤال: كيف سيتعامل الأردن مع العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة؟ وكيف سيواجه الأردن خطر حكومة نتنياهو وتهديداتها المستمرة لمستقبل السلام مع عمّان؟ ويتساءل أصحاب هذا الرأي عن ماهية الأوراق المتبقية في يد الأردن الرسمي في حال تطورت الأحداث واتسع نطاق الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، خاصة أن الصفدي لم يضع جدولاً زمنياً لتنفيذ خطة المواقف الرسمية، بل ترك الجدل المحلي خلف ظهره وهو جالس أمام شاشات شبكات البث التلفزيوني عربياً وأميركياً وأوروبياً، الأمر الذي تسبب في حالة ارتباك دفعت بمجاميع من السفارات الغربية في عمّان لزيارة وزارة الخارجية والاستفسار عن مضامين تصريحات الوزير والموقف الأردني.

الموقف الثاني، أيّد رفع سقف الغضب الأردني الرسمي تجاه إسرائيل، واعتبر أن تقدّم الموقف الرسمي أسهم في تهدئة غضب الشارع، مع أن احتواء أي تطور على المستوى الشعبي قد يخدم شعبية المعارضة الإسلامية، التي لا تزال على ارتباطها بحركة المقاومة الإسلامية «حماس». فقد طالبت قيادات «حمساوية» الأردنيين بالخروج إلى الشوارع تأييداً لموقف المقاومة وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي، وهو ما دفع وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة لاتهام الدعوات بأنها «غير بريئة»، لأنها خصت الشارع الأردني دون غيره في الشارع العربي. وفي هذا الصف من النخب هناك مراكز دراسات وحلقات نقاشية تتردد عليها النخب التقليدية تطالب بتقييم الواقع الجديد باعتبار أن «انتصار (حماس)» في الحرب الأخيرة «كسر لهيبة الاستعراضات الإسرائيلية بالقوة وتحالفها مع الولايات المتحدة». والتقييم من وجهة نظر هؤلاء يتمثل في اعتبار ما سبق مصلحة أردنية عليا. ويضاف إلى ذلك «نجاح سكان غزة، في مقاومة خطة التهجير الثالث الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه على مراحل»، في ظل ما تعده عمان تهديداً جاداً بهدف حل أزمة حكومة اليمين الإسرائيلية على حساب دول الجوار، ونجاح مخطط تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

ومن هؤلاء أيضاً من يرسم ملامح علاقة مختلفة جذرياً بين عمّان وتل أبيب بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) بدء معركة «طوفان الأقصى»، وقبل ذلك اليوم؛ إذ ضرب العدوان على غزة العلاقة بين الأردن وإسرائيل بشرخ لن يعالجه سوى مبادرة بحجم استئناف العملية السياسية، وضمانات توفر ظروفاً جادة للوصول لحل يُفضي لقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وفق تصريحات متلاحقة لوزير الخارجية الأسبق وأول سفير أردني في تل أبيب بعد توقيع معاهدة السلام مروان المعشّر.

بشر الخصاونة (آ ف ب / غيتي)

قراءات الخصاونة

التباين في تقييم النخب الرسمية للموقف الأردني سعى لحسمه رئيس الوزراء بشر الخصاونة في ظهورين إعلاميين. ولعله نجح في تقديم جملة من التعريفات والاستخلاصات المحددة للموقف الرسمي ومستويات التنفيذ وارتباطها بحجم التصعيد الإسرائيلي، في محاولة «عقلنة» تفسير السقف الرسمي والغضب على مستوى مراكز القرار. ومن جملة التعريفات التي وضعها الخصاونة كان مفهوم «إعلان الحرب»، فأوضح أن أي «خطة تهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، هي بمثابة «إعلان الحرب» من الجانب الإسرائيلي على الأردن، بعد التعدي على قانون المعاهدة الذي يمنع أي مساعٍ إسرائيلية لتهجير قسري للسكان، بمعنى المس المادي بواحد من أهم بنود اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين عام 1994.

وحول الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، ومع تأكيده تعليق المفاوضات على اتفاقية الماء والكهرباء، أشار رئيس الوزراء إلى أن اتفاقية الغاز لا تزال نافذة؛ لكونها اتفاقاً بين شركتين خاصتين، وأن تدفق الغاز مستمر، غير أنه شدد على تحوط المملكة ببدائل عن الغاز الإسرائيلي بعد السؤال عن جاهزية دولتين عربيتين لبيع الغاز للأردن، لافتاً إلى أن ذلك سيرتب كلفاً عالية على الموازنة، وسيزيد من نسب عجزها التي لا يمكن تغطيتها إلا برفع أسعار الطاقة وقتها.

أما حول العلاقة مع «حماس»، فتجنب الخصاونة التعليق مباشرة، لكنه أكد أن المملكة ملتزمة بقرار «قمة الرباط» عام 1974، القاضي بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومخرجات «اتفاق أوسلو» المبرم عام 1993، ومرجعية تمثيل السلطة الوطنية الفلسطينية للقرار السياسي الفلسطيني. وهو ما يقضي حتماً بعدم التعامل مع أي فصيل سياسي أو عسكري خارج نطاق السلطة الفلسطينية.

المخاوف من أخطار وشيكة

في هذه الأثناء، تتعاظم المخاوف من الحرب وتقدمها في أي لحظة تجاه جنوب غزة أو إلى مناطق الضفة الغربية؛ إذ تدرك عمّان أن إسرائيل تُفرط باستخدام القوة، وتتوسّع في نطاق عدوانها مستهدفة المدنيين بقصد بث الذعر بينهم، ودفعهم باتجاه وحيد هو مغادرة غزة نحو مصر، أو الضفة الغربية باتجاه الأردن، ولا تستبعد دوائر قرار محلية أن تكون حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل هي صاحبة السبق في إشعال جبهة الضفة.

بالنسبة للأردن، هذا يعني حصول ثالث تهجير بحق الفلسطينيين بعد نكبة اللجوء عام 1948، ونكسة النزوح عام 1967. وهو مخطط تهجير جديد يُفرغ الأرض من سكانها الأصليين على حساب دول جوار، وطبعاً سيكون العبء الأكبر على حساب الأردن، الأمر الذي تعده عمّان «خطراً أمنياً كبيراً؛ من جهة ينجح اليمين الإسرائيلي في تحقيق غايته في تفريغ الأرض، ومن جهة أخرى يعود شبح خطة (الوطن البديل) للفلسطينيين، خصوصاً في ظل معادلة ديمغرافية أردنية يمثل الفلسطينيون طرفاً ثابتاً فيها بوصفها حملة أرقام وطنية».

وهكذا، أمام الأخطار المحدقة جاء إصرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في واحد من لقاءاته مع ساسة أردنيين بارزين، على رفض «أي تفكير في إعادة احتلال أجزاء من غزة أو إقامة مناطق عازلة فيها»، مشدداً على أن «أي سيناريو أو تفكير بإعادة احتلال أجزاء من غزة أو إقامة مناطق عازلة فيها سيفاقم الأزمة، هذا أمر مرفوض ويعد اعتداء على الحقوق الفلسطينية»، كما شدد على أن «الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس ستدفع إلى انفجار الأوضاع في المنطقة واتساع رقعة الصراع».

أيضاً، يرفض الأردن الرسمي الفصل بين مصير غزة والضفة الغربية، ويعتبر أن أي «سيناريو» يتناول قضية غزة وحدها، خدمة لأهداف إسرائيلية، في حين ترفض المراجع السياسية في البلاد أي حديث يسوّق لـ«سيناريوهات» ما بعد الحرب في قطاع غزة، وترى أن ما يطرح في هذا السياق «غير واقعي ومرفوض ولا يتعامل معها الأردن».

وبالتالي، يمكن القول إن جوهر المخاوف الأردنية دفع الموقف الرسمي إلى الإعلان عن «خياراته المفتوحة» في مواجهة مخططات إسرائيلية نحو دفع المدنيين الفلسطينيين تجاه تهجير جديد. وفي ظل خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية، وضع مركز القرار جملة «سيناريوهات» للتعامل مع هذا الخطر. وقال مصدر مطلع «الشرق الأوسط»، إن «ثمة إعداداً جيداً لضمان تقديم الدعم والمساعدة للفلسطينيين على أرضهم، كما أن هناك إعداداً جيداً يرسم تصورات عملية للتعامل مع إدارة المشاعر الوطنية في حال وجود تهديد تهجير حقيقي».

المعنى هنا هو: «إمساك العصا من المنتصف»، ضمن حتمية الحفاظ على المصالح الوطنية الأردنية، وإفشال أي مخطط إسرائيلي لتنفيذ تهجير فلسطيني ثالث، وتثبيت مبدأ منع تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، وهذا مع رفض استقبال موجات جديدة من الفلسطينيين في المملكة. فهذا ليس أمراً يضر بمصالح الأردنيين فقط، بل يخدم الرواية الإسرائيلية في إحياء خططها لضم المزيد من الأرض، وإنجاح مخطط «الوطن البديل» للفلسطينيين خارج أرضهم التاريخية. وعطفاً على حديث المصدر، توجد مخاوف أردنية حقيقية من تفاقم أزمة السلطة الوطنية الفلسطينية وتزايد إحباط قادتها أمام «العجز الحاصل» في وقف العدوان على غزة وغياب آفاق التهدئة. ثم إن تقييم الهُدن بنظام «المياومة» سيبقيها تحت تأثير الهشاشة وعودة أصوات القصف والمدافع، في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل، وتبني الرواية الإسرائيلية مهما كان حجم تجاهلها لمصالح السلطة.

تصريحات تعيد تعبئة الشارع

في أي حال، بدا لافتاً كلام العين خالد الكلالدة عندما نقل لـ«الشرق الأوسط»، أنه يدعم اليوم ويطالب من موقعه التشريعي بعودة تدريس «منهاج القضية الفلسطينية في المدارس الأردنية»، وعودة «التدريب العسكري لطلاب الجامعات الأردنية بوصفه جزءاً من النشاطات الطلابية المنهجية». وبرأيه أن مثل هذه السياسات من شأنها أن تبعث برسائل قلق لدولة الاحتلال، «فلا يجوز أن يُعاقب الأردن على اعتداله وسط جنون المنطقة وتفجر أزماتها».

في المقابل، دعت نخب تقليدية إلى «الإدراك المبكر لخطر وشيك». وحظيت تصريحات النائبين والوزيرين الأسبقين ممدوح العبادي وسمير الحباشنة والأكاديمي صبري ربيحات، بقبول شعبي واسع عندما طالبوا في مناسبات مختلفة بـ«تسليح الشعب الأردني»، وتهيئة الرأي العام «لمواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل التي لا تلتزم بقيم معاهدة السلام مع الأردن، بل إنها تحاول العبث بالمصالح العليا للدولة الأردنية، مستمرة في فرض حلول لأزمتها على حساب الاستقرار الوطني».

وهنا تعود الأزمة المحلية إلى السباق في مخاطبة الشارع المُلتهب، فالاعتدال ولغة التحليل الهادئ لأزمة ساخنة، قد لا يحققان - بالنسبة للبعض - الغاية منهما، على الرغم من إدراك مركز القرار بأن اتساع نطاق الحرب سيُجبر المملكة على مواجهات مفتوحة. وتلفت مصادر سياسية أردنية مطلعة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن تهديدات ميليشيات إيران و«حزب الله» على الحدود الشمالية لا تزال قائمة، وكذلك الأنباء عن تحركات «الحشد الشيعي» العراقي بين الحدود الشرقية واتصاله البرّي مع حلفائه الإيرانيين في سوريا، وسط مستقبل مجهول تنتظره عمّان على حدودها الغربية مع دولة الاحتلال. الأردن: التأسيس لهُدن يومية في غزة لن يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار

بايدن في زيارته التضامنية مع إسرائيل (غيتي)

تفهّم لرفع حدة التصريحات الأردنية

> وصف مصدر سياسي أردني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، التي أطلقها لحظة وصوله إلى إسرائيل في زيارته «التضامنية» بعد أيام من الحرب على غزة، بأنها «مخيبة للآمال»، وتابع: «كان حرياً بالقادة الأميركيين مراعاة حجم الحرج لحلفائهم بعد تلك التصريحات، التي دعمت الرواية الإسرائيلية المزعومة وقتلها للمدنيين بذريعة (محاربة الإرهاب والدفاع عن النفس)». وأمام ما تصفه المصادر الدبلوماسية الأردنية من «تفهم» أميركي لموقف عمّان الرسمي وظروفه المركبة، لا يخفي الأردن صدمته مما عدّه «تماهياً» أميركياً، و«انجرافاً» غير مبرّر وراء الأهداف الإسرائيلية، ودعماً لقرار تل أبيب، والهرولة وراء سردية «المسار الجديد لمكافحة الإرهاب، حتى تحت يافطة المظلومية الفلسطينية». وهنا لا تبدو عمّان الرسمية تقف في صف «حماس» المقاومة، لكنها لا تستطيع الصمت حيال معاقبة اعتدال السلطة الفلسطينية ومنح أوراق مضاعفة لنقيضها في «المقاومة المتصلة بأجندات وأطراف خارجية ولها مصالح متناقضة مع المصلحة الفلسطينية في الحرب الدائرة»، مما يهدد بترك المدنيين عرضة للاستهداف في حرب لا تبدو أنها ستتوقف قريباً، ويجعل خطر «التهجير» قائماً كـ«خطر وشيك».


مقالات ذات صلة

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

يوميات الشرق يُقدّم مجموعة حِرفيين سعوديين أعمالاً مبتكرة أمام زوار المهرجان (وزارة الثقافة)

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

تستعرض السعودية تنوعها الثقافي والفني أمام زوّار «مهرجان جرش للثقافة والفنون 2024» في المدينة التاريخية الأردنية، وذلك خلال الفترة بين 24 يوليو و3 أغسطس.

«الشرق الأوسط» (جرش)
المشرق العربي صورة من الداخل لمجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

حل البرلمان الأردني... و«التواصل الاجتماعي» يحتفل بمغادرة نواب

أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قراراً بحل مجلس النواب التاسع عشر، بعد ساعات من عودته إلى البلاد.

محمد خير الرواشدة (عمان)
يوميات الشرق رئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي الأميرة ريم علي متوسّطةً الفائزين (إدارة المهرجان)

مهرجان عمّان السينمائي يختتم فعالياته ويتوّج أجمل حكاياته

«مهرجان عمّان السينمائي الدولي» يختتم دورته الخامسة ويوزّع جوائز «السوسنة السوداء» على مجموعة من الأفلام الروائية والوثائقية العربية والأجنبية.

كريستين حبيب (عمّان)
المشرق العربي إنشاء مكتب اتصال لحلف الناتو في عمان تطور طبيعي في العلاقة المتنامية (رويترز)

إنشاء مكتب اتصال لـ«الناتو» في الأردن

أعلنت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية عن إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في المملكة، وبما يسهم في تعزيز علاقات التعاون المشترك مع الحلف.

«الشرق الأوسط» (عمان)
شمال افريقيا لقاء عبد العاطي والصفدي في القاهرة (حساب المتحدث باسم الخارجية المصرية على «إكس»)

رفض مصري - أردني لاستمرار سيطرة إسرائيل على معبر رفح

توافقت مصر والأردن على «الرفض الكامل لسيطرة إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني».

فتحية الدخاخني (القاهرة)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب بكثير؟ الإجابة عن هذا السؤال، لا يختصرها الإجماع السريع الذي توافقت عليه تيارات الحزب لدعم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. ذلك أن الصعوبات التي يواجهها الديمقراطيون، والأزمات التي لم يتمكنوا بعد من ابتكار الحلول لها، أكبر من أن يحتويها استعاضتهم عن مرشح مسنّ ضعيف وغير ملهم، بمرشحة شابة ملوّنة. ولكن مع ذلك، يبدو أن الديمقراطيين مقتنعون الآن بأنه باتت لديهم الفرصة لإعادة تصوير السباق على أنه تكرار لهزيمة مرشح «مهووس بالغرور والانتقام»، في حين يعيد خصومهم الجمهوريون تشكيل سياسات حزبهم، وفق أجندة قد تغير وجهه ووجهة أميركا، التي عدّها البعض، «دعوة للعودة إلى الوراء».

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».