مايك جونسون... رئيس مجلس النواب الأكثر محافظة في تاريخ الولايات المتحدة

الجمهوريون المعتدلون انضموا للمتشددين بعدما سئموا من المشاحنات والخلل الوظيفي

مايك جونسون... رئيس مجلس النواب الأكثر محافظة في تاريخ الولايات المتحدة
TT

مايك جونسون... رئيس مجلس النواب الأكثر محافظة في تاريخ الولايات المتحدة

مايك جونسون... رئيس مجلس النواب الأكثر محافظة في تاريخ الولايات المتحدة

عد انتخاب النائب الجمهوري اليميني المتشدد، مايك جونسون، رئيسا لمجلس النواب الأميركي، مفاجأة لم يكن يتوقعها، حتى الديمقراطيون أنفسهم. وكان هؤلاء قد شاركوا عمداً في جهود حفنة من النواب الجمهوريين اليمينيين المتشددين، في عزل رئيس المجلس السابق كيفن مكارثي، قبل شهر. كان الديمقراطيون يعتقدون أن من شأن استمرار تعطيل المجلس تعميق انقسامات الجمهوريين وإظهار ضعفهم ويحولهم إلى أضحوكة أمام قاعدتهم والرأي العام الأوسع. ومن ثم، تحميلهم المسؤولية عن إبقاء ثالث أرفع منصب سياسي في البلاد في حالة شغور غير مسبوقة، تمهيدا لإعادة سيطرتهم على المجلس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. لكن الجمهوريين تمكنوا من تجاوز انقساماتهم، بعد 3 جولات انتخابية فاشلة، أطاحت برموز وازنة في حزبهم، ليستسلم مؤتمرهم ويوافق على انتخاب يميني «هادئ» وقيادي من الدرجة السابعة، ليصبح فجأة رقم 2 في خط الخلافة الرئاسية، بعد نائب الرئيس. الكرة أضحت الآن في ملعب الديمقراطيين، عليهم الخروج من مأزقهم في ظل رهانات سياسية خاطئة تتعلق بتقديراتهم لقوة التيار اليميني الذي يواصل صعوده في البلاد.

خلال صيف عام 2012، قال الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما لمؤيديه، إنه إذا فاز بالبيت الأبيض مرة أخرى، فإن ذلك «سيكسر الحمّى اليمينية» بين الجمهوريين. ولكن، بدلا من ذلك، بعد خسارة المرشح الجمهوري المعتدل ميت رومني سباق الرئاسة أمامه، تبنى الحزب نسخة أكثر تشدداً عبر ترشيح دونالد ترمب في عامي 2016 و2020. وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2020، قال جو بايدن إنه مع رحيل ترمب، يأمل أن يتمكّن الحزب الجمهوري هذه المرة من كسر هذه «الحمى» أخيراً. لكن الحزب الجمهوري ذهب هذه المرة إلى عمق أكبر، حيث أشاد بمحاولة الرئيس السابق الفاشلة للبقاء في منصبه، ودافع عنه مرارا وتكرارا. وها هو اليوم، ينتخب مايك جونسون، أحد أكبر المُنكرين لنتائج انتخابات 2020، الذي كتب بنفسه المذكرة التي رفعت إلى المحكمة العليا لدعم مراجعة تلك الانتخابات.

الأمر إذاً ليس حمّى بقدر ما هو مسار، لا يزال الحزب الجمهوري يختطّه في عملية انزياح نحو اليمين، بعدما كان يُعد حزب الدفاع عن التقاليد والاستقرار السياسي. فاليوم، لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنه سيعود إلى ما كان عليه، مع انتخاب جونسون. فكيف تمكن هذا الرجل «المغمور»، الذي بالكاد كان معروفاً داخل الولايات المتحدة نفسها بحسب صحيفة «بوليتيكو»، ويجهد الدبلوماسيين الأجانب في واشنطن والعواصم الأجنبية للبحث عنه في محرك البحث «غوغل»؟

المتشدّدون حصلوا على رجُلهم عملياً،

حصل المتشدّدون الجمهوريون في النهاية على رجلهم، رغم أنه لم يكن هو الشخص الأكثر تطرفاً الذي كان خيارهم الأول. وقال النائب اليميني، ماثيو غايتس، الذي قاد عملية إقصاء مكارثي، لصحيفة «وول ستريت جورنال» في هذا الصدد «أعتقد أن التاريخ سيقيّم الأسابيع الثلاثة (المدة التي بقي فيها المجلس من دون رئيس) باعتبارها الأسابيع الأكثر إنتاجية للكونغرس الـ118، لأنه لدينا الآن رجل وخطة».

ثم إنه إذا كان الجمهوريون المعتدلون هم من أسقطوا النائب جيم جوردان، الأب الروحي لليمين المتطرف - ويرجع ذلك جزئياً إلى اعتراضهم على دوره في محاولة إلغاء انتخابات 2020 - فلماذا إذاً انضموا إلى التيار اليميني لصالح جونسون، الذي كتب المذكرة إلى المحكمة العليا لإلغائها؟

يقول البعض إن المعتدلين، نظراً لأعدادهم المحدودة، «لم يروا أي طريق آخر للخروج من الاضطرابات التي يشهدها حزبهم، بعدما سئموا من المشاحنات والخلل الوظيفي وأرادوا العودة إلى العمل». ومع ذلك، بدا من الضروري مراجعة المسار الذي أدى في النهاية إلى صعود جونسون، الذي لم يكن يحظى بشهرة وطنية، ليظهر في نهاية المطاف، المرشح الرئيسي لمنصب رئيس البرلمان. وما يستحق الذكر هنا، أنه حتى السيناتورة الجمهورية المعتدلة المخضرمة سوزان كولينز، قالت إنها اضطرت للبحث عنه على موقع غوغل.

أكثر من هذا، بجانب كون جونسون عضواً «من الدرجة الثانية» في قيادة مجلس النواب، إذ انتخب لأول مرة عام 2016، فهو يعد أيضاً المشرّع الأكثر غموضاً الذي وصل إلى رئاسة المجلس منذ انتزع المنصب النائب السابق دينيس هاسترت، الذي جاء من المقاعد الخلفية عام 1998، خلفا لنيوت غينغريتش، بعد تغلبه على توم ديلاي، الذي كان يعد نسخة جيم جوردان في ذلك الوقت. فكيف أصبح هذا الغموض المحيط بالرجل ميزة بالنسبة له؟

أعداء جونسون قليلون

جونسون، على عكس المرشحين الثلاثة الفاشلين لمنصب رئيس مجلس النواب الذين سبقوه، لديه عدد قليل من الأعداء بين الجمهوريين في مجلس النواب. ووفق كتابات عدة، فإن السمة المميّزة له هي «الجمع بين وجهات نظره المتشددة والأسلوب الشخصي اللطيف». غير أن طبيعة جونسون اللطيفة لا تعني أنه مرشح يحظى بالإجماع. وهذا ما حصل في الواقع، حين خسر تصويت الحزب أمام توم أيمير، الذي استقال بعد 4 ساعات فقط، ليحظى لاحقاً بشبه إجماع ويصبح الرئيس الـ56 لمجلس النواب.

في الحقيقة، مايك جونسون ليس معتدلاً ولا مؤسساتياً بل هو العكس تماماً. إنه أحد «تلامذة» جوردان، الآتي من الجناح اليميني المتشدد المناهض للمؤسساتية في الحزب الجمهوري والكونغرس. ومع أنه لم يكن عضواً في «تجمّع الحرية» الذي يرأسه جوردان، إلا أنه قاد لجنة الدراسة الجمهورية التي جعلت مقولة «أن أي دولار يُنفَق على الضمان الاجتماعي هو إنفاق أكثر من اللازم» شعارا لعملها ضد دور الحكومة.

أيضاً، عدّ الكثير من وسائل الإعلام انتخاب جونسون «حدثاً تاريخياً»، وتوقعت أنه قد يكون رئيس المجلس الأكثر محافظة في تاريخ الولايات المتحدة. بيد أن وقائع عدة تظهر أن صعوده لم يأت مصادفةً، بل كان تتويجاً لسلسلة متعمّدة من التحركات التي مكّنته من وضع نفسه في موضع قوة أكبر. ذلك أنه - مثلاً - يعارض حقوق الإجهاض وزواج المثليين، كما أنه لم يعارض أبداً «قاعدة» الحزب الجمهوري... وفي الوقت نفسه، كان يبني صدقيته باعتباره من الموالين لترمب. ومما قاله لصحيفة «الديلي بيست» عام 2018 إنه سعى جاهداً للحفاظ على العلاقات مع كل من «تجمع الحرية» وقيادة الحزب. واستمرت هذه التوجّهات مع تحرك المتشددين ضد سلفه رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي، إذ صوّت جونسون ضد تمويل أوكرانيا والإنفاق المؤقت في 30 سبتمبر (أيلول)، وأيد صفقة مكارثي مع الديمقراطيين للحد من الديون، مما منحه المصداقية كلاعب جماعي. وفيما وصفته حملة الرئيس بايدن لعام 2024 بأنه «ماغا مايك» (شعار ترمب اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، قال عنه ترمب بأنه «سيقوم بعمل رائع».

من هو جونسون؟

نشأ مايكل «مايك» جونسون، (51 سنة) في مدينة شريفيبورت بولاية لويزيانا. وكان والده رجل إطفاء كاد أن يُقتل عام 1984 في انفجار مصنع أدى إلى إعاقته. وقال جونسون لصحيفة مسقط رأسه لاحقاً «لقد غيّرت هذه الحادثة مسار حياة عائلتنا». وذكر أنه كان يحلم بأن يصبح رجل إطفاء، إلا أنه بدلاً من ذلك التحق بجامعة ولاية لويزيانا وأصبح محامياً دستورياً.

ثم إنه قال في خطابه بعيد انتخابه رئيساً لمجلس النواب بشيء من الاعتزاز «أنا أول خريج جامعي في عائلتي»، وفي حينه، سجلت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه «بدا لطيفاً وخفيف الظل وذكياً».

بعدما خدم جونسون لفترة وجيزة في المجلس التشريعي لولاية لويزيانا، وقبل ترشحه كنائب عن ولاية لويزيانا في مجلس النواب الأميركي، وفوزه عام 2016، دافع جونسون أمام المحكمة العليا في لويزيانا عن الحظر الذي فرضته الولاية على زواج المثليين.

والواقع أن جونسون مسيحي إنجيلي محافظ ومتشدد، يعتز بأن «إيمانه يحدد كل ما يفعله». وهو متزوّج من كيلي لاري ولديهما أربعة أطفال. وفي نفي مُسبق لأي شعور عنصري، قال إنه في وقت مبكّر من حياته الزوجية تبنّى وزوجته صبياً أميركياً من أصل أفريقي يبلغ من العمر 14 سنة واعتبراه جزءاً من عائلتهما. وللعلم، فإنه يقدّم وزوجته «بودكاست» عن الدين والسياسة تحت مسمى «الحقيقة تُقال».

قناعاته الاقتصادية اليمينية

عام 2018، قال جونسون إن ضابط الإنفاق العام هو «أولويته الأولى»، مضيفا أن تخفيضات «تقديمات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والمساعدات الطبية والفوائد على الديون... كان من الواجب أن تحدث بالأمس (أي إنها تأخرت كثيراً عن الوقت الملائم)» لأنها (أي التقديمات) تشكل «تهديداً وجودياً للتجربة الأميركية».

وحقاً، في عامي 2019 و2021، عارض جونسون قانون رفع الحد الأدنى للأجور، إلى 15 دولاراً في الساعة، باعتباره «تشريعاً مدمّراً للوظائف». ومن جهة ثانية، أيّد الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2017 بحظر الهجرة من سبع دول ذات غالبية مسلمة، قائلاً «هذه ليست محاولة لحظر أي دين، بل هي بالأحرى محاولة لحماية وطننا بشكل مناسب. نحن نعيش في عالم خطير، وهذا الإجراء المهم سيساعدنا على تحقيق التوازن بين الحرية والأمن».

رفضه نتائج انتخابات 2020

في سياق متصل، وبعيداً عن نزعته المحافظة بشأن قضايا السياسة، انضم مايك جونسون بشكل وثيق إلى جهود ترمب لإلغاء نتائج انتخابات عام 2020، ولعب دوراً ريادياً بارزاً في حث الجمهوريين على التوقيع على مذكرة إلغاء النتائج. وأيضاً حشد الدعم لدعوى قضائية في ولاية تكساس سعت إلى إلغاء النتائج في أربع ولايات متأرجحة فاز بها جو بايدن، ورفضت المحكمة العليا تلك القضية.

جونسون، يُعد بالفعل أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يثيرون قلق العديد من خبراء الديمقراطية، بسبب رفضه تقبّل ما يدعونه «أحد المبادئ الأساسية للنظام الأميركي»... أي الاستعداد لقبول هزيمة حزبهم. وفي هذا الاتجاه اعتبر العالم السياسي خوان لينز شخصيات مثله بأنهم «الجهات الفاعلة شبه المخلصة من السياسيين الذين لا يبادرون إلى شن هجمات (مباشرة) على الديمقراطية، لكنهم ينسجمون معها».

وهنا نشير إلى أن جونسون «ابتكر» نظرية قانونية لتبرير اعتراض ترمب على نتائج 2020، وأيدها العديد من زملائه في مجلس النواب، تزعم أن فنزويلا متورّطة بطريقة ما في العبث بآلات التصويت في الولايات المتحدة. وبسبب مواجهة جائحة «كوفيد - 19» التي فرضت تغييرات في طريقة التصويت، حثّ الجمهوريين على منع المصادقة على نتيجة الانتخابات بحجة أنها كانت غير شرعية وغير دستورية. وعندما سُئل، خلال مؤتمره الصحافي الأول كرئيس للمجلس، عما إذا كان لا يزال متمسكاً بجهوده لإلغاء انتخابات 2020، تجاهل السؤال، وصرخت النائبة فيرجينيا فوكس من ولاية نورث كارولينا على الصحافيين طالبة منهم بأن يصمتوا.

هذا عن الانتخابات الفائتة... ولكن إذا خسر ترمب مرة أخرى انتخابات 2024، وادعى حصول تزوير، قد يكون مايك جونسون في وضع أفضل لمساعدته. وبحسب موقع «بوليتيكو»، تساءل مايكل والدمان الباحث في «مركز برينان للعدالة» عن نيات رئيس مجلس النواب قائلاً «هل سيدافع هذا الرجل عن الدستور؟ أم أنه سيفعل ما فعله في المرة السابقة؟».


مقالات ذات صلة

خلاف بين محامي ترمب والمحقق الخاص بشأن الجدول الزمني لقضيته

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ب)

خلاف بين محامي ترمب والمحقق الخاص بشأن الجدول الزمني لقضيته

ظهرت خلاف بين المدعي الخاص الذي يلاحق ترمب بتهمة محاولة إلغاء نتائج انتخابات 2020 وفريق الدفاع عن الرئيس السابق بشأن الجدول الزمني لإجراءات النظر في القضية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وابنته إيفانكا (إ.ب.أ)

ترمب: إيفانكا رفضت أن تصبح سفيرة لدى الأمم المتحدة وفضّلت توفير فرص عمل للملايين

قال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، إن ابنته إيفانكا كان ينبغي أن تكون سفيرة للأمم المتحدة، و«القادة الأكثر روعة» يأتون من أسكوتلندا مثل والدته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص إيثان غولدريتش خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط) play-circle 00:45

خاص غولدريتش لـ «الشرق الأوسط»: لا انسحاب للقوات الأميركية من سوريا

أكد إيثان غولدريتش، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية، أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا.

رنا أبتر (واشنطن)
العالم عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)

كندا: نساء من السكان الأصليين يسعين لتفتيش موقع اختبارات سابق لـ«سي آي إيه»

تأمل نساء من السكان الأصليين بكندا وقفَ أعمال البناء في موقع مستشفى سابق في مونتريال، يعتقدن أنه قد يكشف حقيقة ما جرى لأبنائهن المفقودين عقب تجارب تعرّضوا لها.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
الولايات المتحدة​ المخرج علي عباسي (الثالث يميناً) مع مجموعة من المشاركين في فيلم «ذي أبرنتيس» عند وصولهم إلى العرض الأول للفيلم في مهرجان «كان» السينمائي الدولي السابع والسبعين بجنوب فرنسا في 20 مايو 2024 (أ.ب)

فيلم مثير للجدل عن سيرة ترمب يُعرض في صالات السينما قبل الانتخابات

من المقرر طرح فيلم «ذي أبرنتيس» (The Apprentice) المثير للجدل والمستوحى من سيرة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترمب، في صالات السينما الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
TT

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة (1957 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2011) وكبار المسؤولين في الدولة. وفي المقابل، جاء 3 منهم فقط من مواليد العاصمة تونس، هم الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي، سياسي مخضرم تولّى رئاسة الحكومة عام 2011 في عهد «الرئيس المؤقت» رئيس البرلمان السابق فؤاد المبزّع ثم انتخب رئيساً للجمهورية لمرحلة ما بين 2014 و2019. وفي حين ترأس يوسف الشاهد الحكومة من صيف 2016 إلى أوائل 2020، تولّى إلياس الفخفاخ المنصب عندما ترأس الحكومة الأولى في عهد قيس سعيّد لمدة 6 أشهر في 2020، وهو بالمناسبة، وإن كان من مواليد تونس العاصمة فإنه أصلاً من صفاقس، العاصمة الصناعية والتجارية في الساحل الشرقي الجنوبي للبلاد.

محمد الغنوشي (آ ف ب)

هيمنة «الساحل»

بما يخصّ منطقة «الساحل» الواقعة على بعد 150 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة، وكبرى مدنها مدينة سوسة، فقد تعاقب منها على رئاسة الحكومة نخبة من كبار رجال السياسة في البلاد، هم على التوالي:

الحبيب بورقيبة، من مدينة المنستير (1955 - 1957)، وتولّى عملياً رئاسة الحكومة حتى 1969. وللعلم، رسمياً كان المنصب شاغراً (بين 25 يوليو - تموز 1957 و7 نوفمبر - تشرين الثاني 1969)، إذ في مطلع النظام الجمهوري تولى الرئيس إدارة الحكومة، وبعدها تعاقب «فعلياً» على المنصب كل من:

الباهي الأدغم، بلدة منزل النور المجاورة لمدينة المنستير، (1969 - 1970)

أحمد بن صالح، مدينة المكنين، (1960 - 1970)

الهادي نويرة، المنستير، (1970 - 1980) – أول رئيس حكومة يحمل المسمّى رسمياً.

محمد مزالي، المنستير، (1980 - 1986)

رشيد صفر، من المهدية، (1986 - 1987)

زين العابدين بن علي، مدينة حمام سوسة، (1987)

الهادي البكّوش، حمام سوسة، (1987 - 1989)

حامد القَروي، مدينة سوسة، ( 1989 - 1999 )

محمد الغنّوشي، سوسة، (1999 - 2011)

حمّادي الجبالي، سوسة، (2012 - 2013)

المهدي جمعة، المهدية، (2014)

الحبيب الصيد، سوسة، (2015 - 2016).

حامد القروي (الشرق الاوسط)

في المقابل، من خارج منطقة «الساحل» وتونس العاصمة، تولّى المهندس علي العريّض، القيادي السابق في حزب حركة النهضة رئاسة الحكومة في عام 2013، فكان السياسي الوحيد الذي يصل إلى هذا المنصب من «الجهات المهمشة» في أقصى الجنوب الشرقي الصحراوي، وهو من مواليد مدينة مدنين.

كذلك، تولّى وزير الداخلية السابق هشام المشيشي رئاسة الحكومة بين سبتمبر (أيلول) 2020 و25 يوليو 2021، فكان أول رئيس للحكومة من مدينة بوسالم في محافظة جندوبة في الشمال الغربي الزراعي و«المهمّش».

وبين 2021 و2023 صارت الدكتورة نجلاء بودن، من مواليد مدينة القيروان، أول سيدة تشغل منصب رئاسة الحكومة في تونس.

أخيراً، ما يستحق الذكر أن الدكتور محمد المنصف المرزوقي، ابن الجنوب الصحراوي التونسي، صار بين عامي 2012 و2014 الشخصية الوحيدة التي تولت رئاسة الدولة (رئاسة الجمهورية) من غير أبناء «الساحل» وتونس العاصمة.