تونس تفتح «ماراثوناً» انتخابياً جديداً

السلطات مستفيدة من الانقسامات داخل الأحزاب السياسية


الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
TT

تونس تفتح «ماراثوناً» انتخابياً جديداً


الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)

انطلق في تونس موسم انتخابي جديد، من المقرر أن يبدأ خلال الأسابيع المقبلة بسلسلة من عمليات الاقتراع تمهيدا لاختيار «الغرفة الثانية للبرلمان» ومجالس محلية وجهوية وإقليمية تشارك في تسيير البلاد مع ممثلي السلطات المركزية للدولة. ومن المقرر أن يتوج هذا المسار في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل بتنظيم الانتخابات الرئاسية التي ينص الدستور على وجوب تنظيمها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الدورة الرئاسية المنتهية، وكانت الدورة الحالية بدأت في أكتوبر 2019. إلا أن «العام الانتخابي» انطلق هذه المرة في أجواء مشهد سياسي غير متوازن وأوضاع استثنائية، كما رأت البرلمانية والقيادية في حزب «قلب تونس» سميرة الشواشي في تصريح لـ«الشرق الأوسط». الشواشي سجلت أن «السنة السياسية والانتخابية الجديدة تنطلق في ظل تعاقب إضرابات الجوع السياسية واعتصامات عائلات المساجين السياسيين، وفي ظل أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أمنية شاملة غير مسبوقة»، من أبرز ملامحها إيقافات وقرارات إحالة إلى المحاكم ضد رجال أعمال بارزين ومسؤولين سابقين في السلطة وزعماء سياسيين ومستقلين وشخصيات حزبية من عدة تيارات.

تعقّد الوضع في تونس بعد التجاذبات السياسية بين السلطة ومعارضيها في أعقاب التصعيد العسكري والسياسي في المشرق العربي يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وعملية «طوفان الأقصى». وتغيّرت التحالفات السياسية بسرعة داخل الأوساط المساندة للسلطة ومعارضيها منذ شملت الاعتقالات والإحالات إلى القضاء عبير موسي، زعيمة «الحزب الدستوري الحر» والقيادية في الحزب الحاكم في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، ورؤساء بنوك وشركات عملاقة بينهم رجل الأعمال الكبير مروان مبروك - صهر بن علي - ومقرّبين منه.

وازداد المشهد غموضاً بعدما صدرت قرارات بتمديد حبس عشرات من المعتقلين بشبهة «التآمر على أمن الدولة» بينهم ضباط سابقون في الأمن وشخصيات مستقلة ووزراء سابقون وقياديون بارزون في حزب النهضة و«جبهة الخلاص الوطني» المعارضة. وشملت أيضا بعض زعامات من اليسار المعتدل والتيار الليبيرالي، ممن كانوا في صدارة المشهد في السلطة والمعارضة بعد منعرج يناير (كانون الثاني) 2011، مثل عصام الشابي زعيم الحزب الجمهوري اليساري - العروبي ورضا بالحاج زعيم حزب «أمل» والمستشار الأبرز للباجي قائد السبسي وأستاذ القانون الدستوري والناشط الحقوقي اليساري وغازي الشواشي الوزير السابق وزعيم حزب التيار الديمقراطي اليساري.

في هذا المناخ تساءل بعض السياسيين والإعلاميين والمراقبين عن «الصبغة الاستثنائية» للمسار الانتخابي والسياسي الحالي، وإن كان سيتوّج فعلاً بتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها خلال سنة.

الاستغناء عن رموز المنظومات القديمة

المشهد السياسي والانتخابي ارتبك أكثر بعد اعتقال زعيمة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي، التي تعدّ من أكثر السياسيين حدة في معارضة الرئيس قيس سعيّد وأنصاره منذ 2019.

هذا التطور طرح نقاط استفهام جديدة داخل النخب التونسية والمراقبين حول المسار الانتخابي والسياسي الجديد، الذي قد يجد معارضة، وكذلك من قبل الموالين للنظام الحاكم قبل 2011 وخصوم أحزاب الإسلام السياسي، على حد تعبير القاضي الإداري السابق والحقوقي أحمد صواب. ولم يستبعد فوزي عبد الرحمن، الوزير السابق والأمين العام السابق لحزب «آفاق» الليبيرالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تؤدي الاعتقالات والتحقيقات القضائية مع شخصيات سياسية وحقوقية ومع بعض كبار رجال الأعمال إلى «إقصاء أبرز أغلب المعارضين، بمن فيهم أكثر الأحزاب اليسارية واليمينية عداء لقيادة حركة النهضة الإسلامية وللأطراف السياسية التي شاركت في حكم البلاد بعد 2011، بزعامة الرئيسين السابقين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي، ورؤساء الحكومات السابقة يوسف الشاهد والحبيب الصيد والمهدي جمعة وإلياس الفخفاخ».

لا وسطاء بين السلطة والشعب

إلا أن المتابع لتطور مواقف قيس سعيّد، قبل انتخابه في أكتوبر 2019 وبعد وصوله إلى قصر قرطاج، يلاحظ أن من بين «الثوابت» بالنسبة إليه التقليل من «دور القوى الوسيطة» بين السلطة والشعب، وفق تصريح للأكاديمي والحقوقي الجامعي شاكر الحوكي لـ«الشرق الأوسط». أما الأكاديمي حمادي الرديسي فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه أعد هو ونخبة من الباحثين في العلوم السياسية دراسات معمقة نشرت في كتابين عن الخطاب السياسي للرئيس سعيّد والمقربين منه ومعارضيه. واستنتج الرديسي ورفاقه أن بين «المسلّمات» بالنسبة إلى سعيّد وأنصاره تجاهل دور المنظمات غير الحكومية والأحزاب والقوى الوسيطة بين السلطة والشعب، على غرار كل الأطراف السياسية اليمينية واليسارية التي تتبنّى منذ القرن الـ19 مقولات «شعبوية».

وفي السياق ذاته، فسّرت الخبيرة في القانون الدستوري سناء بن عاشور «تقليل» قيس سعيّد وأنصاره دور قيادات المنظمات والنقابات والأحزاب النخب الحاكمة والمعارضة، باقتناعهم أنها فشلت في تحقيق التنمية والاستثمار وفي القضاء على البطالة منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956 ثم بعد يناير 2011. وللعلم، كان سعيّد قد اتهم مراراً «كل النُّخَب القديمة» بالفشل والفساد، ووصف السنوات العشر بعد 2011 بـ«عشرية الخراب» و«العشرية السوداء» و«عشرية العبث». وعاد أخيراً إلى توجيه انتقادات لاذعة لهذه النُّخَب بسبب تحالفاتها «المشبوهة» مع قيادات «حركة النهضة» ومع زعيمها راشد الغنوشي «وهي التي نظمت اعتصامات أمام البرلمان في 2013 لإسقاط حكومتهم... وذكر بأنهم كانوا يرفعون شعارات ضده تصفه بـ(السفاح)».

ابراهيم بو دربالة (آ ف ب)

الجمهورية الجديدة

من جهة أخرى، تعيش تونس منذ «القرارات الاستثنائية» الصادرة عن قصر الرئاسة بقرطاج، يوم 25 يوليو (تموز) 2021، ما وصف بحملات «تطهير مؤسسات الدولة والإدارة ووسائل الإعلام».

وحقاً، أعلنت مصادر حكومية وإعلامية تونسية عن إعادة فتح ملفات نحو مائتي ألف موظف في الحكومة وفي قطاعات الأمن والجيش كانوا قد وُظّفوا بعد 2011. في حين ذكر الرئيس سعيّد أن التقارير تفيد بأن نسبة منهم من «حاملي الشهادات المزيفة» أو عينتهم الأحزاب التي كانت تحكم البلاد. وكذلك أعلنت السلطات منذ ذلك التاريخ عن تغييرات شاملة على رأس معظم المؤسسات الرسمية من الحكومة والبرلمان إلى القضاء والإعلام والإدارات الجهوية والمحلية. وحُلّت المجالس البلدية ضمن مسار وصفه أنصار الرئيس بـ«بناء الجمهورية الجديدة».

ومن ثم، ترى المحامية والناشطة الحقوقية دليلة مصدق اعتقال عبير موسي والتحقيق معها ومع بعض أنصارها جاءا «في المسار نفسه الذي بدأ منذ قرارات حل البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء قبل سنتين». وكانت القرارات ذاتها، حسب المحامي اليساري ووزير حقوق الإنسان سابقا العياشي الهمامي، قد مهّدت منذ فبراير (شباط) الماضي لحملات الاعتقالات والمحاكمات والتحقيقات الأمنية والقضائية مع رجال أعمال وإداريين متهمين بالفساد ومع سياسيين معارضين من أحزاب اليمين واليسار، ضمن «أكثر من 10 ملفات تآمر على أمن الدولة».

ولقد فسّر المسار رئيس «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة المحامي أحمد نجيب الشابي والناشط الحقوقي اليساري عز الدين الحزقي، خلال مؤتمر صحافي، بوجود «إرادة لطي صفحة كل النخب القديمة» و«المعارضين السياسيين القدامى»، تأهباً لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة في أكتوبر 2024. والتمهيد لذلك بانتخاب «الغرفة الثانية للبرلمان» في ظروف مواتية لفوز الرئيس سعيّد ومرشحيه بسبب مقاطعة المعارضين للانتخابات أو انشغالهم بقضاياهم لدى المحاكم.

إعادة تموقع

في سياق متصل، افتتحت الدورة الجديدة للغرفة الأولى للبرلمان الذي بدأ أشغاله في مارس (آذار) الماضي. وأعلن إبراهيم بودربالة رئيس البرلمان بالمناسبة أن «المشهد السياسي الديمقراطي سوف يكتمل بعد الانتخابات المقررة انطلاقا من يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) للمجالس المحلية والجهوية والإقليمية ثم للغرفة الثانية للبرلمان».

بودربالة قلل من قيمة المعارضين في المشهد السياسي والانتخابي الحالي، ومن منتقدي «خريطة الطريق السياسية للرئيس قيس سعيّد».

إلا أن تقريراً تفصيلياً أصدره قبل أيام مرصد «رقابة»، المتخصص في مراقبة عمل مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد الذي يرأسه الوزير والمستشار السابق في قصر قرطاج عماد الدايمي، وصف حصيلة «البرلمان الجديد» بالسلبية جداً. وعدّ هذا التقرير أن ضعف نسبة المشاركة في انتخاب البرلمان الحالي، التي كانت في حدود 11 في المائة حسب الأرقام الرسمية، حد من فرص نجاحه. ويرى الدايمي أيضاً أن البرلمان عجز عن لعب دور كبير لعدة أسباب؛ من بينها «ضعف الصلاحيات التي أسندت إليه... التي جعلت منه مجرد مؤسسة لتزكية قرارات السلطة التنفيذية ليس لها أي دور رقابي».

العملية الانتخابية بدأت

في هذه الأثناء، أورد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا للانتخابات، بعد جلسات عمل في قصر قرطاج مع الرئيس سعيّد، أن «انتخاب الغرفة الثانية للبرلمان والمجالس المحلية والجهوية والإقليمية خيار لا رجعة عنه». وذهب نائب رئيس هيئة الانتخابات التليلي المنصري أبعد من ذلك، فعدّ أن «العملية الانتخابية الجديدة انطلقت في مستوى الأعمال التحضيرية والإعلامية والترتيبية». وذكر أن نسبة تفاعل الشعب مع الاستشارات والومضات التي تنظمها هيئة الانتخابات تبشر بمشاركة كبيرة في الانتخابات المقبلة وفي المسار السياسي الجديد، خاصة «أن الاقتراع سيكون هذه المرة على المستوى المحلي وسيشمل أكثر من ألفي مقعد».

وفي حين توقع أحمد شفطر، «كبير المفسرين» للمشروع السياسي للرئيس سعيّد، في تصريحات إعلامية، «إعادة تموقع» كثير من السياسيين والأطراف السياسية بهدف الفوز بمقاعد في الانتخابات المقبلة ومحاولة التأثير في قرارات السلطات، قال زهير المغزاوي، أمين عام حزب «حركة الشعب» العروبية - الذي شكل أبرز كتلة فازت في انتخابات الغرفة الأولى للبرلمان العام الماضي - إن حزبه يتوقع مشاركة ضعيفة في الانتخابات المقبلة لأسباب عديدة بينها انشغال الشعب بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية وتدهور المقدرة الشرائية ونقص مواد أساسية كثيرة في الأسواق. وأما بدر الدين القمودي، البرلماني والقيادي في الحزب نفسه، فقال إن المجلس الوطني لحزبهم المنعقد قبل أيام «ناشد رئيس الدولة تأجيل موعد انتخابات 24 ديسمبر (كانون الأول) بسبب عدم توفر كل الظروف الملائمة لتنظيمها ونجاحها». غير أن الحزب لم يساند مطالب تحالف «الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والتقدمية التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة والبدء بتنقية المناخ السياسي، والإفراج عن كل المعتقلين في قضايا ذات صبغة سياسية». وللعلم، يضم هذا التحالف أحزابا يسارية معارضة لمسار 25 يوليو 2021 بزعامة حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال الشيوعي، الذي انتقد بدوره «تضخم عدد المساجين السياسيين».

وفي المقابل، عقّب وزير الداخلية كمال الفقي على هذه التصريحات وغيرها بأن نفى جملة وتفصيلا وجود سجناء سياسيين في تونس. ووصف كل الموقوفين من بين الشخصيات الاعتبارية بكونهم من المعتقلين في قضايا حق عام على ذمة النيابة العمومية. وتعهد وزير الداخلية بأن يتضح مصير هؤلاء المساجين بعد أن تتثبت النيابة العمومية في الشبهات الموجهة إليهم ومنها «التآمر على أمن الدولة والتخابر مع دبلوماسيين أجانب والضلوع في قضايا إرهابية».

الجبهة الداخلية

في هذا المناخ العام، يتساءل كثيرون عن إمكانية نجاح صناع القرار في أعلى هرم السلطة بالمضي في تنفيذ الطور الأخير من «خريطة الطريق السياسية» المعلن عنها في سبتمبر (أيلول) 2021، أي انتخاب «الغرفة الثانية للبرلمان» ثم الإعداد للانتخابات الرئاسية المقررة لشهر أكتوبر من العام المقبل.

بعض الساسة، بينهم معارضون سابقون، مثل الحقوقي محمد القوماني والزعيم النقابي والسياسي اليساري العروبي أحمد الكحلاوي، يعدون الرئيس سعيّد وأنصاره كسبوا المعركة السياسية مع خصومهم، واستفادوا من انقسامات المعارضة وملفات الفساد داخلها وداخل بعض النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وتوقّع القوماني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن نجاح الرئيس وفريقه «في إعادة رسم المشهد السياسي» يزيد إضعاف النقابات وأحزاب المعارضة بكل ألوانها وتوجهاتها. لكن القوماني، الذي كان من بين المقرّبين إلى قيس سعيّد قبل انتخابات 2019، عدّ أن من بين المبادرات التي يجب أن تقوم بها مؤسسة الرئاسة في تونس «تنقية المناخ السياسي وطنياً، وكذلك الجبهة الداخلية، وتحسين القدرة الشرائية والأوضاع المالية للإجراء والطبقات الشعبية، خاصة في هذه المرحلة التي تعاقبت فيها مؤشرات تأزم علاقاتها ببعض شركائها في أوروبا وفي المنطقة».

وأخيراً، يظل التحدي الأكبر، حسب المستشار الجبائي والخبير الاقتصادي شكري الحيدري هو «تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وتطوير شراكات تونس مع محيطها المغاربي والأفريقي والأورومتوسطي. وذلك لأن كل التوازنات السياسية والتغييرات في المشهدين الإعلامي والسياسي، وفي تركيبة المؤسسات المنتخبة، ستبقى محدودة التأثير ما لم تتحقق التوازنات المالية للدولة وللأسرة ولملايين من الأجراء وأبناء الطبقات الشعبية والشباب ممن يحلمون منذ عقود بتحسين أوضاعهم وأوضاع بلدهم».

عبير موسي (رويترز)

«ورقة رجال الأعمال» ترجح كفة سعيّد في الانتخابات

> يتابع الرئيس التونسي قيس سعيّد والمقربون منه حملة انتخابية رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها، وترفع «الحملة» شعارات عديدة زادت من شعبيتهم داخل الأوساط الشعبية، حسب أغلب مراكز استطلاعات الرأي التونسية والأوروبية.

أبرز هذه الشعارات مضاعفة الضغوط على كبار رجال الأعمال وأرباب البنوك وأصحاب المؤسسات السياحية والمالية، الذين استفادوا من تسهيلات ومساعدات كبيرة من الدولة والبنوك، وحققوا أرباحاً خيالية من دون أن يدفعوا الضرائب المتوجبة، وبعض هؤلاء لم يسدد جانبا كبيراً من قروض بالمليارات حصل عليها من البنوك العمومية ومن مؤسسات حكومية.

الرئيس سعيّد قدّر ديون الدولة لدى كبار رجال الأعمال بأكثر من 13 مليار دولار أميركي، أي نحو 40 مليار دينار تونسي. في حين قدر بعض المقربين منه الديون التي لم يسددها كبار الأثرياء بعشرات المليارات.

وبخلاف السياسة التي اعتمدها سعيّد والمقربون منه منذ 2019، عندما كانوا يكتفون بمناشدة كبار رجال الأعمال تسوية أوضاعهم مع مصالح الضرائب والجمارك والصناديق الاجتماعية، وتسديد ديونهم التي تقدر بالمليارات، انطلقت أخيراً موجة من الإيقافات والتتبعات القضائية ضد بعض كبار الأثرياء، من بينهم بعض أصهار الرئيس السابق بن علي المتهمين بالحصول على قروض ضخمة من البنوك التونسية - قبل 2011 وبعدها - من دون ضمانات.

وبعدما بدأت بالفعل عمليات المداهمة لعدد من البنوك وكبريات الشركات، وافق عشرات رجال الأعمال على التفاوض مع السلطات حول صلح جبائي ومالي لينقذهم من المصادرة والسجون.

هذه الورقة قد تكون مربحة جداً الآن، وستوفر للحكومة جانبا كبيراً من حاجاتها المالية التي تراكمت إثر فشل مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والصناديق الأفريقية والعربية والإسلامية والأوروبية. وحقاً، تقول السلطات إنها نجحت في إبعاد عشرات القضاة المتهمين بالفساد والرشوة، ومنهم مَن أجهض بعد 2011 محاولات استرجاع «الأموال المنهوبة» من قبل رجال الأعمال المتورطين في الرشوة والفساد والقروض بلا ضمانات.

وبالتالي، ثمة من يتساءل الآن حول موقف المحاكم، وما إذا كانت ستقف بقوة مع السلطات في المعركة الجديدة ضد الذين أثروا بطرق غير مشروعة، والمتهربين الضريبيين و«أباطرة» التهريب... أم لا.

المتابعون يرون أن كل «السيناريوهات» واردة في بلد يرفع منذ أكثر من 30 سنة شعارات مكافحة التهريب وضرب السوق السوداء والتهرب من الضرائب، لكنه شهد في عهد كل الحكومات مصالحات خلف الكواليس... وزيجات مصلحة بين السياسيين والمال الفاسد.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.