تونس تفتح «ماراثوناً» انتخابياً جديداً

السلطات مستفيدة من الانقسامات داخل الأحزاب السياسية


الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
TT

تونس تفتح «ماراثوناً» انتخابياً جديداً


الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يفتتح الحملة الانتخابية تحت اولويات طي صفحة النُّخَب ومكافحة الفساد (رويترز)

انطلق في تونس موسم انتخابي جديد، من المقرر أن يبدأ خلال الأسابيع المقبلة بسلسلة من عمليات الاقتراع تمهيدا لاختيار «الغرفة الثانية للبرلمان» ومجالس محلية وجهوية وإقليمية تشارك في تسيير البلاد مع ممثلي السلطات المركزية للدولة. ومن المقرر أن يتوج هذا المسار في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل بتنظيم الانتخابات الرئاسية التي ينص الدستور على وجوب تنظيمها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الدورة الرئاسية المنتهية، وكانت الدورة الحالية بدأت في أكتوبر 2019. إلا أن «العام الانتخابي» انطلق هذه المرة في أجواء مشهد سياسي غير متوازن وأوضاع استثنائية، كما رأت البرلمانية والقيادية في حزب «قلب تونس» سميرة الشواشي في تصريح لـ«الشرق الأوسط». الشواشي سجلت أن «السنة السياسية والانتخابية الجديدة تنطلق في ظل تعاقب إضرابات الجوع السياسية واعتصامات عائلات المساجين السياسيين، وفي ظل أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أمنية شاملة غير مسبوقة»، من أبرز ملامحها إيقافات وقرارات إحالة إلى المحاكم ضد رجال أعمال بارزين ومسؤولين سابقين في السلطة وزعماء سياسيين ومستقلين وشخصيات حزبية من عدة تيارات.

تعقّد الوضع في تونس بعد التجاذبات السياسية بين السلطة ومعارضيها في أعقاب التصعيد العسكري والسياسي في المشرق العربي يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وعملية «طوفان الأقصى». وتغيّرت التحالفات السياسية بسرعة داخل الأوساط المساندة للسلطة ومعارضيها منذ شملت الاعتقالات والإحالات إلى القضاء عبير موسي، زعيمة «الحزب الدستوري الحر» والقيادية في الحزب الحاكم في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، ورؤساء بنوك وشركات عملاقة بينهم رجل الأعمال الكبير مروان مبروك - صهر بن علي - ومقرّبين منه.

وازداد المشهد غموضاً بعدما صدرت قرارات بتمديد حبس عشرات من المعتقلين بشبهة «التآمر على أمن الدولة» بينهم ضباط سابقون في الأمن وشخصيات مستقلة ووزراء سابقون وقياديون بارزون في حزب النهضة و«جبهة الخلاص الوطني» المعارضة. وشملت أيضا بعض زعامات من اليسار المعتدل والتيار الليبيرالي، ممن كانوا في صدارة المشهد في السلطة والمعارضة بعد منعرج يناير (كانون الثاني) 2011، مثل عصام الشابي زعيم الحزب الجمهوري اليساري - العروبي ورضا بالحاج زعيم حزب «أمل» والمستشار الأبرز للباجي قائد السبسي وأستاذ القانون الدستوري والناشط الحقوقي اليساري وغازي الشواشي الوزير السابق وزعيم حزب التيار الديمقراطي اليساري.

في هذا المناخ تساءل بعض السياسيين والإعلاميين والمراقبين عن «الصبغة الاستثنائية» للمسار الانتخابي والسياسي الحالي، وإن كان سيتوّج فعلاً بتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها خلال سنة.

الاستغناء عن رموز المنظومات القديمة

المشهد السياسي والانتخابي ارتبك أكثر بعد اعتقال زعيمة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي، التي تعدّ من أكثر السياسيين حدة في معارضة الرئيس قيس سعيّد وأنصاره منذ 2019.

هذا التطور طرح نقاط استفهام جديدة داخل النخب التونسية والمراقبين حول المسار الانتخابي والسياسي الجديد، الذي قد يجد معارضة، وكذلك من قبل الموالين للنظام الحاكم قبل 2011 وخصوم أحزاب الإسلام السياسي، على حد تعبير القاضي الإداري السابق والحقوقي أحمد صواب. ولم يستبعد فوزي عبد الرحمن، الوزير السابق والأمين العام السابق لحزب «آفاق» الليبيرالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تؤدي الاعتقالات والتحقيقات القضائية مع شخصيات سياسية وحقوقية ومع بعض كبار رجال الأعمال إلى «إقصاء أبرز أغلب المعارضين، بمن فيهم أكثر الأحزاب اليسارية واليمينية عداء لقيادة حركة النهضة الإسلامية وللأطراف السياسية التي شاركت في حكم البلاد بعد 2011، بزعامة الرئيسين السابقين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي، ورؤساء الحكومات السابقة يوسف الشاهد والحبيب الصيد والمهدي جمعة وإلياس الفخفاخ».

لا وسطاء بين السلطة والشعب

إلا أن المتابع لتطور مواقف قيس سعيّد، قبل انتخابه في أكتوبر 2019 وبعد وصوله إلى قصر قرطاج، يلاحظ أن من بين «الثوابت» بالنسبة إليه التقليل من «دور القوى الوسيطة» بين السلطة والشعب، وفق تصريح للأكاديمي والحقوقي الجامعي شاكر الحوكي لـ«الشرق الأوسط». أما الأكاديمي حمادي الرديسي فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه أعد هو ونخبة من الباحثين في العلوم السياسية دراسات معمقة نشرت في كتابين عن الخطاب السياسي للرئيس سعيّد والمقربين منه ومعارضيه. واستنتج الرديسي ورفاقه أن بين «المسلّمات» بالنسبة إلى سعيّد وأنصاره تجاهل دور المنظمات غير الحكومية والأحزاب والقوى الوسيطة بين السلطة والشعب، على غرار كل الأطراف السياسية اليمينية واليسارية التي تتبنّى منذ القرن الـ19 مقولات «شعبوية».

وفي السياق ذاته، فسّرت الخبيرة في القانون الدستوري سناء بن عاشور «تقليل» قيس سعيّد وأنصاره دور قيادات المنظمات والنقابات والأحزاب النخب الحاكمة والمعارضة، باقتناعهم أنها فشلت في تحقيق التنمية والاستثمار وفي القضاء على البطالة منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956 ثم بعد يناير 2011. وللعلم، كان سعيّد قد اتهم مراراً «كل النُّخَب القديمة» بالفشل والفساد، ووصف السنوات العشر بعد 2011 بـ«عشرية الخراب» و«العشرية السوداء» و«عشرية العبث». وعاد أخيراً إلى توجيه انتقادات لاذعة لهذه النُّخَب بسبب تحالفاتها «المشبوهة» مع قيادات «حركة النهضة» ومع زعيمها راشد الغنوشي «وهي التي نظمت اعتصامات أمام البرلمان في 2013 لإسقاط حكومتهم... وذكر بأنهم كانوا يرفعون شعارات ضده تصفه بـ(السفاح)».

ابراهيم بو دربالة (آ ف ب)

الجمهورية الجديدة

من جهة أخرى، تعيش تونس منذ «القرارات الاستثنائية» الصادرة عن قصر الرئاسة بقرطاج، يوم 25 يوليو (تموز) 2021، ما وصف بحملات «تطهير مؤسسات الدولة والإدارة ووسائل الإعلام».

وحقاً، أعلنت مصادر حكومية وإعلامية تونسية عن إعادة فتح ملفات نحو مائتي ألف موظف في الحكومة وفي قطاعات الأمن والجيش كانوا قد وُظّفوا بعد 2011. في حين ذكر الرئيس سعيّد أن التقارير تفيد بأن نسبة منهم من «حاملي الشهادات المزيفة» أو عينتهم الأحزاب التي كانت تحكم البلاد. وكذلك أعلنت السلطات منذ ذلك التاريخ عن تغييرات شاملة على رأس معظم المؤسسات الرسمية من الحكومة والبرلمان إلى القضاء والإعلام والإدارات الجهوية والمحلية. وحُلّت المجالس البلدية ضمن مسار وصفه أنصار الرئيس بـ«بناء الجمهورية الجديدة».

ومن ثم، ترى المحامية والناشطة الحقوقية دليلة مصدق اعتقال عبير موسي والتحقيق معها ومع بعض أنصارها جاءا «في المسار نفسه الذي بدأ منذ قرارات حل البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء قبل سنتين». وكانت القرارات ذاتها، حسب المحامي اليساري ووزير حقوق الإنسان سابقا العياشي الهمامي، قد مهّدت منذ فبراير (شباط) الماضي لحملات الاعتقالات والمحاكمات والتحقيقات الأمنية والقضائية مع رجال أعمال وإداريين متهمين بالفساد ومع سياسيين معارضين من أحزاب اليمين واليسار، ضمن «أكثر من 10 ملفات تآمر على أمن الدولة».

ولقد فسّر المسار رئيس «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة المحامي أحمد نجيب الشابي والناشط الحقوقي اليساري عز الدين الحزقي، خلال مؤتمر صحافي، بوجود «إرادة لطي صفحة كل النخب القديمة» و«المعارضين السياسيين القدامى»، تأهباً لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة في أكتوبر 2024. والتمهيد لذلك بانتخاب «الغرفة الثانية للبرلمان» في ظروف مواتية لفوز الرئيس سعيّد ومرشحيه بسبب مقاطعة المعارضين للانتخابات أو انشغالهم بقضاياهم لدى المحاكم.

إعادة تموقع

في سياق متصل، افتتحت الدورة الجديدة للغرفة الأولى للبرلمان الذي بدأ أشغاله في مارس (آذار) الماضي. وأعلن إبراهيم بودربالة رئيس البرلمان بالمناسبة أن «المشهد السياسي الديمقراطي سوف يكتمل بعد الانتخابات المقررة انطلاقا من يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) للمجالس المحلية والجهوية والإقليمية ثم للغرفة الثانية للبرلمان».

بودربالة قلل من قيمة المعارضين في المشهد السياسي والانتخابي الحالي، ومن منتقدي «خريطة الطريق السياسية للرئيس قيس سعيّد».

إلا أن تقريراً تفصيلياً أصدره قبل أيام مرصد «رقابة»، المتخصص في مراقبة عمل مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد الذي يرأسه الوزير والمستشار السابق في قصر قرطاج عماد الدايمي، وصف حصيلة «البرلمان الجديد» بالسلبية جداً. وعدّ هذا التقرير أن ضعف نسبة المشاركة في انتخاب البرلمان الحالي، التي كانت في حدود 11 في المائة حسب الأرقام الرسمية، حد من فرص نجاحه. ويرى الدايمي أيضاً أن البرلمان عجز عن لعب دور كبير لعدة أسباب؛ من بينها «ضعف الصلاحيات التي أسندت إليه... التي جعلت منه مجرد مؤسسة لتزكية قرارات السلطة التنفيذية ليس لها أي دور رقابي».

العملية الانتخابية بدأت

في هذه الأثناء، أورد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا للانتخابات، بعد جلسات عمل في قصر قرطاج مع الرئيس سعيّد، أن «انتخاب الغرفة الثانية للبرلمان والمجالس المحلية والجهوية والإقليمية خيار لا رجعة عنه». وذهب نائب رئيس هيئة الانتخابات التليلي المنصري أبعد من ذلك، فعدّ أن «العملية الانتخابية الجديدة انطلقت في مستوى الأعمال التحضيرية والإعلامية والترتيبية». وذكر أن نسبة تفاعل الشعب مع الاستشارات والومضات التي تنظمها هيئة الانتخابات تبشر بمشاركة كبيرة في الانتخابات المقبلة وفي المسار السياسي الجديد، خاصة «أن الاقتراع سيكون هذه المرة على المستوى المحلي وسيشمل أكثر من ألفي مقعد».

وفي حين توقع أحمد شفطر، «كبير المفسرين» للمشروع السياسي للرئيس سعيّد، في تصريحات إعلامية، «إعادة تموقع» كثير من السياسيين والأطراف السياسية بهدف الفوز بمقاعد في الانتخابات المقبلة ومحاولة التأثير في قرارات السلطات، قال زهير المغزاوي، أمين عام حزب «حركة الشعب» العروبية - الذي شكل أبرز كتلة فازت في انتخابات الغرفة الأولى للبرلمان العام الماضي - إن حزبه يتوقع مشاركة ضعيفة في الانتخابات المقبلة لأسباب عديدة بينها انشغال الشعب بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية وتدهور المقدرة الشرائية ونقص مواد أساسية كثيرة في الأسواق. وأما بدر الدين القمودي، البرلماني والقيادي في الحزب نفسه، فقال إن المجلس الوطني لحزبهم المنعقد قبل أيام «ناشد رئيس الدولة تأجيل موعد انتخابات 24 ديسمبر (كانون الأول) بسبب عدم توفر كل الظروف الملائمة لتنظيمها ونجاحها». غير أن الحزب لم يساند مطالب تحالف «الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والتقدمية التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة والبدء بتنقية المناخ السياسي، والإفراج عن كل المعتقلين في قضايا ذات صبغة سياسية». وللعلم، يضم هذا التحالف أحزابا يسارية معارضة لمسار 25 يوليو 2021 بزعامة حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال الشيوعي، الذي انتقد بدوره «تضخم عدد المساجين السياسيين».

وفي المقابل، عقّب وزير الداخلية كمال الفقي على هذه التصريحات وغيرها بأن نفى جملة وتفصيلا وجود سجناء سياسيين في تونس. ووصف كل الموقوفين من بين الشخصيات الاعتبارية بكونهم من المعتقلين في قضايا حق عام على ذمة النيابة العمومية. وتعهد وزير الداخلية بأن يتضح مصير هؤلاء المساجين بعد أن تتثبت النيابة العمومية في الشبهات الموجهة إليهم ومنها «التآمر على أمن الدولة والتخابر مع دبلوماسيين أجانب والضلوع في قضايا إرهابية».

الجبهة الداخلية

في هذا المناخ العام، يتساءل كثيرون عن إمكانية نجاح صناع القرار في أعلى هرم السلطة بالمضي في تنفيذ الطور الأخير من «خريطة الطريق السياسية» المعلن عنها في سبتمبر (أيلول) 2021، أي انتخاب «الغرفة الثانية للبرلمان» ثم الإعداد للانتخابات الرئاسية المقررة لشهر أكتوبر من العام المقبل.

بعض الساسة، بينهم معارضون سابقون، مثل الحقوقي محمد القوماني والزعيم النقابي والسياسي اليساري العروبي أحمد الكحلاوي، يعدون الرئيس سعيّد وأنصاره كسبوا المعركة السياسية مع خصومهم، واستفادوا من انقسامات المعارضة وملفات الفساد داخلها وداخل بعض النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وتوقّع القوماني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن نجاح الرئيس وفريقه «في إعادة رسم المشهد السياسي» يزيد إضعاف النقابات وأحزاب المعارضة بكل ألوانها وتوجهاتها. لكن القوماني، الذي كان من بين المقرّبين إلى قيس سعيّد قبل انتخابات 2019، عدّ أن من بين المبادرات التي يجب أن تقوم بها مؤسسة الرئاسة في تونس «تنقية المناخ السياسي وطنياً، وكذلك الجبهة الداخلية، وتحسين القدرة الشرائية والأوضاع المالية للإجراء والطبقات الشعبية، خاصة في هذه المرحلة التي تعاقبت فيها مؤشرات تأزم علاقاتها ببعض شركائها في أوروبا وفي المنطقة».

وأخيراً، يظل التحدي الأكبر، حسب المستشار الجبائي والخبير الاقتصادي شكري الحيدري هو «تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وتطوير شراكات تونس مع محيطها المغاربي والأفريقي والأورومتوسطي. وذلك لأن كل التوازنات السياسية والتغييرات في المشهدين الإعلامي والسياسي، وفي تركيبة المؤسسات المنتخبة، ستبقى محدودة التأثير ما لم تتحقق التوازنات المالية للدولة وللأسرة ولملايين من الأجراء وأبناء الطبقات الشعبية والشباب ممن يحلمون منذ عقود بتحسين أوضاعهم وأوضاع بلدهم».

عبير موسي (رويترز)

«ورقة رجال الأعمال» ترجح كفة سعيّد في الانتخابات

> يتابع الرئيس التونسي قيس سعيّد والمقربون منه حملة انتخابية رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها، وترفع «الحملة» شعارات عديدة زادت من شعبيتهم داخل الأوساط الشعبية، حسب أغلب مراكز استطلاعات الرأي التونسية والأوروبية.

أبرز هذه الشعارات مضاعفة الضغوط على كبار رجال الأعمال وأرباب البنوك وأصحاب المؤسسات السياحية والمالية، الذين استفادوا من تسهيلات ومساعدات كبيرة من الدولة والبنوك، وحققوا أرباحاً خيالية من دون أن يدفعوا الضرائب المتوجبة، وبعض هؤلاء لم يسدد جانبا كبيراً من قروض بالمليارات حصل عليها من البنوك العمومية ومن مؤسسات حكومية.

الرئيس سعيّد قدّر ديون الدولة لدى كبار رجال الأعمال بأكثر من 13 مليار دولار أميركي، أي نحو 40 مليار دينار تونسي. في حين قدر بعض المقربين منه الديون التي لم يسددها كبار الأثرياء بعشرات المليارات.

وبخلاف السياسة التي اعتمدها سعيّد والمقربون منه منذ 2019، عندما كانوا يكتفون بمناشدة كبار رجال الأعمال تسوية أوضاعهم مع مصالح الضرائب والجمارك والصناديق الاجتماعية، وتسديد ديونهم التي تقدر بالمليارات، انطلقت أخيراً موجة من الإيقافات والتتبعات القضائية ضد بعض كبار الأثرياء، من بينهم بعض أصهار الرئيس السابق بن علي المتهمين بالحصول على قروض ضخمة من البنوك التونسية - قبل 2011 وبعدها - من دون ضمانات.

وبعدما بدأت بالفعل عمليات المداهمة لعدد من البنوك وكبريات الشركات، وافق عشرات رجال الأعمال على التفاوض مع السلطات حول صلح جبائي ومالي لينقذهم من المصادرة والسجون.

هذه الورقة قد تكون مربحة جداً الآن، وستوفر للحكومة جانبا كبيراً من حاجاتها المالية التي تراكمت إثر فشل مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والصناديق الأفريقية والعربية والإسلامية والأوروبية. وحقاً، تقول السلطات إنها نجحت في إبعاد عشرات القضاة المتهمين بالفساد والرشوة، ومنهم مَن أجهض بعد 2011 محاولات استرجاع «الأموال المنهوبة» من قبل رجال الأعمال المتورطين في الرشوة والفساد والقروض بلا ضمانات.

وبالتالي، ثمة من يتساءل الآن حول موقف المحاكم، وما إذا كانت ستقف بقوة مع السلطات في المعركة الجديدة ضد الذين أثروا بطرق غير مشروعة، والمتهربين الضريبيين و«أباطرة» التهريب... أم لا.

المتابعون يرون أن كل «السيناريوهات» واردة في بلد يرفع منذ أكثر من 30 سنة شعارات مكافحة التهريب وضرب السوق السوداء والتهرب من الضرائب، لكنه شهد في عهد كل الحكومات مصالحات خلف الكواليس... وزيجات مصلحة بين السياسيين والمال الفاسد.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».