السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض
TT

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

لا يوجد مرشح بين كوكبة المرشحين الرئاسيين الأميركيين عن الحزب الجمهوري مثل تيم سكوت (57 سنة)، السيناتور الأسود عن ولاية ساوث كارولينا، والمرشح الأسود الوحيد الحالي في حلبة انتخابات 2024، التي يَبرز فيها الرئيس السابق دونالد ترمب. سكوت سليل أسرة من العبيد المحرَّرين، والابن الثاني لأم مطلقة، عزَبٌ، ولا يعاقر الكحول. وقد بدأ مشواره العملي بائع تأمين، وعاش حياة صعبة قبل نجاحه الفريد في اقتحام عالم السياسة، ثم إنه شهد في المتاجر، وعلى الطرق، والإنترنت، وحتى في مبنى «الكابيتول» بالولايات المتحدة نفسها، التفرقة العنصرية، لكنه مع ذلك كان دائماً راضياً ومتفائلاً، بل ربما يكون السياسي البارز الوحيد الذي لا يرى في البلاد عنصرية، ولا يعدّ نفسه ضحية لها. ومن أقواله «أميركا ليست دولة عنصرية... في أميركا فقط يمكن لقصتي أن تستمر بالطريقة التي ظهرت بها». هذه رسالة قد تفيد الآن محاولته الرئاسية، لكن مع استبعاد أن تنجح في إقناع الناخبين الجمهوريين في اختياره، لعلّه يراهن على تغيرٍ ما في المدى البعيد.

تيم سكوت هو، اليوم، السيناتور الجمهوري الأسود الوحيد في «مجلس الشيوخ الأميركي»، والشخص الأسود الوحيد الذي خدم على الإطلاق في مجلسي «الكونغرس»، هو واحد من 11 شخصاً أسود فقط في تاريخ البلاد، نالوا عضوية «مجلس الشيوخ»، وواحد من ثلاثة فقط (إلى جانب الديمقراطييْن كوري بوكر ورافائيل وارنوك) أعضاء حالياً في هذا المجلس.

الجدير بالذكر أن سكوت هو أيضاً أول جمهوري أسود يُنتخب لمنصب سياسي في ولاية ساوث كارولينا. وكان عام 1996، قد تحدّى عضو مجلس شيوخ الولاية؛ وهو الديمقراطي روبرت فورد، الذي كان يعمل لدى مارتن لوثر كينغ «الابن»، واعتُقل 73 مرة خلال حركة الحقوق المدنية، لكنه خسر أمامه بفارق كبير (35 في المائة مقابل 65 في المائة)، وكان قريباً من السيناتور التاريخي الراحل ستروم ثورموند؛ أحد دعاة الفصل العنصري، في «مجلس الشيوخ» عام 1996. وحول علاقته السياسية بثورموند أوضح سكوت، ذات مرة: «إن الناس يغيّرون رأيهم».

خطواته السياسية

بعد ذلك تقلّب سكوت في عدد من المواقع السياسية الصغيرة على مستوى مدينته تشارلستون (حتى عام 2009)، أو على مستوى الولاية؛ حيث انتُخب عضواً في مجلس نوابها (بين 2009 و2011). وللعلم، في دورة عام 2010 التي حدّدها «حزب الشاي» - الجناح المحافظ في «الحزب الجمهوري» - في منطقة ثلاثةُ أرباع سكانها من البيض، ترشّح سكوت وتغلّب على بول ثورموند (أصغر أبناء ستروم ثورموند في الانتخابات التمهيدية). وبدعم من سارة بالين وكيفن مكارثي وإريك كانتور، أصبح سكوت رسمياً عام 2011 أول جمهوري أسود يُنتخب لعضوية «مجلس النواب الأميركي» منذ عام 1897.

بعدها، صادقت نيكي هيلي - التي كانت آنذاك حاكمة الولاية والمرشحة الرئاسية الحالية - على تعيين سكوت، بعد انتخابات خاصة، عضواً في «مجلس الشيوخ الأميركي» عام 2014؛ وذلك لملء مقعد السيناتور جيم ديمينت، الذي استقال لتولّي رئاسة مركز «هيريتيدج فاونديشن»؛ أحد أبرز مراكز أبحاث اليمين المحافظ الأميركية. ولاحقاً، انتُخب عام 2016 لولاية كاملة، وأُعيد انتخابه عام 2022، غير أن أبرز تجليات طموحه السياسي كانت، في 12 أبريل (نيسان) الماضي 2023، عندما شكَّل سكوت لجنة استكشافية تشكل الإعلان الفعلي عن ترشحه للانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري لعام 2024. وحقاً، قدَّم أوراق ترشحه إلى «لجنة الانتخابات الفيدرالية»، يوم 19 مايو (أيار)، وأعلن ترشحه رسمياً بعد 3 أيام.

النشأة والمسيرة

بعد نحو 150 سنة من جلب أسلافه المستعبَدين إلى ساوث كارولينا، وُلد تيموثي يوجين سكوت، في الضاحية الشمالية من مدينة تشارلستون يوم 19 سبتمبر (أيلول) 1965. وكان في السابعة من عمره عندما وقع الطلاق بين والديه، وانتقل في سن السابعة للعيش مع أمه - التي كانت تعمل مساعِدة ممرضة - وشقيقه الأكبر في بيت جدّه لأمه في بيئة فقيرة متواضعة. وفي ذلك البيت تقاسم مع أمه وشقيقه، الذي أصبح فيما بعد رقيباً أول في الجيش، غرفة بسرير واحد. أما الجد فما كان يجيد القراءة والكتابة؛ لكونه ترك المدرسة في الصف الثالث، ليعمل في جمع القطن مقابل 50 سنتاً في اليوم، لكنه مع ذلك كان متابعاً نهماً لما يُنشَر في الصحف اليومية.

معجزة الأسود على بطاقة الاقتراع

أيضاً، كان تيم الصغير وجدّه شغوفين بالمصارعة المحترفة في منتصف السبعينيات، وشجّعا هيوستن هاريس، الذي كان يحمل اسم «بوبو برازيل»، وهو أول رجل أسود في «تحالف المصارعة الوطني». وكتب سكوت، حينها: «لقد ساعدَنا نجاحه على رؤية العالم الذي كان جدّي يسعى من أجله، وأنه يمكننا فعل المزيد. يمكننا أن نتقدم أكثر».

وفي عام 2008، عندما ترشّح وفاز بمقعد في مجلس الولاية المحلي، كان قد اصطحب جده للتصويت في الانتخابات الرئاسية، ذلك العام. غير أن الجد لم يتمكن من قراءة بطاقة الاقتراع، فأشار إلى اسم باراك أوباما. وبينما كان يقوده إلى المنزل، نظر إلى جده، الذي كانت الدموع تنهمر على وجهه. وقال جده: «تيمي، المعجزة ليست في فوزه أم لا... المعجزة هي أنه على ورقة الاقتراع!... تيمي، لأكثر من نصف حياتي، لم يكن يُسمَح لي بالتصويت».

وبضفته طالباً جديداً في مدرسة «آر بي ستال» الثانوية، في شمال تشارلستون، فشل تيم سكوت في مواد اللغة الإنجليزية واللغة الإسبانية والجغرافيا والتربية المدنية، وهو ما فرض على أمه إرساله إلى مدرسة صيفية، كما فرض عليه البحث عن عمل ليدفع مصاريفها.

وقبل سنته الأخيرة الدراسية، في أواخر أغسطس (آب) من عام 1982، غفا سكوت أثناء قيادته سيارة أمه، فانقلب بالسيارة وكُسر كاحله، وتعرَّض لإصابة في ظهره، ما قلّل من اهتمام الجامعات الكبرى به بوصفه لاعب كرة قدم، ومن ثم كانت وظيفته الأولى في دار سينما محلية، ليفرقع الفشار «البوب كورن». وفي فترات الاستراحة كان يذهب إلى محل الوجبات السريعة «شيك- فيل-إيه» القريب، ويطلب دائماً الوجبة نفسها، بطاطا مقلية وماء؛ لأنه كان الشيء الوحيد الذي يمكنه تحمُّل تكلفته.

يومذاك، لاحظه مالك المحل، وهو رجل أبيض محافظ يُدعى جون مونيز. وسرعان ما صار مونيز مرشداً له وقدوة غيّر مسار حياته، وكان ينقل له «مبادئ الأعمال المحافظة»... وحول هذه المحطة من مسيرته يقول سكوت: «لقد مكّنني من أن أفكر في طريقي للخروج من هذا الفقر». وحقاً، رغم العوز واضطراره للعمل من أجل الإنفاق على ضرورات الحياة، بدأ مسيرته مع التعليم العالي، فالتحق، عام 1988، بالكلية المعمدانية في تشارلستون، مستفيداً من منحة رياضية، إلا أنه لم يبق في الكلية سوى سنة واحدة انتقل بعدها إلى جامعة تشارلستون سوذرن (وهي أيضاً تتبع الكنيسة المعمدانية البروتستانتية، حيث تخرَّج بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

بعد ذلك، بدأ سكوت بيع التأمين، وبرزت قدراته بوصفه رجل أعمال، بعدما أسّس شركة عقارية، لديها اليوم 3 آلاف عميل، كما أنه لم ينس - وهو العزَب حتى هذه اللحظة - شراء منزل لوالدته. ولكن، عودةً إلى السياسة، فإنه يقول، في كتاب نشره عام 2022، إنه همس لنفسه، ذات ليلة، وهو في السرير: «الرئيس تيم سكوت»، ثم قال لصديق له: «أنا سأفعل ذلك... سأترشح للرئاسة».

وتابع: «في بعض الأحيان كنت أتلقى رسائل مليئة بالكراهية مع إهانات عنصرية، هي معلّقة الآن على خزانتي». ويضيف: «وأحياناً شعرت بمزيد من العنصرية... حتى من أصدقائي السود»، الذين أطلقوا عليه اسم «أوريو» (على اسم البسكويت الشهير الأسود المحشو بكِريما بيضاء). وتفسيره لذلك «لأنني لم أكن أحقق توقعات التفكير الجماعي داخل المدرسة».

أيضاً كتب سكوت عن تعرضه للتوقيف من قِبل رجال الشرطة، أكثر من 20 مرة، خلال 20 سنة، شارحاً «لم يُوقفوني لأنني تجاوزت الحد الأقصى للسرعة، بل لكوني أسود». وفي السياق نفسه ذكر أن شرطة «الكابيتول»، بدورها، أوقفته 5 مرات بينما كان في طريقه إلى مبنى «الكابيتول» للإدلاء بصوته... «وفي كل مرة، بعد أن أُظهِر للضابط أوراق اعتمادي، كانوا يعتقلونني. وفي كل مرة، كان عليّ أن أطلب من زملائي البيض التعريف عني».

لا يرى عنصرية في أميركا ولا يعدّ نفسه ضحية

ترمب ليس عنصرياً

بعد إطلاق النار على كنيسة الأم إيمانويل، في مدينته تشارلستون عام 2015، انضمّ سكوت إلى نيكي هيلي في دعم إزالة علم الكونفدرالية من مبنى «الكابيتول» بالولاية. وقال يومذاك، في بيان: «لا أعتقد أن الغالبية العظمى من أولئك الذين يدعمون العلم، لديهم كراهية في قلوبهم، لكن من الواضح أن هذه هي الخطوة الصحيحة إلى الأمام، بالنسبة لولايتنا».

أيضاً إبان الأحداث التي أعقبت تجمّع العنصريين البيض في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، صيف 2017، انزعج من تعليق للرئيس السابق دونالد ترمب، بأنه «كان هناك أشخاص طيبون على كلا الجانبين»، فقال «أعتقد أن الرئيس قد تخلّى هنا عن سلطته الأخلاقية للقيادة». إلا أنه حين سئل، فيما بعد، عمّا إذا كان يؤمن بأن ترمب عنصري، أجاب «لا أعتقد، هل هو غير حساس عنصرياً؟ نعم... لكن هل هو عنصري؟ لا». ثم، في مقابلة مع الإعلامي اليميني شون هانيتي، على محطة «فوكس نيوز»، قال: «ربما لا توجد خلافات كثيرة معه على الإطلاق. أنا ممتنّ جداً لوجود ترمب في منصبه».

وكتب، في كتابه: «لا يهمُّني لمَن صوَّتَّ أو ما رأيك في انتخابات 2020، لكن ما حدث في 6 يناير (كانون الثاني) كان خطأ». ومع ذلك فهو لم يلُم ترمب، على وجه التحديد، واكتفى بوصف ذلك التمرد بـ«أن هذا اليوم المأساوي - على حد تعبيره - كان تتويجاً لداء أفراد اتخذوا خيارات سيئة».

مواقف مختلفة

اجتماعياً، يصف تيم سكوت نفسه بأنه «مؤيد للحياة، ومعارض صريح للإجهاض». وخلال مقابلة عام 2023، قال إنه سيوقّع على قانون حظر الإجهاض الفيدرالي لمدة 20 أسبوعاً، إذا ما انتُخب رئيساً. بيد أنه تهرَّب من الأسئلة حول ما إذا كان يؤيد حظر الإجهاض لمدة 6 أسابيع، وهي القضية التي تقسِّم المرشحين الجمهوريين وتُحرجهم في مواجهة تنامي الرفض الوطني لتقييد الإجهاض، حتى في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون.

أيضاً يعارض سكوت زواج المثليين، وكان قد صوّتَ ضد قانون احترام الزواج لعام 2022، الذي ينصّ على الاعتراف القانوني الفيدرالي بزواج المثليين. وفي المناظرة الجمهورية الأولى، التي أُجريت الشهر الماضي، قال «إذا جعلك الله رجلاً، فأنت تلعب الرياضة ضد الرجال».

وفي موضوع الهجرة، يدعم سكوت تشديد العقوبات على أصحاب العمل الذين يشغِّلون مهاجرين غير شرعيين عن علم. ويدعم تعزيز «الاستيعاب الثقافي»، من خلال جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية، وتعليمها للمهاجرين الجدد.

واستراتيجياً، دعا سكوت، الذي عارض التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، إلى استمرار الوجود العسكري في أفغانستان، وهو يبرر فيقول «لأن الانسحاب المبكر سيفيد تنظيم القاعدة»، ثم إنه ينظر إلى إيران باعتبارها «أخطر دولة في العالم»، ويعتقد أن على الولايات المتحدة مساعدة الجماعات الإيرانية المؤيِّدة للديمقراطية هناك.

وأخيراً، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وردّاً على جهود الصين لشراء شركات التكنولوجيا الأميركية، كان سكوت واحداً من 9 رعاة لمشروع قانون مِن شأنه توسيع قدرة الحكومة الفيدرالية على منع المشتريات الأجنبية للشركات الأميركية، وذلك من خلال تعزيز لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والسماح لها بمراجعة، وربما رفض الاستثمارات الصغيرة، وإضافة عوامل الأمن القومي.

شرطة «الكابيتول» أوقفته 5 مرات وفي كل مرة كان يطلب من زملائه البيض التعريف عنه


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
TT

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)

لم يُفسّر أحد «قلة اكتراث» الشارع الأردني أمام حدثين مهمين على المستوى المحلي: إذ بعد نتائج الانتخابات النيابية التي أُجريت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي وجاءت نتائجها بعكس جميع التوقعات الرسمية، تشكلت حكومة جديدة مُشبعة بمفارقات عدة، بدءاً من اختيار الرئيس، وليس انتهاءً بخريطة التشكيل سياسياً وديموغرافياً وجغرافياً. وحقاً، لم ينشغل أحد سوى الإعلام ونخبه السياسية ببث تحليلات متناقضة بين التبشير ونقص التفاؤل بالمرحلة. إذ يُعتقد وسط النخب أن جبهة المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مقبلة، لا سيما وأن اختيار الفريق الوزاري سبق انعقاد مجلس الأمة ليصادر معه طموحات النواب الحزبيين بأن يكون لهم تأثير في اختيار الوزراء من بوابة «المشاورات» - التي درجت أحياناً ويعتبرها البعض «شكلية»، - الأمر الذي قلّص مساحات نفوذ الأحزاب الطامحة أمام منتسبيها والرأي العام.

اختيار جعفر حسّان رئيساً للحكومة الأردنية الجديدة كان مفاجأة لم تتوقعها الأوساط السياسية؛ كونه «رجل ظل مؤثراً» في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية خلف الكواليس، وذلك من خلال خدمته في فترتين مديراً للمكتب الخاص للعاهل الأردني (الفترة الأولى من 2014 - 2018، والفترة الثانية من عام (2021 - 2024)، بل، حتى وهو وزير في 6 حكومات، عُرف عنه زهده الإعلامي.

المقربون من حسّان يصفونه بأنه حاد الطباع، وإن خفتت هذه الصفة إبّان خدمته الأخيرة بالقصر الملكي. وهو منتظم بالعمل لساعات طويلة لدرجة يرهق معها مَن حوله، ثم أنه محسوب على نخب الاقتصاد أكثر من نخب السياسة، وقريب من تيار ينتمي إلى فكرة الإصلاحات الشاملة في البلاد، وهو التيار الذي أثّر بحسّان خلال فترته الثانية في خدمة الملك عبد الله الثاني.

أشبه بـ«تعديل موسّع»

لم تأتِ حكومة جعفر حسّان التي أدت اليمين الدستورية يوم 18 سبتمبر (أيلول) الحالي بأسماء من خارج صندوق الخيارات التقليدية؛ ما دفع بعض النقاد إلى اعتبار التشكيل أشبه بـ«تعديل موسع» على حكومة بشر الخصاونة، التي استقالت غداة إعلان النتائج النهائية لانتخابات أعضاء مجلس النواب في الجريدة الرسمية. ويأتي ذلك انسجاماً من أعراف أردنية تتعلق بمشاورات مراكز القرار المدنية والأمنية، وحسابات الجغرافيا والمحاصصة.

ولقد تحصّنت حكومة حسّان في تشكيلتها الجديدة بخبرات بيروقراطية وخبرات نيابية ونقابيّة سابقة تأهباً لـ«المواجهة المرتقبة» مع مجلس النواب الذي سيتعامل مع استحقاقين دستوريين في مطلع عهده، هما: مناقشة البيان الحكومي والتصويت على الثقة، واستحقاق مناقشة وإقرار قانون الموازنة العامة المُثقل بأرقام العجز وارتفاع سقوف خدمة المديونية الخارجية والداخلية. وكذلك سيتعامل مع مطالبات نيابية موسمية تُطالب بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ومطالب اقتصادية لم يعد بإمكان الحكومات الاستجابة لها في ظل تنامي أرقام المديونية العامة وعجز الموازنة. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن الرئيس الجديد المعروف عنه اقتصاده في المجاملة سيواجه بنواب عُرف عنهم الإسراف في المطالبات الخدمية.

من جهة ثانية، جاء احتفاظ حسّان بحقائب لعدد من الأصدقاء المقربين منه - وهو واقع استقرت عليه الأعراف السياسية في البلاد من حيث الاستعانة بالمعارف والثقات في اختيار الوزراء - فإنه لم يستطع تجاوز أسماء خلال الـ48 ساعة الماضية التي سبقت إعلان تشكيلة فريقه الوزاري، ولقد خصّ في تشكيلته ثلاثة أحزاب فقط من التي نجحت في الانتخابات الأخيرة.

قراءات أولية يصعب التنبؤ بنتائجها

استدعى جعفر حسّان من الخبرات النيابية السابقة كلاً من: المحامي عبد المنعم العودات، رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس اللجنة القانونية لدورات عدة، ليكون وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية، وخالد البكار، النائب السابق لدورات عدة وعضو مجلس الأعيان وزيراً للعمل، وخير أبو صعيليك، النائب السابق لدورات عدة ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب لدورات عدة وزير دولة لتطوير القطاع العام. كذلك استعان حسّان بمصطفى الرواشدة، عضو مجلس الأعيان وأول نقيب لنقابة المعلمين (المُعطل عملها بموجب قرار قضائي) في البلاد وزيراً للثقافة، والنائب السابق يزن شديفات وزيراً للشباب.

جرى استدعاء هؤلاء في مواجهة مجلس النواب الجديد، بكتله الحزبية الوازنة التي تتقدّمها كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي»، كتلة «المعارضة الحرجة» الممثلة بـ31 مقعداً، إلا أن ما ينقصهم في خبرة العمل الحكومي، قد يعوّضه الوزير العائد والمحسوب على تيار البيروقراط الرسمي المهندس وليد المصري الذي عيّن وزيراً للإدارة المحلية. وكان المصري قد خدم رئيساً لبلدية إربد الكبرى، ثاني أكبر بلديات المملكة، ثم وزيراً في حكومات متعاقبة، ولقد نجح في تفريق جبهات المعارضة النيابية في ملفات عدة أيام مشاركته في حكومات عبد الله النسور، وهاني الملقي وعمر الرزاز خلال السنوات بين 2013 و2019.

وبين الخطوات المهمة كان الإبقاء على أيمن الصفدي، الوزير الأكثر شعبية في الحكومة السابقة بسبب تصريحاته القاسية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة وموقفه المعادي لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، نائباً للرئيس ووزيراً للخارجية، وأيضاً الاستعانة بعضو مجلس الأعيان محمد المومني صاحب لقب «أطول وزراء الإعلام بقاءً»؛ إذ عمل وزيراً خلال السنوات (2013 - 2018) مسجلاً حضوراً لافتاً في عدد من الأحداث الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد، ومعروف عنه دقة تصريحاته، ودبلوماسيته العالية في الإجابة عن أسئلة الصحافيين.

الأحزاب في البرلمان

وكما سبقت الإشارة، جاءت تشكيلة حكومة الرئيس حسّان كـ«أمر واقع» وفق موعد تكليفه، لتتجاوز فكرة المشاورات النيابية الحزبية غير المُلزمة؛ الأمر الذي ترك ظلالاً على فرص تشكيل حكومة «توافقات حزبية». وهذا ما يؤيده مناصرو فكرة منع «حرق المراحل»؛ إذ من المبكّر الذهاب لهذا الخيار في ظل غياب غالبية حزبية مؤثرة نيابياً. وبين المفارقات الرقمية والمحاصصات التقليدية ما يلي:

أولاً- توزّعت جغرافيا اختيار الفريق الحكومي تبعاً للتقاليد المحلية، فحظي شمال المملكة بحصة وازنة من الحقائب، وتمثل الجنوب بخمس حقائب وزارية، وكان للوسط حصة أعلى في الحقائب مما كان له في الحكومة السابقة، وذلك لصالح محافظتي العاصمة والبلقاء، في حين بقيت أرقام «كوتات» الشركس والمسيحيين من دون ارتفاع. وتَسقط هذه الحسابات إلا من جلسات النميمة السياسية في البلاد، بيد أنها لن تؤثر في ارتفاع منسوب النقاش المجتمعي بسبب ابتعاد الأردنيين عن سجالات المحاصصة والجهوية إذا كان أداء الفريق الوزاري جاداً في حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

ثانياً - انخفض عدد النساء في الحكومة الجديدة إلى 5 سيدات، ولقد توزّعن على وزارات السياحة التي أسندت إلى لينا عناب، والتخطيط والتعاون الدولي لزينة طوقان، والتنمية الاجتماعية لوفاء بني مصطفى، والنقل لوسام التهتموني. وبقيت نانسي نمروقة في الحكومة الجديدة، لكن كوزيرة الدولة للشؤون الخارجية بعدما كانت تشغل حقيبة وزارة الدولة للشؤون القانونية في الحكومة السابقة. وفي المقابل، خرجت من الحكومة وزيرة الاستثمار خلود السقّاف، ووزيرة العمل ناديا الروابدة، ووزيرة الثقافة هيفاء النجار.

ثالثاً - أبقت الحكومة الجديدة على وزراء الخارجية أيمن الصفدي، والتربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة، ووزير الداخلية مازن الفراية، ووزير الأشغال ماهر أبو السمن، ووزير المياه رائد أبو السعود، والزراعة خالد حنيفات، والطاقة صالح الخرابشة، والأوقاف محمد الخلايلة، والصحة فراس الهواري، والبيئة خالد الردايدة، إضافة إلى الوزيرات الخمس. في حين انتقلت وزارة الإدارة المحلية من الوزير المخضرم توفيق كريشان إلى وليد المصري، والاتصال الحكومي من مهند مبيّضين إلى محمد المومني، ووزارة المالية من محمد العسعس لأمينها العام عبد الحكيم الشبلي، ووزارة الدولة للشؤون القانونية من نانسي نمروقة إلى فياض القضاة رئيس ديوان التشريع والرأي، ووزارة الدولة لشؤون رئاسة الوزراء من إبراهيم الجازي إلى عبد الله العدوان، ووزارة الدولة من وجيه عزايزة إلى أحمد العبادي، ووزارة الدولة للشؤون الاقتصادية من ناصر شريدة إلى مهند شحادة، ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة من أحمد الهناندة إلى سامي سميرات، والشؤون البرلمانية من حديثة الخريشا إلى عبد المنعم العودات، والعمل من ناديا الروابدة إلى خالد البكار، ووزارة الثقافة من هيفاء النجار إلى مصطفى الرواشدة، ووزارة الصناعة والتجارة من يوسف الشمالي إلى يعرب القضاة.

هذا، وبدلاً من وزير العدل أحمد زيادات دخل الفريق الحكومي بسام التلهوني - وهو الذي غادر ومعه وزير الداخلية السابق سمير مبيضين بتعديل طارئ من حكومة بشر الخصاونة بسبب مخالفتهما شروط وقواعد السلامة العامة المتبعة أثناء انتشار فيروس «كوفيد - 19» -، كما عاد إلى الحكومة وزيراً للاستثمار مثنّى الغرايبة بعد مغادرة خلود السقاف، وللعلم سبق للغرايبة العمل في حكومة عمر الرزاز (2018 - 2020)، وكان قبلها حراكياً نشطاً خلال سنوات الربيع الأردني. ولقد عادت السفيرة الأردنية لدى اليابان لينا عناب إلى موقعها وزيرة للسياحة بدلاً من مكرم القيسي، ويذكر أنها كانت قد استقالت من حكومة الرزاز، ومعها وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، بعد فاجعة وفاة 22 طالباً وطالبة في البحر الميت بسبب الظروف الجوية ومخالفة تعليمات الرحلات المدرسية شتاء عام 2019.

جبهات حكومية مزدحمة المعارك

بناءً على ما سبق؛ من المتوقع أن يكون لحزب «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخّصة في البلاد) فرصة لتحقيق مزيد من الشعبية من خلال مقاعده الـ31 في مجلس النواب العشرين؛ إذ يعتقد أن نواب الحزب سيسعون لتسجيل المواقف مسلحين بملَكة الخطابة ومتجهّزين بقراءات سابقة وتحضير جيد لجداول أعمال الجلسات النيابية الرقابية والتشريعية.

وبالفعل، بدأ استثمار الحزب مبكّراً في حصد الإعجاب الشعبي من خلال مطالباته بمواقف تصعيدية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعوته إلى النزول للشارع بهتافات «تزايد» على الموقف الرسمي الذي حظي باحترام النخب السياسية بعد تقدّمه على عدد من المواقف العربية والدولية، ويتوقع أن يواصل نواب الحركة الإسلامية حصد المزيد من الشعبية على حساب موقع الحكومة المحاصرة بمحدّدات لا يمكن تجاوزها. ومن ثم، يتوقّع مراقبون أن تكون «عقدة المواجهة» المنتظرة بين نواب الحركة الإسلامية والحكومة هي مسألة نقابة المعلمين التي جمّد القضاء أعمالها منذ عام 2018، وجرى توقيف نقيبها وأعضاء من مجلسها، وهذا النقيب هو اليوم نائب فاز عن مقاعد الدائرة الحزبية المخصصة للأحزاب، وهو شخصية شاغبت كثيراً في ملف نقابة المعلمين وتعرّضت للتوقيف مرات عدة.

الإسلاميون... ومفاجأة الرسميين

> جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة «صادمة» لمراكز القرار السياسي في الأردن، وبالأخص بعد الكشف عن «زيف» بعض الدراسات والاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات مجتمع مدني روّجت لقراءات داخلية تتعارض مع الواقع الذي ظهرت عليه النتائج النهائية. وكانت هذه قد أشارت إلى «محدودية» أصوات الحركة الإسلامية، وتنامي فرص أحزاب محسوبة على الخط الرسمي. لكن نتيجة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» جاءت بما لم يتوقعه أحد في أعقاب حصول مرشحيها على أكثر من 450 ألف صوت من أصل 1.65 مليون من المقترعين. ومقابل ذلك، جاءت نتائج أحزاب «الميثاق» 93680 ألف صوت، و«إرادة» 75121، والحزب الوطني الإسلامي 87519، و«تقدم» 61199، وهذه النتائج على مستوى الدائرة العامة المخصصة للأحزاب. من ناحية أخرى، بعيداً عن التلاوم بين «عرّابي العملية الانتخابية»، فإن قانون الانتخاب الذي أجريت بموجبه الانتخابات الأخيرة صعد بالجميع على الشجرة، فأمام حقيقة النتائج، فإن أي تعديل على القانون سيكون بمثابة «رِدة» على برنامج التحديث السياسي. وإذا بقي القانون على حاله، فإنه من المقرّر ارتفاع أرقام المقاعد الحزبية في البرلمان المقبل بنسبة 50 في المائة؛ وهو ما سيعني زيادة ضمنية لمقاعد الإسلاميين في المجلس المقبل، وهذا تحدٍ أمام «الدولة العميقة» التي تبحث عن تعدّدية متقاربة الأثر والدور والتنظيم. والحقيقة أن الإسلاميين كانوا مُدركين لحقيقة أرقامهم. فأي قانون انتخاب بصوتين: واحد لدائرة محلية حدودها الإدارية ضيقة وواحد آخر للدائرة العامة (الوطنية) المخصّصة للأحزاب... يعني مضاعفة حصصهم في عدد المقاعد. وهذا مع الوضع في الحسبان أن «مطبخ» إدارة العملية الانتخابية لدى الحركة الإسلامية، ابتعد تماماً عن مزاحمة مرشحيه في الدوائر المحلية، وركّز على «خزّانه التصويتي» في معاقله التاريخية. وهكذا حصل في الدوائر المحلية على 14 مقعداً في عشر دوائر محلية ترشّحوا عنها، وفي الدائرة العامة حصل على 17 مقعداً، مستفيداً من أصوات مجّانية حصل عليها من المحافظات ودوائر البدو المُغلقة ذات الصبغة العشائرية التي كانت تُحسب تاريخياً على المؤسسة الرسمية.