فيفيك راماسوامي صار بين ليلة وضحاها شخصية رئيسية في سباق البيت الأبيض

ملياردير هندي الأصل «يغازل» قاعدة ترمب و«الإيفانجيليين الجدد»

فيفيك راماسوامي صار بين ليلة وضحاها شخصية رئيسية في سباق البيت الأبيض
TT

فيفيك راماسوامي صار بين ليلة وضحاها شخصية رئيسية في سباق البيت الأبيض

فيفيك راماسوامي صار بين ليلة وضحاها شخصية رئيسية في سباق البيت الأبيض

كشفت المناظرة الرئاسية الأولى لمرشحي الحزب الجمهوري الأميركي، التي أجريت في مدينة ميلووكي يوم 23 أغسطس (آب) المنصرم، عن جانب جديد، لكنه «مألوف» في مواسم الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومعلوم أنه غالباً ما يحظى الناخبون الأميركيون بفرصة التعرف على شخصيات «مجهولة» ومغمورة، رغم إدراكهم أن مصيرها بعد انتهاء موسم الانتخابات، قد لا يتجاوز محاولة، حجز مقعد أو منصب في الإدارة الجديدة، أو تحقيق شهرة تدفع بأعمالهم التجارية. هكذا وصف فيفيك راماسوامي، المرشح الذي وقف في منتصف المنصة، إلى جانب رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، وثاني أقوى المرشحين في استطلاعات الجمهوريين. وخلال أقل من 24 ساعة من «مهاراته الكلامية» المستفزة لمنافسيه، كان هناك أكثر من مليون عملية بحث على «غوغل» عن اسمه، ما عدا العمليات التي أخطأت في كتابة اسمه، بحسب وسائل الاعلام الأميركية، التي انشغلت هي الأخرى في البحث عن هوية هذا الوافد الجديد.

شبّه المرشح الجمهوري الشاب فيفيك راماسوامي بـ«ترمب» الصغير. ومع أجوبته السريعة وكلامه الذي لا يتوقف قبل إيصال فكرته، جاء التعليق الأكثر تهكماً، على لسان منافسه الجمهوري كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي السابق؛ إذ خاطب مضيفي المناظرة والجمهور قائلاً: «لقد سئمت من الرجل الذي يبدو مثل «تشات جي بي تي» (برنامج تطبيق الذكاء الاصطناعي)».

وحقاً، كان راماسوامي مفعماً بالحيوية ومزعجاً لمنافسيه. ولقي تصفيقاً حاراً في كل مرة أشاد فيها بالرئيس السابق، بعدما تمكن بطريقة غير متوقعة، من الاستحواذ على انتباه منافسيه على منصة المناظرة.

الشاب اليميني المتشدد المتحدر من أصول هندية، أدلى بآراء مثيرة للجدل، تبدأ من استهجانه «تشويه» سياسات تغير المناخ، وانتهاءً باستعداده لزيارة روسيا والتفاوض مع فلاديمير بوتين، عبر تخلي أوكرانيا عن أراضيها وتحاشي ضمها لحلف الـ«ناتو»، مقابل الوعد بإنهاء تحالفه مع زعيم الصين. وبالفعل، استشاط منافسوه غضباً، وسخروا من تعليقاته وآرائه، مواصلين الخطأ في نطق اسمه «فيفيك». ولكن، بحلول صباح اليوم التالي، أصبح راماسوامي فجأة شخصية رئيسية في السباق الجمهوري.

فمن هو هذا الوافد الجديد إلى عالم السياسة الأميركية، بعدما كان حتى وقت قريب، يصف نفسه بأنه «غير سياسي»؟

دعم ترمب عام 2020

قال راماسوامي إنه صوّت لصالح المرشح الرئاسي للحزب الليبرتاري (يمين متشدد) في عام 2004، لكنه لم يصوّت في الانتخابات الرئاسية في 2008 أو 2012 أو 2016. غير انه عام 2020، عاد فدعم وصوت لدونالد ترمب.

ثم في 2021، سجل نفسه «غير منتسب» للتصويت في ولاية أوهايو، لكنه وصف نفسه بأنه جمهوري. ومع ذلك، قدم تبرّعات لكل من الديمقراطيين والجمهوريين؛ إذ قدم عام 2016 تبرّعاً بمبلغ 2700 دولار لحملة دينا غرايسون، المرشحة الديمقراطية للكونغرس في ولاية فلوريدا. وبين عامي 2020 و2023، تبرّع بمبلغ 30 ألف دولار للحزب الجمهوري في أوهايو، حيث فكّر في الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي لعام 2022 في الولاية.

ويوم 21 فبراير (شباط)، تنحى راماسوامي عن منصبه رئيساً لشركة «رويفانت ساينسز»، للتكنولوجيا الحيوية. وفي برنامج «الليلة» مع تاكر كارلسون على محطة «فوكس نيوز» (غادرها لاحقاً ليؤسس موقعاً إخبارياً على الإنترنت)، أعلن ترشحه عن الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة.

«الديانات العلمانية الجديدة»

بدأ راماسوامي حملته مدعياً أن الولايات المتحدة في «أزمة هوية وطنية»، فاقمتها ما أسماها «الديانات العلمانية الجديدة»، مثل التعامل مع وباء «كوفيد - 19» والمناخ و«الآيديولوجية الجنسانية».

أيضاً، انتقد المبادرات البيئية والاجتماعية ومبادرات حوكمة الشركات. وأصدر علناً إقرارات ضريبة الدخل الخاصة به عن 20 سنة، داعياً منافسيه إلى فعل الشيء نفسه (ترمب الذي لا يزال ممتنعاً عن ذلك). ومع ان أموال حملته جاءت بغالبيتها من أمواله الخاصة، فإنها كانت أقل بكثير عن تلك التي جمعها ترمب ورون ديسانتيس. ومع ذلك، تقدم على معظم المرشحين الجمهوريين الأساسيين الآخرين.

من جهة ثانية، سعى راماسوامي إلى جذب الناخبين اليمينيين المسيحيين الإيفانجيليين («الإنجيليون الجدد») والقوميين المسيحيين، وهؤلاء جزء مهم جداً من القاعدة الجمهورية، ويذكر أن بعضهم متردد أو غير راغب في دعم مرشح غير مسيحي وغير أبيض. ولذا؛ لم يتوانَ خلال حملاته الانتخابية ومقابلاته عن انتقاد العلمانية، قائلاً إن الولايات المتحدة أسست على «القيم المسيحية» أو «القيم اليهودية المسيحية»، وأنه يشارك تلك القيم ويؤمن بإله واحد.

قومي... غير اعتذاري!

كذلك، وصف راماسوامي نفسه، بأنه «قومي أميركي غير اعتذاري» وهاجم كثيراً ديسانتيس. ومع أنه «ينافس» دونالد ترمب، تجنب انتقاده بشكل مباشر... لا، بل دعمه قبل المناظرة وخلالها وبعدها، متراجعاً عن الاتهامات التي ساقها ضده، إثر الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021. فقد وصف راماسوامي تصرفات ترمب في ذلك اليوم، بأنها «بغيضة تماماً»، وانتقد مزاعمه عن «الانتخابات المسروقة» في كتابه الثاني «أمة الضحايا». وكتب: «لقد كان يوماً مظلماً للديمقراطية. رفض الخاسر في الانتخابات الأخيرة التنازل عن السباق، وادّعى أن الانتخابات سُرقت، وجمع مئات الملايين من الدولارات من المؤيدين المخلصين، ويفكر في الترشح لمنصب تنفيذي مرة أخرى... أقصد بالطبع دونالد ترمب».

إلا أنه، بعد ذلك، قال: إن حظر حسابات ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، انتهاك للتعديل الدستوري الأول. وبعد توجيه الاتهامات الجنائية الفيدرالية للرئيس السابق هذا العام، وقف راماسوامي معه على الفور، واعداً بالعفو عنه إذا ما انتُخِب رئيساً. وأيضاً وعد بالعفو عن جوليان أسانج وإدوارد سنودن، مقترحاً تسمية روبرت كينيدي «الابن»، المرشح الرئاسي الديمقراطي، مرشحاً محتملاً للجمهوريين لمنصب نائب الرئيس.

الواقع، أنه قد يتوجب على الجمهوريين أن يعتادوا على هذه الظاهرة التي كانت غريبة منذ وقت ليس ببعيد، أي قبل أن يحصل الوافد السياسي الجديد المليونير من جيل الألفية على نتائجه في استطلاعات الرأي.

إذ إن راماسوامي يقترب الآن في استطلاعات الرأي الوطنية من ديسانتيس، الذي تراجعت أرقامه أكثر بعد المناظرة. وهذا بينما تعدّه كثرة من الجمهوريين «دخيلاً آيديولوجياً، وشخصاً يجذب الشعبوية الجديدة عبر الإنترنت.

باختصار، كان بمثابة مغناطيس بشري، سرق المشهد في أول مناظرة بين الجمهوريين.

بطاقة تعريف

ولد فيفيك جاناباثي راماسوامي (38 سنة) يوم 9 أغسطس (آب) 1985، في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو، لأبوين مهاجرين هندوسيين هنديين.

عائلته من البراهمة الهندوس الناطقين باللغة التاميلية في ولاية كيرالا بأقصى جنوب الهند. ووالده، خريج المعهد الوطني للتكنولوجيا في مدينة كاليكوت، عمل مهندساً ومحامي براءات اختراع لشركة «جنرال إلكتريك»، أما والدته فطبيبة نفسانية لكبار السن وخريجة كلية ميسور الهندية الطبية ومعهد الأبحاث. وهو متزوج وأب لولدين.

نشأ فيفيك الصغير في ولاية أوهايو، وغالباً ما كان يرتاد المعبد الهندوسي المحلي في مدينة دايتون مع عائلته، كما أمضى الكثير من إجازاته الصيفية في الهند مع والديه. ووفق سيرته، أثّر كثيراً على آرائه الاجتماعية مدرّس البيانو المسيحي المحافظ، الذي أعطاه دروساً خاصة من المرحلة الابتدائية حتى المدرسة الثانوية.

بعدها التحق راماسوامي بالمدارس العامة حتى الصف الثامن. ثم التحق بمدرسة سانت كزافييه الثانوية في سينسيناتي، وهي مدرسة كاثوليكية تابعة للرهبنة اليسوعية، وتخرج منها بتفوّق في عام 2003.

في عام 2007، تخرّج راماسوامي من جامعة هارفارد بدرجة بكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف في علم الأحياء، واكتسب فيها سمعة بوصفه تحررياً جريئاً وواثقاً من نفسه. كذلك، كان عضواً في اتحاد هارفارد السياسي، وأصبح رئيساً له. وفي لقاء مع صحيفة «هارفارد كريمسون» الجامعية قال إنه يعدّ نفسه مجادلاً يحب المناظرات. أما عملياً، فقد تدرب في صندوق التحوّط «امارانث ادفايزر» وبنك الاستثمار «غولدمان ساكس»، وكتب أطروحته العليا حول الأسئلة الأخلاقية التي أثيرت بعد خلق خلايا بشرية - حيوانية، وحصل على جائزة بودوين العلمية.

"أكثر من مليون عملية بحث عن اسمه على «غوغل» في غضون 24 ساعة..."

15 مليون دولار ... قبل تخرجه

في عام 2011، حصل راماسوامي على منحة دراسات العليا للدراسة في كلية الحقوق المرموقة في جامعة ييل، وحصل منها على الإجازة في الحقوق عام 2013. وخلال مقابلة عام 2023، قال إنه كان عضواً في جمعية المناقشة الفكرية اليهودية «شبتاي» في ييل عندما كان طالب حقوق. وللعلم، بحلول الوقت الذي التحق فيه بجامعة ييل، كان راماسوامي ثرياً بالفعل من خلال مشاركته في الصناعات المالية والأدوية والتكنولوجيا الحيوية. ولقد ذكر في عام 2023 أن ثروته الصافية بلغت قبل تخرّجه في كلية الحقوق، نحو 15 مليون دولار.

قبل ذلك، في عام 2007، شارك راماسوامي مع ترافيس ماي في تأسيس شبكة للتواصل الاجتماعي، لطلاب الجامعات الذين يطمحون إلى إطلاق مشروع تجاري. وبيعت الشركة في عام 2009 إلى مؤسسة «إوينغ ماريون كوفمان». وبين عامي 2007 و2014، كان شريكاً في شركة لإدارة محفظة استثمارات التكنولوجيا الحيوية، وامتلك حصصاً في الكثير من شركات الأدوية الحيوية.

وفي عام 2014، أسس راماسوامي شركته الخاصة «رويفانت ساينسز» للتكنولوجيا الحيوية، في جزيرة برمودا، وهي ملاذ ضريبي، وحصلت على ما يقرب من 100 مليون دولار من رأس المال المبدئي من شركات ومستثمرين آخرين. ولقد تمثلت استراتيجية الشركة في شراء براءات الاختراع من شركات الأدوية الكبرى للأدوية التي لم تكن قد طوّرت بنجاح بعد، ومن ثم طرحها في السوق. وبعدها أنشأت الشركة الكثير من الشركات التابعة، بما في ذلك شركة «شينوفانت» و«سيتوفانت» ومقرّهما الصين، وتركزان على السوق الآسيوية.

 

طموح لا يُحد

في عام 2015، جمع راماسوامي 360 مليون دولار لصالح شركة «إكسوفانت ساينسيز» التابعة لشركته الأم، في محاولة لتسويق عقار «الإنتبيردين» لمرض ألزهايمر، الذي اشترى براءة اختراعه مقابل 5 ملايين دولار، من شركة «غلاكسو سميث كلاين» في ديسمبر (كانون الأول) 2014. وفي عام 2015، ظهر راماسوامي على غلاف مجلة «فوربس»، وصرح بأن شركته «ستحقق أعلى عائد استثماري على الإطلاق في صناعة الأدوية». وقبل بدء التجارب السريرية الجديدة للدواء، صمم طرح اكتتاب عام أولي، ويومها جذبت شركته اهتمام بورصة «وول ستريت»، وجمعت 315 مليون دولار.

في البداية، ارتفعت القيمة السوقية للشركة إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار، على الرغم من أنها في ذلك الوقت، كانت صغيرة لديها ثمانية موظفين فقط، بينهم شقيقه ووالدته. وبعدما حقق أكثر من 37 مليون دولار من المكاسب الرأسمالية من شركته، قال إنها ستكون مثل شركة «بيركشاير هاثاواي» لتطوير الأدوية، واصفاً الدواء بأنه فرصة «هائلة» «يمكن أن تساعد الملايين» من المرضى.

ولكن، بعد أربع تجارب سريرية، أعلنت الشركة في 2017، أن «الإنتبيردين» فشل، وتخلت عنه، لتنخفض قيمة الشركة وتخسر في يوم واحد 75 في المائة من قيمتها، من دون أن يخسر شخصياً لاحتفاظه بحصته في شركته الأم. ولكن كان بين المساهمين الذين خسروا أموالهم الكثير من المستثمرين المؤسسيين، مثل صندوق تقاعد المعلمين في ولاية كاليفورنيا.

راماسوامي، الشاب الطامح دائماً إلى القمة، خاض الكثير من الشراكات والمغامرات التجارية، محققا أرباحاً طائلة؛ إذ قدّرت مجلة «فوربس» ثروته بنحو مليار دولار هذا العام. وأثناء حملته الانتخابية للرئاسة، أطلق على نفسه لقب «العالِم» وتباهى: «لقد طوّرت عدداً من الأدوية». لكن الحقيقة أنه حصل على شهادته الجامعية في علم الأحياء، ولم يكن «عالماً» أبداً، بل نشط في مجال صناعة التكنولوجيا الحيوية، مموِّلاً ورجل أعمال.

 


مقالات ذات صلة

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

الاقتصاد ميدان في توبنغن بألمانيا (رويترز)

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

انكمش الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، للعام الثاني على التوالي في عام 2024، وفقاً للأرقام الأولية الرسمية الصادرة يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الملياردير الأميركي إيلون ماسك (د.ب.أ)

ماسك يصف المفوض الأوروبي السابق بروتون بأنه «طاغية أوروبا»

وصف إيلون ماسك، السبت، المفوض الأوروبي السابق للشؤون الرقمية بأنه «طاغية أوروبا»، في رسائل متوترة جديدة بين الرجلين بشأن دعم ماسك لليمين المتطرف في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية غلق جسر أتاناسيو غيرادوت الدولي بأوامر من رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو (أ.ف.ب)

فنزويلا تغلق حدودها مع كولومبيا قبل تنصيب مادورو

أغلقت فنزويلا حدودها مع كولومبيا متحدثة عن «مؤامرة دولية» قبل ساعات من تنصيب الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثالثة من 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يصل إلى مقر الجمعية الوطنية لحضور حفل تنصيبه (أ.ف.ب)

تنصيب نيكولاس مادورو لولاية رئاسية ثالثة في فنزويلا

أدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اليمين لولاية ثالثة تستمر 6 أعوام، الجمعة، ليبقى في السلطة على الرغم من نزاع استمر 6 أشهر بشأن نتائج انتخابات الرئاسة.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (كاراكاس)

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».