كشفت المناظرة الرئاسية الأولى لمرشحي الحزب الجمهوري الأميركي، التي أجريت في مدينة ميلووكي يوم 23 أغسطس (آب) المنصرم، عن جانب جديد، لكنه «مألوف» في مواسم الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومعلوم أنه غالباً ما يحظى الناخبون الأميركيون بفرصة التعرف على شخصيات «مجهولة» ومغمورة، رغم إدراكهم أن مصيرها بعد انتهاء موسم الانتخابات، قد لا يتجاوز محاولة، حجز مقعد أو منصب في الإدارة الجديدة، أو تحقيق شهرة تدفع بأعمالهم التجارية. هكذا وصف فيفيك راماسوامي، المرشح الذي وقف في منتصف المنصة، إلى جانب رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، وثاني أقوى المرشحين في استطلاعات الجمهوريين. وخلال أقل من 24 ساعة من «مهاراته الكلامية» المستفزة لمنافسيه، كان هناك أكثر من مليون عملية بحث على «غوغل» عن اسمه، ما عدا العمليات التي أخطأت في كتابة اسمه، بحسب وسائل الاعلام الأميركية، التي انشغلت هي الأخرى في البحث عن هوية هذا الوافد الجديد.
شبّه المرشح الجمهوري الشاب فيفيك راماسوامي بـ«ترمب» الصغير. ومع أجوبته السريعة وكلامه الذي لا يتوقف قبل إيصال فكرته، جاء التعليق الأكثر تهكماً، على لسان منافسه الجمهوري كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي السابق؛ إذ خاطب مضيفي المناظرة والجمهور قائلاً: «لقد سئمت من الرجل الذي يبدو مثل «تشات جي بي تي» (برنامج تطبيق الذكاء الاصطناعي)».
وحقاً، كان راماسوامي مفعماً بالحيوية ومزعجاً لمنافسيه. ولقي تصفيقاً حاراً في كل مرة أشاد فيها بالرئيس السابق، بعدما تمكن بطريقة غير متوقعة، من الاستحواذ على انتباه منافسيه على منصة المناظرة.
الشاب اليميني المتشدد المتحدر من أصول هندية، أدلى بآراء مثيرة للجدل، تبدأ من استهجانه «تشويه» سياسات تغير المناخ، وانتهاءً باستعداده لزيارة روسيا والتفاوض مع فلاديمير بوتين، عبر تخلي أوكرانيا عن أراضيها وتحاشي ضمها لحلف الـ«ناتو»، مقابل الوعد بإنهاء تحالفه مع زعيم الصين. وبالفعل، استشاط منافسوه غضباً، وسخروا من تعليقاته وآرائه، مواصلين الخطأ في نطق اسمه «فيفيك». ولكن، بحلول صباح اليوم التالي، أصبح راماسوامي فجأة شخصية رئيسية في السباق الجمهوري.
فمن هو هذا الوافد الجديد إلى عالم السياسة الأميركية، بعدما كان حتى وقت قريب، يصف نفسه بأنه «غير سياسي»؟
دعم ترمب عام 2020
قال راماسوامي إنه صوّت لصالح المرشح الرئاسي للحزب الليبرتاري (يمين متشدد) في عام 2004، لكنه لم يصوّت في الانتخابات الرئاسية في 2008 أو 2012 أو 2016. غير انه عام 2020، عاد فدعم وصوت لدونالد ترمب.
ثم في 2021، سجل نفسه «غير منتسب» للتصويت في ولاية أوهايو، لكنه وصف نفسه بأنه جمهوري. ومع ذلك، قدم تبرّعات لكل من الديمقراطيين والجمهوريين؛ إذ قدم عام 2016 تبرّعاً بمبلغ 2700 دولار لحملة دينا غرايسون، المرشحة الديمقراطية للكونغرس في ولاية فلوريدا. وبين عامي 2020 و2023، تبرّع بمبلغ 30 ألف دولار للحزب الجمهوري في أوهايو، حيث فكّر في الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي لعام 2022 في الولاية.
ويوم 21 فبراير (شباط)، تنحى راماسوامي عن منصبه رئيساً لشركة «رويفانت ساينسز»، للتكنولوجيا الحيوية. وفي برنامج «الليلة» مع تاكر كارلسون على محطة «فوكس نيوز» (غادرها لاحقاً ليؤسس موقعاً إخبارياً على الإنترنت)، أعلن ترشحه عن الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة.
«الديانات العلمانية الجديدة»
بدأ راماسوامي حملته مدعياً أن الولايات المتحدة في «أزمة هوية وطنية»، فاقمتها ما أسماها «الديانات العلمانية الجديدة»، مثل التعامل مع وباء «كوفيد - 19» والمناخ و«الآيديولوجية الجنسانية».
أيضاً، انتقد المبادرات البيئية والاجتماعية ومبادرات حوكمة الشركات. وأصدر علناً إقرارات ضريبة الدخل الخاصة به عن 20 سنة، داعياً منافسيه إلى فعل الشيء نفسه (ترمب الذي لا يزال ممتنعاً عن ذلك). ومع ان أموال حملته جاءت بغالبيتها من أمواله الخاصة، فإنها كانت أقل بكثير عن تلك التي جمعها ترمب ورون ديسانتيس. ومع ذلك، تقدم على معظم المرشحين الجمهوريين الأساسيين الآخرين.
من جهة ثانية، سعى راماسوامي إلى جذب الناخبين اليمينيين المسيحيين الإيفانجيليين («الإنجيليون الجدد») والقوميين المسيحيين، وهؤلاء جزء مهم جداً من القاعدة الجمهورية، ويذكر أن بعضهم متردد أو غير راغب في دعم مرشح غير مسيحي وغير أبيض. ولذا؛ لم يتوانَ خلال حملاته الانتخابية ومقابلاته عن انتقاد العلمانية، قائلاً إن الولايات المتحدة أسست على «القيم المسيحية» أو «القيم اليهودية المسيحية»، وأنه يشارك تلك القيم ويؤمن بإله واحد.
قومي... غير اعتذاري!
كذلك، وصف راماسوامي نفسه، بأنه «قومي أميركي غير اعتذاري» وهاجم كثيراً ديسانتيس. ومع أنه «ينافس» دونالد ترمب، تجنب انتقاده بشكل مباشر... لا، بل دعمه قبل المناظرة وخلالها وبعدها، متراجعاً عن الاتهامات التي ساقها ضده، إثر الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021. فقد وصف راماسوامي تصرفات ترمب في ذلك اليوم، بأنها «بغيضة تماماً»، وانتقد مزاعمه عن «الانتخابات المسروقة» في كتابه الثاني «أمة الضحايا». وكتب: «لقد كان يوماً مظلماً للديمقراطية. رفض الخاسر في الانتخابات الأخيرة التنازل عن السباق، وادّعى أن الانتخابات سُرقت، وجمع مئات الملايين من الدولارات من المؤيدين المخلصين، ويفكر في الترشح لمنصب تنفيذي مرة أخرى... أقصد بالطبع دونالد ترمب».
إلا أنه، بعد ذلك، قال: إن حظر حسابات ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، انتهاك للتعديل الدستوري الأول. وبعد توجيه الاتهامات الجنائية الفيدرالية للرئيس السابق هذا العام، وقف راماسوامي معه على الفور، واعداً بالعفو عنه إذا ما انتُخِب رئيساً. وأيضاً وعد بالعفو عن جوليان أسانج وإدوارد سنودن، مقترحاً تسمية روبرت كينيدي «الابن»، المرشح الرئاسي الديمقراطي، مرشحاً محتملاً للجمهوريين لمنصب نائب الرئيس.
الواقع، أنه قد يتوجب على الجمهوريين أن يعتادوا على هذه الظاهرة التي كانت غريبة منذ وقت ليس ببعيد، أي قبل أن يحصل الوافد السياسي الجديد المليونير من جيل الألفية على نتائجه في استطلاعات الرأي.
إذ إن راماسوامي يقترب الآن في استطلاعات الرأي الوطنية من ديسانتيس، الذي تراجعت أرقامه أكثر بعد المناظرة. وهذا بينما تعدّه كثرة من الجمهوريين «دخيلاً آيديولوجياً، وشخصاً يجذب الشعبوية الجديدة عبر الإنترنت.
باختصار، كان بمثابة مغناطيس بشري، سرق المشهد في أول مناظرة بين الجمهوريين.
بطاقة تعريف
ولد فيفيك جاناباثي راماسوامي (38 سنة) يوم 9 أغسطس (آب) 1985، في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو، لأبوين مهاجرين هندوسيين هنديين.
عائلته من البراهمة الهندوس الناطقين باللغة التاميلية في ولاية كيرالا بأقصى جنوب الهند. ووالده، خريج المعهد الوطني للتكنولوجيا في مدينة كاليكوت، عمل مهندساً ومحامي براءات اختراع لشركة «جنرال إلكتريك»، أما والدته فطبيبة نفسانية لكبار السن وخريجة كلية ميسور الهندية الطبية ومعهد الأبحاث. وهو متزوج وأب لولدين.
نشأ فيفيك الصغير في ولاية أوهايو، وغالباً ما كان يرتاد المعبد الهندوسي المحلي في مدينة دايتون مع عائلته، كما أمضى الكثير من إجازاته الصيفية في الهند مع والديه. ووفق سيرته، أثّر كثيراً على آرائه الاجتماعية مدرّس البيانو المسيحي المحافظ، الذي أعطاه دروساً خاصة من المرحلة الابتدائية حتى المدرسة الثانوية.
بعدها التحق راماسوامي بالمدارس العامة حتى الصف الثامن. ثم التحق بمدرسة سانت كزافييه الثانوية في سينسيناتي، وهي مدرسة كاثوليكية تابعة للرهبنة اليسوعية، وتخرج منها بتفوّق في عام 2003.
في عام 2007، تخرّج راماسوامي من جامعة هارفارد بدرجة بكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف في علم الأحياء، واكتسب فيها سمعة بوصفه تحررياً جريئاً وواثقاً من نفسه. كذلك، كان عضواً في اتحاد هارفارد السياسي، وأصبح رئيساً له. وفي لقاء مع صحيفة «هارفارد كريمسون» الجامعية قال إنه يعدّ نفسه مجادلاً يحب المناظرات. أما عملياً، فقد تدرب في صندوق التحوّط «امارانث ادفايزر» وبنك الاستثمار «غولدمان ساكس»، وكتب أطروحته العليا حول الأسئلة الأخلاقية التي أثيرت بعد خلق خلايا بشرية - حيوانية، وحصل على جائزة بودوين العلمية.
"أكثر من مليون عملية بحث عن اسمه على «غوغل» في غضون 24 ساعة..."
15 مليون دولار ... قبل تخرجه
في عام 2011، حصل راماسوامي على منحة دراسات العليا للدراسة في كلية الحقوق المرموقة في جامعة ييل، وحصل منها على الإجازة في الحقوق عام 2013. وخلال مقابلة عام 2023، قال إنه كان عضواً في جمعية المناقشة الفكرية اليهودية «شبتاي» في ييل عندما كان طالب حقوق. وللعلم، بحلول الوقت الذي التحق فيه بجامعة ييل، كان راماسوامي ثرياً بالفعل من خلال مشاركته في الصناعات المالية والأدوية والتكنولوجيا الحيوية. ولقد ذكر في عام 2023 أن ثروته الصافية بلغت قبل تخرّجه في كلية الحقوق، نحو 15 مليون دولار.
قبل ذلك، في عام 2007، شارك راماسوامي مع ترافيس ماي في تأسيس شبكة للتواصل الاجتماعي، لطلاب الجامعات الذين يطمحون إلى إطلاق مشروع تجاري. وبيعت الشركة في عام 2009 إلى مؤسسة «إوينغ ماريون كوفمان». وبين عامي 2007 و2014، كان شريكاً في شركة لإدارة محفظة استثمارات التكنولوجيا الحيوية، وامتلك حصصاً في الكثير من شركات الأدوية الحيوية.
وفي عام 2014، أسس راماسوامي شركته الخاصة «رويفانت ساينسز» للتكنولوجيا الحيوية، في جزيرة برمودا، وهي ملاذ ضريبي، وحصلت على ما يقرب من 100 مليون دولار من رأس المال المبدئي من شركات ومستثمرين آخرين. ولقد تمثلت استراتيجية الشركة في شراء براءات الاختراع من شركات الأدوية الكبرى للأدوية التي لم تكن قد طوّرت بنجاح بعد، ومن ثم طرحها في السوق. وبعدها أنشأت الشركة الكثير من الشركات التابعة، بما في ذلك شركة «شينوفانت» و«سيتوفانت» ومقرّهما الصين، وتركزان على السوق الآسيوية.
طموح لا يُحد
في عام 2015، جمع راماسوامي 360 مليون دولار لصالح شركة «إكسوفانت ساينسيز» التابعة لشركته الأم، في محاولة لتسويق عقار «الإنتبيردين» لمرض ألزهايمر، الذي اشترى براءة اختراعه مقابل 5 ملايين دولار، من شركة «غلاكسو سميث كلاين» في ديسمبر (كانون الأول) 2014. وفي عام 2015، ظهر راماسوامي على غلاف مجلة «فوربس»، وصرح بأن شركته «ستحقق أعلى عائد استثماري على الإطلاق في صناعة الأدوية». وقبل بدء التجارب السريرية الجديدة للدواء، صمم طرح اكتتاب عام أولي، ويومها جذبت شركته اهتمام بورصة «وول ستريت»، وجمعت 315 مليون دولار.
في البداية، ارتفعت القيمة السوقية للشركة إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار، على الرغم من أنها في ذلك الوقت، كانت صغيرة لديها ثمانية موظفين فقط، بينهم شقيقه ووالدته. وبعدما حقق أكثر من 37 مليون دولار من المكاسب الرأسمالية من شركته، قال إنها ستكون مثل شركة «بيركشاير هاثاواي» لتطوير الأدوية، واصفاً الدواء بأنه فرصة «هائلة» «يمكن أن تساعد الملايين» من المرضى.
ولكن، بعد أربع تجارب سريرية، أعلنت الشركة في 2017، أن «الإنتبيردين» فشل، وتخلت عنه، لتنخفض قيمة الشركة وتخسر في يوم واحد 75 في المائة من قيمتها، من دون أن يخسر شخصياً لاحتفاظه بحصته في شركته الأم. ولكن كان بين المساهمين الذين خسروا أموالهم الكثير من المستثمرين المؤسسيين، مثل صندوق تقاعد المعلمين في ولاية كاليفورنيا.
راماسوامي، الشاب الطامح دائماً إلى القمة، خاض الكثير من الشراكات والمغامرات التجارية، محققا أرباحاً طائلة؛ إذ قدّرت مجلة «فوربس» ثروته بنحو مليار دولار هذا العام. وأثناء حملته الانتخابية للرئاسة، أطلق على نفسه لقب «العالِم» وتباهى: «لقد طوّرت عدداً من الأدوية». لكن الحقيقة أنه حصل على شهادته الجامعية في علم الأحياء، ولم يكن «عالماً» أبداً، بل نشط في مجال صناعة التكنولوجيا الحيوية، مموِّلاً ورجل أعمال.