هل تدعم «المؤسسة السياسية» الديمقراطية ميشيل أوباما لدخول البيت الأبيض؟

وسط المشاكل والانقسامات والشكوك في حظوظ الرئيس الأميركي جو بايدن

هل تدعم «المؤسسة السياسية» الديمقراطية ميشيل أوباما لدخول البيت الأبيض؟
TT

هل تدعم «المؤسسة السياسية» الديمقراطية ميشيل أوباما لدخول البيت الأبيض؟

هل تدعم «المؤسسة السياسية» الديمقراطية ميشيل أوباما لدخول البيت الأبيض؟

في أحوال عادية، كان من الممكن لخبر «عادي» عن سباق الرئاسة الأميركية المقبلة عام 2024، ألّا يثير ضجة كبيرة في خضم كم الأخبار والدراما الناجمة عنها. غير أنه في الأيام الأخيرة، بدا أن تسريب خبر احتمال ترشح السيدة الأولى السابقة، ميشيل أوباما، لتحل محل الرئيس الديمقراطي جو بايدن، قد يحمل صدقية، بل وفي طريقه للتحوّل إلى حقيقة واقعة. ثم سرعان ما تحول هذا «الاحتمال»، إلى مادة تحقيقات وتغطيات تزداد وتيرتها في وسائل الإعلام الأميركية والغربية، «المحايدة» منها و«المنحازة»، على حد سواء. وآخر المنضمين لهذه التغطية، كان محطة «فوكس نيوز»، اليمينية المحسوبة على الجمهوريين، التي تساءلت في برنامج خاص، قبل يومين، عمّا إذا كانت ميشيل أوباما، ستكون هي المرشحة الديمقراطية للرئاسة عام 2024، إذا لم يكن الرئيس بايدن هو المرشح، وذلك في ضوء المشاكل التي تواجهه، ووسط استطلاعات رأي تضعه في منافسة شديدة متقاربة مع المرشح الجمهوري دونالد ترمب، وتشير إلى أن نسبة تأييده تواصل انخفاضها، بسبب سنه (80 سنة) وزلاته وتعثراته المتكررة.

التساؤلات في أروقة واشنطن هذه الأيام، عما إذا كان طرح بعض الجهات اسم ميشيل أوباما لتكون بديلاً عن الرئيس بايدن، إذن لم تأت من فراغ. ولكن، هل اقتربت «المؤسسة السياسية للحزب الديمقراطي» حقاً من تبني ترشحها بوصفه جزءا من خطة وقف «موجة» دونالد ترمب التي لم تتبدد، رغم سيل القضايا الجنائية الخطيرة التي يواجهها، وكان آخرها اتهامه بمحاولة قلب نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا، التي يعتقد أنها الأخطر عليه؟

بطاقة تعريف

ميشيل لافون روبنسون أوباما، المولودة يوم 17 يناير (كانون الثاني) 1964، محامية ومؤلفة، وأصبحت «السيدة الأولى» للولايات المتحدة من 2009 إلى 2017. نشأت في الأحياء الجنوبية من مدينة شيكاغو، وتخرّجت في أرقى المعاهد الأميركية العليا، فحصلت على بكالوريوس آداب (علم اجتماع) بتفوّق من جامعة برينستون، وإجازة الحقوق من كلية الحقوق بجامعة هارفارد.

في بداية مسيرتها القانونية، عملت ميشيل مع قلة من المحامين السود في مكتب سيدلي أوستن الشهير للمحاماة، وهناك قابلت باراك أوباما. وعملت لاحقاً في منظمات غير ربحية، وبصفتها عميدا مشاركا لخدمات الطلاب في جامعة شيكاغو، وكذلك نائب الرئيس للشؤون المجتمعية والخارجية في المركز الطبي بجامعة شيكاغو. تزوّجت من باراك أوباما عام 1992 وأنجبا ابنتين هما ماليا وناتاشا - المعروفة بـ«ساشا».

والدها فريزر روبنسون، كان موظفاً في محطة مياه بمدينة شيكاغو، وتوفي جراء إصابته بمرض التصلّب العصبي الانتشاري، وكان لمعاناته تأثير عميق عليها. أما أمها ماريان شيلدز، فكانت ربة منزل، وبعدما دخلت ميشيل المدرسة الثانوية، عملت بعد ذلك سكرتيرة في متجر كتالوغات.

جذور عائلتي الأب والأم، روبنسون وشيلدز، تعود إلى الأميركيين الأفارقة في ولاية ساوث كارولينا، قبل الحرب الأهلية الأميركية، خلال فترة العبودية. وتذكر ميشيل أنها كانت تخشى كيف ينظر إليها الآخرون، بيد أنها تجاهلت أي سلبية من حولها واستخدمت الظروف غير المساعدة حافزاً للصمود والنجاح والبقاء بعيداً من المشكلات وتحقيق أداء جيد في المدرسة.

ثم إنها تذكر أنها واجهت التمييز بين الجنسين في أثناء نشأتها. وتقول، على سبيل المثال، إنه بدلا من سؤالها عن رأيها في موضوع معين، كان الناس عادة يميلون إلى سؤالها عما يعتقده شقيقها الأكبر. وفيما بعد، قالت إن دخول شقيقها إلى جامعة برينستون العريقة المرموقة، ألهمها الالتحاق بها عام 1981. وبالفعل، درست هناك علم الاجتماع وتخصّصت في الدراسات الأميركية الأفريقية، ونالت بكالوريوس الآداب بتفوق في عام 1985، على أطروحة بعنوان: «برينستون، المتعلمون السود والمجتمع الأسود».

ميشيل تضيف هنا أن بعض معلميها في المدرسة الثانوية حاولوا ثنيها عن التقدم لبرينستون، وحذّروها من «النظر عالياً جداً». وبحسب ما ورد في سيرتها، حاولت والدة زميلتها البيضاء في الغرفة نقلها منها بسبب أصول ميشيل العرقية. وقالت إن وجودها في برينستون، كان المرة الأولى التي أصبحت فيها أكثر وعياً بعِرقها.

ثم إنه، على الرغم من استعداد زملائها في الفصل والمعلمين للتواصل معها، ظلت لفترة تشعر وكأنها «زائرة في الحرم الجامعي». وفضلاً عن التمييز العِرقي، عانت ميشيل أيضاً من التمييز الطبقي الاجتماعي. إذ تقول «أتذكر أنني شعرت بالصدمة من طلاب الجامعات الذين يقودون سيارات (بي إم في»... فأنا لم أكن أعرف حتى آباء يقودون تلك السيارات».

دورها حاسم في حملات زوجها

انخرطت ميشيل في حملة ترشّح زوجها للرئاسة طوال عامي 2007 و2008؛ حيث ألقت خطاباً رئيسياً في المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 2008، وفي مؤتمرات الحزب أعوام 2012 و2016 و2020 ألقت أيضا خطباً لافتة جداً. وبوصفها أول سيدة أولى من أصل أفريقي، نشطت ميشيل أوباما بوصفها نموذجا يحتذى به للمرأة، ومدافعة عن التوعية بالفقر وأهمية التعليم والتغذية والنشاط البدني والأكل الصحي والتصدي للتمييز العنصري. ودعمت المصممين الفنيين الأميركيين وعُدت أيقونة الموضة. وبعد نهاية رئاسة زوجها، ظل تأثيرها كبيراً، وتصدرت عام 2020 استطلاع «غالوب» لأكثر النساء إثارة للإعجاب في أميركا، وذلك للعام الثالث على التوالي.

للعلم، خلال مقابلة معها عام 1996، أقرّت ميشيل أوباما بوجود «احتمال قوي» أن يبدأ زوجها حياته السياسية، لكنها قالت إنها كانت «حذرة» من هذه العملية. وأردفت: إن هذا يعني أن حياتهما ستكون عرضة للتدقيق وكانت شديدة الخصوصية. وعلى الرغم من أنها شاركت في حملات نيابة عن زوجها منذ بداية حياته السياسية وترشّحه لانتخابات مجلس النواب عام 2000، من خلال اللقاءات المباشرة وجمع الأموال، فإنها لم تستمتع بهذا النشاط في البداية. كذلك عارضت ترشحه للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ، وبعد هزيمته في محاولته الأولى، فضّلت أن يراعي الاحتياجات المالية للعائلة بطريقة أكثر عملية، قبل أن تتأقلم مع طموحه وتدعمه.

وبالنسبة لانتخابات الرئاسة، أيضاً كانت لدى ميشيل، في البداية، تحفظات على حملة زوجها بعد إعلانه ترشحه بسبب مخاوفها من تأثير سلبي محتمل على بناتهن. وتذكر أنها تفاوضت معه على اتفاق للإقلاع عن التدخين مقابل دعمها لترشحه. وقالت عن دورها في الحملة الانتخابية لزوجها «وظيفتي ليست كبيرة المستشارين»، لكنها ناقشت خلال الحملة، قضايا العِرق والتعليم باستخدام الأمومة إطار عمل.

في مايو (أيار) 2007، بعد ثلاثة أشهر من إعلان باراك ترشحه للرئاسة، خفضت ميشيل مسؤولياتها المهنية بنسبة 80 في المائة، من أجل دعم حملته الرئاسية. وفي وقت مبكر من الحملة، لعبت دوراً محدوداً، وحضرت مناسبات سياسية يومين فقط في الأسبوع. ولكن بحلول أوائل فبراير (شباط) 2008 زادت مشاركتها بشكل ملحوظ، فحضرت 33 مناسبة في ثمانية أيام. وظهرت في عدة حملات مع أوبرا وينفري، وكتبت خطاباتها الخاصة بالحملة الرئاسية لزوجها، وارتجلت بشكل عام بعض الكلمات والملاحظات.

من جهة أخرى، إبان الحملة، وصف الإعلامي اليميني كال توماس - في قناة «فوكس نيوز» - ميشيل أوباما، بأنها «امرأة سوداء غاضبة»، وسعت مواقع يمينية عدة على شبكة الإنترنت إلى الترويج لهذه الصورة، لكن ميشيل ردت قائلة: «لقد مضت حتى الآن سنوات عدة علينا أنا وباراك ونحن تحت نظر الجمهور، ولقد طورنا جلداً سميكاً على طول الطريق. عندما تشارك في الحملات، فستكون دائماً هناك انتقادات. أنا فقط أتعامل مع الأمر».

وبحلول المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 2008 في أغسطس (آب)، لاحظت وسائل الإعلام أن وجودها في مسار الحملة الانتخابية قد أصبح أكثر ليونة عنه في بداية السباق، مع تركيزها على إثارة المخاوف والتعاطف مع الجمهور بدلاً من إلقاء التحديات عليهم. وحقاً كانت تلك الحملة الرئاسية أول ظهور لميشيل أوباما على الساحة السياسية الوطنية. وقبلها، كانت تعد الأقل شهرة بين زوجات المرشحين.

أكثر الشخصيات شعبية في أميركا

غير أنها في حملة إعادة انتخاب باراك أوباما عام 2012، أصبحت بدءا من عام 2011 أكثر نشاطاً مما كانت عليه في انتخابات 2008.

وبحلول الدورة الانتخابية، كانت قد طوّرت لنفسها صورة عامة أكثر انفتاحا. وعدها بعض المعلقين العنصر الأكثر شعبية في إدارة أوباما، مشيرين إلى أن نسبة شعبيتها في الاستطلاعات، لم تنخفض قط إلى أقل من 60 في المائة منذ دخول زوجها البيت الأبيض. وذهبت مسؤولة بارزة في حملة باراك أوباما أبعد فوصفتها بـ«الشخصية السياسية الأكثر شعبية في أميركا». ولقد كان هذا التقييم الإيجابي مرتبطاً بدورها النشط في حملة إعادة انتخابه، من دون أن يؤدي إلى تشويه شعبيتها، على الرغم من النظرة «الاستقطابية» التي كان يُنظر بها إلى زوجها.

مع هذا، بقدر ما طرحت التساؤلات عن مؤهلات ميشيل أوباما، وبالتالي، عن حظوظها في الظفر بترشيح المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في الصيف المقبل، طرح أيضا العديد من الأسئلة التي تعكس قلق الديمقراطيين من مواجهة مصاعبهم، التي لا تقف عند حدود شخصية مرشحهم، بل وبرنامجهم السياسي المثير للجدل.

إذ إنهم منقسمون بشكل حاد مع الجمهوريين والرأي العام الأميركي، على قضايا تتراوح من الموقف من الاقتصاد وآفاقه، والخلافات الثقافية، والتعامل مع قضايا الجندر والتمييز العنصري والحق في الإجهاض، مروراً بدور المرأة الأميركية ومدى قبول توليها أبرز منصب سياسي في البلاد، - ولا سيما، في ظل تجربة هيلاري كلينتون -،... ووصولا إلى السياسات الخارجية.

ومن نافلة القول، أن هذه قضايا جدية، يزداد انقسام الأميركيين حولها ويتصاعد تململهم من تبعاتها على مستقبل البلاد، في مرحلة توصف بأنها «دقيقة»، في مواجهة المتغيرات العالمية والصراع مع القوى الكبرى، على رأسها الصين، وتداعيات الحرب الأوكرانية. والواضح أن التطرفين «اليميني» و«اليساري»، يزحفان جدياً للهيمنة على «المؤسسة السياسية» في واشنطن، وسط خلافات حادة على الأولويات بين الحزبين. هذا الأمر قد يخلّف آثاراً سلبية، حتى على فرص ميشيل أوباما في أن تكون «رافعة» للديمقراطيين، وسط الشك بقدرتها على الفوز بإجماع، ليس فقط الأميركيين، بل والديمقراطيين أيضاً.

مع هذا، يراهن البعض على أنه إذا أخرج الرئيس بايدن من السباق العام المقبل، بسبب تهم الفساد التي تحيط بعلاقته بابنه هانتر بايدن، أو قرّر بنفسه التنحي وسط ازدياد علامات الضعف العقلي وتراجع معدلات قبوله، فإن السيدة الأولى السابقة فقط، هي التي تتمتع بالاسم المعروف والشعبية الكبيرة... للدخول بديلا في اللحظة الأخيرة.

باختصار، ميشيل أوباما، تظل واحدة من أكثر الأشخاص تمتعاً بالإعجاب في البلاد، وستكون لديها فرصة ممتازة للفوز.

هانتر بايدن

الديمقراطيون متخوفون من مرشح جمهوري شاب

لا تقتصر مخاوف قيادات الحزب الديمقراطي على احتمال أن تؤدي «اتهامات الفساد» التي تطال هانتر بايدن إلى التأثير على قدرة أبيه الرئيس بايدن على مواصلة حملة انتخابية ناجحة، مع العلم أن الجمهوريين لم يقدّموا بعد أي دليل صلب على تربّح الرئيس من المشروعات التجارية لابنه في أوكرانيا والصين. الحقيقة، إن أكثر ما يخشونه هو أن تؤدي إدانة دونالد ترمب، وحرمانه من خوض السباق الرئاسي، إلى نتائج عكسية على بايدن، في حال فاز مرشح جمهوري شاب بالسباق التمهيدي. وهنا يرجّح أن يكون المرشح حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي يحتل المركز الثاني مباشرة في استطلاعات التفضيل لدى الجمهوريين. ولتجنب هذا الاحتمال، بدا أن طرح اسم ميشيل أوباما، وتحضيرها لدخول السباق الرئاسي، بعد انسحاب جو بايدن، وقبل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أمرٌ جديّ. مصادر مطلعة على الطموحات الرئاسية للسيدة الأولى السابقة، تقول إن ميشيل أوباما عضو «المؤسسة السياسية»، ستتوّج بصفتها مرشحة للحزب خلال المؤتمر الوطني، في أغسطس (آب) 2024. وتوقعت هذه المصادر أن ينسحب بايدن من السباق، وينهي فجأة حملته لإعادة انتخابه، في وقت ما خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وحتى صحيفة «التلغراف» البريطانية المحافظة توقّعت في تقرير لها الخميس الماضي، أن السباق الرئاسي سيكون على الأرجح، بين ميشيل أوباما ودونالد ترمب، في حال لم يُدن. ونقلت الصحيفة عن سياسي أجنبي قوله، إن حكومته «تفترض أن بايدن لن يكون المرشح الديمقراطي»، بل سينسحب قبل الانتخابات التمهيدية، بحيث يكون الوقت قد فات لمرشح من القاعدة الشعبية للحزب لدخول السباق وتنظيمه حملة انتخابية ناجحة، لمصلحة مرشحة «المؤسسة» السياسية الديمقراطية، ميشيل أوباما. من جهة ثانية، يرى مطلعون أن ولاية بايدن الأولى، كانت فعلياً «امتداداً» لعهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهي فكرة يُزعم أن أوباما نفسه عززها خلال مقابلة عام 2021، بوصفها سببا وراء احتمال ترجيح ترشح ميشيل أوباما بدلاً من بايدن. إذ قال الرئيس الأسبق في المقابلة «بشكل أساسي... فإن جو والإدارة يكملان المهمة»، مضيفا أن «90 في المائة من الأشخاص» الذين عملوا في إدارته، يعملون تحت إدارة بايدن. وأفاد موقع «رادار أون لاين» سابقاً، بأن أوباما التقى مؤخرا بايدن، وحذره من «نقاط القوة السياسية» لترمب في انتخابات العام المقبل، معرباً له بشكل خاص عن مخاوفه بشأن أرقام استطلاعات الرأي المخيّبة للآمال لبايدن وعمره.

هيلاري كلينتون

أيضاً قال معلّق سياسي الشهر الماضي «أوباما يدرك خطورة الموقف مع أرقام استطلاع جو المخيبة للآمال... كان يأمل في أن يتراجع الرئيس ويتنحى من تلقاء نفسه في هذه المرحلة، لكن الواضح أن هذا لم يحدث». وأضاف المعلّق «مع اقتراب عام 2024 أكثر فأكثر، كان عليه (أي الرئيس أوباما) أن يتصرّف لأنه يخشى ما يبدو من أن يكون جو قد تقدم في السن وبات أضعف من أن يفوز». ورغم نفي ميشيل أوباما، حتى الآن، أن لديها أي نية للترشح للرئاسة، فوفقا لصحيفة «التلغراف»: «عادة ما تكون هذه علامة مؤكدة على أن شخصاً ما مهتم بالأمر». أما فيما يخص نفوذ هانتر بايدن و«تواطؤ» والده المزعوم، فهذا موضوع لا يلوث فقط رئاسة جو بايدن، بل ويلقي أيضاً بظلال كثيفة على «بيت أوباما الأبيض». ومع أن ميشيل لم تكن الرئيسة في حينه، لكن سمعة زوجها وإنجازاته في الصورة. وسيتساءل الناخبون الأميركيون قريباً، ما الذي كان يعرفه الرئيس أوباما حقاً عن أعمال نائبه في ذلك الوقت، ومتى علم بذلك؟ ليس مستبعداً أن ادعاءات «فوكس نيوز» المنحازة للجمهوريين جزء من حملتها الإعلامية «المفهومة» لشيطنة إنجازات الإدارات الديمقراطية. غير أن الأدلة، تشير إلى أن إدارة أوباما، التي طالما وصفت بأنها «خالية من الفضائح»، ربما تكون قد غضّت الطرف عن أنشطة «عائلة بايدن»، أو على الأقل، استثنت نائبه، الرئيس الحالي جو بايدن. هنا تزعم «فوكس نيوز» أن كبار المسؤولين في إدارة أوباما، على رأسهم وزير خارجيته جون كيري، وجايك سوليفان نائب مساعد الرئيس أوباما (آنذاك) ومستشار الأمن القومي الحالي، وعاموس هوكشتين المبعوث الخاص لأوباما والحالي لسياسة الطاقة، كانوا على علم بتعاملات هانتر بايدن، وترى أنه «لا شك بأن أوباما كان يعرف ذلك أيضاً». ومن ثم تتساءل المحطة، عمّا إذا كان هذا هو سبب إحجام أوباما عن تأييد طموحات بايدن الرئاسية عام 2016، ودعمه لهيلاري كلينتون بدلاً منه؟ والمعروف أن ميشيل أوباما، أيّدت هيلاري كلينتون، وألقت عدة خطابات رفيعة المستوى لمصلحتها، بينها كلمتها خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عام 2016 في فيلادلفيا. كذلك ظهرت عدة مرات في حملتها الانتخابية، سواءً في ظهور فردي أو مشترك مع كلينتون. وتنهي «فوكس نيوز» بتساؤل قد يقدّم إجابة عن احتمال وقوفه وراء ترشح ميشيل: هل معرفة باراك أوباما بصفقات شركة بايدن، تفسّر حماسه الفاتر لدعم جو في سباق 2020؟

رون ديسانتيس


مقالات ذات صلة

حزب ميركل يستعد للعودة إلى السلطة بسياسة أكثر يمينية

تحليل إخباري شولتس متحدثاً للإعلام لدى وصوله إلى مقرّ الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأربعاء (أ.ب)

حزب ميركل يستعد للعودة إلى السلطة بسياسة أكثر يمينية

تستعد ألمانيا لتغييرات قد تكون جذرية خصوصاً في سياسات الهجرة بعد الانتخابات المبكرة التي ستجري في البلاد في 23 فبراير (شباط) المقبل.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس يبتسم لوزير الاقتصاد وحماية المناخ بعد إعلان نتائج التصويت على الثقة في مجلس النواب الاثنين (أ.ف.ب)

المستشار الألماني يخسر ثقة النواب في تصويت يمهّد لانتخابات مبكرة

خسر المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين، كما كان متوقعاً ثقة النواب في تصويت أنهى ولايته التي قوّضها انهيار الائتلاف الحكومي، ومهّد الطريق لانتخابات تشريعية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا زورابيشفيلي، الموالية للغرب، رئيسة جورجيا منذ 2018، تقول هي الرئيسة الشرعية وترافض التنحي(ا.ب.أ)

جورجيا تنتخب رئيساً مقرباً من روسيا وسط احتجاجات

تتخبّط جورجيا، الدولة القوقازية، في أزمة منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفاز بها حزب «الحلم الجورجي» الحاكم، وطعنت بنتائجها

«الشرق الأوسط» (تبليسي (جورجيا))
أوروبا آلاف المتظاهرين تجمعوا خارج البرلمان في تبليسي للتظاهر ضد تأجيل مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوم 30 نوفمبر (أ.ف.ب)

مخاوف من تفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب رئيس يميني مقرّب من موسكو ومناهض لأوروبا

تتفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب نواب حزب الحلم الجورجي اليميني المتطرف الحاكم مرشحه ميخائيل كافيلاشفيلي، في عملية انتخابية مثيرة للجدل.

«الشرق الأوسط» (تبليسي)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.