ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

انتعل أول حذاء في الـ 15 من عمره... وخطابه أغرى ملايين الشباب

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»
TT

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»

تمثل كينيا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي تُصنف من جانب العديد من القوى الدولية «نموذجاً جيداً للتطبيق التدريجي للديمقراطية»، وهذا رغم ما تواجهه من تهديدات عرقية وقبلية.

ولكن بالنظر إلى تجاوز كينيا العديد من موجات الاضطراب التي تجتاح منطقة القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا عموماً، تبدو كينيا بالفعل صاحبة تجربة لافتة، ولقد مر مسار التجربة السياسية في كينيا بالعديد من المحطات، من أبرزها:

- ظلت كينيا تحت الاحتلال البريطاني لثمانية عقود، من عام 1895 قبل أن تنال استقلالها عام 1963 بعد ثورة شعبية، وقيادة من حركة التحرير التي عُرفت باسم حركة «الماو ماو» في خمسينات القرن الماضي.

أوهورو كينياتا

- في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1963، أصبح جومو كينياتا أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال. وكان أبرز مساعديه وأركان حكمه أوغينغا أودينغا.

- في عام 1964 أصبحت كينيا دولة جمهورية.

- في عام 2007، شهدت كينيا مصادمات واسعة عقب اتهام مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (يسار معتدل) رايلا أودينغا (ابن أوغينغا أودينغا)، المرشح الفائز بمنصب الرئيس مواي كيباكي بالتزوير، الأمر الذي تسبب في اندلاع مواجهات بين الطرفين استمرت لمدة شهرين، راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص.

- في أواخر فبراير (شباط) 2008، رعت الأمم المتحدة مفاوضات سلام بين الطرفين، بقيادة الأمين العام السابق كوفي عنان، نتج عنها اتفاق لتقاسم السلطة، شغل بموجبه أودينغا منصب رئيس الوزراء، الذي استحدث بغرض تسوية النزاع، كما تضمن اتفاق تقاسم السلطة أجندة إصلاحات واسعة، كان جوهرها الإصلاح الدستوري.

- في أغسطس (آب) 2010، نظّم استفتاء وطني على الدستور الجديد، ووافق عليه غالبية الكينيين، وقد أقر إقامة نظام رئاسي للحكم، لتحقيق مبدأ الفصل والتوازن في توزيع السلطات، وقُسّمت كينيا بموجبه إلى 47 محافظة، يتمتع كل منها بسلطة وموارد كبيرة، ويحكم كل إقليم حاكم منتخب.

- بموجب الدستور الجديد أيضاً، أُلغي منصب رئيس الوزراء، وبات رئيس الجمهورية يشغل منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويجري انتخابه بالاقتراع الشعبي لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، يحق للرئيس الترشح لفترة ثانية.

- طبقت التعديلات الجديدة اعتباراً من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 4 مارس 2013، وفاز بها أوهورو كينياتا، نجل الرئيس المؤسس جومو كينياتا، في الجولة الأولى وبفارق قليل، وأعيد انتخابه في 2017.

- في عام 2018، تصالح كينياتا بشكل مفاجئ وغير متوقع مع خصمه السابق أودينغا، وسعيا طوال سنة كاملة لتغيير الدستور من أجل تمرير ترشح كينياتا لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما رفضه ويليام روتو نائب الرئيس، وعقب الحكم بلا أحقية الرئيس في تعديل الدستور، ارتفعت أسهم روتو في الانتخابات التالية.

- في 5 سبتمبر (أيلول)، وبعد نحو شهر من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 9 أغسطس، أيّدت المحكمة العليا بالإجماع فوز روتو على رايلا أودينغا (77 سنة) ليصبح الرئيس الخامس في تاريخ كينيا بعد الاستقلال.

عندما استقبل الرئيس الكيني ويليام روتو عدداً من القادة الأفارقة المشاركين في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي، التي استضافتها كينيا، لم يتردد في شن هجوم قوي على المؤسسات المالية الدولية. وفيه حمّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤولية أزمة الديون في القارة الأفريقية، وطالب بـ«نظام مالي عادل» للقارة التي تتكبد أعباء الفوائد أكثر من غيرها.

روتو الذي كان يتكلم بحماسة شديدة مستخدماً قدراته الخطابية التي ضمنت له فوزاً صعباً في انتخابات رئاسية احتشدت فيها ضده عائلات سياسية عتيدة، لم يكن يمثل في تلك اللحظات فقط ذلك المرشح الرئاسي الذي اجتذب بخطابه عن «الإصلاح من القاعدة إلى القمة» أصوات الشباب... بل ربما بدا أقرب ما يكون إلى ذلك الشاب الذي كان يبيع الدجاج على طرقات كينيا الفقيرة، حالماً بتغيير واقعه.

أكثر من هذا، لعل الرئيس رأى أن الوقت قد حان ليمدّ حلمه إلى نطاق أوسع في قارة سمراء، تعج بعشرات الملايين من الشباب الذين يحملون الحلم ذاته الذي سكن قلب الشاب ويليام روتو قبل أربعة عقود.

النشأة وبداية المسيرة

من رحم الطفولة الصعبة، بدأت أحلام الشاب الكيني الفقير ويليام روتو، المولود في عام 1966 لأسرة كينية بسيطة من شعب الكالينجين، أكبر الشعوب النيلية في منطقة «الانهدام الكبير» بغرب كينيا.

في تلك الأيام ما كانت الأسرة قادرة على تأمين قوت أطفالها بسهولة، فكان الصغير ويليام يذهب إلى مدرسته حافي القدمين؛ إذ إنه لم يعرف انتعال الحذاء إلا عندما بلغ سن الـ15.

أيضاً اضطر ويليام، في صغره، إلى البحث عن أي وسيلة لتوفير بضعة «شلنات» كينية؛ كي يعين أسرته على تحمّل تكلفة الحياة، فباع الدجاج والفول السوداني على الطرقات المقفرة في المناطق الريفية. وعانى ويليام روتو مبكراً من قسوة الحياة، وأدرك أن تحقيق أحلامه الكبيرة يتطلب كفاحاً أكبر، ومن ثم، كان العمل السياسي هو السبيل الذي اختاره ليحقق أحلام طفولته في السلطة والثروة. كذلك، أتيح له الاهتمام بالدراسة، فتخرّج في جامعة نيروبي، وتابع فيها دراساته العليا.

من ناحية ثانية، في عام 1992، بينما كان روتو في منتصف عقده الثالث، وجد فرصة لاقتحام المعترك السياسي، فانضم إلى الجناح الشبابي لحزب «كانو» الذي يتزعمه رئيس البلاد (آنذاك) دانيال أراب موي، الذي يتشارك مع روتو الانتماء إلى شعب الكالينجين، الذي يشكل ثالث أكبر مجموعة عرقية - قبلية في كينيا.

وبسرعة اكتشف رجال «كانو» القدرات الخطابية الواعدة لذلك الشاب الآتي من الريف، وقدرته على حشد الجماهير، وبخاصة الفقراء الذين جاء من صفوفهم، وهو العالِم بأحلامهم البسيطة، والقادر على دغدغة مشاعرهم بما يريدون سماعه، وتحريكهم في الاتجاه الذي يريد.

«تلميذ» آراب موي

ولم يطل الوقت حتى وقع على روتو الاختيار ليكون أحد الذين عُهدت إليهم مهمة تعبئة الناخبين للمشاركة في أول انتخابات متعددة الأحزاب تشهدها كينيا، ولقد أجريت بالفعل في العام ذاته. ويبدو أن صيته وصل إلى الرئيس آراب موي شخصياً، فقرّبه منه، ليغدو - كما وصفه روتو - «أول أساتذة السياسة» الذين تعلّم منهم كيف يسير بثبات ويشق طريقه في دهاليز السياسة الكينية المعقدة.

في مواجهة «السلالات الحاكمة»، لم يتنكر روتو يوماً لأصوله الفقيرة، بل كثيراً ما تباهى بها، وبما حققه من نجاح في عالمي السياسة والمال، ليصبح واحداً من أكثر الكينيين ثراء. ولاحقاً، يصل في أغسطس (آب) من العام الماضي إلى قيادة البلاد بعد فوزه بمنصب الرئاسة. مع هذا، فإن روتو يدرك أكثر من غيره كم كانت تلك الرحلة صعبة ومليئة بأشواك في طريق غير معبدة، على الأقل بالنسبة لرجل لا تقف وراءه عائلة سياسية قوية، كتلك التي جاء منها حلفاؤه وخصومه على حد سواء.

مع أودينغا... ثم كينياتا

في انتخابات عام 2007، برز اسم روتو بوصفه واحداً من أبرز مناصري مرشح المعارضة (في ذلك الوقت) رايلا أودينغا، في حين كان أوهورو كينياتا يدعم رئيس الجمهورية مواي كيباكي، الذي كان يسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية.

بعدها، ستمضي الأيام وتتبدّل أشكال العلاقة بين أضلاع ذلك «المثلث» (روتو - أودينغا - كينياتا) ما بين منافسة وتحالف وعداء. لكن نجم روتو ظل في صعود وتولي عدة مناصب وزارية، بما فيها وزارتا التعليم والزراعة.

وفي عام 2013، انتخب روتو نائباً للرئيس عندما خاض المنافسة إلى جانب الرئيس أوهورو كينياتا، الأمر الذي أذهل كثرة من الكينيين؛ لأن الرجلين كانا على طرفي نقيض سياسياً إبّان الانتخابات السابقة، وبدت العلاقة بين الرجلين تطبيقاً للمقولة الشهيرة: «في السياسة لا صداقات أو عداوات دائمة، بل مصالح دائمة».

ما حصل، وفق كثيرين «تحالف منفعة»؛ إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجّهت إلى كينياتا وروتو تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلّق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف السياسية - القبلية (بالذات بين شعبي الكيكويو، الذي ينتمي إليهم كينياتا، واللوو الذين ينتمي إليهم أودينغا والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما). هذا، واندلعت أعمال العنف عام 2007 إثر المعركة الانتخابية الشرسة، وأسفرت يومذاك عن مقتل نحو 1500 شخص. وبالنتيجة، أفلح التحالف في توصيل الرجلين إلى السلطة، بعد الإفلات من اتهامات «الجنائية الدولية»، حين أسقطت المحكمة الاتهامات عن الرئيس كينياتا ونائبه روتو عام 2014.

في سدة الرئاسة

الأمر اختلف في انتخابات العام الماضي، التي اختار روتو الترشح فيها للمرة الأولى إلى مقعد الرئيس، بعد 10 سنوات أمضاها نائباً لكينياتا. غير أن الأخير، نتيجة للخلافات التي عصفت بعلاقته مع نائبه روتو، ولا سيما في سنوات حكمه الأخيرة - بسبب رغبته في تعديل الدستور لتمديد حكمه لفترة ثالثة ورفض روتو ذلك - اختار أن يقف مع «غريمه القديم» أودينغا.

وبالفعل، شكّك كينياتا، الذي هو ابن جومو كينياتا أول رئيس استقلالي لكينيا، علناً في قدرة نائبه وجدارته في تولي الرئاسة، ولم يتردد في مهاجمة روتو شخصياً ووصفه بأنه «لا يستحق» قيادة البلاد.

في هذه التجربة «الدرامية»، لم يكن الفوز سهلاً وسط تبدل مواقع الحلفاء والخصوم. وهنا استعان روتو بقدراته الخطابية القديمة وقدرته على حشد الفقراء والشباب، ولم يتردد في أن يبني حملته الانتخابية على كونه مرشحاً من خارج «المؤسسة الحاكمة»، رغم شغله منصب نائب الرئيس 10 سنوات. ولم يتردّد كذلك في مبادلة كينياتا الهجوم بأقوى منه، قائلاً إن الأخير يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في «رئيس دمية».

ومن ثم، صاغ روتو شعارات حملته لتبدو الانتخابات في إطار صراع بين «الكادحين»، في إشارة إلى الكينيين الفقراء، و«السلالات الحاكمة»، في إشارة إلى العائلات «المتنفذة» مثل عائلتي كينياتا (التي جاء منها رئيسا جمهورية) وأودينغا (التي جاء منها رئيسا وزراء)، اللتين كانتا أبرز اللاعبين المؤثرين في سياسة كينيا منذ الاستقلال.

الشباب... والتغيير

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها. ورغم ثروته الشخصية الطائلة، وجّه خطاباته القوية إلى «أمة المكافحين»، متعهداً بأن تركز سياساته الاقتصادية على تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً أولاً، «لأنها كانت الأكثر تحملاً للأعباء»، إبان أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ضربت العالم بأسره في أعقاب جائحة «كوفيد - 19» والحرب في أوكرانيا.

واستخدم روتو سيرته الشخصية مصدرَ إلهام لملايين الشباب، معرباً عن رغبته بتوفير الفرص للجميع ليكونوا مثله، عندما استطاع التحوّل من شاب فقير إلى أحد أكبر ملاك الأراضي في كينيا، بعدما استثمر في زراعة الذرة وإنتاج الألبان وتربية الدواجن. وللعلم، يملك روتو اليوم مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني، وكذلك لديه استثمارات في قطاع الضيافة.

لقد وضع روتو تلك الانتخابات في إطار تغيير الأجيال الذي «حان وقته»، مروّجاً لرسالته من خلال استخدامه لغته البليغة وشعاراته الرنانة، وهو ما منحه المصداقية والقبول في أوساط العديد من المواطنين الكينيين.

بل حتى اختلافه الديني استخدمه كنقطة قوة له. فويليام روتو هو أول رئيس مسيحي إينفانجيلي (المسيحيون المولودون من جديد) لكينيا، التي تحظى بتنوّع ديني إضافة إلى تنوّعها العرقي. والجدير بالذكر، أنه رغم كون نحو 85 في المائة من الكينيين مسيحيين وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري عام 2019، فإنهم يتوزعون بين الطوائف (33 في المائة بروتستانت، و21 في المائة كاثوليك، و20 في المائة إيفانجيليون و7 في المائة يتبعون الكنائس الأفريقية)، بينما نحو 11 في المائة من السكان. وتضاف إلى هذا الخليط أعداد من الوثنيين والملحدين. وكان «التسامح الديني» من الشعارات التي ركز عليها روتو لكسب المتعاطفين من طوائف وديانات مختلفة، جاعلاً نداء حملته «كينيا كوانزا»، الذي يعني «كينيا أولاً» باللغة السواحلية.

في أي حال، كسب روتو الانتخابات بنسبة 50.5 في المائة من أصوات الناخبين. ورغم الارتباك الذي سعى خصومه إلى إثارته نتيجة هامش الفوز الضئيل للتشكيك في نزاهة الانتخابات، فإن اعتماد المحكمة العليا النتيجة حسم الأمر لصالح «صبي من القرية أصبح رئيساً لكينيا»، على حد تعبير روتو خلال احتفاله بالفوز وسط أنصاره.

تحديات ما بعد الوعود

التحديات الآن صعبة، وإذا كانت القدرات والوعود قد أمنت لروتو الفوز بالرئاسة، فإنها لم تستطع أن تضمن له الهدوء طويلاً على الجبهة الداخلية؛ إذ سرعان ما حاول غريماه أودينغا وكينياتا الرد على الهزيمة القاسية التي مُنيا بها حتى في معاقلهما الانتخابية التاريخية، مستغلَّيْن استمرار الأزمات الاقتصادية الداخلية، ومتهمَين «الرئيس» بالتنكر لتعهداته.

وبعد بضعة أشهر من تولي روتو السلطة، اندلعت صراعات سياسية ومظاهرات دموية في الساحات والشوارع ضد سياساته. ولقد تفجرت الاحتجاجات منذ العشرين من مارس (آذار) الماضي، عندما دعت قيادات معارضة (يتصدرها أودينغا وكينياتا)، إلى التظاهر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية. ومن ثم، أخذت تتصاعد على مدار الأسابيع الماضية، ليرتفع سقف المطالب من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة وإعادة الدعم، إلى المطالبة باستقالة الرئيس وفتح تحقيق في انتخابات الرئاسة التي جاءت به رئيساً، وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.

التدهور السريع للأوضاع الأمنية بسبب الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وسقوط عشرات القتلى والجرحى سواء من المتظاهرين أو من رجال الأمن، إضافة إلى طلاب وصحافيين، أعاد المخاوف من أن تنتقل حالة الاحتقان من مستوياتها السياسية بين الحكومة والمعارضة لتصل إلى حالة من الاقتتال الأهلي، في دولة لم تزل جراح الحروب العرقية والأهلية فيها لم تندمل بعد.

روتو يدرك أكثر من غيره أن أمامه جملة من التحديات الصعبة، وأن التحدي الاقتصادي يبدو الأكثر ضغطاً في ظل الأوضاع الراهنة. وبالتالي، فإن فشله الاقتصادي يعني مزيداً من الطعنات السياسية من جانب خصومه المتحفزين، لكن حل معضلات التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور، لا تبدو ميسورة في ظل أزمة تجتاح العالم. كما سيكون تحقيق الرئيس الكيني وعوده للشباب مهمة صعبة، فالمعدل الرسمي للبطالة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة يقارب الـ40 في المائة، والاقتصاد المحلي لا يخلق وظائف كافية لاستيعاب 800 ألف شاب ينضمون إلى القوى العاملة كل سنة.

كذلك، تواجهه مشاكل تمويل خططه لنقل العاصمة نيروبي بشكل كامل إلى الاعتماد على الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، وخاصة، في ظل انخفاض قيمة العملة الوطنية لمستويات قياسية في مواجهة الدولار الأميركي.

وإذا ما أضيفت مشاكل مثل المخاطر الأمنية كالإرهاب، الذي ينخرط الجيش الكيني في محاربته في الصومال المجاور، والتهديدات البيئية، كالجفاف والتصحر، التي تجتاح العديد من المناطق الأفريقية، ومنها كينيا، علاوة على تفاقم أعباء الديون، التي تصل إلى سبعين في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فإن الخيارات لا تبدو سهلة، وهو ما يدفع روتو إلى البحث عن حلول إقليمية لمواجهة الضغوط المحلية المتصاعدة.

من هنا يمكن فهم رغبة الرئيس الكيني في لعب دور إقليمي أكبر، سواء من خلال الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا «الإيغاد»، والدخول كلاعب رئيس في الأزمة السودانية، رغم ما يعترض ذلك من توتر مع مجلس السيادة الحاكم في السودان.

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء

من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».