آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

هاجر والده اليهودي من مصر إلى الولايات المتحدة بعد ثورة 1952

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»
TT

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

قد يكون اسم آدم موصيري، رئيس تطبيق «إنستغرام» منذ 2018، معروفاً لدى مستخدمي التطبيق، البالغ عددهم أكثر من ملياري مستخدم، خصوصاً أن لديه أكثر من مليوني متابع على التطبيق نفسه. بيد أنه مع تعيينه الآن قائداً فعلياً للتطبيق الجديد «ثريدز»، الذي صعقت انطلاقته الصاروخية، تطبيق «تويتر»، تهافتت وسائل الإعلام، وكذلك الرأي العام، على محاولة التعرّف أكثر على شخصية هذا الرجل. بعض التحليلات أشارت إلى أن موصيري، قد يلعب دوراً حاسماً في تحويل منصة «ثريدز»، إلى منافس «قاتل» لتطبيق «تويتر»، وطموحات مالكه المثير للجدل، إيلون ماسك، خصوصاً أن بصمات موصيري السابقة على منتجات شركة «ميتا»، التي كانت تُدعى «فيسبوك» سابقاً، حاسمة في إظهار النجاحات التي حققها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، منذ نحو أكثر من عقد. ثم، على الرغم من أن مارك زوكربيرغ، هو الوجه الأبرز لشركة «ميتا»، فإن تطبيق «ثريدز» الذي يشبه «تويتر» ويقوم على خلفية تطبيق «إنستغرام»، أصبح التطبيق الأسرع نمواً في تاريخ الشركة، وهو يقع ضمن اختصاص رجل مختلف. فمَن هو آدم موصيري، البالغ 40 سنة؟ وكيف حقق هذا الصعود في مسيرته المهنية؟



وُلد آدم موصيري يوم 23 يناير (كانون الثاني) 1983، في ضاحية تشاباكوا بشمال مدينة نيويورك من عائلة يهودية. وهو الأخ الأكبر للملحن الموسيقي والممثل، إميل موصيري، الذي اعتنق مع شقيقه المسيحية، وهما يحتفلان بأعيادها أيضاً، بحسب عديد من المراجع والمقالات الصحفية الأميركية.

التحق آدم بمدرسة غالاتين للدراسات الفردية، بجامعة نيويورك لدراسة تصميم الإعلام والمعلومات، وتخرج بدرجة البكالوريوس في تصميم المعلومات في عام 2005. وفي عام 2003، أثناء دراسته في جامعة نيويورك، أسس موصيري شركة استشارات التصميم الخاصة به المسماة «بلانك موصيري»، التي ركزت على تصميم الغرافيك والتفاعل والمعارض. وكانت لشركته مكاتب في نيويورك وسان فرنسيسكو.

وفي عام 2007، انضم موصيري إلى شركة «نوك بوكس» بوصفه أول مصمم للشركة. ثم في عام 2008، انضم إلى «فيسبوك»، بوصفه مصمم منتج. وفي عام 2009، أصبح مديراً لتصميم المنتجات، وعام 2012 أصبح مدير التصميم لتطبيقات الأجهزة المحمولة الخاصة بالشركة. وبين عام 2012 و2016، أشرف على قسم موجز الأخبار على «فيسبوك»، ومن 2016 إلى منتصف 2018، شغل منصب نائب رئيس منتجات الشركة.

تقدر ثروة موصيري الشخصية اليوم بفضل وظائفه وأنشطته المتعددة، بأكثر من 120 مليون دولار أميركي، إذ كان راتبه الشخصي عن كل منصب، يتخطى 120 ألف دولار شهرياً. وإبان فترة عمله في «فيسبوك»، أشرف أيضاً على «فيسبوك هوم»، لكنها كانت محاولة فاشلة لإحضار الشركة شاشة رئيسية متنقلة إلى أجهزة «آندرويد».

وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أخذ موصيري على عاتقه أن يصبح الناطق الرسمي لشركة «فيسبوك» عن «الأخبار المزيفة». ثم في مايو (أيار) 2018، عُيّن نائباً لرئيس تطبيق «إنستغرام»، ليتولى في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، منصب الرئيس المباشر للتطبيق، بعد استقالة مؤسسَي تطبيق مشاركة الصور، كيفن سيستروم ومايك كريغر، خلال سبتمبر (أيلول) 2018. وللعلم، يختلف لقب موصيري بوصفه رئيساً لـ«إنستغرام»، عن لقب الرئيس التنفيذي، إذ يحتفظ مارك زوكربيرغ، باللقب على كل منتجات شركة «ميتا».

الشبكة الاجتماعية

في أولى مشاركاته على «ثريدز» قال آدم موصيري: «ها نحن ذا»، ما يوحي بثقته في نجاح التطبيق. وحقاً، في غضون 5 أيام فقط، حصد «ثريدز» أكثر من 100 مليون مستخدم، ما أدى إلى إخراج معظم منافسيه المباشرين مثل «بلوسكاي» و«ماستودون» من السباق.

بالنسبة لموصيري - الذي يعمل مع زوكربيرغ منذ 2008 - فإن الانطلاقة السريعة للتطبيق، تمثل «أكثر أسبوع جنوني في العمل منذ سنوات عديدة»، بحسب ما نشره على التطبيق، في الأيام الأولى لانطلاقته. ومع أن «فيسبوك»، لا يزال يحتفظ برؤية زوكربيرغ الأصلية للشبكة الاجتماعية، فإنه كان قبل انضمام موصيري إلى الشركة، مجرد مكان لمشاركة الصور ونشر تحديثات باهتة، وكتابة رسائل أعياد الميلاد والتعازي... على صفحات الأصدقاء. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، تحوّل موقع «فيسبوك» من مكان للحصول على التحديثات من الأصدقاء والأقارب، إلى مكان يمكنك فيه قراءة المقالات الإخبارية والتقارير المصورة، ويصار إلى ربطك بالحجج السياسية مع أشخاص لم تكن تعرفهم حتى.

وحقاً، كان لموصيري دور محوري في مثل هذه التغييرات، بعدما تولى منصب مدير تصميم المنتجات في عام 2009. ولاحقاً، مع تحول الهواتف إلى «ذكية»، منذ نجاح ستيف جوبز بإطلاق هاتف «آيفون»، تسلم موصيري إدارة التطبيقات على «فيسبوك». وبينما كان التطبيق يدور على إغراء المشتركين بتمضية أكبر قدر ممكن من الوقت على المنصة، ومتابعة تفاعلاتهم للحصول على عائدات الإعلانات، أشرف موصيري على موجز الأخبار المحوري على «فيسبوك»، بين عامي 2012 و2016، وهي الفترة التي شهدت تركيزاً متزايداً على جذب انتباه المستخدمين إلى السياسة والأخبار.

معالجة الأخبار المزيفة

ثم في السنوات التي تلت ذلك، اعترف مارك زوكربيرغ، بأنه كان يجب أن يأخذ المخاوف بشأن انتشار الأخبار المزيفة على المنصة بجدية أكبر قبل الانتخابات الأميركية 2016. وإثر صدور نتائجها وفوز دونالد ترمب، بالسباق الرئاسي متغلباً على هيلاري كلينتون، كان موصيري هو مَن كتب مدونة للشركة تتناول «الخداع والأخبار الكاذبة» على «فيسبوك». بل، لقد اعترف بأنه «عانى من الأرق» بسبب الدور الذي ربما لعبه موقع «فيسبوك» في انتشار العنف في ميانمار، إثر تقرير للأمم المتحدة يزعم أن المنصة، غذت الكراهية لمسلمي الروهينغا في تلك البلاد. وأيضاً، اعترف في عام 2018، عندما أصبح نائب رئيس المنتجات في الشركة، بأن «ربط العالم لن يكون دائماً أمراً جيداً». ويرى بعض المحللين، أنه ربما يكون هذا هو سبب رفض موصيري فكرة أن الأخبار والسياسة، يجب أن تكونا هما محور تركيز الموضوعات.

عام 2018، وبعد 6 سنوات على شراء زوكربيرغ تطبيق «إنستغرام» مقابل مليار دولار، واستقالة مؤسسيه السابقين، عيّن آدم موصيري، رئيساً له، وهو الآن لديه أكثر من ملياري مستخدم. غير أن فترة عمله لم تكن خالية من الجدل. إذ كان على «إنستغرام» أن يدافع بانتظام عن موقفه من الاعتدال، ومن نشر المواد التي يمكن أن تكون لديها تأثيرات مميتة، لا سيما العام الماضي، بعدما كشفت التحقيقات أن المراهقة البريطانية مولي راسل - التي شاهدت محتوى مؤذياً على المنصة - انتحرت لاحقاً بسببه.

ويذكر أن هذه هي التهمة نفسها التي وُجّهت إلى تطبيق «تيك توك» الصيني، الذي دفع موصيري «إنستغرام» للتشبه به، بعدما التقى عدداً من كبار المؤثرين والنجوم على التطبيق، أمثال كيم كارداشيان وكايلي جينر، للترويج للمنصة عبر نشر ما يسمى «ريلز» - أو بَكَرات الصور - على «إنستغرام». ولقد سعى هؤلاء إلى «مطالبة المشتركين بالكف عن أن يكونوا من جماعة «تيك توك»، والاكتفاء فقط بالصور الجميلة واللطيفة للأصدقاء»! وعلى الرغم من دفاعه عن تلك التغييرات، فإن موصيري اعترف لاحقاً بأن المنصة «ركزت بشكل زائد» على الفيديو في عام 2022.

«ثريدز» تطبيقه الشخصي

إلا أن إطلاق تطبيق «ثريدز»، يعد - بلا شك - أكبر وأهم لحظة في فترة تولي موصيري رئاسة «إنستغرام». مع الإشارة إلى أن هذا الأخير، بخلاف كل منتجات شركة «ميتا» التي حاولت تقليد تطبيقات سابقة - مثل قصص «سناب شات» و«ريلز» من «تيك توك» - كان التطبيق الخاص بموصيري شخصياً.

ومع بناء موصيري على خلفية «إنستغرام»، ضَمن ترحيل حسابات المشتركين، ما يساعده بسرعة على تجميع قاعدة مستخدمين ضخمة، تضم ممثلين ورياضيين ومشاهير وعلامات تجارية وملصقات عادية. ولقد علّق موصيري، الذي يعيش الآن في العاصمة البريطانية (لندن) مع زوجته مونيكا وأطفاله الثلاثة، عن شعبية «ثريدز» خلال الأسبوع الأول من إطلاقه بالقول: «إنه جنون، لا أستطيع أن أفهمه».

ومع ذلك، بدا أنه على أتم الاستعداد لتلبية طلبات تحديث التطبيق، وانفتاحه على الأمكنة التي يحتاج فيها إلى التحسينات في أيامه الأولى، بدءاً من الافتقار إلى القدرة على البحث عن موضوعات ومصطلحات محددة، إلى غياب خيار لتخصيص جدول المشتركين الزمني للأشخاص الذين تُجرى متابعتهم فقط. ولمّح موصيري إلى الإضافات المستقبلية ذات الأولوية الأقل، مثل علامات التصنيف، والموضوعات الشائعة، وعرض المنشورات المفضلة، وتحسين تطبيق سطح المكتب. ووفق الخبراء فإن رؤيته، تبدو منبثقة من تجربته في العمل على صفحة «فيسبوك». ذلك أنه كتب على «ثريدز» ما يلي: «لن نحبط أو نخفّض من شأن الأخبار أو السياسة»... «لن نحاكمهم كما فعلنا في الماضي».

وهنا يقول البعض، إن موصيري الذي ربما تطارده الخلافات التي دارت في السنوات الماضية، حول «أنه لا توجد أخبار أفضل من الأخبار السيئة»، قد يكون مضطراً للقبول بها، خصوصاً إذا استمر نمو «ثريدز» بهذا الشكل.

والده هاجر من مصر

عاش آدم موصيري الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، طفولته بين إسرائيل وأميركا، وذلك بعدما هاجر والداه من مصر عام 1957، إثر «ثورة الضباط الأحرار» يوم 23 يوليو (تموز) 1952. والطريف أن آدم يرفض الكشف عن اسم والديه، ويتبع نهجاً محافظاً جداً في الكشف عن حياته الشخصية. إلا أنه قال لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، إنه يحب أكلة «الملوخية» على الطريقة المصرية القديمة.

يذكر أن عائلة موصيري معروفة بين أبرز عائلات يهود مصر. وهي عائلة يهودية سفارادية (أي إسبانية الجذور) عاشت في إيطاليا. ثم استقرت في مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وبحسب المؤرخ والباحث اللبناني المولد شاهين مكاريوس (1853 – 1910م)، فقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية، وحقَّق يوسف نسيم موصيري، الجد الأكبر للعائلة، ثروته من التجارة. وكان للعائلة، عديد من النجاحات في مصر، بعد انتقال نسيم موصيري، إليها عام 1750؛ وعلى سبيل المثال، أسست عائلة موصيري شركة فنادق مصر الكبرى، وبنت فنادق مصرية شهيرة، مثل: «مينا هاوس» و«سان ستيفانو» و«سافوي وكونتيننتال». وأيضاً أسس أبناء نسيم بك موصيري (إيلي، ويوسف، وجاك، وموريس) «بنك موصيري» في مصر، وكان نسيم بك يشغل موقعاً مميزاً ضمن الطائفة اليهودية في مصر. وفي عام 1915، أسس جوزيف موصيري شركة رائدة في صناعة السينما هي شركة «جوزي فيلم»، التي أسست وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي، وكانت واحدة من أكبر الشركات الرائدة في صناعة السينما المصرية. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة «مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده». وتزوج الابن الأكبر نسيم بك موصيري (1848 - 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، الذي تولى رئاسة الطائفة اليهودية في القاهرة، وكانت تسمى «الطائفة الإسرائيلية» حينذاك. وأصبح نسيم موصيري، نائب رئيس الطائفة، وهو منصب توارثته العائلة من بعده.

ولكن لم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 - 1940)، ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 - 1934)، وجاك (1884 - 1934) وموريس، «بنك موصيري». وحقَّق إيلي مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في بريطانيا وتزوج من ابنة فيليكس سوارس، أحد كبار الأغنياء المصريين اليهود. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل باشا صدقي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوروبية اليهودية مثل «روتشيلد» و«لازار» و«سليغمان»، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.

أميركي ــ إسرائيلي يعيش في بريطانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة... ويحب «الملوخية» المصرية


مقالات ذات صلة

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شعار تطبيق «ثريدز» (رويترز)

منافس «إكس»... «ثريدز» يمتلك 130 مليون مستخدم شهرياً

تمتلك خدمة «ثريدز» للرسائل القصيرة المملوكة لشركة «ميتا» البديلة لتطبيق «إكس» («تويتر» سابقاً) الآن 130 مليون مستخدم نشط شهرياً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تتيح الميزة الجديدة للمستخدمين إدارة إعدادات كل حساب من خلال لوحة التحكم مثل الإعدادات المتعلقة بالخصوصية والأمان (رويترز)

«ثردز» تقدم ميزة جديدة لأصحاب الحسابات المتعددة

«ثردز» تطلق رسمياً طريقة للتبديل بين الحسابات المتعددة، دون الحاجة لتسجيل خروج المستخدم.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تطبيق «ثريدز» (أ.ب)

«تيك توك» هو المنافس الحقيقي لـ«ثريدز» وليس «تويتر»

أطلقت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» منصة «ثريدز»، وهي شبكة اجتماعية بسيطة تعتمد على النصوص بالأساس في أسبوع «صعب جداً» لمنافستها المعروفة سابقاً باسم «تويتر».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا «ميتا» تعلن أن نصف عدد المستخدمين هجروا التطبيق (شاترستوك)

«ميتا» تعترف: أكثر من نصف مستخدمي «ثريدز» هجروا التطبيق

أعلنت «ميتا» تراجع عدد مستخدمي «ثريدز» إلى النصف، واصفة هذا الانخفاض بـ«الأمر الطبيعي».

نسيم رمضان (لندن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».