العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

12 جولة انتخاب بلا حسم ولا تفاهم

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»
TT

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

لم يعد خافياً أنه بعد الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للبنان، وحملت الرقم 12، ولم تسفر عن نتيجة، استسلمت معظم القوى السياسية لواقع عجزها عن اجتراح أي حل للشغور في سُدة الرئاسة الأولى، بل ما حصل أنها باتت تنظر إلى أية إشارة أو حركة خارجية على أنها «خشبة خلاص» تنقذها من المأزق الذي تتخبط فيه منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وللعلم، يدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي، منذ مدة، لـ«تدويل» الأزمة اللبنانية، بعدما طالب، في ديسمبر 2022، بـ«التوجه للأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان»، معتبراً أنه «لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل الحلول الداخلية»، وكرّر هذه الدعوة قبل أيام، إذ قال: «أنا دعوت إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان يطرح القضايا الأساسية؛ وذلك بسبب عجز المسؤولين اللبنانيين عن التحاور لإيجاد حل لبلد يتفتت وشعب يهاجر. لا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور». عودة إلى جلسة البرلمان الـ12، لم تكن هذه المرة الأولى التي يُشرع الساسة اللبنانيون أبواب بلدهم أمام التدخلات الخارجية، إذ إنهم عند كل استحقاق أساسي ينقسمون، ويبدأ «شد الحبال» إلى أن يستخدم أحد أطراف الصراع ورقة التعطيل، وبهذا يُدخل البلد معه في دوامة من الفراغ الذي أدى مع مرور السنوات إلى تفكك المؤسسات وتحلّلها.

بعد «اتفاق الطائف»، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989... بقي لبنان تحت «الوصاية السورية» حتى خروج الجيش السوري من البلد عام 2005.

حينذاك، كانت القيادة في دمشق الآمرة الناهية في كل الاستحقاقات وعند أي خلاف. وبعدها، دخل لبنان في إشكالات مختلفة، ما استدعى وساطات خارجية انتهت عام 2008 بتوقيع «اتفاق» في العاصمة القطرية الدوحة وضع حداً لأزمة سياسية أمنية استغرقت 18 شهراً وكادت تفجّر حرباً أهلية جديدة.

غير أن أجواء التفاهم التي أرساها «اتفاق الدوحة» لم تعمر طويلاً، فقد عادت الخلافات والصراعات بين القوى اللبنانية، ما عطّل الحياة السياسية في لبنان أشهراً وسنوات، أبرزها الفترة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

يومذاك، لم يكن للخارج دور أساسي يلعبه في إنهاء الشغور الرئاسي الذي استمر سنتين ونصف السنة. وللعلم، طال الشغور نتيجة تمسّك حزب الله بمرشحه الزعيم المسيحي العماد ميشال عون، غير أن الأزمات المتلاحقة التي عصفت بعهد عون - وأبرزها الانهيار المالي والاقتصادي - استدعت طلب لبنان النجدة الخارجية، التي لم تأت بعدُ، بل باتت مشروطة بإقرار المسؤولين الإصلاحات المطلوبة.

حتى الساعة، ورغم مرور نحو 3 سنوات ونصف السنة على الانهيار المالي، لم يضع لبنان أية خطة للنهوض. ومع تحوّل الحكومة الحالية لتصريف الأعمال وشغور سُدة الرئاسة، بات كل شيء مجمّداً ومرتبطاً بانتخاب رئيس ليعود انتظام العمل بالمؤسسات ويعود مجلس الوزراء فاعلاً وقادراً على صياغة الخطط وتنفيذها.

أين المبادرة الفرنسية؟ لقد فشلت كل المساعي والمبادرات الداخلية، طوال الأشهر الـ8 الماضية، في حل أزمة الرئاسة، علماً بأنه، في هذا الوقت رُصد أكثر من مبادرة خارجية أيضاً، أبرزها «المبادرة الفرنسية» التي قالت بانتخاب رئيس تيار «المَرَدة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مقابل تعيين السفير نواف سلام رئيساً للحكومة. ثم هناك «المبادرة القطرية» غير المعلَنة، التي قيل إنها تسوّق لانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً.

الفرنسيون يسعون الآن لـ«تنشيط» مبادرتهم، التي كانت قد طُرحت بتفاهم إيراني فرنسي، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بصيغتها السابقة في ظل رفض كتل نيابية بارزة، أبرزها الكتل المسيحية الكبيرة، القبول بترشيح فرنجية، مرشح «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة «أمل»، وحزب الله.

وبينما يجزم نواب معارضون التقوا المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، خلال زيارته العاصمة بيروت، الأسبوع الماضي، بأنهم استخلصوا من كلامه أن «المبادرة الفرنسية» السابقة صارت من الماضي، تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» أن «المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وإن كانت مجمدة راهناً بانتظار آلية جديدة لتحريكها، وهو ما فهمناه من لودريان، وما أبلغنا إياه في آن، وبالتحديد لجهة تمسكنا بترشيح فرنجية».

وفي حين يقول «الثنائي»، المتمثل بـ«حزب الله» وحركة «أمل»، إن المَخرج من الاستعصاء، الذي وصل إليه الملف الرئاسي، «يكون بالحوار»، يرفض القسم الأكبر من المعارضة مبدأ الجلوس إلى «طاولة حوار موسعة» مع حزب الله قبل تنازله عن مرشحه سليمان فرنجية. ووفق هؤلاء المعارضين، فإن «الحوار» الذي يريده الحزب هو لمحاولة إقناع بقية القوى أو قسم منها بالسير بفرنجية... وهو ما يرفضونه جملة وتفصيلاً.

من ناحية أخرى، بدا لافتاً ما ورد أخيراً على لسان رئيس كتلة حزب الله النيابية النائب محمد رعد، الذي قال: «نعترف بأنه لا نحن نستطيع أن نأتي بمرشّح من دون تعاونهم، ولا هم يستطيعون أن يأتوا بمرشّحهم من دون تعاوننا». ورأى، من ثم، أن «الحل بأن نأتي ونجلس ونتفاهم ونُقنع بعضنا بعضاً و(صحتين على قلب اللي بيطلع) بالتوافق والتفاهم».

إلا أن الفُرقاء اللبنانيين كافة ينتظرون ما سيعود به لودريان، منتصف يوليو (تموز) الحالي، بعدما بدا في زيارته الأولى مستمعاً. وتُعوِّل القوى الداخلية على الدور الفرنسي، بالتنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية، لإخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة... بعدما فشلت، حتى الساعة، مساعي «اللجنة الدولية الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر)»، المهتمة بالشأن اللبناني في إحداث أي خرق بجدار الأزمة.

تاريخ طويل من التدويلفي الحقيقة، يُجمع معظم الخبراء ومتابعي الملف اللبناني عن كثب على أن الملف «مُدوَّل» أصلاً، وانتخاب رئيس للجمهورية طالما كان يحصل بتدخل خارجي. بريجيت خير، الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة، تقول إنه «منذ الحرب اللبنانية والاحتلال السوري والانتخابات الرئاسية مُدوَّلة، خصوصاً من خلال تدخل النظام السوري لفرض الرؤساء فرضاً، وحين انتُخب الرئيسان السياديان رينيه معوض وبشير الجميّل اغتيلا».

وتعتبر خير، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «منذ عام 1975 حتى اليوم لم تجرِ انتخابات رئاسية بشكل طبيعي، أي من خلال تحويل المجلس النيابي (هيئة ناخبة)، وفتح دورات متتالية حتى انتخاب رئيس»، لافتة إلى أنه «خلال السنوات الـ15 الماضية ذهبت 3 سنوات هدراً نتيجة الفراغ الرئاسي»، إلا أن خير تبدو متفائلة بـ«قدرة القوى السيادية، في ظل التوازنات البرلمانية الحالية القائمة، في حال ظلّت متكاتفة، على مواجهة حزب الله ومنعه من فرض الرئيس الذي يريده». وتُشدد على «وجوب أن يكون موقع الرئاسة من نصيب السياديين، باعتبار أن لدى حزب الله وحلفائه رئيس برلمان محسوباً عليهم، كما أنهم يضغطون لفرض رئيس الحكومة الذي يريدون».

ومن ثم ترى خير أن «فشل المبادرة الفرنسية مردُّه أن الفرنسيين أصغوا، منذ البداية، لفريق واحد، وأخطأوا بالانطلاق مع الأزمة على قاعدة أن أي رئيس أفضل من الفراغ، لكننا نعتبر الفراغ أسهل من أن يمسك حزب الله مجدداً بالرئاسات الـ3، وتكرار التجربة التي عشناها في عهد عون».

خضة أمنية تسبق الانتخاب!أما الدكتور سامي نادر، مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، فيردّ: «خروج الانتخابات الرئاسية من الإطار اللبناني إلى وجود مَن يضع يده على المؤسسات ويفرض قراءته الخاصة للدستور، وهو الفريق المتمثل بـ(الثنائي الشيعي) الممسك بالسلاح وبمفتاح مجلس النواب في آن، ولديه امتداد خارجي وعلاقة بنيوية مع إيران».

ويعتبر نادر، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في مواجهة هذا الواقع، هناك الفريق الآخر الذي يرفض الانصياع... ما يجعلنا في أزمة نظام ننتظر مبادرات الخارج... علماً بأن الانتظار في نهاية المطاف هو نوع من أنواع الموت». ويتابع: «منذ عام 1970 ونحن ننتظر المندوبين مستسلمين، لعجزنا عن إنتاج حل داخلي بسبب سطوة السلاح والتلطي وراء الميثاقية».

أما الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت، فقال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللبنانيين فقدوا منذ مدة المبادرة والقرار بالملف الرئاسي، كما أنه بتبني حزب الله ترشيح فرنجية... يكون بذلك عملياً هو مرشح إيران باعتبار أن الحزب الواقع منظمة إقليمية»، ثم أوضح أن «توازن القوى الحالي في لبنان لا يسمح لإيران بفرض مرشحها، كما لا يسمح للفريق الآخر بذلك». لذا يتوقع خشان ألا يُنجز انتخاب رئيس «إلا بعد خضة كبيرة، مع ترجيح أن تكون ضربة إسرائيلية، يُصار بعدها إلى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد». ووفق خشّان: «تشعر إسرائيل بأن حزب الله يضعف، وهي تنتظر أن يرتكب خطأ صغيراً لشن حرب هدفها إضعافه، باعتبارها تعد منذ مدة للخيار العسكري».

صيف بلا رئيسفي هذه الأثناء، يقول أحد نواب «التغيير»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعطيات الراهنة لا توحي بإمكانية تراجع حزب الله قريباً عن مرشحه، رغم علمه بأن حظوظه قد تكون وفق الظروف الحالية شبه معدومة». ويلفت إلى أن «الثنائي الشيعي يراهن على مستجدات إقليمية ودولية تخدم مصالحه وتُعبّد طريق فرنجية إلى بعبدا، وهو يعتقد أن الكتلة الوسطية التي رفضت أن تُصوّت لفرنجية أو للوزير السابق جهاد أزعور، خلال جلسة الانتخاب الأخيرة، قد تُراجع خياراتها، في حال شعرت بأن هناك أجواء خارجية جديدة لمصلحة حزب الله». ويضيف: «لكن، حتى لو حصل ذلك، فإن موقف الكتلتين المسيحيتين الرئيستين الرافض لفرنجية يجعل انتخابه رغم إرادة الأكثرية المسيحية النيابية أمراً مستبعداً تماماً، إلا إذا كان هناك قرار كبير بضرب ما تبقّى من دور ووجود مسيحي في هذا البلد».

ثم يشير المصدر إلى أن «تقاطع قوى المعارضة - التيار الوطني الحر لا يبدو هو الآخر متحمساً لتقديم أي تنازلات في هذا الملف، لعلمه بأن خريطة التوازنات الحالية لا تسمح لحزب الله بفرض مرشحه، وبأن ما كان عليه الوضع عام 2016 - حين مرشحه عون - هو غيره اليوم»... سواءً لجهة أنه لا يمتلك الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخاب فرنجية، أو لجهة أن الغطاء المسيحي الذي يتمتع به مرشحه هشّ، في ظل تشدّد «التيار الوطني الحر (العونيون)»، و«القوات اللبنانية» في رفض السير به.

هذا، ويعتبر تقاطع «الوطني الحر» - المعارضة أنه، اليوم، في موقع قوة، بعد نجاح مرشحه أزعور بالحصول على 59 صوتاً في جلسة الانتخاب الأخيرة، مقابل 51 صوتاً لفرنجية. بالمقابل، يشيع «الثنائي الشيعي» أن هذا التقاطع «فرط» فور انتهاء الجلسة 12 لانتخاب رئيس، ويؤكد أن الدعوة لأية جلسة ستؤدي لنتائج مغايرة، وإن كانت لن تؤدي لانتخاب فرنجية.

وتربط أحزاب المعارضة، ومعها «العونيون» التراجع عن مرشحهم بتراجع «الثنائي الشيعي» عن فرنجية، وهذا ما لا يبدو حاصلاً قريباً، إذ تؤكد مصادر مطّلعة عن كثب على الملف، أن «رئيس المجلس النيابي نبيه برّي لن يدعو لجلسة جديدة لانتخاب رئيس، في حال لم تتوافر معطيات جديدة تؤدي لنتائج مختلفة عن النتيجة الأخيرة التي لا تسمح بالخروج من حالة الاستعصاء الحالية». وتضيف المصادر نفسها: «بات مستبعَداً جداً حدوث أي خرق يُذكَر في جدار الأزمة قبل نهاية الصيف، علماً بأن هناك من يتحدث عن خط أحمر لا يبدو أن هناك أحداً مستعدّاً لتجاوزه وهو نهاية العام الحالي».

وترجح المصادر أن تكون ورقتا فرنجية وأزعور قد احترقتا حتى حينه، لتتقدم حظوظ مرشح ثالث إما أن يكون قائد الجيش جوزيف عون، أو أن يكون مرشحاً وسطياً كالوزير السابق زياد بارود، والوزير السابق ناجي البستاني، والوزير السابق ناصيف حتي، أو سواهم.

مجموعة مبادرات داخلية لم تصل إلى نتيجة

> منذ شغور سُدة الرئاسة اللبنانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سارع عدد من الفرقاء السياسيين في الداخل اللبناني لإعداد مبادرات تقرِّب وجهات النظر بين القوى المختلفة؛ لحثِّها على التفاهم على اسم رئيس يشكل نقطة تقاطع بينها.

بعض هذه المبادرات اتخذ بُعداً وطنياً، بينما اتخذ بعضها الآخر بُعداً مسيحياً لاعتبار عدد من المرجعيات أن الكلمة الفصل في هذا الملف يجب أن تكون للمسيحيين، كما هي الكلمة الفصل بانتخابات رئيس للمجلس النيابي للشيعة، والكلمة الفصل في تعيين رئيس للحكومة للسنّة.

أما أبرز المبادرات الداخلية لحل الأزمة الرئاسية فهي:

- «مبادرة الإنقاذ الرئاسية» التي أطلقها نواب «التغيير»، مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ولحظت وثيقة المبادرة أربعة أجزاء: الرؤية، والمقاربة، والمعايير، والمبادرة. ولقد جال نواب «التغيير» بمبادرتهم على الكتل السياسية، لكن أي خرق لم يسجل في جدار الأزمة؛ لأن الأسماء التي طُرحت لم تلقَ إجماعاً، حتى إنها أدت إلى انقسام تكتل التغييريين النيابي، على خلفية تأييد كل مجموعة من النواب مرشحاً مختلفاً عن المجموعة الأخرى.

- في أكتوبر الماضي أطلق «التيار الوطني الحر» ما عُرف بـ«ورقة الأولويات الرئاسية» التي جال بها على قسم كبير من القوى السياسية. لكن خلافات رئيس «التيار» مع قسم كبير من هذه القوى جعل تقبّلهم لما يطرحه صعباً جداً، حتى إن «القوات اللبنانية» لم توافق على لقاء وفد «التيار»، الذي لم يكن يطرح أصلاً أسماء، بل ما هو أشبه ببرنامج رئاسي اعتبر أن التفاهم عليه يسهل التفاهم على اسم رئيس.

- طرح النائب الدكتور غسان سكاف أكثر من مبادرة جال بها على القوى، لكنها أيضاً لم تصل إلى نتيجة.

- في فبراير (شباط) الماضي، جال المطران أنطوان بونجم، راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة، على القوى المسيحية، بمبادرة ببركة البطريرك الماروني بشارة الراعي؛ لتقريب وجهات النظر بينهم. إلا أن جهوده باءت بالفشل، خصوصاً في ظل رفض القسم الأكبر منهم الجلوس إلى طاولة حوار مسيحي مسيحي في بكركي، على غرار ما حصل في الاستحقاق الرئاسي الماضي، وهو ما دفع الراعي إلى الدعوة لخلوة روحية بدل حوار بين القادة المسيحيين للتفاهم على مقاربة واحدة للملف الرئاسي.

- وأخيراً، نجحت جهود حزب «الكتائب اللبنانية» بتحقيق تقاطع بين قوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» أدى لترشيحهم الوزير السابق جهاد أزعور، وهو ترشيح رفضه «الثنائي الشيعي» وحلفاؤه بحجة أن أزعور «مرشح تحدٍّ».

بناءً عليه، ترى مصادر مواكبة للملف الرئاسي أن «أي مبادرة داخلية سيكون مصيرها الفشل، ما دام الانقسام عمودياً في البلد، وما دام حزب الله رغم المناداة بالحوار يريده حصراً لإقناع بقية القوى بانتخاب مرشحه».

وتضيف، لـ«الشرق الأوسط» أنه «في حال بقي الانقسام على حاله، فحتى المبادرات الخارجية سيكون مصيرها الفشل، ما قد يؤدي بالبلاد والعباد في نهاية المطاف إلى إعادة نظر بالنظام القائم من خلال تعديله أو تغييره».

الفرنسيون يسعون الآن لـ«تنشيط» مبادرتهم التي طُرحت بتفاهم إيراني ـ فرنسي


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.