«حراس الدين» وقد حلّ نفسه... فقاعة صوتية أم تهديد مبطن؟

دلالات البيان والعلاقة مع «تحرير الشام» من الولاء إلى العداء

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
TT
20

«حراس الدين» وقد حلّ نفسه... فقاعة صوتية أم تهديد مبطن؟

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)
قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في حلب الأربعاء 4 ديسمبر 2024 (تلغرام)

في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الفائت، ومن دون مقدمات مسبقة، أعلن الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، المعروف بتنظيم «حراس الدين»، حلّ نفسه رسمياً، مؤكداً في بيان أن قراره جاء بعد ما وصفه بـ«تحقيق النصر المبين» بإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

وأعاد هذا البيان تسليط الضوء على تنظيم يفترض أنه انتهى عملياً على الأرض، كما وأثار تساؤلات حول حجمه الفعلي، واختياره توقيت هذا الإعلان. فقد دعا التنظيم الإدارة الجديدة في سوريا إلى الحفاظ على السلاح بيد «أهل السنة»، ونصحها بـ«إقامة الدين وتحكيم الشريعة»، معتبراً أن سوريا لا تزال ساحةً للمعارك الكبرى ضد «الطغاة والمستعمرين»، وداعياً مقاتليه السابقين للاستعداد لأي استحقاقات مستقبلية.

كذلك شدد «حراس الدين» على أنه سيبقى مستعداً لتلبية أي «نداء استغاثة» في مناطق المسلمين، متمسكاً بـ«ثوابته الشرعية دون تغيير أو تمييع».

لكن هل لا يزال لتنظيم «القاعدة» أي وجود في سوريا؟ وهل فعلاً هناك أهمية لتوقيت البيان؟

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى عدد من المصادر، بينهم قيادي سابق في «حراس الدين»، يكنّى بأبي عبد الرحمن الحلبي، التحق بصفوف «هيئة تحرير الشام»، بعد انتهاء التنظيم فعلياً في منتصف عام 2020.

قال الحلبي: «لا يتجاوز البيان كونه خطوةً إعلاميةً، فالتنظيم لم يعد له وجود حقيقي على الأرض، وهو يحاول فقط الإيحاء بأنه لا يزال حاضراً وفاعلاً في سوريا». وأضاف: «عملياً هناك بعض المتعاطفين لكن من دون انتماء تنظيمي. لذا، يمكن اعتبار البيان بمثابة تعزية للأنصار السابقين، وليس أكثر».

وأوضح الحلبي: «في بداية تشكيل (حراس الدين)، كانت لدينا قناعة بأن (تحرير الشام) تنحرف عن أهداف الجهاد وغاياته، بدءاً بقبولها بالوجود التركي وحماية نقاط الجيش التركي والتنسيق مع تركيا، ثم رفضها مطالب القادة العسكريين بضرورة فتح معركة ضد قوات النظام في ريف اللاذقية أو إدلب. وبرّرت قيادة الهيئة حينذاك بأن أي عمل عسكري ليس في مصلحة المعارضة، وكنا نرى هذا مجرد ذَرٍّ للرماد في العيون، وأن (تحرير الشام) كانت في الحقيقة ملتزمة باتفاق آستانة».

النشأة والشقاق

وكان تنظيم «حراس الدين» تشكل في فبراير (شباط) 2018 من عدة تجمعات صغيرة، مرتبطة ببيعة شرعية لأيمن الظواهري، لكن سرعان ما بدأ يظهر الشقاق بين تيارات متباينة داخل هذه الجماعات نفسها بين خط جهادي محلي مطالب بفك الارتباط عن تنظيم «القاعدة» وقيادة الظواهري (تحرير الشام)، وخط جهادي عالمي ومدافع عن البقاء تحت رايتها كحال «حراس الدين».

أبو محمد الجولاني (الثاني من اليمين) يناقش تفاصيل عسكرية مع القادة الميدانيين في ريف حلب في 2016 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني (الثاني من اليمين) يناقش تفاصيل عسكرية مع القادة الميدانيين في ريف حلب في 2016 (أ.ب)

وشهدت الفترة بين عامي 2019 و2020 مواجهات متكررة بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيم «حراس الدين»، وتصاعدت حدة الاشتباكات بين الطرفين، خصوصاً بعد تشكيل غرفة عمليات «فاثبتوا» التي قادها «حراس الدين». وبلغ هذا الصراع ذروته في مايو (أيار) 2020، عقب قيام «تحرير الشام» باعتقال أبو مالك التلي، الزعيم السابق لـ«جبهة النصرة» في القلمون، الذي كان قد انشق عن «تحرير الشام» وأصبح مقرباً من «حراس الدين»، إضافة إلى اعتقال القيادي أبو صلاح الأوزبكي.

على أثر هذه الأحداث، تمكنت «حراس الدين» من السيطرة على بعض مواقع «تحرير الشام» في ريف إدلب الغربي، لكن الأخيرة سرعان ما ردت باستخدام القوة العسكرية، ما أدى إلى تفكيك غرفة عمليات «فاثبتوا» بالكامل.

وبهذا الإجراء، أنهت «تحرير الشام» فعلياً وجود تنظيم «حراس الدين» ككيان عسكري مستقل.

جدير بالذكر أنه عندما كان قادة «حراس الدين»، ضمن «جبهة النصرة»، لعبوا دوراً كبيراً في المواجهات التي خاضتها الأخيرة ضد بعض فصائل «الجيش الحر» في إدلب وريف حلب.

وفي تلك الفترة استخدم أحمد الشرع (الجولاني) قادة «حراس الدين» وثقلهم في الوسط الجهادي لتحقيق مكاسب كبيرة، سواء في تصفية الفصائل المنافسة، أو في تثبيت حكمه في إدلب. ولكن، عندما رأى أنهم باتوا يشكلون خطراً على مشروعه، عمل على القضاء عليهم، مستغلاً فشلهم التنظيمي والإعلامي، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تكوين حاضنة اجتماعية في إدلب، مما جعلهم عرضة للتهميش والاستهداف. كما تعرضوا حينها لهجمات مباشرة ومؤلمة من التحالف الدولي اتهم الجولاني بالتنسيق فيها.

ويقول الحلبي: «قُتل بعض القادة، وسُجن آخرون، بينما اختار كثيرٌ من العناصر الصمت والعزلة تفادياً للصدام مع (تحرير الشام)، لأن ذلك لم يكن في مصلحة ما يُعرف بـ(الجهاد الشامي)، أي الثورة في سوريا».

ويضيف: «بعد انهيار (حراس الدين) كتنظيم على الأرض، عاد بعض عناصره - وأنا منهم - إلى (تحرير الشام)، لإدراكنا أن الارتباط بـ(القاعدة) لم يعد خياراً مجدياً، بل قد يضرّ بالثورة السورية والمشروع الجهادي ككل في سوريا».

من الجولاني إلى الشرع

يقول عروة عجوب، طالب الدكتوراه في جامعة مالمو، السويد، والمختص بشؤون الجماعات الجهادية، لـ«الشرق الأوسط»، إن تنظيم «حراس الدين»، «لم يعد له وجود فعلي منذ عام 2021، عندما شُكِّلت غرفتا عمليات (وحرض المؤمنين) و(فاثبتوا) بمشاركة عدة فصائل محلية غاضبة من النهج البراغماتي لزعيم (هيئة تحرير الشام) آنذاك أبو محمد الجولاني». ويشير عجوب إلى أن «الجولاني (أحمد الشرع)، شعر في ذلك الوقت بأن هذه الفصائل قد تشكّل تهديداً مباشراً لنفوذه في إدلب، ما دفعه إلى تفكيك هذه الغرف، ومنع أي محاولات لاحقة لتشكيل فصائل أو غرف عمليات جديدة».

قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني يتحدث أمام حشد من الناس في المسجد الأموي بدمشق بعد إعلان المعارضة السورية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 (رويترز)
قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني يتحدث أمام حشد من الناس في المسجد الأموي بدمشق بعد إعلان المعارضة السورية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

ويعتقد عجوب أن العداء بين الجولاني وتنظيم «القاعدة» بدأ فعلياً منذ انفصال «هيئة تحرير الشام» عن «القاعدة» عام 2016، وأن الجولاني استطاع لاحقاً، بالتعاون مع التحالف الدولي، القضاء على تنظيمي «داعش» و«حراس الدين» داخل مناطق سيطرته.

ويرى عجوب أن الإعلان الجديد عن التنظيم يهدف بالدرجة الأولى إلى إثبات الوجود، لافتاً إلى أنه يستبعد أي مستقبل لتنظيم «القاعدة» في سوريا بعد تحوّل «هيئة تحرير الشام» إلى السلطة، ويقول: «عندما كانت الهيئة مجرد فصيل مسلح، كانت تتهم (القاعدة) بالغلو وتقوم بملاحقة عناصرها، فكيف وقد أصبحت اليوم السلطة الشرعية؟».

ويتفق الحلبي مع وجهة النظر هذه، قائلاً: «لن يكون لـ(القاعدة) أي مستقبل في سوريا بعد انتصار (تحرير الشام)، كما أن المجتمع السوري ليس مستعداً لقبول أي تنظيم فصائلي الآن. كذلك، فإن أحمد الشرع بات يتمتع برمزية كبيرة بين الفصائل والمقاتلين، ما يجعل من المستحيل على (القاعدة) إحياء نفسها حالياً».

شركاء النصر

في المقابل، يقول قيادي في «الجيش الحر» سابقاً، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم الانهيار الميداني، سعى (حراس الدين) عبر إعلان حل نفسه إلى التأكيد على أن (القاعدة) لا تزال موجودة وفاعلة في سوريا، وأنها جزءٌ من (انتصارات الثورة) ضد النظام، في محاولة لإعادة إنتاج دورها في المشهد (الجهادي). كما أراد التنظيم تذكير خصومه، خصوصاً (تحرير الشام)، بأنه كان شريكاً أساسياً في مسيرتهم، وبأنه ساهم في توجيه زعيم (الهيئة)، أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، نحو فك ارتباطه بـ(القاعدة) بدعوى مصلحة الثورة السورية».

ولفت المصدر إلى أن التنظيم يرى نفسه «المدبر الرئيسي لمشروع أحمد الشرع، وأنه هو من خلّصه من تنظيم (داعش) ومنحه الشرعية، وهذا البيان هو محاولة لاستثمار هذا القرار لصالحه عبر الإظهار أنه لا يعارض مصلحة الشعب السوري، بل كان جزءاً ممن قاتلوا لتحقيق مصالحه».

وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى قيادي داخل «تحرير الشام» (سابقاً)، مفضلاً عدم ذكر اسمه، فاعتبر أن بيان «حراس الدين» هو محاولة من تنظيم «القاعدة» لتخليص السلطة الجديدة من تركتها لإتاحة المجال أمامها نحو نيل الشرعية الدولية كأن تزيح حملاً ثقيلاً ما زلت بقاياه ملقاة على كاهلها، وأن «القاعدة» ليست عثرةً في طريق إدارة أحمد الشرع الوليدة.

كذلك عدَّ القيادي السابق أن تنظيم «القاعدة»، «يسعى لتسهيل استقلال (هيئة تحرير الشام) بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) فعلياً عن ماضيها، لكنه في المقابل، يدرك أهمية كسب المجتمع المحلي السوري، خصوصاً الحواضن الاجتماعية للثورة، من خلال إظهار نفسه أنه لا يعرقل مصالح سوريا الجديدة الإقليمية والدولية».

ويحاول تنظيم «القاعدة»، حسب المصدر أيضاً، إظهار قدرته على التعامل البراغماتي مع الواقع السياسي، وتبني تكتيكات مرنة خدمةً للمصلحة الكبرى، حتى لو تعارض ذلك ظرفياً مع مصلحة التنظيم نفسه. وكان أيمن الظواهري أشار في أحد خطاباته إلى هذه المقاربة عند تعليقه على انفصال «جبهة النصرة» عن «القاعدة» في صيف 2016، مؤكداً أن «القاعدة» ليست عائقاً أمام الثورة السورية.

هذا التوجه يهدف إلى تقديم «القاعدة» تنظيماً قادراً على التأقلم، خلافاً لتنظيم «داعش»، الذي يرفض تغيير استراتيجيته بغض النظر عن الواقع السياسي والعسكري. فـ«القاعدة» يرى أن المرونة في الوسائل يحقق أهدافه الاستراتيجية العامة، في حين أن «تنظيم الدولة» يعدُّ الوسائل جزءاً لا يتجزأ من العقيدة، ولا يقبل بتغييرها.

محاولة «القاعدة» نسب نجاح «تحرير الشام» إلى استراتيجيتها وسعيها إلى تجنب الاعتراف بأن استقلال «تحرير الشام» كان شرطاً أساسياً لنجاحها. لذلك، تحاول تصوير هذا الانفصال على أنه قرار استراتيجي مدروس من قِبَل قيادتها هي. وعلى رغم وجود جناح داخل «القاعدة» وقتها لم يكن راضياً عن انفصال «جبهة النصرة»، فإن النجاحات التي حققتها «تحرير الشام» دفعت «القاعدة» إلى اعتبار هذا القرار خطوة حكيمة أفرزت نتائج إيجابية، يجعلها شريكة في هذا النجاح.

وبهذا، تريد «القاعدة» أن تُشعر «تحرير الشام» أو السلطة الجديدة بأنها مدينة لها، ولهذه السياسة البراغماتية، وأن ارتباطهما ليس صفحة سوداء يجب طيّها، بل جزء من تاريخ «الجهاد» الذي أدى إلى انتصار مهم في سوريا.

تهديد مبطن

إلى ذلك، قد يحتوي موقف «القاعدة» أيضاً على تهديد مبطن للسلطة الناشئة، مفاده أن التنظيم قادر على إعادة تشكيل نفسه داخل سوريا إذا لم تحقق «تحرير الشام» بحلتها الجديدة الأهداف الكبرى، مثل تطبيق حكم إسلامي لا يخرج عن الإطار العام الذي تتبناه، وأن تتجاهل «تحرير الشام» هذا الخط بالتوسع في التنازل عنه، بحيث تبقى ضمن الهوامش التي يمكن التنازل عنها مرحلياً. ومن ملامح الخط العام هذا تجنب إشراك الليبراليين والعلمانيين بالمشهد السياسي الوليد.

وفي البيان تلويح بإمكانية شنّ حرب ضد أي ثورة مضادة تقودها الأقليات أو القوى العلمانية، وتراهن «القاعدة» على تبلور تيار متشدد داخل «تحرير الشام» وباقي الفصائل يعارض التوجه البراغماتي للقيادة الحالية، مما يفتح المجال أمام تشكيل تكتلات معارضة أكثر تشدداً.

وهنا، قد يلعب «القاعدة» دور المحرك لهذا الاستياء، خصوصاً إذا ابتعدت «تحرير الشام» عن الأسس العقائدية التي يتبناها الجهاديون المحليون، حتى وإن كانوا أقل تشدداً من الجهاديين التقليديين.

عرض عسكري نظمته وزارة الدفاع السورية لتخريج أكثر من 300 جندي في مدينة حلب شمال سوريا (إ.ب.أ)
عرض عسكري نظمته وزارة الدفاع السورية لتخريج أكثر من 300 جندي في مدينة حلب شمال سوريا (إ.ب.أ)

مستقبل «القاعدة» في سوريا

يعتمد مستقبل «القاعدة» في سوريا على عدة عوامل؛ أهمها احتمالات وقوع صراع طائفي. فإذا تطورت أعمال العنف المتفرقة التي تحدث في بعض المناطق إلى صراع طائفي واضح المعالم، نتيجة تحركات فلول النظام أو تدخلات إيرانية مباشرة، قد تجد «القاعدة» في ذلك بيئة خصبة لإعادة بناء نفوذها وتأجيج نزاع طائفي، لا سيما وأنها تملك باعاً طويلاً في ذلك. العامل الآخر أنه يمكن استغلال الانقسامات داخل «تحرير الشام» في حال نشبت خلافات تعارض براغماتية الإدارة الجديدة وتتربص بها؛ هنا تقدم «القاعدة» نفسها خياراً بديلاً للجهاديين المحليين. إلا أن نجاح هذا الخيار يتوقف أيضاً على تطورات الأوضاع الأمنية، وتعامل «هيئة تحرير الشام» مع الفئات الغاضبة أو الأكثر تشدداً من جهة، ورد فعلها إذا لمست تشكل نواة صلبة ضدها. فـ«تحرير الشام» تمتلك خبرة واسعة في مواجهة الجماعات الجهادية، مستفيدةً من معرفتها العميقة بأساليبهم الأمنية وطرق تشكيلهم للخلايا النشطة، وكانت إدلب المنطقة الأكثر نجاحاً في مطاردة «تنظيم الدولة» والمتعاطفين معه. هذه الخبرة نابعة من تجربة «الهيئة» نفسها في مراحلها الأولى، حين مرت بظروف مماثلة قبل أن تصبح القوة المهيمنة في إدلب. وعلى هذا الأساس، تمكنت من فرض قبضتها الأمنية ضد الجماعات الجهادية على نحو أكثر فاعلية من «الجيش الوطني» أو «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على السواء.


مقالات ذات صلة

الصومال: مقتل ستة شرطيين كينيين في هجوم لـ«حركة الشباب»

أفريقيا عناصر من «حركة الشباب» (أرشيفية - متداولة)

الصومال: مقتل ستة شرطيين كينيين في هجوم لـ«حركة الشباب»

قُتل ستة من عناصر الشرطة الكينية على أيدي مسلحين يُعتقد أنهم ينتمون لـ«حركة الشباب» المتطرفة، شنوا هجوماً على قاعدة لقوات الاحتياط الأحد، وفق الشرطة.

«الشرق الأوسط» (نيروبي )
الخليج سيارات الطوارئ في موقع الانفجار بالقرب من القصر الرئاسي بالعاصمة الصومالية مقديشو (رويترز)

السعودية تدين هجوماً استهدف موكب رئيس الصومال

أدانت السعودية واستنكرت الهجوم الذي استهدف موكب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الثلاثاء، قرب القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا لقطة من فيديو صوِّر الأربعاء الماضي يُظهر قوات مسلحة صومالية في دورية خارج مكان انفجار سيارة مفخخة يوم الثلاثاء بفندق بمدينة بلدوين وسط الصومال وهو الهجوم المسلح الذي استمر لساعات وأسفر عن مقتل عدد غير معروف من الأشخاص (أ.ب)

مقتل 120 عنصراً من «حركة الشباب» بغارات جوية جنوب الصومال

أفادت مصادر بمقتل ما لا يقل عن 120 عنصراً من «ميليشيات حركة الشباب الإرهابية» عقب غارات مكثفة أجراها الجيش، بالتعاون مع القوات الصديقة، على مدينة جلب الصومالية.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
أفريقيا اللواء ماركوس كانجي مدير العمليات الإعلامية في الجيش النيجيري

جيش نيجيريا يعلن القضاء على عشرات الإرهابيين

أعلن جيش نيجيريا أنه تمكن خلال الأسبوع المنصرم من القضاء على أكثر من ثلاثين إرهابياً، في حين استسلم له 147 إرهابياً خلال عمليات عسكرية متفرقة.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أفريقيا منطقة الساحل تتحول منذ سنوات بؤرةً للإرهاب العالمي (أ.ف.ب)

منطقة الساحل الأفريقي تتصدر «مؤشر الإرهاب العالمي»

صُنّفت منطقة الساحل الأفريقي ضمن أخطر مناطق العالم وأشدها تضرراً من الإرهاب، وذلك وفق آخر تقرير صادر عن «مؤشر الإرهاب العالمي».

الشيخ محمد (نواكشوط)

عن «اليوم الأسوأ في تاريخ السويد»... جريمة معلّقة ضحيتها مهاجرون

ساحة قرب مجمع المدراس في مدينة أوريبرو السويدية وقد تحولت مزاراً لإحياء ذكرى ضحايا إطلاق النار (غيتي)
ساحة قرب مجمع المدراس في مدينة أوريبرو السويدية وقد تحولت مزاراً لإحياء ذكرى ضحايا إطلاق النار (غيتي)
TT
20

عن «اليوم الأسوأ في تاريخ السويد»... جريمة معلّقة ضحيتها مهاجرون

ساحة قرب مجمع المدراس في مدينة أوريبرو السويدية وقد تحولت مزاراً لإحياء ذكرى ضحايا إطلاق النار (غيتي)
ساحة قرب مجمع المدراس في مدينة أوريبرو السويدية وقد تحولت مزاراً لإحياء ذكرى ضحايا إطلاق النار (غيتي)

في حادثةٍ هزّت السويد وأدخلتها في دوامةٍ من الأسئلة الصعبة حول مستقبل الهجرة ومستوى الأمان الاجتماعي في البلاد، لقي أحد عشر شخصاً معظمهم من المهاجرين مصرعهم، وأصيب ستة آخرون بجروح خطرة، في إطلاق نار جماعي وُصف بأنه «الأسوأ في تاريخ البلاد». وكانت الحادثة التي كشفت عن هشاشة بنيوية في المجتمع السويدي، وقعت في 4 فبراير (شباط) 2025 داخل حرم مجمع مدارس «ريسبرجسكا» في مدينة أوريبرو، على بُعد 200 كيلومتر غرب العاصمة استوكهولم.

وجاءت هذه الجريمة المروعة بعد سلسلة أحداث متفرقة لم تلقَ الصدى الكبير الذي تلقاه عادة حوادث إطلاق نار أو جرائم أخرى، خصوصاً إذا كان المرتكب مهاجراً أو من خلفية مهاجرة.

ففي 7 يناير (كانون الثاني) 2025 قتلت ميسون أيوب (60 عاماً)، بعد تعرضها للطعن في متجر بضاحية بوتشيركا جنوبي استوكهولم، لتعتقل الشرطة رجلاً في الخامسة والعشرين، أظهر الفحص النفسي أنه «مصابٌ باضطرابٍ عقلي حاد»، وقبل ذلك، في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2024، قتل نيمو بشير داود (28 عاماً)، من أصول صومالية، في منطقة غابات مارشتا Marsta شمال غربي استكهولم. وبحسب الشرطة، «قُبض على مشتبه به خضع سابقاً لرعاية نفسية إلزامية».

وفي 12 أغسطس (آب) 2024، شهدت مدينة بوروس حادثة صادمة، إذ اندفعت سيارة نحو مظاهرة مؤيدة لفلسطين، مما أثار الذعر بين المشاركين وأوقع بينهم جرحى. السائق، الذي تبين من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به أن له توجهات يمينية متطرفة، اقتحم الحشد مرتين، وفقاً لشهود عيان. ولاحقاً أظهرت تحقيقات الشرطة أن السائق، وهو رجل أعمال في الستينيات من عمره، لديه تاريخ من التفاعل مع المحتوى اليميني المتطرف على الإنترنت. كما تضمنت تعليقاته دعوات صريحة للعنف ضد الفلسطينيين، بما في ذلك تحريض مباشر على قتلهم وتجويعهم.

بالتالي فإن الجريمة «الأسوأ على الإطلاق» في تاريخ السويد، والتي وصف حدوثها رئيس الوزراء، أولف كريسترشون، بـ«اليوم المظلم في التاريخ السويدي» لم ترق بحسب تحقيقات الشرطة ووسائل الإعلام إلى اعتبارها «عملاً ارهابياً» لكون المنفذ قتل نفسه وليس من خلفية مهاجرة على ما ندد كثيرون من أهالي الضحايا.

خطاب معادٍ للأجانب

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى السياسي في حزب اليسار وعضو مجلس مقاطعة أوريبرو السابق لمدة 24 عاماً جهاد نعمة والمقيم في السويد منذ 1990، فقال إن ما حدث كان متوقعاً، لكنه لم يكن ليُتصور أنه بهذه الوحشية.

أهالي ضحايا إطلاق النار في مدينة أوريبرو يوقدون الشموع ويضعون الزهور في موقع الحادثة (غيتي)
أهالي ضحايا إطلاق النار في مدينة أوريبرو يوقدون الشموع ويضعون الزهور في موقع الحادثة (غيتي)

وقال نعمة: «الخطاب السياسي الذي تنتهجه الأحزاب الحاكمة حوَّل المهاجرين، سواء كانوا قادمين جدداً، أو من المهاجرين القدامى، أو حتى الجيل الثاني، إلى شماعة تُعلق عليها جميع الأزمات والإخفاقات السياسية. وأدى ذلك إلى خلق قاعدة ناخبة باتت ترى الهجرة والمهاجرين على أنهم المشكلة الأساسية في البلاد».

ويضيف نعمة: «سياسات التقشف والاضطراب الاقتصادي وسوء إدارة الموارد أعادت ترتيب الأولويات على مستوى البلديات والمقاطعات، فقد شهدنا تراجعاً في الميزانيات المخصصة للرعاية الصحية، بما في ذلك دعم الأشخاص المصابين بأمراض نفسية، بينما جرى خفض الضرائب على أصحاب المداخيل المرتفعة. وهذا بدوره أدى إلى تفاقم غياب العدالة الاجتماعية، وزيادة الفجوة بين الطبقات، وارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن غياب استراتيجيات واضحة لدمج القادمين الجدد. كل هذه العوامل، إلى جانب تصاعد الخطاب السياسي المشحون بالكراهية ومعاداة الأجانب، مهّدت الطريق لهذه المجزرة».

كيف بدأت القصة؟

في ظهر يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025، تلقت الشرطة السويدية أول بلاغ عن وقوع إطلاق نارٍ داخل حرم مجمع مدارس «ريسبرجسكا» في مدينة أوريبرو، وتحديداً في الطرف الجنوبي للمدينة. يضم المجمّع ست مؤسسات تعليمية متنوعة، من بينها مركز تعليم الكبار ومدارس تعليم اللغة السويدية للمهاجرين، إضافةً إلى روضة أطفال وبرامج تدريب مهني.

وأشارت البيانات الصادرة عن الشرطة إلى أن ريكارد أندرسون، المشتبه به في ارتكاب الجريمة، استقل حافلة من وسط المدينة عند الساعة 07:35 صباحاً، ووصل إلى محطة قريبة من المدرسة في الساعة 07:47. ولم تتوفّر حتى الآن معلومات محدّدة عمّا قام به في الفترة الممتدة من وصوله إلى نحو الساعة 11:30، حين لحظه شهود عيان داخل المجمع التعليمي البالغة مساحته 17 ألف متر مربع. وفي صورة وزعتها الشرطة على وسائل الإعلام، حصلنا على نسخة منها، يظهر الجاني وهو يسير حاملاً حقيبة غيتار على ظهره وكيساً في كل يد، مما يُضيف بُعداً آخر لغموض دوافعه وسير الأحداث.

وعند الساعة 12:33، ورد بلاغ رسمي عن إطلاق نارٍ في المكان. وصلت أول فرقة شرطةٍ بعد ست دقائق، ودخل أفرادها المبنى في الساعة 12:40. في الدقيقة التي تلت ذلك، تبادلوا إطلاق النار مع المشتبه به، قبل أن تؤكد الشرطة عند الساعة 12:45 أنّ أندرسون أنهى حياته بيده.

مسؤول الشرطة السويدية هنريك دالستروم (إ.ب.أ)
مسؤول الشرطة السويدية هنريك دالستروم (إ.ب.أ)

في نحو الساعة 13:20، نشرت الشرطة بياناً عبر موقعها الإلكتروني طالبت فيه المواطنين بالابتعاد عن المنطقة، مشيرةً إلى وجود «تهديد محتمل باستخدام العنف المميت». تزامن ذلك مع مداهمة قوات أمنية أخرى منزل المشتبه به. وبعد قرابة ساعةٍ ونصف من هذا النداء، عُقد مؤتمر صحافي أكّد خلاله رئيس الشرطة أن التحقيق في مراحله الأولى، وأنه «لا دليل على وجود دافع آيديولوجي أو إرهابي حتى تلك اللحظة».

بعد ساعة ونصف من إصدار البيان، وعلى عكس حالات عنف سابقة، عقدت الشرطة مؤتمراً صحافياً ظهر فيه رئيس الشرطة وحيداً يتلقى السؤال نفسه تقريباً من كل الصحافيين: «هل كانت عملية إرهابية»؟ لتأتي الإجابة نفسها مراراً: «ليس ما يشير إلى دافع آيديولوجي. لا يوجد حتى الآن أي دافع واضح».

في وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، أعلنت الشرطة مقتل عشرة أشخاص في موقع الحادث، وأشارت إدارة منطقة أوريبرو إلى أن ستة أشخاص آخرين - جميعهم فوق الثامنة عشرة - يتلقون العلاج في المستشفى؛ خمسة منهم في حالة خطيرة، لكن مستقرة، ثم ارتفعت الحصيلة لاحقاً إلى 11 قتيلاً. وأوضحت الشرطة أن المشتبه به، الذي لم يكن معروفاً لها ولا يرتبط بأي عصابة، يُعتقد أنه تصرف بمفرده، وهو أحد من لقوا حتفهم أثناء الحادث. ثم نفى المسؤولون وجود دافع إرهابي وراء هذه الجريمة، لكن الآن تشمل التهم محاولة القتل وإحداث حرائق عمدية وجرائم استخدام الأسلحة النارية الخطيرة.

من هو ريكارد أندرسون؟

بدأت تتراكم التساؤلات حول ماضي الجاني، الذي لم يُدن سابقاً بارتكاب أي جريمة؛ إذ وصفه زملاؤه في المدرسة بأنه شخص هادئ الطباع عانى من صعوبات دراسية جسيمة، ولم يحقق معايير النجاح بعد إنهاء المرحلة الإعدادية، حتى إن أحد رفقائه وصفه بأنه «منعزل». وبعد انتهاء دراسته الثانوية، تلاشت تفاصيل حياته إلى حد بعيد.

بيانات مصلحة الضرائب تظهر أنه لم يحقق أي دخل خاضع للضريبة منذ عام 2014، أي أن دخله لم يتجاوز 100 ألف كرونة. كما أكدت الشرطة تسجيله في المركز التعليمي، الذي وقعت فيه المأساة. حصلت «الشرق الأوسط» على مستندات صادرة عن وكالة التجنيد والتقييم الدفاعية السويدية والتابعة لوزارة الدفاع، تُشير إلى أن الرجل قد تم إعلامه مراراً بأنه غير مؤهل للخدمة العسكرية عند بلوغه سن الرشد. وجاء في القرار: «أنت وجميع الرجال السويديين ملزمون يالتجنيد العسكري عند بلوغكم 18 عاماً. ومع ذلك، تستدعي الوكالة فقط الذين يملكون الإمكانات للتسجيل في الخدمة العسكرية أو المدنية أو للانضمام إلى الاحتياطي التعليمي». لكن رغم عدم أهليته للخدمة العسكرية فإن أندرسون حاز على رخصة لحيازة أربع بنادق صيد. وبهذه الأسلحة المرخصة، التي تضمنت بندقية إصابة مع ذخيرة من عيار مقاس 30-06 ، وكذلك بندقية صيد عادية، قام بارتكاب المجزرة تاركاً وراءه حدثاً زلزل السويد.

مسعفون في مجمع المدارس في مدينة أوريبرو السويدية حيث وقعت حادثة إطلاق نار وصفت بـ«الأسوأ في تاريخ البلاد» (غيتي)
مسعفون في مجمع المدارس في مدينة أوريبرو السويدية حيث وقعت حادثة إطلاق نار وصفت بـ«الأسوأ في تاريخ البلاد» (غيتي)

رابطة الصيادين السويدية على موقعها الرسمي تُشير بوضوح إلى أن «شهادة الصيد» تُعد شرطاً أساسياً للحصول على ترخيص لحيازة أسلحة الصيد، حيث تتألف من اختبار نظري وثلاثة اختبارات عملية، وأنه لا يوجد حد أدنى للسن، لكن يجب أن يمتلك المتقدم اللياقة البدنية اللازمة للتعامل الآمن مع الأسلحة. كما يجب الحصول على «شهادةصيد» كشرط أساسي قبل التقديم للحصول على ترخيص لدى الشرطة، لشراء واستخدام أسلحة الصيد، ويُستوفى ذلك بعد تقييم قدرات الفرد وفقاً للمعايير الفحص الموحدة. حاولنا سؤال جهاز الشرطة عن طريق إرسال رسالة إلكترونية، حول آليات هذا الفحص، غير أن المسؤولين على المستوى الوطني رفضوا الإدلاء بتصريحات إضافية، وطلبوا منا التواصل مع الشرطة في منطقة شرطة بيرجسلاجن التي تقع مدينة أوريبرو ضمن نطاق عملها، والتي تتولى التحقيق في الحادثة بحسب إيمانويل ألفاريز، السكرتير الصحافي في المركز الإعلامي لدى الشرطة الوطنية.

بعد اسبوع من الانتظار اكتفت الشرطة في منطقة بيرجسلاجن بالرد أنه «من المهم أن نتذكر أن هذا تحقيق مستمر وأن حقائق جديدة قد يتم اكتشافها و/أو إثباتها مع مرور الوقت. وستقوم الشرطة بالإعلان عن التفاصيل عندما تتوفر لدينا حقائق جديدة لتقديمها وعندما نشعر أننا قادرون على تقديم المعلومات».

مظاهر إسلاموفوبيا

تقول المترجمة نور مارتيني، المقيمة في أوريبرو، إن المدينة شهدت تصاعداً ملحوظاً في مظاهر الإسلاموفوبيا في السنوات الاخيرة. وتشير إلى أن حركة «مقاومة الشمال» المرتبطة بالنازيين الجدد التي بدأت في 2018 في نشر آيديولوجيتها في وسط المدينة بلغت حدوداً قصوى في السنتين الأخيرتين. في العام نفسه، تعرّض مسجد أوريبرو لحريق لم تُعرف أسبابه بشكل قاطع، إذ أُشيع أن أحد رواد المسجد كان وراء الحادث بسبب خلافات داخلية، لكن المسجد لم يُعَد بناؤه منذ ذلك الحين.

الشرطة السويدية تطوّق مجمّع المدارس الذي شهد إطلاق نار أودى بحياة 11 شخصاً في مدينة أوريبرو (غيتي)
الشرطة السويدية تطوّق مجمّع المدارس الذي شهد إطلاق نار أودى بحياة 11 شخصاً في مدينة أوريبرو (غيتي)

وتضيف نور أن التوترات بلغت ذروتها خلال أحداث حديقة سفيا باركن في 15 أبريل (نيسان) 2022، عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة وسكان مسلمين، على خلفية منح المتطرف اليميني راسموس بالودان تصريحاً لحرق المصحف أمام مسجد في ضاحية «فيفالا» شمال المدينة بما اعتبر قانوناً «حرية تعبير». ورغم تصاعد التوتر الأمني، فإن بالودان أصرّ على تنفيذ خطته، مما أثار استياء الجالية المسلمة وطرح تساؤلات حول الهدف من منحه التصريح،.

وبحسب نور، فإن التداعيات القانونية للأحداث أسفرت عن محاكمة ما لا يقل عن 150 شخصاً، معظمهم من الشباب والمراهقين، الذين تحولوا إلى أصحاب سوابق جنائية بموجب القانون السويدي، مما سيؤثر على مستقبلهم الاجتماعي والمهني، لا لسبب فعلي إلا لرغبة أحدهم بحرق كتابهم الديني.

وتلفت نور إلى أن الخطاب السياسي في السويد أصبح أكثر وضوحاً في استهدافه للمهاجرين، خاصة خلال مناقشات الحكومة في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حول تعديل النظام الانتخابي للمجالس المحلية والبلديات. خلال هذه المناقشات، حذّرت نائبة رئيس الوزراء وزعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي إيبا بوش من أن استمرار النظام الحالي قد يؤدي إلى «سيطرة المهاجرين على بلدية أوريبرو»، وهو تصريح اعتبره كثيرون معادياً للأجانب. كما تستذكر نور تصريحات بوش السابقة خلال أحداث سفيا باركن، حين تساءلت: «لماذا لم نشهد مقتل مائة إسلامي على الأقل؟»، في إشارة إلى الاحتجاجات العنيفة التي وقعت بعد حرق المصحف. وترى أن هذه اللغة الحادة أسهمت في تأجيج المشاعر ضد المهاجرين، وساهمت في تشكيل توجه سياسي يمنح اليمين المتطرف نفوذاً متزايداً.

ولم يكن الخطاب المعادي للمهاجرين حكراً على اليمين، وفقاً لنور. ففي الانتخابات البرلمانية عام 2022، ركّزت جميع الأحزاب على مدينة أوريبرو خلال حملاتها الانتخابية، لما لها من ثقل انتخابي واضح. حتى ماغدالينا أندرسون، رئيسة أكبر حزب في التكتل اليساري آنذاك، لم تتردد في استخدام لغة قومية، عندما قالت خلال حملتها: «ينبغي على الجميع أن يكونوا إسكندنافيين»، في تصريح اعتبره البعض محاولة لاستقطاب ناخبي اليمين.

ترى نور أن جميع هذه العوامل مجتمعةً تشير إلى أن مجزرة أوريبرو كانت «استهدافاً إرهابياً» للمهاجرين، خصوصاً الجالية المسلمة، حتى وإن حاولت الحكومة التخفيف من وقع الحدث أو تجنّب تسميته كهجوم بدوافع عنصرية. ومع استمرار التحقيقات، لا يزال مجتمع المهاجرين يعيش حالة من الترقب والقلق، في انتظار إحاطة الشرطة بالمستجدات. وفي الوقت الذي يشعل فيه المواطنون الشموع تكريماً للضحايا، تواجه بعض العائلات المكلومة تحديات إضافية، حيث أصبح بعض الأطفال مهددين بالترحيل بعد فقدان معيلهم، بينما مُنعت زوجة أحد الضحايا من تلقي العزاء بسبب صدور قرار بترحيلها قبل أن تتمكن حتى من وداع شريك حياتها.

صراع سياسي داخلي

تقول سلوى محمد (اسم مستعار) في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»:«يملؤني الرعب. أفضّل إخفاء هويتي كي أستطيع الحديث بحرية؛ فأنا أخشى الانتقام في بيئة العمل، خاصةً وأن بعض المؤسسات بدأت تضيق الخناق على من ينتقد الأوضاع الراهنة في السويد، لا سيما إن كان من أصول مهاجرة».

الملك والملكة السويديان وخلفهما رئيس الوزراء وزوجته في جنازة ضحايا حادثة أوريبرو (غيتي)
الملك والملكة السويديان وخلفهما رئيس الوزراء وزوجته في جنازة ضحايا حادثة أوريبرو (غيتي)

وترى سلوى أن المهاجرين باتوا هدفاً لصراعٍ سياسي محتدم؛ إذ تسعى بعض الأحزاب إلى تحقيق مكاسبها على حسابهم. وتضيف: «يطالبوننا بالاندماج والعمل، وهو ما نقوم به بالفعل. ومع ذلك، نُقتل. لماذا لا يُطلق على هذه الجرائم وصف (هجمات إرهابية) عندما ينفذها أشخاص سويديون بيض ضد مهاجرين؟ أين اختفت أصوات التحريض ضد المهاجرين؟ ولماذا كل هذا التعتيم على عمليات القتل التي تستهدف اللاجئين في السويد؟».

وتعرب سلوى كما غيرها ممن تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» عن استيائها من ازدواجية المعايير، قائلةً: «لو كان المنفّذ مهاجراً مسلماً، لأُلصقت به على الفور تهمة الإرهاب، لرأينا اليمين السويدي وجهاز الدعاية المرتبط به يتصدّرون الإدانة. أمّا الآن، فلا نجد إلا صمتاً مطبقاً وكأن ضحايا هذه الجرائم ليسوا بشراً، إلى درجة أن جيمي أوكيسون، رئيس حزب ديمقراطيي السويد، لم يذهب إلى أوريبرو بحجة أنه لا يريد استغلال الحادث لأسباب سياسية».

وتتهم سلوى الحكومة الحالية بـ«تعزيز الانقسام المجتمعي» عبر ما تصفه بـ«سياسات تمييزية وإقصائية»، مدعومةً بوسائل إعلامٍ تحتكر السردية وتهمّش أصوات المهاجرين. وتقول إنّ الإعلام «يركّز على السلبيات والإخفاقات ويستند إلى مصطلحات مثل الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، للتشكيك في أي طرحٍ مختلف عن الرواية الرسمية» التي تروّج لها الشرطة والمؤسسات الحكومية.

قصص من النضال والحب والتحديات

قمنا في «الشرق الأوسط» بمراجعة سير الضحايا بالاستناد إلى المصادر المفتوحة وما نُشر عنهم في الإعلام السويدي. المراجعة تُظهر أن الضحايا العشرة، كانوا من خلفيات متنوعة، بما في ذلك مهاجرون من أفغانستان، والبوسنة، والصومال، وسوريا، والعراق، ومن بين الضحايا: علي محمد (35 عاماً) من أفغانستان، وقمر (38 عاماً) من الصومال، وبسام الشلح (48 عاماً) من سوريا، وسليم إسكيف (28 عاماً) من سوريا، وعزيزة (68 عاماً) من كردستان العراق، وسلمي هوكيك (55 عاماً) من البوسنة، وإلسا تيكلاي (32 عاماً) من إريتريا.

مارة يشاهدون إضاءة جسر أوريسوند في السويد بألوان العلم إحياء لذكرى ضحايا إطلاق النار في مدينة أوريبرو (غيتي)
مارة يشاهدون إضاءة جسر أوريسوند في السويد بألوان العلم إحياء لذكرى ضحايا إطلاق النار في مدينة أوريبرو (غيتي)

سلمى... الحب أولاً

ولدت سلمى في مدينة توزلا في البوسنة، وكانت تقيم في أوريبرو برفقة أسرتها. في وطنها، كانت ناشطة في العديد من الجمعيات التطوعية، كما أنها تلقت تدريبها ممرضةً مساعدةً في السويد، وحصلت مؤخراً على تصريح عمل وإقامة دائمة، مما عزز فرصها في بناء حياة مستقرة. شاركت عائلتها رسالة كانت قد كتبتها إلى صديقة مقربة، تأملت فيها مسار حياتها، وتطرقت إلى موضوع ترك وطنها والخيارات التي اتخذتها. تحدثت سلمى في رسالتها عن أهمية الحب والتضامن في مواجهة تحديات الحياة. وختمت رسالتها، المكتوبة بلغتها الأم، بطابع شعري صادق يحمل في طياته معاني سامية: «دائماً اختاري الحب»

بسام... خبّاز «تيك توك»

بسام الشلة من سوريا، رب أسرة وأب لطفلين، كان يحضر دروس اللغة السويدية للمهاجرين مرتين أسبوعياً، ويعمل في مخبز. عمل بسام، طباخاً وخبازاً في مخبز لبناني شهير في أوريبرو، وكان شخصية محبوبة ومعروفة في الأحياء المجاورة. لم يكن مجرد طباخ عادي، إذ كان يسجل مقاطع فيديو أثناء عمله ويبثها عبر «تيك توك»، مما جعله يحتل مكانة خاصة لدى متابعيه؛ فقد كان يستقطب الزوار إلى المطعم، من مدن مختلفة كما أوضح زميله بيير العجاج لـ«وكالة الأنباء السويدية»: «لقد كان لديه أسلوبه المميز في تصوير عملياته، بحيث تُظهر تدويناته للهاتف تفاصيل عمله الدقيقة، وكانت موهبته تجذب أعداداً كبيرة من المتابعين وتجلب للمخبز زواراً من مختلف المناطق».

سليم... لا عرس في الصيف

كان سليم القادم من سوريا يدرس ليصبح ممرضاً واشترى منزلاً مع خطيبته وكان من المقرر أن يتزوجا خلال الصيف. تم تجربة فستان الزفاف وحجز الموعد. لكن بدلاً من الاحتفال بزواجه، اجتمعت عائلته وأقاربه وأصدقاؤه لتوديعه وإقامة جنازته في كنيسة القديسة مريم في المدينة.

قمر... حياة جديدة لم تكتمل

جاءت قمر إلى السويد من الصومال منذ أكثر من عشر سنوات، وهي أم عزباء لثلاثة أطفال يبلغ أكبرهم 15 عاماً، والآخر 11 عاماً، بينما يحتفل الأصغر بعيد ميلاده الثاني بعد شهرين من وفاتها. كانت قمر تنوي التوجه إلى متجر إيكيا بعد انتهاء دوام عملها في ذلك اليوم المشؤوم لشراء آخر مستلزمات انتقالها إلى شقة جديدة مع أولادها بعدما بدأت وظيفة تتيح لها العيش في منزل أوسع.

هكذا، وبعد مرور أكثر من شهر على هذه الكارثة، لا تزال أسئلة كثيرة دون إجابة حول خلفية ريكارد أندرسون ودوافعه. وفيما تواصل السلطات جهودها للتحقيق في ملابسات الحادث وتقديم إجابات وافية للمجتمع، ينتظر الناس عموماً، وأهالي الضحايا خصوصاً بفارغ الصبر نتائج هذه التحقيقات لمعرفة ما قاد الجاني إلى ارتكاب هذا الفعل الدموي.

أما الفئة الواسعة من المهاجرين فينتابها خوف من تكرار هذه الحوادث الفردية أو الجماعية وأن تبقى معلقة في أعناق «مرضى نفسيين».