معسكرات أفغانية تثير مخاوف من «عودة القاعدة»

التنظيم يعيد بناء صفوفه في ظل حكم «طالبان»... والخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: التهديد في أدنى مستوياته منذ 1996

مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

معسكرات أفغانية تثير مخاوف من «عودة القاعدة»

مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

يبدو تنظيم «القاعدة» منذ سنوات كأنَّ صدأً قد أصاب جسده النحيل المتآكل. فقد نجح الأميركيون، ومعهم تحالف دولي واسع، في قتل قادته الكبار، بمن فيهم أسامة بن لادن وخليفته أيمن الظواهري. اعتقلوا مئات آخرين من قادته وعناصره. فككوا خلاياه حول العالم. وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فقد ظهر لـ«القاعدة» منافس شرس من وسطه هو تنظيم «داعش» الذي سرق «بريق الإرهاب» من غريمه بسلسلة عمليات في أنحاء المعمورة.

لكنَّ هذه الصورة قد تكون «خادعة» في واقع الأمر. صحيح أن «القاعدة» يبدو عاجزاً عن شن هجمات ضخمة بحجم هجماته ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وصحيح أنها تبدو أيضاً عاجزة حتى عن الإعلان عن هوية زعيمها الجديد خلفاً للظواهري، رغم مرور أكثر من سنتين على مقتله، إلا أن تقارير أممية حديثة تؤكد أن التنظيم يقوم حالياً بإعادة بناء صفوفه بعدما أقام سلسلة معسكرات تدريب ومدارس دينية في أفغانستان.

وإذا ما صحت هذا التقارير، فإن ذلك يمكن أن يثير مخاوف من أن يعيد التاريخ تكرار نفسه. فهجمات «القاعدة» في 11 سبتمبر تمت انطلاقاً من معسكراتها الأفغانية. وإذا أضفنا إلى ذلك خزّان الغضب الذي تغذيه الحرب الإسرائيلية على غزة، وفشل «طالبان» في توفير الحاجات الأساسية للأفغان، والأزمات الممتدة في عدد من دول الشرق الأوسط، ومتغيرات كصعود اليمين المتطرف في الغرب، تزداد احتمالات ظهور موجة جديدة من التطرف والإرهاب. فهل يمكن أن تتكرر تجربة «القاعدة» الآن في ظل حكم حركة «طالبان» بنسخته الثانية؟

تمر هذه الأيام ذكرى هجمات تنظيم «القاعدة» في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. مثّلت تلك الهجمات، بطائرات مدنية مخطوفة، أكبر هجوم إرهابي على الأرض الأميركية منذ الهجوم الياباني على بيرل هاربر بهاواي عام 1941 والذي أدى بالولايات المتحدة إلى دخول الحرب العالمية الثانية.

برجا مركز التجارة في نيويورك قبل سقوطهما (غيتي)

لم تَقُدْ هجمات 11 سبتمبر إلى حرب عالمية ثالثة، بالمفهوم التقليدي للحروب العالمية، لكنها أطلقت حرباً طويلة ضد الإرهاب امتدت عبر قارات العالم. بدأت تلك الحرب بغزو أفغانستان، في أواخر عام 2001، حين تمكن الأميركيون من إطاحة حكم حركة «طالبان» التي وفرت الحماية لمنفذي هجمات «القاعدة»، رافضة تسليمهم.

في صيف عام 2021، حزم الأميركيون حقائبهم وانسحبوا من أفغانستان لتعود مجدداً تحت حكم «طالبان»، بنسختها الثانية. شكّل الانسحاب هزيمة لمشروع أميركا في بناء نظام حليف لها في كابل. إذ سرعان ما انهارت حكومة الرئيس أشرف غني وجيشها الذي أُنفقت مليارات الدولارات على تسليحه، أمام قوات الحركة الإسلامية.

احتفلت «طالبان» أخيراً بمرور ثلاث سنوات على عودتها إلى السلطة. استعرضت جيشاً مزوداً بآليات وطائرات وأسلحة مختلفة تركها وراءهم الأميركيون المنسحبون أو تم الاستيلاء عليها من ثكنات الجيش الأفغاني المنهار.

لم تشكل عودة «طالبان» إلى الحكم، في الواقع، مشكلة لكثير من الدول الغربية. فرغم الملاحظات المرتبطة بتطبيقها المتشدد للشريعة الإسلامية، بما في ذلك منع تعليم الفتيات بعد بلوغهن سناً معينة، فإن هذه الحركة نجحت في الحقيقة في فرض درجة عالية من الأمن في البلاد. قلّصت إلى حد كبير مساحات الأراضي المزروعة بالأفيون، المخدر الذي كان يغزو الأسواق الغربية. حاربت خلايا تنظيم «داعش – خراسان» الذي كان يتمدد في شرق البلاد على وجه الخصوص، ويشكل تهديداً خارجياً أيضاً.

«محاسن» الحركة هذه قابلها، في الحقيقة، قلق متزايد في الغرب من أن تعود أفغانستان، في ظل حكمها الجديد، كما كانت في الماضي: مأوى لخليط من الجماعات الإرهابية أو المتشددة.

شكّل كشف الأميركيين عن وجود أيمن الظواهري في كابل، في صيف عام 2022، أحد المؤشرات العلنية على وجود قلق غربي من عودة «القاعدة» إلى أفغانستان. فخليفة أسامة بن لادن على رأس «القاعدة»، كان يعيش في حي شيربور الراقي بالعاصمة الأفغانية، تحت حماية عناصر من «طالبان». كان من الطبيعي أن تثار شكوك حول أن شخصاً بحجم الظواهري لا يمكن أن يعيش في كابل إلا بمعرفة زعيم «طالبان»، الملا هبة الله أخوندزادة، تماماً كما كان وضع أسامة بن لادن وقادة تنظيمه عندما عاشوا في ظل حكم الملا عمر، زعيم «طالبان» السابق.

لكن ليس هناك ما يؤكد، في الحقيقة، أن أخوندزادة أذن باستضافة الظواهري، بل هناك من يؤكد أنه لم يكن يعرف بذلك، رغم أن الذي قدّم المأوى له قياديون في «طالبان». وكما هو معروف، إيواء الظواهري كان يمكن أن يشكل مخالفة لتعهدات قدمتها «طالبان» للأميركيين، في اتفاق الدوحة (عام 2020)، بأنها لن تسمح لأي جهة بأن تستخدم أراضيها للتخطيط لمؤامرات إرهابية إذا انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان.

في أي حال، طويت قضية الظواهري سريعاً. ضربة واحدة من طائرة أميركية بلا طيار كانت كفيلة بالقضاء عليه على شرفة شقته بكابل، فجر 31 يوليو 2022. «طالبان» المحرجة لم تؤكد مقتل الظواهري. فتحت تحقيقاً لم تعلن نتائجه رسمياً حتى اليوم. أما «القاعدة» فقد اختارت الصمت، ربما لتجنب إحراج مضيفيها الأفغان، وربما بناءً على نصيحة منهم.

الظواهري ليس وحيداً

لم يكن الظواهري بالتأكيد القيادي الوحيد من «القاعدة» الذي يعيش في ظل حكم «طالبان»، بنسخته الجديدة. إذ تكشف تقارير عديدة لخبراء من الأمم المتحدة، مختصين بأفغانستان، عن أن هذا البلد عاد مركز جذب لجماعات متشددة، بينها «القاعدة»، رغم أن «طالبان» تسعى إلى إبعاد ضيوفها عن دائرة الضوء، في خطوة من الواضح أنها تهدف إلى تجنب الإحراج أمام أطراف خارجية قادرة على عرقلة مساعيها لنيل اعتراف دولي بحكمها.

دخان يتصاعد في كابل عقب الضربة الأميركية التي أدت إلى مقتل أيمن الظواهري في 31 يوليو 2022 (أ.ف.ب)

يكشف التقرير الأخير لفريق مراقبة العقوبات على أفغانستان التابع للأمم المتحدة، والصادر في يوليو (تموز) 2024، عن أن «طالبان» لجأت إلى فرض «قيود على حركة أفراد (القاعدة) وجماعات مرتبطة به، وأرغمتهم على التقليل من ظهورهم في أفغانستان» رغم أن «العلاقة تبقى وثيقة (بين الطرفين)». ويشير التقرير، في هذا الإطار، إلى معلومات تفيد بأن «(القاعدة) يقوم بجهود مستمرة لإعادة تنظيم صفوفه، وتجنيد (عناصر)، والتدريب في أفغانستان»، لافتاً إلى تسجيل «حركة انتقال خفيفة باتجاه أفغانستان» لأشخاص على علاقة بـ«القاعدة».

يضيف التقرير أن «النية من وراء هذه النشاطات غير واضحة، وليس واضحاً (أيضاً) تبعات ذلك على قدرات (التنظيم). لكنَّ هذه النشاطات هي سبب لقلق كبير. إن عدد الجماعات الإرهابية التي تنشط في أفغانستان لم يتراجع»، مشيراً إلى أن «القاعدة وجماعات مرتبطة بها تعد دولة (أفغانستان) أرضاً صديقة».

صبر استراتيجي

ويتضمن تقرير الخبراء الأمميين المؤلَّف من 26 صفحة، معلومات عن تعاملات «القاعدة» مع مستضيفيها الأفغان. يقول: «تبقى (القاعدة) صبورة استراتيجياً، وتتعاون مع جماعات إرهابية أخرى في أفغانستان، وتعطي الأولوية لعلاقتها المستمرة مع (طالبان). تواصل هذه الجماعة العمل سراً بهدف إظهار صورة أن (طالبان) تلتزم بنود اتفاق الدوحة بخصوص منع استخدام أراضي أفغانستان لأغراض إرهابية».

لكن التقرير يضيف: «رغم الظهور المنخفض، تنشر (القاعدة) دعاية هدفها زيادة التجنيد (في صفوفها) في وقت تعمل فيه على إعادة بناء قدراتها العملياتية. إن قدرة (القاعدة) على شن هجمات ضخمة تبقى محدودة، لكن نيّتها تبقى صلبة، تُعززها قدرات جماعات مرتبطة بها على تنفيذ عمليات خارجية. ليس هناك تغيير (منذ تقرير الفريق الأممي السابق) في وضعية ولا مكان وجود أمير (القاعدة)، كما لم يحصل تغيير في قدرات الجماعة في أفغانستان».

ومعلوم أن التقرير السابق أشار، كما هو معروف، إلى معلومات تفيد بأن «أمير (القاعدة) الفعلي، سيف العدل (المصري محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان)، موجود في إيران، في حين أن هناك قادة آخرين، بينهم عبد الرحمن الغامدي، موجودون في أفغانستان».

يقدم التقرير الجديد، في يوليو الماضي، معلومات عن أدوار تلعبها قيادات «القاعدة» الموجودة في أفغانستان. إذ يقول إن «شخصيات (القاعدة) في أفغانستان تتواصل مع أمراء حرب، مروجي دعايات، مجندين وممولين»، مضيفاً أن «مدربين ذوي خبرة سافروا إلى أفغانستان لتقوية أمن الخلايا المنتشرة هناك. تعطي (القاعدة) الأولويات للتواصل وعمليات التجنيد، خصوصاً في أوساط أولئك الذين عملوا سابقاً إلى جانبها، أو كانوا أعضاء عملانيين، قبل أغسطس (آب) 2021»، وهو تاريخ عودة «طالبان» إلى سدة الحكم في كابل.

ويورد أيضاً معلومات عن مسعى قامت به «القاعدة» لـ«إقامة تعاون مع الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية التي تُعرف أيضاً باسم الحزب الإسلامي التركستاني، ومع جماعة أنصار الله، بهدف تكثيف النشاطات وتقوية موقعها ضمن هيكلية (طالبان) العسكرية في الشمال، (تمهيداً) لتنفيذ عمليات مشتركة ونقل مركز النشاط الإرهابي إلى آسيا الوسطى». و«جماعة أنصار الله»، هنا، هي جماعة طاجيكية تُعرف أيضاً بـ«طالبان الطاجيكية»، وتتخذ من ولاية باداخشان بشمال أفغانستان مقراً لها.

ويتضمن التقرير الأممي أيضاً معلومات مفادها أن «خلايا (القاعدة) تعمل في ولايات أفغانية عدة، خصوصاً في جنوب شرقي البلاد»، مشيراً إلى أن المقرات التابعة لهذا التنظيم تتولى على وجه الخصوص «تدريب مقاتلين محليين إلى جانب ناشطين في حركة (طالبان) الباكستانية»، متحدثاً عن «رصد مواقع لقواعد تدريب جديدة وبيوت آمنة في ولايات أفغانية مختلفة، بما في ذلك معسكرات سابقة في جلال آباد، وقندهار، وفي كونار، ونورستان وطاخار».

«القاعدة»... العودة إلى أفغانستان (الشرق الأوسط)

هرمية «القاعدة»

وبالنسبة إلى هرمية «القاعدة» في أفغانستان، يقول التقرير: «تطورت كتيبة عمر الفاروق تحت قيادة أبو إخلاص المصري، مع مجيء دفعة جديدة تضم بعض المقاتلين العرب. أبو إخلاص المصري تم وقفه حمائياً (الاعتقال بهدف الحماية) من المديرية العامة للاستخبارات في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، الأمر الذي عكس قلق (طالبان) من أن أجهزة استخبارات أجنبية كانت تبحث عنه». ويتابع: «عملاء آخرون لـ(القاعدة)، بينهم مهندسا أسلحة، أُخذا أيضاً للاعتقال بهدف الحماية أو تم إخفاؤهما من السلطات الفعلية في كابل».

وحسب التقرير، رُصد «وصول عدد من أعضاء (القاعدة) العرب إلى كونار ونورستان بهدف التدريب وتسهيل الاتصال بين محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان (الملقب سيف العدل) وبين شخصيات (القاعدة) الأساسية، ومع فرع (القاعدة) في شبه الجزيرة الهندية، ومع عناصر محددة من (طالبان). كما سُجّل وجود عبد العظيم بن علي، وهو عضو ليبي في (القاعدة) ينتمي إلى مجلس شورى أبو سليم في درنة، ليخدم في وزارة الداخلية (الأفغانية)، دون أن تكون له وظيفة واضحة، وتم منحه جوازاً أفغانياً باسمَي (عبد العظيم) و(علي موسى بن علي الدرسي)».

ومعلوم أن التقرير السابق لفريق الأمم المتحدة، لشهر يناير (كانون الثاني) 2024، أشار إلى وصول ستة ناشطين جدد من أفراد «القاعدة» إلى شرق أفغانستان للالتحاق بـ«كتيبة عمر الفاروق» التي يقودها أبو إخلاص المصري، كاشفاً عن أن هذا التنظيم أقام ثمانية معسكرات تدريب جديدة في أفغانستان، بما في ذلك في غزني ولغمان وبروان وأوروزغان، بالإضافة إلى قاعدة لتخزين السلاح في وادي بانشير.

ويضيف التقرير أن حكيم المصري، ومركزه في ولاية كونار، مسؤول عن معسكرات التدريب بما في ذلك «تدريب الانتحاريين» لمصلحة جماعة «طالبان» الباكستانية. ويورد التقرير أيضاً أن لـ«القاعدة» خمس مدارس (دينية) في لغمان وكونار وننغرهار ونورستان وبروان.

تعليمات للمقاتلين العرب بتجنب كابل

وكما يبدو، يثير الكشف عن وجود كل هؤلاء القادة الأجانب في أفغانستان قلق سلطات «طالبان» التي بدأت مسعى لتنظيم وجودهم. إذ يكشف تقرير الأمم المتحدة، لشهر يوليو الماضي، أن المديرية 31 في الاستخبارات الأفغانية، وهي المديرية المسؤولة عن التنسيق مع المقاتلين الأجانب، «أبلغت كل المقاتلين العرب بتجنب كابل وإلا واجهوا الاعتقال». وأضاف أن «طالبان» طلبت، رغم تعليماتها هذه، من أعضاء «القاعدة» أن يأتوا إلى العاصمة كي يتم تسجيلهم وأخذ معلومات عنهم وفق تقنية (بيومتريك)، فإن «شخصيات رفيعة من (القاعدة)» لم تأتِ.

في أي حال، يبدو أن قضية انتقال أعضاء من «القاعدة» إلى أفغانستان لم تعد سراً، رغم جهود «طالبان» لإبقاء الأمر بعيداً عن أعين وسائل الإعلام. وكان لافتاً، في هذا الإطار، أن سيف العدل، الذي يوصف بأنه «الأمير الفعلي» للتنظيم منذ مقتل الظواهري، خرج بمقالة نشرتها «مؤسسة السحاب»، الذراع الإعلامية لـ«القاعدة»، داعياً مناصري التنظيم إلى الالتحاق بأفغانستان. حضَّ سيف العدل في مقالته التي تحمل عنوان «هذه غزة: حرب وجود وليست حرب حدود»، المسلمين الراغبين في «التغيير» أن يذهبوا إلى أفغانستان «كي يتعلموا من ظروفها ويستفيدوا من تجربة (طالبان)».

ليست دعوة بريئة بلا شك. فسيف العدل، المقيم في إيران منذ سنوات طويلة، يفكر بالتأكيد في طريقة تسمح لتنظيمه بإعادة بناء نفسه واستقطاب مزيد من المقاتلين، تماماً كما فعلت «القاعدة» في تسعينات القرن الماضي عندما استخدمت أفغانستان قاعدة خلفية للتجنيد والتدريب والتخفي.

وإذا كان تقرير الخبراء الأمميين يشير إلى أن «نية (القاعدة)» لم تتغير وهي التحضير لمزيد من الهجمات الإرهابية انطلاقاً من أفغانستان»، فإن المؤكد أن «طالبان»، في المقابل، ما زالت ملتزمة، حتى الآن، تعهدها بألا تسمح باستخدام أفغانستان منطلقاً لمؤامرات إرهابية في الخارج. لا بد من الإشارة هنا أن التحضير لهجمات «القاعدة» في 11 سبتمبر 2001 أثار جدلاً داخل التنظيم نفسه حول جواز ذلك شرعاً دون إذن حركة «طالبان». فهل يكرر التاريخ نفسه اليوم؟

«درون» مسلحة بصواريخ مشابهة للتي استُخدمت لقتل زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في كابل (الجيش الأميركي - أ.ب)

تهديد «القاعدة» في «أدنى مستوياته»

رغم القلق من مخاطر عودة «القاعدة» إلى أفغانستان، تبدو الولايات المتحدة مطمئنة إلى أن هذا التنظيم هو الآن في أضعف مراحله منذ انتقاله من السودان إلى أفغانستان عام 1996.

وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية رداً على أسئلة «الشرق الأوسط»: «نقيّم أن قدرة (القاعدة) على تهديد الولايات المتحدة من أفغانستان أو باكستان هي ربما عند المستوى الأدنى منذ انتقال الجماعة إلى أفغانستان من السودان عام 1996».

وأضافت أن «الاهتمام الدائم والأكثر أهمية للولايات المتحدة في أفغانستان يتعلق بضمان أن هذا البلد لا يمكن أن يكون مرة ثانية منصة انطلاق لهجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة».

وعن مؤشرات عودة «القاعدة» إلى أفغانستان، قالت: «نتعامل انطلاقاً من مقاربة تشمل كل الحكومة الأميركية، وبالتعاون مع الشركاء والحلفاء، من أجل منع عودة ظهور التهديدات الخارجية من أفغانستان»، مضيفةً: «نضغط باستمرار على (حركة) طالبان من أجل التزام تعهداتها في مجال التصدي للإرهاب».

وأرسلت «الشرق الأوسط» إلى وزارة خارجية حكومة «طالبان» أسئلة تتعلق بالمزاعم عن عودة «القاعدة» إلى أفغانستان، لكنها لم تتلقَّ رداً مع نشر هذا التقرير.


مقالات ذات صلة

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

تحقيقات وقضايا فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فقدت ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، أهميتها مع مرور السنين، لكن آثارها لا تزال حية في منطقة الشرق الأوسط وجوارها.

غسان شربل (لندن) كميل الطويل (لندن)
خاص فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب) play-circle 10:40

خاص بن لادن استقبل مبعوث صدام حسين فارتبط غزو العراق بهجمات 11 سبتمبر

قصة لقاء فاشل استخدمه جورج بوش للربط بين صدام حسين وأسامة بن لادن وتبرير غزو العراق.

غسان شربل (لندن)
آسيا حارس أمن من «طالبان» يقف في ساحة أحمد شاه مسعود بينما يحتفل الناس بالذكرى الثالثة لاستيلاء الحركة على أفغانستان بكابل 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

تقرير : «القاعدة» توسّع وجودها في أفغانستان

أقام تنظيم «القاعدة» تسعة معسكرات إرهابية جديدة في أفغانستان في عام 2024، وهو دليل على زيادة تقبل حركة «طالبان» لوجود الجماعات الإرهابية في فنائها الخلفي

أفريقيا حالة استنفار في المستشفى بعد استقبال أكثر من 300 جريح (التلفزيون الحكومي)

200 قتيل في هجوم إرهابي وسط بوركينا فاسو

أعلنت حكومة بوركينا فاسو أنها سترد بحزم على هجوم إرهابي أودى بحياة ما لا يقل عن 200 قتيل، أغلبهم مدنيون يقطنون في قرية بارسالوغو الواقعة وسط البلاد.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مجموعة من الميليشيات التابعة لإيران خلال اشتباك مع قوات «قسد» (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تجدد التصعيد شرقاً وغرباً في سوريا بعد فترة هدوء نسبي

عاد التوتر للتصاعد في سوريا خلال الساعات القليلة الماضية، وتجددت الاشتباكات شرقاً بين ضفتي الفرات بعد فترة هدوء نسبي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
TT

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)

في يوم شديد الحرارة، وخلال ساعات النهار في شهر يونيو (حزيران)، رفع 5 أفراد من أسرة مصرية عيونهم إلى الأعلى وتساءلوا بغضب في نفس واحد: «هوّ ده وقته؟».

هكذا تساءلت أسرة ماجد عزت، الأربعيني، التي كانت تتابع تطور الذكاء الاصطناعي ومميزاته وتهديده لبعض الوظائف، عبر شاشة فضائية عربية؛ غير أن الساعات المحددة لانقطاع الكهرباء عن حي شبرا، بشمال القاهرة، قد حلَّت.

تأثُّر عزت الشديد بالتكنولوجيا ظهر بوضوح في نبرته وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، حتى إنه كرر ما سمعه عبر الشاشة قائلاً: «من مميزات الذكاء الاصطناعي: زيادة الإنتاج وسرعة الأداء، وهيريح البشر... لأن الروبوتات هتقوم ببعض الوظائف بشكل أفضل ومن دون أي فساد أو محسوبية... لكن مشكلته أنه هيهدد وظائف في المستقبل... إيه هي الوظايف دي... النور قطع عليها».

روى عزت، الذي يملك ويدير مقهى، وهو يضرب كفاً بكف، مأساة أسرته مع انقطاع الكهرباء: «في عز الحر... من الساعة 2 للساعة 5 العصر... 3 ساعات لا نور ولا نت (إنترنت)». وبنبرة أعلى: «ولا معرفة حتى».

وبإظلام المنطقة، انطفأ الشغف في المعرفة، وبحث أفراد الأسرة عن أوراق لاستخدامها «هوَّاية» يدوية، في محاولة لتقليل أثر الحرارة التي تعدت حينها 40 درجة مئوية، حسب قوله.

مناطق مظلمة في العاصمة القاهرة خلال انقطاع التيار الكهربائي (رويترز)

«تخفيف أحمال»

تواجه مصر مشكلة كهرباء، تفاقمت منذ أشهر إلى أزمة، تسعى الحكومة لتقليل أثرها نسبياً عبر ما تسميه «تخفيف أحمال»، بقطع التيار نحو ساعتين إلى ثلاث يومياً. ومع حدة الأزمة، اضطرت الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى إعلان جدول تخفيف الأحمال، ليتسنى للمواطنين معرفة توقيت الانقطاعات، وترتيب أحوالهم اليومية على ذلك، لكنَّ قرار القطع عادةً ما يتم ربطه بزيادة الاستهلاك، وليس بمواعيد الجدول.

ومؤخراً، أعلنت الحكومة المصرية توقف «تخفيف الأحمال» إلى نهاية الصيف الحالي، واستبدلت به خطة «الأعطال الفنية»، مع وعود بالعمل على القضاء على المشكلة في أقرب وقت.

ووفق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن «استهلاك الكهرباء ارتفع بمعدلات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن البلاد تستهلك نحو 37.5 غيغاواط يومياً في الوقت الحالي، بزيادة أكثر من 12 في المائة عن العام الماضي، ولم يشر إلى تأثير التوسعات في إنشاء مدن وأبراج جديدة على الاستهلاك.

وقدَّر رئيس الوزراء الفجوة في الكهرباء بنحو 3 - 4 غيغاواط، وقال إن «الفجوة من احتياجاتنا من الطاقة سيجري توفيرها من خلال الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة»، مشيراً إلى التعاون مع الإمارات في هذا الصدد.

وتُظهر البيانات أن أقل من 12 في المائة من قدرة الطاقة المُركبة في مصر البالغة نحو 60 غيغاواط، تأتي من مصادر الطاقة المتجددة.

مصانع خارج الخدمة

في يوم آخر شديد الحرارة من شهر يونيو 2024، بلغت فيه 40 درجة مئوية في الظل، وتعدت 45 درجة تحت الشمس الحارقة، يتابع المزارع السيد متولي، الخمسيني، من محافظة الدقهلية، شمال شرقي الدلتا بمصر، محصول أرضه من الفول الصويا، ويقول بثقة: «محصولي أنا كفيل به... الزرعة هتطلع أحلى زرعة».

رد متولي، جاء على مخاوف قد تبدو مشروعة في السوق المصرية، حول مستقبل المحاصيل، في ظل نقص الأسمدة الأزوتية (السماد).

ونتيجة انقطاع الكهرباء، أعلنت مصانع أسمدة في مصر توقفها عن العمل، وفي إفصاح للبورصة المصرية، في 26 يوليو (تموز) 2024، قالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو»، إنها أوقفت مصانعها الثلاثة، بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي، حيث استخدمت وزارة الكهرباء كميات الغاز المخصصة للمصانع، لتشغيل بعض المحطات.

وفي إفصاح مماثل، سبقتها شركة «أبو قير» للأسمدة، وأعلنت عن توقف مصانعها الثلاثة، كما أعلنت شركة «سيدي كرير» للبتروكيماويات عن توقف مصانعها «نظراً لانقطاع غازات التغذية».

وتعد صناعة الأسمدة استراتيجية في مصر، لأهميتها المتعلقة بالزراعة، بالإضافة إلى عوائدها التصديرية من الدولار، إذ تحتل مصر حالياً المركز الخامس عالمياً في الإنتاج والسادس في التصدير.

وتُلزم الحكومة منتجي الأسمدة بتوريد 55 في المائة من إنتاجهم بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة لتغطية احتياجات السوق المحلية، ورغم إعلان الشركات الثلاث الرئيسية عودتها للعمل، فإن الفلاح المصري متولي، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «شيكارة السماد بتتباع في السوق السودا بـ1500 جنيه؛ من كام بقى؟ من 250 جنيه... والحكومة كانت بتصرفلنا 3 شكاير سماد... دلوقتي بتصرف شيكارتين بس... لكن الفلاح لو هيشحت هيصرف على زرعته من قوته، عشان زرعته تكون كويسة».

وبنبرة تملؤها الحسرة: «بس لو هيخسر! يبقى السنة اللي بعدها مش هيزرعها تاني... دا إيجار الفدان بقى من 50 إلى 70 ألف جنيه في السنة».

ويؤدي ارتفاع سعر السماد إلى زيادة في أسعار السلع الغذائية، مما يزيد بدوره من التضخم، الذي يعد أزمة أخرى تحاول البنوك المركزية حول العالم التغلب عليها برفع أسعار الفائدة، مما يقلل من جاذبية مناخ الاستثمار، نتيجة زيادة الاقتراض؛ الذي يتسبب انقطاع الكهرباء عن المصانع في جزء كبير منه.

صف من مولدات الديزل المملوكة للقطاع الخاص يوفر الطاقة للمنازل والشركات في بيروت (أ.ب)

ظلام في بيروت

ومن الذكاء الاصطناعي والصناعة والزراعة في مصر، إلى التعليم في لبنان، حيث أكدت هنادي الحاج تأثرها الشديد بـ«الظلام».

وقالت الحاج لـ«الشرق الأوسط» من بيروت، والحرارة ما زالت مرتفعة هناك أيضاً، إن «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة أثَّر علينا... ولادنا مش قادرين يتعلموا منيح لأنهم مضطرين للأونلاين... يشغلوا الكومبيوتر ما بيشتغل... قطع الكهربا خرَب التعليم».

وبالنظر إلى الوضع في مصر، يبدو وصف هنادي مبالغاً فيه، فتحمُّل الطالب ساعتين أو ثلاثاً والعودة إلى دراسته من جديد قد يكون صعباً ومكلفاً نوعاً ما لكنه لا يصل إلى حد الخراب، غير أن هنادي أفادت بأن عدد ساعات الانقطاع وصل في بعض الأيام إلى 24 ساعة متصلة.

«قطع الكهربا خرب التعليم... فاضطرينا نركّب الطاقة الشمسية... وكمان عندنا اشتراك عادي لأن في الشتاء ما في شمس تلبّي متل الصيف... هذا الشيء سحب مدخراتنا»، وفق هنادي التي تساءلت: «كيف يطلعوا ولادنا في الظلام؟».

«منذ مطلع العام الحالي، رفعت مؤسسة كهرباء لبنان التغذية بالتيار إلى نحو 6 و10 ساعات يومياً طبقاً للمناطق، بعدما كانت توفر الكهرباء بين ساعة وساعتين يومياً فقط، بعد صرف سلفة الخزينة التي حصلت عليها من المصرف المركزي لسداد ثمن الوقود العراقي».

أعمال متضررة في العراق

الأعمال تتدهور في العراق، في جو بنصف درجة الغليان في محافظة الديوانية (جنوب)، التي شهدت مظاهرات يوم 14 يوليو الجاري، ليس على انقطاع الكهرباء، بل «على غيابها التام»، وفق أحمد حسين، من منطقة غماس، الذي شارك في المظاهرة.

يصف حسين، الذي يعمل في مجال الحدادة، لـ«الشرق الأوسط»، تداعيات الانقطاع على عمله الخاص: «شغلي حداد وطبيعي أستخدم الكهرباء... الباب اللي يستغرق 3 ساعات يأخذ 3 أيام وأكثر... الرزق قلّ بسبب الكهرباء».

وتساءل حسين: «هل يمكن للإنسان أن يعيش في جو تصل درجة حرارته إلى قرب درجة الغليان من دون كهرباء... أنا من بلد النفط... هل من المعقول أن نقاسي ونعاني هكذا؟».

ويُنتج العراق، الغني بالنفط واحتياطيات الغاز، 26 ألف ميغاواط، بينما يحتاج إلى 35 ألف ميغاواط من الكهرباء، بعجز 9 آلاف ميغاواط في الإنتاج.

ورغم اعتماد لبنان على العراق في حل مشكلة الكهرباء، من خلال الاتفاق على توريد شحنات الفيول (زيت الوقود عالي الكبريت)، فإن العراق يعاني هو الآخر من أزمة، نتيجة تردي البنية التحتية للمحطات، وعدم توفر الوقود اللازم، إذ تعتمد على الغاز المستورد من إيران.

ورغم أن احتياطيات الغاز في العراق 4 أضعاف احتياطيات الغاز في مصر، فإن إنتاج بغداد من الغاز لا يتخطى عُشر إنتاج القاهرة من الغاز، وتستورد باقي الاحتياجات من إيران.

أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

الناتج المحلي والكهرباء

لا يمكن النظر إلى كل مشكلة من هذه المشكلات على حدة، إذ ينسحب بعضها أو جميعها على معظم الأسر الأخرى في الدول العربية التي تشهد انقطاعات مستمرة في الكهرباء، والتي بلغت حد الأزمة في الكويت ومصر والعراق واليمن والسودان ولبنان وسوريا.

فما يحدث في مصر من تداعيات نتيجة انقطاع الكهرباء، يحدث بالكاد في الكويت، وترتفع وتيرته في العراق، ورغم اختلاف وضع الشبكات الكهربائية والقدرات الإنتاجية للدول، تتشابه ليبيا واليمن والسودان وسوريا في معظم تداعيات الأزمة، بسبب الظروف السياسية.

ومع اختلاف ظروف كل دولة، سواء في القدرة الإنتاجية المنتجة أو وضع الشبكات وإمدادات الوقود، فإن النتيجة واحدة في جميع الدول: «تخفيف أحمال».

ويصل عدد ساعات الانقطاع أو تخفيف الأحمال في اليمن إلى 12 ساعة يومياً، والعراق إلى 10 ساعات، والسودان من 10 إلى 14 ساعة، ولبنان من 12 إلى 20 ساعة، وسوريا من 10 إلى 20 ساعة، وفي مصر 3 ساعات، وفي الكويت من 2 إلى 3 ساعات يومياً.

وما دامت «الطاقة محركاً أساسياً للنمو وجزءاً مهماً من عملية الإنتاج»، يتوقع الخبير الاقتصادي من اليمن مصطفى نصر «تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسب مختلفة في الدول العربية التي تنقطع فيها الكهرباء، حسب عدد ساعات الانقطاع»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الكهرباء أمن قومي فعلاً».

ولكي يوضح نصر عُمق المشكلة، قال إنه بحساب «عدد ساعات الظلام في دولة مثل مصر على سبيل المثال، الذي يصل إلى 3 ساعات يومياً، يتوقف فيها الإنتاج الصناعي والخدمي والإلكتروني، فإن الاقتصاد الكلي يخسر من ناتجه المحلي نحو 90 ساعة شهرياً، وفي حالة استمرار الانقطاع لمدة سنة يصل العدد إلى أكثر من 1000 ساعة سنوياً، (نحو 45 يوماً من إجمالي السنة)، مما يعني أن الاقتصاد يتوقف عن الإنتاج تماماً لمدة 45 يوماً في السنة، بخلاف الإجازات الرسمية والمناسبات».

حقائق

الناتج المحلي الإجمالي

مصر: 396 مليار دولار (2023)

الكويت: 162 مليار دولار (2023)

العراق: 251 مليار دولار (2023)

اليمن: 21 مليار دولار (2018)


وتصل أيام المناسبات والأعياد في مصر إلى 22 يوماً في عام 2024، بخلاف الإجازات الأسبوعية الاعتيادية.

وتنسحب هذه الحسبة على الدول الأخرى كافة، إذ تصل في دولة مثل العراق إلى 152 يوماً في السنة يتوقف فيها الإنتاج والعمل بشكل شبه تام، وفي اليمن إلى نحو 182 يوماً، وفق نصر، الذي أكد: «كلما ارتفع عدد ساعات التوقف عن العمل، زادت نسبة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي»، متوقعاً «تراجع الناتج نتيجة انقطاع الكهرباء في اليمن بنسبة 10 في المائة سنوياً».

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر نحو 396 مليار دولار في عام 2023، ولليمن 21 مليار دولار في عام 2018 (أحدث سنة مسجَّلة لدى البنك الدولي)، وللعراق 251 مليار دولار عام 2023، وللكويت 162 مليار دولار عام 2023.

مخاطر مالية

لكنَّ حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، واستشاري قطاع الكهرباء لعدد من الدول العربية، الذي رفض وضع كل الدول التي تنقطع فيها الكهرباء في «سلة واحدة» لـ«اختلاف الأسباب والظروف»، استبعد تأثُّر الناتج المحلي الإجمالي لمصر والكويت على سبيل المثال بانقطاعات الكهرباء، نظراً لأن «وقت الانقطاع محدَّد التوقيتات والمدة... وهي قليلة بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي».

ويوضح سلماوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي مرفق كهرباء في أي دولة، حال وقوعه في أزمة، يستهدف القطاع المنزلي في بداية خطته لتخفيف الأحمال لأنه قطاع غير مُنتج، ويسمى أحمالاً من الدرجة الثالثة، ثم تأتي بعده المحال التجارية، وهي أحمال من الدرجة الثانية، ثم أخيراً القطاع الصناعي والإنتاجي، وهي أحمال من الدرجة الأولى، وعادةً ما يُستبعد تماماً من تخفيف الأحمال».

وبالنظر إلى تأثر القطاع الصناعي في مصر، عبر مصانع الأسمدة، على سبيل المثال، قال سلماوي: «قد يكون هناك تأثر بعض الشيء في مصر حال استمرار الأزمة»، أما في باقي الدول: «فمن المتوقع أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي لديهم بالطبع».

وهنا يلفت زاهر خليف، محلل المخاطر في إحدى شركات الاستثمار المصرية، إلى أن «تخفيف الأحمال أثر سلباً في إنتاج 20 في المائة من مصانع الحديد في مصر، فيما بلغت النسبة 40 في المائة بالنسبة لصناعة الأجهزة المنزلية، فضلاً عن تأثر شركات الإسمنت والألمنيوم والأسمدة، التي تشكل الكهرباء فيها مكوناً رئيسياً من مدخلات الإنتاج... وبالطبع لن يكون ذلك بعيداً عن الناتج المحلي الإجمالي».

وأوضح زاهر، في ورقة بحثية عن تداعيات انقطاع الكهرباء على الاقتصاد الكلي، أعدها خصيصاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «نسبة استهلاك القطاع الصناعي من إنتاج الكهرباء تبلغ أكثر من 41 في المائة، بينما لا يتجاوز نصيب القطاع الزراعي 4 في المائة».

وبالنظر إلى كم الخسائر التي يتكبدها اقتصاد كل دول عربية ينقطع فيها الكهرباء، «تستطيع حساب معدل النمو المتوقع، الذي من المؤكد أنه سيتأثر»، وفق نصر، الذي أشار إلى أن التكاليف المالية المطلوبة للقضاء على أزمة الكهرباء، قد تكون أقل من التكاليف المالية التي سيتحملها الاقتصاد الكلي، نتيجة الاستمرار في سياسة «تخفيف الأحمال».

ويرى البنك الدولي أن أقل من 40 في المائة من المرافق وشبكات الكهرباء في البلدان النامية، «تحقق إيرادات بالكاد تكفي لتغطية تكاليف التشغيل وخدمة الديون -وهو الحد الأدنى للاستدامة المالية».

ورغم أن البنك الدولي لم يشر إلى تكلفة أزمة الكهرباء الحالية في الدول العربية وتداعياتها على الاقتصاد الكلي، فإن صندوق النقد الدولي دعا مصر بشكل صريح إلى «احتواء المخاطر المالية المرتبطة بقطاع الطاقة»، وذلك بعد أن لفت في بيان يوم 29 يوليو، إلى انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد، والذي أسهم في انقطاع التيار يومياً منذ العام الماضي.

يدرس الطلاب لامتحانات الثانوية العامة في مكتبة الإسكندرية خلال انقطاع الكهرباء (إ.ب.أ)

الحرارة والكهرباء

في تصور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل، أن «مشكلات انقطاع الكهرباء التي ظهرت في الآونة الأخيرة تعود إلى موجة الحر التي يشهدها العالم».

وأشار السيد لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التوقعات تشير إلى أن عام 2024 هو الأكثر حرارةً في التاريخ. وهنا تجب الإشارة إلى أن البنية التحتية والقدرة الإنتاجية لكل دولة تختلف عن الأخرى ومتأثرة بارتفاع الحرارة».

وأظهرت بيانات خدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي (سي ثري إس)، التابعة للاتحاد الأوروبي، أن يوم 22 يوليو 2024 كان اليوم الأكثر سخونة الذي سُجل على وجه الأرض، على الإطلاق، حتى الآن.

وهذا الشهر، سجلت مدن في اليابان وإندونيسيا والصين حرارةً غير مسبوقة، فيما عانت دول الخليج ودول عربية أخرى من حرارة مرتفعة، إذ وصل مؤشرها إلى أكثر من 60 درجة مئوية. وفي أوروبا، ارتفعت إلى 45 درجة مئوية فما فوق.

وإلى جانب الحرارة المرتفعة، يرى محمد يوسف، مسؤول قسم البحوث الاقتصادية في أحد المراكز العربية، أن لمشكلة الانقطاع ثلاثة أبعاد: «القدرة والوصول والانتظام».

تَظهر المشكلة عادةً «إما في عجز مزمن في قدرات الإنتاج، وإما في ضعف الشبكات الذي يمنعها من الوصول إلى جميع الأقاليم الجغرافية، وإما في انتظام التيار الكهربائي للأماكن التي تصل إليها الشبكات»، وفق يوسف، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من أبوظبي.

ونتيجة لذلك يوضح سلماوي: «مشكلة الكهرباء في مصر أزمة عابرة نتيجة نقص الوقود الناتج عن شح الدولار، ومع توفير العملة الأجنبية سوف تُحل. كذلك الحال في الكويت. أما سوريا واليمن فالوضع صعب جداً بسبب تهالك وتدمير الشبكات، ومع حصار الاقتصاد نتيجة العقوبات، فإن المشكلة هناك سياسية. أضف إليهما ليبيا التي لها وفرة مالية جيدة لكن المشكلة السياسية تقف عائقاً أمام الحلول. أما العراق الذي لديه فوائض مالية، فيعاني من تهالك الشبكات ونقص القدرة الإنتاجية».

توضح مؤشرات البنك الدولي الحقائق السابقة بصورة رقمية، فرغم ارتفاع نسبة وصول سكان الدول العربية إلى الكهرباء من نحو 83 في المائة إلى 91 في المائة بين عامي 2004 و2022، فإنها ككتلة واحدة ما زالت بعيدة عن واقع الاقتصادات المتقدمة كدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ تصل هذه النسبة في تلك الدول إلى 100 في المائة من السكان.

يمنيون يحاولون ربط أسلاك كهربائية لإيصال التيار إلى منازلهم (إ.ب.أ)

«قائمة حلول موحدة»

رغم اختلاف أسباب الأزمة في كل دولة فإنها يمكن أن تندرج تحت «أمن الطاقة»، كونها تعدت بالفعل معاناة أسر عربية، لتهدد الاقتصاد الكلي في كل دولة، وهو ما يفسر تعميم بعض الحلول على الدول كافة.

علي الرميان خبير الطاقة الدولي، قال من سلطنة عمان لـ«الشرق الأوسط»، إن «أمن الطاقة بالنسبة لأي دولة، يعني استقرار قطاع الطاقة من حيث ضخ استثمارات مستدامة بعد وضع خطط طويلة المدى، وتوفير الموارد اللازمة وتسهيل وصول الطاقة إلى جميع الفئات، سواء كانت طاقة كهرباء أو نفط أو غاز أو طاقة شمسية أو رياح أو هيدروجينية»، لكن «يجب ألا نحدّ أمن الطاقة في انقطاع الكهرباء فقط».

وأشار الرميان إلى أن هناك «دولاً أوروبية تشهد انقطاعات، وهو ما يعني أن هناك أسباباً يجب الوقوف على حلها أولاً، قبل ربطها بأمن الطاقة». مؤكداً أن «أمن الطاقة، وتوفيرها يحتاج إلى كثير من الاهتمام من الدول العربية والخليجية، خصوصاً مع التقلبات العالمية التي نشهدها في المناخ وارتفاع درجات الحرارة، والاحتباس الحراري».

ووضع حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، قائمة شبه موحدة بالحلول لجميع الدول تتمثل في «إنشاء مخازن استراتيجية للوقود، للشراء في أثناء تراجع الأسعار، وسداد مديونيات قطاع الطاقة لتشجيع الاستثمارات، وزيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة المحلي، إلى جانب ترشيد الطاقة في جميع الأحوال وليس وقت الأزمات فقط، وأخيراً الربط الكهربائي مع الدول المجاورة».

 

حقائق

حزمة حلول

إنشاء مخازن استراتيجية للوقود

زيادة نسبة الطاقة المتجددة

الربط الكهربائي مع دول مجاورة

وإلى جانب هذه الحلول، التي اتفق معها مصطفى نصر من اليمن، فإنه أكد أن «أولى الخطوات تتمثل في إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة هيكلته، من خلال كفاءة الإدارة ووضع الاستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى التي تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة»، يليها «خفض الرسوم الجمركية على منتجات الطاقة المتجددة لتشجيع المستهلكين».

أحمد السيد قال إن انقطاع الكهرباء «يكشف بشكل كبير الحاجة المتزايدة إلى وجود خطط للتنبؤ المبكر بالأزمات، وهو أمر ليس صعباً خصوصاً في مجال المناخ، نظراً إلى وجود توقعات معدلات الحرارة مسبقاً، وهو ما يسهّل على متخذ القرار معرفة فترات الضغط المتزايد على الاستهلاك».

واقترح «وضع أكواد لمصنّعي الأجهزة الكهربائية حتى تساعد على تخفيض استهلاك الطاقة، وإلزام المصنّعين المحليين والمستوردين بالتزام تلك الأكواد».

ضرغام محمد علي، الخبير الاقتصادي العراقي، يرى أن الحل بالنسبة إلى بلاده، يتمثل في استثمار الغاز المصاحب للإنتاج النفطي، «ووصول نسب الحرق إلى النقطة صفر». أما بالنسبة إلى الحلول العامة، فركَّز على «الاتجاه نحو الطاقات المتجددة خصوصاً الطاقة الشمسية في بلداننا العربية».

وقسّم محمد يوسف، الخبير الاقتصادي، الحلول، حسب حالة الدولة، ففي حالة الاقتصاد اليمني، قال إنه «سيتعين أن يذهب جزء من الاستثمارات الموجَّهة إلى الكهرباء لمد الشبكات لتغطي جميع المناطق السكانية الحضرية والريفية». إلى جانب ذلك، يقترح أن يدخل اليمن في «اتفاقيات شراكة دولية لتوجيه المنح والهبات والمساعدات إلى قطاع الكهرباء، ويمكنه في ذلك الاستفادة من الدعم الفني والتمويلي لمجموعة البنك الدولي».

أما في حالة الاقتصادات العربية التي تعاني عجزاً طارئاً أو مزمناً في موازنة النقد الأجنبي (مثل مصر) فـ«هناك حلّان لا بديل عنهما، ويجب العمل عليهما بصورة متزامنة؛ أولهما توسيع برامج ترشيد وتسعير استخدامات الطاقة باستخدام التقنيات الحديثة، خصوصا الذكاء الاصطناعي وأنظمة تشغيل البيانات الضخمة وثانيهما توسيع قدرات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بعد توطين التقنيات الحديثة في دول لديها رأس مال بشري ضخم وقدرات بحث علمي يمكن الانطلاق منها لتطوير التقنيات الوطنية للخلايا الشمسية وتوربينات طواحين الهواء».