ضوء أخضر إيراني لتركيا في العراق بلا ضمانات

«الشرق الأوسط» تستطلع تفاصيل خطة تصفية «العمّال الكردستاني»

جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
TT

ضوء أخضر إيراني لتركيا في العراق بلا ضمانات

جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)
جندي عراقي في سنجار المدمرة بعد 3 سنوات من تحريرها من «داعش»... (أ.ب)

دخل «الحشد الشعبي» شريكاً في صفقة محورية بين بغداد وأنقرة، بينما إيران في قلب الصورة. تقول مصادر عراقية وتركية متطابقة إن الاتفاق الذي أُبرم أخيراً يتعدى العمل العسكري ضد حزب «العمال الكردستاني»، إلى ترتيبات شاملة تتعلق بخريطة الشرق الأوسط بعد حرب غزة.

وكشف مسؤول تركي، لـ«الشرق الأوسط»، عن جانب من «خطة أنقرة»، في إطار التحضير لـ«متغيرات سيترتب عليها اليوم التالي للحرب في غزة، وعزمها التكيف معها بصفر مشاكل أمنية في المنطقة، لا سيما العراق».

ولأن طهران في الصورة، رُبط اسم «الحشد الشعبي» بوجود الحزب المحظور في بلدة سنجار (شمالي غرب)، لكن «أخوّة الدم» بين مسلّحيه وفصائل شيعية قد تعرقل المسار الجديد لتركيا.

تتطابق المعلومات، التي استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر عراقية، مع الصورة التي قدمها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حينما أشار إلى اسم فالح الفياض، رئيس هيئة «الحشد»، في مقابلة مع محطة «سي إن إن تورك»، الأسبوع الماضي، وقال: «إنهم (الأتراك) تفاهموا بشأن سنجار مع مؤسسة رسمية تُمولها الدولة العراقية».

وبدا أن تركيا ترمي، هذه المرة، بثقل سياسي وعسكري كبير في العراق، وبعلاقات أكثر شمولية، لإنهاء التوتر المزمن على حدودها الجنوبية، غير أن التوازنات الداخلية في بغداد، وتعاظم نفوذ «حزب العمال الكردستاني» في سنجار يهددان، إلى حد ما، نجاح الصفقة.

وتتفق المصادر العراقية في وصف «التحرك التركي الشامل» بأنه جزء من تحضيرات إقليمية لوضع منطقة الشرق الأوسط، بعد انتهاء الحرب في غزة، والتي تتطلب «تصفية بؤر التوتر الأمني».

ماذا حدث؟

في 13 مارس (آذار) الحالي، اجتمع في بغداد الوزير التركي هاكان فيدان مع نظيره العراقي فؤاد حسين، ومعهما مسؤولون أمنيون من بينهم فالح الفياض، ورئيس جهاز الأمن الوطني قاسم الأعرجي.

بعد الاجتماع، ذكر بيان حكومي أن «العراق يعد وجود (حزب العمال الكردستاني) على أراضيه خرقاً للدستور». واحتفت تركيا بهذا الاعتراف، وتحدثت دوائرها الأمنية عن «منطقة عازلة» بعمق 40 كيلومتراً للقضاء على الحزب المحظور، من السليمانية (شمال) إلى سنجار، ومنها إلى الحدود مع سوريا.

مساء ذلك اليوم، لم يلتحق وزير الدفاع التركي يشار غولر بطائرة فيدان العائدة إلى أنقرة، وأمضى الليل على الحدود العراقية في مقر فرقة المشاة الثالثة التركية بولاية هكاري. ويومها أظهرت أنقرة إشارات عن امتلاكها خطة متكاملة.

ساعة صفر تركية

وفقاً لمصدرين في بغداد وأربيل، فإن أنقرة كانت تسمع، منذ سنوات، نقداً من مؤسسات عراقية بشأن «نفَسها الطويل في مقارعة (العمال الكردستاني)»، الذي لم يكن مُجدياً، وأسئلة عما يمنعها من «عملية عسكرية نهائية ليتخلص الجميع من هذا الصداع». ويبدو أنها اقتنعت أخيراً بفعل شيء حاسم.

قبل أن يصل هاكان إلى بغداد، أُخطرت بغداد بملامح الخطة التركية، وفيها قبول إيراني للوضع الجديد قدر تعلق الأمر بـ«حزب العمال الكردستاني»، كما تقول المصادر العراقية، لـ«الشرق الأوسط».

وحين بدأت المشاورات الرسمية، كان «كل شيء جاهزاً، بما في ذلك ساعة الصفر»، على ما قال مصدر عراقي مسؤول، الذي أضاف أن «الجديد في الخطة أنها غير مسبوقة بين البلدين، ودخل فيها (الحشد الشعبي) شريكاً للدعم في مناطق محددة».

ليس من المعروف، حتى الآن، لماذا وافقت إيران على التخلص من «حزب العمال الكردستاني» في العراق، وكيف سيجري ذلك، خصوصاً أن نشاط مسلّحيه يتداخل منذ 2016 مع الفصائل الموالية لإيران، على خط استراتيجي مهم لإيران يصل إلى دمشق وبيروت.

بيد أن المصادر العراقية تقول إن «الصفقة تشمل وساطة تركية مع الأميركيين على التهدئة مع طهران في العراق، ولضمان دور إيراني أكبر في التجارة الإقليمية بضمانة تركية، وكذلك مساعدة بغداد على تجاوز أزمات مركبة، بينها تصدير النفط، والوضع المختلّ في إقليم كردستان وكركوك، والانخراط أكثر في التنمية التجارية العابرة للحدود»، إنها «سلة واحدة لصفقات متعددة».

عنصران من «وحدات مقاومة سنجار» يضعان عبوة ناسفة على طريق يستخدمها مقاتلو «داعش» قرب قرية أم الذيبان (أرشيفية - رويترز)

تركيا في اليوم التالي لغزة

يلخص دبلوماسي عراقي الشق السياسي للصفقة بعد العمليات العسكرية، بأنه «تحضير شامل للمتغيرات المتوقعة بعد حرب غزة»، ويتطابق هذا مع ما قاله مستشار تركي أبلغ «الشرق الأوسط» بأن أنقرة أعدّت «ملفاً من بنود عدة عن غزة ودول المنطقة في اليوم التالي للحرب».

وأوضح المسؤول التركي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن وزارة «الخارجية وأجهزة أمنية تركية أعدت خطة قبل نحو 5 أشهر تتضمن خيارات أنقرة للتعامل مع تداعيات حرب غزة، وللتكيف مع المتغيرات المتوقعة فيما بعدها»، وأكد المسؤول أن العراق وسوريا «جزءان من هذه الصورة».

في هذا السياق، يقول أثيل النجيفي، وهو سياسي سني ومحافظ أسبق لنينوى (شمال)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «جميع دول المنطقة تدرك أن معركة غزة لها ما بعدها، وأن هناك تغييرات في استراتيجية الدول العظمى بالمنطقة».

تستوجب هذه التغييرات، وفقاً للنجيفي، خطوات استباقية، «إما استعداداً لدور أكبر في المستقبل القريب، أو لمنع أي مخططات يمكن أن تؤثر على الأمن القومي لهذه الدول». ويرى أن «تركيا أكثر من يضع حسابات استراتيجية لتطوير مصالحها».

ومع ذلك ينفي مصدر دبلوماسي تركي أن تكون «العمليات العسكرية التركية في العراق على صلة مباشرة بالوضع في غزة»، وقال إنها قد تنطلق في يونيو (حزيران) المقبل.

من المفترض أن يزور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بغداد بعد شهر رمضان، في نهاية أبريل (نيسان)، وسيوقّع مذكرة الاتفاق التي تشمل مركز عمليات مشتركاً ومنطقة عازلة، وحين يعود «ستكون ساعة الصفر قد أزفت»، على ما تقول مصادر تركية.

يقول سياسي عراقي، من تحالف «الإطار التنسيقي»، إن أنقرة تريد تحويل مناطق نفوذ «العمال الكردستاني» إلى «منطقة شراكة آمنة» مع العراق وإيران، وأن الأتراك «أظهروا حرصاً واضحاً على أن يصل اللاعبون الإقليميون المعنيون بهذا الملف إلى اليوم التالي لحرب غزة، بصفر توتر».

قد يفسر هذا لماذا ترمي تركيا، الآن، بهذا الثقل في العراق. يعتقد النجيفي أن «تركيا بحاجة إلى منع تدحرج كرة النار نحوها، وسط وضع ملتهب وغير واضح في المنطقة»، لهذا تحث العراق وسوريا على «إجراءات مباشرة وقوية قبل أن يتحول (حزب العمال الكردستاني) إلى أزمة أكبر».

تنسجم هذه المعطيات مع حديث مصادر عراقية عن منح طهران مباركة للأتراك في العراق. ويقول سياسي عراقي إن بغداد ترجمت ذلك بحضور لافت لـ«الحشد الشعبي» في المشاورات الرسمية بين البلدين، لكن الجزء المتعلق به من الخطة «لا يزال محل نقاش»، لا سيما سيناريو مواجهة مسلّحة ضد «العمال الكردستاني» في سنجار.

تفترض الخطة التركية عملية عسكرية واسعة في مناطق جبلية بإقليم كردستان، بينما توفر بغداد الدعم الاستخباري والخرائط والمعلومات ومراقبة الحدود خلال العملية.

لكن السليمانية وسنجار، الواقعتين على طرفي المنطقة التركية العازلة، تتداخلان مع النفوذ الإيراني، وتحتاجان من أنقرة إلى ترتيبات سياسية وأمنية مختلفة.

يقول مصدر كردي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأتراك يحاولون تحييد (العمال الكردستاني) في السليمانية، من خلال صياغة علاقة جديدة مع بافل طالباني زعيم (الاتحاد الوطني الكردستاني)، واكتشاف فرص الشراكة معه، بما في ذلك تسوية الاختلال مع (الحزب الديمقراطي) في أربيل».

ومن الصعب على قيادات «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ومن بينهم بافل طالباني، أن يضعوا أنفسهم طرفاً في مواجهة اتفاقات دول محورية بالمنطقة، كما يقول أثيل النجيفي الذي يرى أن الاتفاق يتضمن، بلا شك، مباركة إيرانية وموافقة عراقية وتركية، وكذلك السلطة الرسمية في إقليم كردستان.

العُقدة في سنجار

من الممكن أن تنجح التسوية مع طرف كردي معارض لأنقرة، بتفاهم إيراني، لكن المشهد في سنجار أكثر تعقيداً، والذي سيتولاه «الحشد الشعبي» في إطار الاتفاق التركي.

يقول أثيل النجيفي، لـ«الشرق الأوسط»، إن تأثير الفصائل الشيعية يقتصر على سنجار، ولا يتعداها إلى بقية المناطق؛ لأن ميدان العمليات العسكرية البرية في المرحلة الأولى على الأقل سيكون بعيداً عن سنجار، في داخل كردستان؛ حيث تتوقع تركيا تعاوناً أكبر من سلطات الإقليم مع المباركة الرسمية للحكومة الاتحادية.

في هذه البلدة الحدودية مع تركيا وسوريا، والتي تسكنها غالبية من الديانة الإيزيدية، تتمركز فصائل مسلّحة عدة، «حتى الجيش العراقي هناك يتصرف كأنه واحد منها»، على ما يقول مسؤول محلي بالبلدة.

ويصف هذا المسؤول سنجار بأنها «تشبه بيروت أيام الحرب الأهلية... خطوط التماس متقاربة، والبنادق جاهزة بين مجموعات مسلّحة تمثل مصالح إقليمية ومحلية متحفزة دائماً للقتال».

ومنذ سنوات، تصاعد تحالف معلن بين «الحشد الشعبي» و«حزب العمال الكردستاني»، ونشأت بينهما «أخوّة دم» منذ أيام المعارك ضد «داعش»، على حد تعبير قيادي في فصيل شيعي.

جنود عراقيون يقفون على شاحنة بقاعدة في سنجار يوم 3 مايو (أيار) 2022 بعد هجوم للجيش العراقي ضدّ «وحدات مقاومة سنجار» التي تحظرها تركيا (أ.ب)

الفصل بين «أخوّة الدم»

من الصعب معرفة كيف يمكن لـ«الحشد الشعبي» تحييد مسلحي «حزب العمال»، بعد شراكة ميدانية تراكمت آثارها، خلال السنوات القليلة الماضية.

تتباين المعلومات بشأن طبيعة هذا التحالف. يقول قياديان في فصيلين شيعيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك تخادماً بين الطرفين؛ (الحشد الشعبي) يقدم مواقع آمنة لقيادات في (حزب العمال) داخل سنجار وتلكيف وسهل نينوى ومركز الموصل، مقابل حصوله على خدمات لوجيستية وعسكرية من الحزب المحظور».

ومع ذلك تفيد 3 مصادر ميدانية؛ أحدها قيادي في فصيل متنفذ ببغداد، بأن «الأمر يتعدى ذلك بكثير؛ لأن قرار التحالف بين (الحشد) و(العمال الكردستاني) قرار إيراني».

وقالت المصادر: «(العمال الكردستاني) قوي جداً... جميع الأجهزة الأمنية العراقية لا تملك تصوراً دقيقاً عن قوة الحزب وأسلحته (...) حتى إن الجيش العراقي فشل في آخر مواجهتين ضد مسلّحيه في سنجار، خلال ولاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي».

وزعمت المصادر أن مسلّحي الحزب أنشأوا، خلال السنوات الماضية، شبكة أنفاق معقدة في سنجار، لا سيما في المناطق الجبلية. وقال صحافيون محليون لـ«الشرق الأوسط»، إنهم «تمكنوا من رصد شاحنات تنقل عمال حفر من ساحات البلدة إلى مواقع حفر الأنفاق».

وسألت «الشرق الأوسط» مسؤولين محليين في سنجار وعناصر في جماعات شيعية مسلّحة عن تلك الأنفاق، لكنهم امتنعوا عن الإجابة.

«قوة خبيرة»

ووصف سياسي بارز في محافظة نينوى (شمال)، «حزب العمال الكردستاني» بأنه «قوة خبيرة في الانتشار والتموضع وإحكام السيطرة». وعلى هذا يصعب التكهن كيف يمكن لـ«الحشد الشعبي» التخلص من هذا الحزب أو يساعد تركيا على تحييدهم.

يعتقد قائمقام سنجار السابق، محما خليل، أن الحل يكمن في «طرد جميع المسلّحين الغرباء دون استثناء، وتسليم السلطة الأمنية لأهالي سنجار»، مذكّراً باتفاق التطبيع الخاص بالمدينة الموقَّع قبل نحو عامين.

حقائق

اتفاق التطبيع في سنجار 2020

  • تتولى الشرطة المحلية والأمن الوطني والمخابرات حصراً مسؤولية الأمن.
  • إبعاد جميع التشكيلات المسلحة خارج حدود القضاء.
  • تعيين 2500 عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار.
  • إنهاء وجود «حزب العمال الكردستاني» من سنجار والمناطق المحيطة.
  • لجنة مشتركة من حكومتي بغداد وأربيل لإعادة الإعمار.

لكن المشكلة تكمن في انخراط عدد كبير من السكان المحليين في فصائل مسلّحة يعدها خليل «غريبة عن سنجار»؛ إذ تقول المصادر الميدانية إن نحو 70 في المائة من عناصر المجموعات الحليفة لـ«العمال الكردستاني» هم من أبناء سنجار، وتنطبق الحال على الفصائل الشيعية.

يقول النجيفي إن وجود «العمال الكردستاني» سيتحول إلى مشكلة عراقية تؤثر على الوضع المحلي، وسيحتاج العراق إلى مساعدة تركيا لمجابهة هذه «الأزمة الداخلية».

في النهاية سيدرك «حزب العمال» أنه ليس «أكثر من أداة مناكفة وورقة تفاوض»، وإنه «عند انتهاء دوره سيتعاون الجميع للقضاء عليه»، على ما يقول النجيفي.

في أربيل، تعتقد أوساط «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أن «الاتفاق مع (الحشد الشعبي) هو لإلقاء الحجة عليه». ويقول قيادي كردي على صلة بالملف الأمني في سنجار: «أشعر بأن تركيا تحتاج إلى تبرير عملية عسكرية في سنجار، حين يفشل (الحشد) في تحييد الحزب المحظور (...) سيقولون: تركنا لكم مواجهة أكبر خطر يهدد البلدين ولم تنجحوا».

يشكك أثيل النجيفي في التزام فصائل شيعية باتفاق الحكومة العراقية مع تركيا بشأن الحزب المحظور: «ومع أن صيغة الاجتماعات بين الطرفين تُظهر أن الجهات الرسمية كانت وسيطاً مع الجهات الفاعلة في سنجار، لكن السؤال الآن: هل ستلتزم الفصائل بتوجيهات الدولة؟».

عازل تركي وشريط إيراني

ثمة سؤال آخر: كيف سيتولى «الحشد الشعبي» تحييد مسلّحي «العمال الكردستاني»؟

في مقابلة تلفزيونية مع رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، قال إنه «من الضروري مواجهة مسلحي (العمال الكردستاني) ما داموا يتسببون بإيذاء السكان في سنجار»، لكنه «لا يعرف بالضبط كيف سيجري التعاون مع تركيا ضد هذا الحزب»، ويقصد الإجراءات الأمنية، وفيما إذا كانت من خلال طرد المسلحين، أو تطويق مواقعهم.

ويشير سياسي شيعي، طلب عدم نشر اسمه، إلى أن «الضوء الإيراني الأخضر ليس حاسماً (...) طهران أمام صفقة جيدة مع تركيا، لكنها لن تمنحها صكاً على بياض، ولن تغامر بنفوذها المسلّح في العراق». وتابع: «إيران تراقب، وقد يتغير كل شيء وفقاً للتطورات، وما نعرفه الآن تسوية محدودة في سنجار».

وخلال الساعات الماضية، سجلت مصادر محلية في سنجار «حركة نزوح نسبية من سنجار إلى الحدود السورية»، وترجح المصادر أن «قيادات متنفذة في (حزب العمال الكردستاني) هي من بدأت تغادر مع عائلاتها، فور إبلاغهم بتطورات ميدانية وشيكة».

بالتزامن، كشفت مصادر، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الحشد الشعبي» سينشر العناصر المحلية لـ«العمال الكردستاني» بين الفصائل الشيعية، وسيكون هذا، من وجهة نظر قيادات شيعية، «الحل الأمثل للتخلص ظاهرياً من الحزب المحظور»، ويضمن أيضاً «سيطرة كاملة على سنجار، على حساب قوات كردية موالية لـ(الحزب الديمقراطي الكردستاني)».

ماذا يعني هذا حتى الآن؟ سيستثمر «الحشد الشعبي» الاتفاق التركي لتقوية نفوذه في منطقة استراتيجية للعراق وإيران وتركيا، وأن العملية العسكرية ستنتهي فرضياً بطرد مسلّحي «العمال الكردستاني» من جبال إقليم كردستان، لكنها ستدمج، في النهاية، المنطقة العازلة التركية بالشريط الإيراني الذي تتمركز فيه الفصائل الإيرانية، غرباً إلى سوريا، في نموذج مغاير للشراكات المعقدة بين الأتراك والإيرانيين، كما يصف مستشارون سياسيون ودبلوماسيون في بغداد، إلا إذا أخرجت طهران «ورقة غير متوقعة في لحظة حاسمة».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس «جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي» (الشاباك) رونين بار (وسائل إعلام إسرائيلية)

رئيس الشاباك زار تركيا للدفع بمفاوضات الأسرى مع «حماس»

كُشف النقاب عن زيارة سرية قام بها رئيس جهاز الشاباك، رونين بار، إلى أنقرة، السبت الماضي، التقى خلالها مع رئيس جهاز المخابرات التركي، إبراهيم قالن.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مشاركته بقمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

إردوغان: تركيا مستعدة إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال سوريا

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الأربعاء، إن تركيا مستعدة إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال سوريا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث في مناقشة قمة خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في ليما ببيرو 15 نوفمبر 2024 (رويترز)

أميركا تحذر تركيا من استضافة قيادات «حماس»

حذرت الولايات المتحدة اليوم الاثنين تركيا من استضافة قيادات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.