بيروت وقد تحولت محطة لتدوير الشهادات العراقية المزوّرة

التعليم «سلعة» مقابل النفط... ضمن صفقات تخادم كبرى

أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
TT

بيروت وقد تحولت محطة لتدوير الشهادات العراقية المزوّرة

أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)

صباح 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوقف الأمن اللبناني مسؤولة بارزة في وزارة التربية للتحقيق في شبهات فساد بمعادلة شهادات طلبة عراقيين.

بعد نحو 20 يوماً، أُفرج عن أمل شعبان، رئيسة دائرة المعادلات في الوزارة، لتجد أمامها قرار إقالة موقعاً من وزير التربية عباس الحلبي، وخلافاً حاداً بين حزبها «تيار المستقبل» وحركة «أمل» المعنية بشكل غير مباشر بملف الشهادات، و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي ينتمي إليه الحلبي.

مظاهرة احتجاجية لأساتذة لبنانيين أمام وزارة التربية والتعليم (أ.ب)

تحدثت مصادر عراقية لـ«الشرق الأوسط»، أن إقالة شعبان جاءت «استجابة لضغوط داخلية مارستها أحزاب لبنانية، وضغوط أحزاب عراقية هدّدت مرات عدّة بوقف المساعدات التي تقدمها للوزارة والمدارس الرسمية».

توقيف شعبان ومن ثم الإفراج عنها، رفع الغطاء عن لغز الشهية العراقية المفتوحة منذ سنوات للدراسة في جامعات لبنانية، وبدأ جدلٌ، وأُطلقت تساؤلات عما إذا كانت شعبان «كبش فداء» لإغلاق ملف التخادم بين قوى متنفذة بين بغداد وبيروت. ملف فاحت رائحته منذ أكثر من عامين ولا يزال يتفاعل بين الحين والآخر. ذلك مع العلم أن الشبهات تنقسم إلى شقين؛ الأول يتعلق بتمرير شهادات ثانوية مزورة ومعادلتها في بيروت، والثاني منح شهادات جامعية وعليا من دون الحضور والدراسة، مقابل مبالغ مالية.

عُقدة التكنوقراط العراقية

بدأت القصة في العراق، حينما اكتشفت أحزاب شيعية تولت السلطة بعد 2003 أنها لا تمتلك طواقم إدارية في صفوفها، وأن غالبية المنتمين إليها «مناضلون في المعارضة لم يتسنَّ لهم الانخراط في الدراسة»، ولا يمكنهم تولي مناصب في مؤسسات حكومية، بحسب مسؤول سابق في وزارة التعليم العراقية.

وفي السنوات القليلة التي تلت إسقاط نظام صدام حسين، واجهت تلك الأحزاب جيشاً من الموظفين المتهمين بالولاء لنظام البعث. وبالفعل تمت إزاحتهم بالتزامن مع هجرة غير مسبوقة لموظفين من مدن الشمال والجنوب إلى بغداد، وبعض غير المؤهلين منهم تسنموا مناصب رفيعة يفترض أن مستواهم التعليمي لا يؤهلهم لها، لكن عولجت شهاداتهم لاحقاً بطرق مشبوهة.

بعد إزاحة موظفي «النظام السابق»، توزع موظفو أحزاب المعارضة على غالبية مفاصل الدولة، وحين بدأ التنافس بين الأحزاب الشيعية نفسها كانت الحاجة تلح على قادتها للحصول على شهادات، بأسرع وقت ممكن.

«كانوا بحاجة إلى تأهيل أحزابهم خلال وقت قياسي (...) ولا يمكنهم انتظار سنوات الدراسة القانونية (4 سنوات) لأن المناصب التي يريدونها كانت معروضة عليهم في نطاق أشهر معدودة»، يقول المسؤول السابق.

في العراق، كان من الصعب الحصول على شهادات «في غمضة عين» للموظفين العاديين الذين تريد أحزابهم ترقيتهم أو تسليمهم مناصب من الفئة الأولى كدرجة مدير عام، خلافاً للوزراء الذين يمكنهم التسجيل في أي جامعة عراقية والحصول على شهادة منها من دون أن تتطلب حضورهم.

وفي عام 2016، عثرت قوى شيعية أبرزها «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، على فكرة «شهادة الخدمة السريعة» من جامعات لبنانية، لتبدأ رحلة «تفويج الطلبة العراقيين إلى بيروت» على نحو ممنهج وغير مسبوق.

غسيل الشهادات

في بيروت، تحاول أمل شعبان إظهار أن قرار إقالتها من منصبها في وزارة التربية غير قانوني، لكن من الصعب الجزم ببراءتها أو تورطها بهذا الملف المتراكم منذ سنوات.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن فريق الدفاع عنها «أنجز مراجعة قانونية سيتقدّم بها إلى مجلس شورى الدولة، للطعن بقرار إقالتها من منصبها الحساس».

وأوضح مصدر مقرب من الفريق القانوني لأمل شعبان أن الأخيرة «لا ترغب بالعودة إلى وظيفتها، بل جلّ ما تريده إظهار أن قرار وزير التربية غير قانوني، وبعدها ستسارع إلى تقديم استقالتها من الوظيفة».

وتوقّع مصدر قانوني مواكب للتحقيقات أن «يكشف قرار ظني من قاضي التحقيق خفايا عشرات الشهادات العراقية المزورة التي عبرت وزارة التربية تحت تأثير الضغوط السياسية».

وأشار المصدر اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجهات الداخلية والخارجية التي تقف وراء هذه الشهادات معروفة الغايات والأهداف»، ولفت إلى أن القاضي بيرم «طلب من شعبة المعلومات في الأمن الداخلي تزويده بمستندات من التربية تبيّن الإجراءات المعتمدة في معادلة الشهادات، وتاريخ البدء بمعادلة الشهادات العراقية، ولماذا ارتفع الطلب عليها بهذا الشكل الكبير».

وبحسب المصدر، فإن التحقيقات لن تكتفي بما كان يجري في وزارة التربية، بل ستشمل عدداً من الجامعات التي انتسب إليها طلاب عراقيون قبل تعديل الشهادات الثانوية التي حصلوا عليها في بلادهم، وتبين أن عدداً كبيراً منها مزوّر.

وأوضح المصدر أن «جامعة قريبة من الثنائي الشيعي استقطبت أكبر عدد من الطلاب العراقيين، ومنحتهم شهادات في الدراسات العليا وفي الدكتوراه»، مستغرباً كيف أن هذه الجامعة «منحت في السنتين الأخيرتين شهادات عليا تفوق ما صدّرته كل الجامعات في لبنان، وهذا ما يثير الشكوك حولها».

ومعلوم أن غالبية العراقيين الذين تقدموا بطلب معادلة الشهادات والانتساب إلى جامعات لبنانية موظفون في المؤسسات العراقية، بعضهم ضباط في الأمن والشرطة، كانوا يطلبون إنجاز المعادلات دون حضورهم إلى لبنان مقابل أموال طائلة، لأن هذه الشهادات تخوّلهم الترقية في وظائفهم وزيادة رواتبهم بشكل كبير.

في المقابل، تقول مصادر عراقية على صلة بتحقيقات الشهادات الجامعية، التي فُتحت وأغلقت مراراً بلا نتائج، إن بيروت تحولت إلى محطة لـ«غسل الشهادات»، حتى الشباب العاديون الذين لم يأتوا عن طريق الأحزاب.

توافقت المصلحة العراقية في تأهيل موظفين غير مؤهلين مع مصالح قوى متنفذة في لبنان تحاول تعظيم موارد التعليم. ويقول قيادي شيعي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن «أصدقاءنا اللبنانيين أرادوا منفعة من كل هذا (...) بعضهم فتح فروعاً إضافية لجامعات لبنانية، وهناك من أنشأ جامعة (خصيصاً) لهذا الغرض».

بالتزامن، نشأت في بيروت شبكة من سماسرة عراقيين لتسهيل «الأوراق المضروبة»، بعضهم لديهم غطاء من أحزاب «الإطار التنسيقي» في العراق، ويوجدون في بيروت لـ«أعمال حرة» أو نشاطات إعلامية.

يقول مصدر موثوق من وزارة التربية العراقية إن «مهمة هؤلاء هي تمرير شهادات ثانوية مزورة جاء بها طلبة عراقيون لمعادلتها في بيروت تمهيداً لانضمامهم إلى جامعاتها».

ولفت المصدر العراقي أن تدفق مثل هذه الشهادات «المضروبة» يتصاعد في السنة التي يشهد فيها العراق انتخابات تشريعية. فقانون الانتخابات العراقي يشترط أن يكون المرشح لعضوية مجلس النواب حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها.

ويقول المصدر إن السلطات العراقية فشلت على الدوام في تعقب الشهادات الثانوية التي جرى معادلتها في لبنان، كما يصعب التحقق من صحة غالبيتها.

وبحسب شهادة المسؤول العراقي السابق، فإن السماسرة العراقيين طوروا في بيروت شبكة علاقات واسعة تمتد من «موظفي السفارة العراقية إلى قياديين في (حركة أمل)، ومسؤولين صغار في وزارة التربية».

ويفيد هذا المسؤول بأنهم نظموا جلسات مشتركة بين جميع هذه الأطراف لتمرير شهادات مزورة. في بعض الأحيان يبذلون جهداً كبيراً لتمرير شهادة واحدة، قد تكون لشخصية متنفذة في بغداد.

رائحة لا يمكن إخفاؤها

بلغ ملف الشهادات العراقية في بيروت حد التخمة. لم يعد بإمكان المسؤولين اللبنانيين إخفاء رائحته، كما يصف مسؤول عراقي في وزارة التربية، يقول إنه عرف خلال عمله في الحكومة على الأقل 3 مسؤولين كبار حصلوا على ترقيات بفضل شهادات جاؤوا بها من لبنان.

«سمعت من مسؤول كبير في وزارة التعليم أن اللبنانيين أبدوا قلقهم من توسع الصفقة، ومن تمادي السماسرة (...) قالوا لنغلق هذا الملف، لكن قادة أحزاب شيعية أبلغوا أصدقاءهم في بيروت أن يعدوا التخادم في ملف الدراسة جزءاً من التسهيلات العراقية في عقد تصدير وقود الكهرباء».

وفي يوليو (تموز) 2021، وقّع العراق ولبنان اتفاقاً لبيع مليون طن من مادة زيت الوقود الثقيل بالسعر العالمي، على أن يكون السداد بالخدمات والسلع.

بعد ذلك بـ4 أشهر، استدعت وزارة التعليم العالي العراقية ملحقها الثقافي في بيروت، في إطار تحقيق في قضية منح جامعات لبنانية خاصة شهادات مزورة مقابل أموال، لمئات من العراقيين، بينهم نواب ومسؤولون، في خطوة دفعت وزارة التربية والتعليم اللبنانية إلى فتح تحقيق أيضاً.

تسرب من التحقيق حينها أن عدداً كبيراً من النواب والمسؤولين العراقيين حصلوا على شهادات دكتوراه وماجستير من 3 جامعات لبنانية، وأن أطروحة الدراسات العليا كانت تباع بـ10 آلاف دولار عن كل طالب.

ودرس معظم هؤلاء الطلبة عن بعد خلال تلك الفترة على خلفية الإجراءات الوقائية نتيجة لتفشي جائحة «كورونا».

وبحسب وكالة «فرانس برس»، فإن الطلبة العراقيين يتوزعون على 14 جامعة في لبنان، لكن أعداد الطلبة في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة الجنان وحدها، يبلغ 6 آلاف من مجموع 13 ألفاً و800 طالب عراقي.

وانتهى التحقيق العراقي بوقف التعامل مع الجامعات الثلاث بسبب «غياب معايير الرصانة»، وفقاً لبيان عراقي صدر في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

العراق يتخلى عن الشريك اللبناني

مع تشكيل حكومة محمد شياع السوداني نهاية عام 2022، تراجعت أحزاب شيعية عراقية عن سوق الشهادات الجامعية في لبنان، وشجعت وزارة التعليم العالي التي يقودها نعيم العبودي، وهو من حركة «عصائب أهل الحق» الطلبة العراقيين على الدراسة في الجامعات الأهلية العراقية. بينما الوزير نفسه حاصل على شهادة من الجامعة الإسلامية في بيروت.

وفي مطلع 2023، أثير في بيروت جدل واسع على خلفية تقاعس مسؤولين في قوى الأمن الداخلي والقضاء اللبناني عن وقف تحقيق في ملف تزوير وثائق دراسية لطلبة عراقيين.

ويعترف أحد أعضاء مجلس إدارة جامعة أهلية في العراق ومقرّب من مموّلها أن «الأحزاب كانت تسعى في البداية لرفع مستوى أعضائها والمقربين منها بإيفادهم إلى لبنان، لكن بعد الاكتفاء من جامعات الدول الأخرى قررت هذه الأحزاب الإفادة من تجربة التعليم الأهلي بتأسيس جامعات أهلية داخل العراق لاستقطاب الطلبة العراقيين بدل سفرهم إلى الخارج».

ويضيف عضو مجلس إدارة الجامعة: «صاروا يقولون كنا نحتاج إلى خدمة سريعة واكتفينا، لماذا ندع لبنان تربح أكثر. الغرض ليس تجارياً فقط، فهنالك وزارات عدة لا تريد أن يسافر موظّفوها إلى الخارج، ولا سيّما المؤسسات الأمنية والعسكرية».

ولا يستبعد الموظف الجامعي الرفيع أن تكون الأحزاب العراقية هي التي قررت قلب الطاولة على الجامعات اللبنانية، لتحويل وجهة الطلبة العراقيين عنها لصالح جامعات عراقية، هي في الأغلب تابعة لأحزاب وقوى سياسية أو شخصيات مقربة منها من رجال الأعمال.

ويرجح أن «الجامعات اللبنانية هي التي شعرت بانقلاب الجامعات العراقية عليها من خلال نجاحها في استقطاب الطلبة العراقيين، لتقرر في السنوات الأخيرة تسهيل منح الشهادات لهم مع تخفيض الأجور لاستقطاب عدد أكبر».

وبدا أن العراقيين تركوا «أصدقاءهم» اللبنانيين متورطين في مسرح الجريمة، وسط أكوام من الأدلة والشواهد، ولم يجد الشركاء في «حركة أمل» سوى إغلاق الملف بالتضحية بالخاصرة الضعيفة، على ما يختم المسؤول العراقي السابق.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تجدد استعدادها للحرب... ولبنان: الأبواب ليست موصدة

المشرق العربي الدخان يتصاعد من  قرية كفر حمام الحدودية جنوب لبنان إثر القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

إسرائيل تجدد استعدادها للحرب... ولبنان: الأبواب ليست موصدة

تستمر التهديدات الإسرائيلية باتجاه لبنان الذي يتعاطى بحذر مع الوقائع الميدانية والسياسية، ويترقّب ما ستؤول إليه المفاوضات بشأن غزة ليبني على الشيء مقتضاه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا جانب من امتحانات «الثانوية» في مصر (وزارة التعليم المصرية)

«التعليم المصرية» تُكثف الإجراءات ضد مُسربي الامتحانات في «الثانوية»

تكثف وزارة التربية والتعليم في مصر من إجراءاتها لمواجهة وقائع تسريب أسئلة امتحانات «الثانوية العامة»، والتصدي لحالات «الغش الإلكترونية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية وزير التعليم التركي يوسف تكين (إكس)

المدارس الفرنسية في تركيا تسبب أزمة بين البلدين

استنكر وزير التعليم التركي يوسف تكين «تعجرف» فرنسا في إطار أزمة بين البلدين بشأن وضع المدارس الفرنسية في تركيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
تكنولوجيا الروبوت أظهر القدرة على تنفيذ الحركات التي تعلَّمها (جامعة كاليفورنيا)

تدريب روبوت على الرقص والتلويح ومصافحة البشر

استطاع مهندسون في جامعة كاليفورنيا الأميركية تدريب روبوت على تعلّم وتنفيذ مجموعة متنوّعة من الحركات التعبيرية للتفاعل مع البشر، بما في ذلك رقصات بسيطة وإيماءات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية الإصلاحي مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد (إكس)

جامعة إيرانية تفصل ابنة زعيم الإصلاحيين وتوقفها عن العمل

فصلت جامعة إيرانية نجلة زعيم التيار الإصلاحي، مير حسين موسوي، ومنعتها من مزاولة التدريس نهائياً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

TT

فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

لا يتمنى الفلسطينيون في الضفة الغربية، ربما بخلافهم في قطاع غزة، حرباً مفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني. فهم يدركون بخبرة العارفين بعقلية إسرائيل ومن باب التجربة السابقة في الحروب والانتفاضات، بما في ذلك الحرب الحالية على القطاع، أنهم سيدفعون ثمناً كبيراً، سياسياً واقتصادياً يمسّ حياتهم وحقوقهم واحتياجاتهم اليومية الرئيسية. وبعد أن يتحولوا معتقلين في سجن الضفة الكبير، لا شيء قد يثني إسرائيل عن قتلهم واعتقالهم وملاحقتهم.

في السيناريو الأبسط لحرب محتملة بين إسرائيل و«حزب الله»، ستنعزل إسرائيل وتغلق حدودها غير المعروفة، وستكون في حاجة إلى عزل الفلسطينيين في الضفة بشكل تام، انطلاقاً من حاجتها إلى كبح جماح جبهة ثالثة محتملة. هذا يعني بلا شك، تقييد الحركة ومنع السفر وتوقف تدفق البضائع إلى أسواق الضفة، وسيشمل ذلك وقف إسرائيل إمداد الفلسطينيين بالكهرباء والماء والوقود، انطلاقاً من أنها ستحتفظ لنفسها بأي مقدرات كهذه، بعد أن يقصف «حزب الله» شركات الكهرباء والمياه والمطارات، مرسلاً إسرائيل إلى أزمة غير مسبوقة، سيدفع الفلسطينيون أيضاً ثمنها بلا شك.

لكن إذا كانت إسرائيل دولة يمكن لها التعامل مع أزمات من هذا النوع، وهذا ما زال غير واضح إلى أي حد، فالسلطة الفلسطينية غير قادرة على ذلك وهي التي تعيش أزمات عميقة اليوم، مالية واقتصادية وأمنية، وفي حقيقة الأمر وجودية.

وليس سراً أنهم في إسرائيل يستعدون لسيناريوهات تتعامل مع شلل كامل، سيتضمن ظلاماً دامساً وطويلاً في مطار بن غوريون، وانهيار مبانٍ وجسور وإصابة طرق رئيسية، وانقطاعاً في الكهرباء والماء الوقود، ونقصاً في المواد الأساسية.

جثمان الطفل غسان غريب 13 عاماً محمولاً على الأكتاف وكان قتل برصاص إسرائيلي قرب رام الله في يوليو الحالي (أ.ف.ب)

وقف مقومات الحياة

ولم تكن تصريحات المدير العام لشركة إدارة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية شاؤول غولدشتاين، الأخيرة حول إسقاط شبكة الكهرباء في إسرائيل في حالة حرب مع «حزب الله» مجرد جرس إنذار في إسرائيل، بل أيضاً في الضفة الغربية التي تشتري الكهرباء من إسرائيل.

وقال غولدشتاين: «نحن في وضع سيئ ولسنا مستعدين لحرب حقيقية (...) خلاصة القول هي أنه بعد 72 ساعة لن يمكنك العيش في إسرائيل. إسرائيل لن تكون قادرة على ضمان الكهرباء في حالة الحرب في الشمال بعد 72 ساعة»، مضيفاً: «لسنا مستعدين لحرب حقيقية».

وما ينسحب على الكهرباء ينسحب على المياه والوقود.

فحتى قبل حرب مفترضة مع بداية الصيف الحالي، بدأ الفلسطينيون يعانون العطش، بعدما أخذت شركة «ميكروت» الإسرائيلية قراراً بتقليص كمية المياه الواردة إلى مناطق الضفة، كنوع من عقاب تعوّد عليه الفلسطينيون.

مسنّ فلسطيني وأطفال يشربون من عبوات تبرعت بها جمعيات لبلدات في الضفة الغربية قطعت عنها إسرائيل مياه الشفة (غيتي)

وبحسب أرقام رسمية، فإن متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات، يبلغ 247 لتراً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي في الضفة الغربية، والذي يبلغ 82.4 لتر، وفي التجمعات الفلسطينية غير الموصولة بشبكة مياه، يصل إلى 26 لتراً، فقط.

تخزين طحين ودواء وسولار

لا يمكن تخيل وضع معظم الفلسطينيين في الضفة الذين يتلقون اليوم (أي قبل الحرب) مياهاً جارية أقل من 10 أيام في الشهر؛ لأن الحصة المتبقية من المياه ينعم بها الإسرائيليون.

وفي إحصائيات السنوات الماضية، وصل إجمالي استهلاك الإسرائيليين من المياه عشرة أضعاف إجماليّ ما استهلكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهي أرقام ستتغير لصالح الإسرائيليين هذا العام.

ويفهم الفلسطينيون في الضفة أنهم لن يجدوا أي قطرة ماء مع اندلاع الحرب المفترضة، التي ستتركهم أيضاً بلا كهرباء ولا دواء ولا وقود، وهو ما يخلق قلقاً وإرباكاً الذي يتسلل إليهم اليوم، وحمل بعضهم على تخزين الكثير من الطحين والمعلبات والمياه المعدنية.

وقال سعيد أبو شرخ: «لم أود الانتظار أكثر. اشتريت بعض الطحين والمعلبات والمياه».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دقيقة واحدة من الحرب سيدبّ هلع كبير. ستصبح الأسعار جنونية، ثم سنفقد البضائع. وقد نعيش التجربة القاسية التي اختبرها الغزيون في القطاع».

وعانى قطاع غزة فقدان الكهرباء والمياه والدواء والمواد الأساسية، ووصل الأمر إلى حد مجاعة حقيقية أفقدت الناس حياتهم.

وبالنسبة إلى أبو شرخ، فإنه يفضّل أن يكون مستعداً، أسوة بالكثير من أصدقائه الذين لجأوا إلى شراء كميات أكبر من الطحين والمعلبات وصناديق المياه، وحتى كميات من البنزين أو السولار، كخطة احتياطية.

وفي اختبار قصير سابق، عندما انطلقت المسيّرات والصواريخ الإيرانية، تجاه إسرائيل، لم يكن ممكناً الوصول إلى البقالات بسهولة، وهرع الناس لشراء ما يجنبهم انقطاع الطعام الرئيسي، أما محطات الوقود ففقدت مخزونها لأيام عدة، في «بروفة» لما يمكن أن يحدث في حرب حقيقية.

ولا يريد عبد العظيم عواد، أن يضع نفسه في اختبار آخر.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أجد بعد ساعة واحدة من انطلاق المسيّرات الإيرانية الكثير من المواد الغذائية. لم أجد وقوداً لأيام عدة. وخفت أن تندلع الحرب فعلاً. لم يكن لدي أي استعدادات».

وعلى الرغم من ذلك، يُمنّي عواد النفس بألا يضطر إلى عيش التجربة مرة أخرى على نحو أصعب، ولا يريد أن يرى حرباً أخرى.

وأضاف: «تعبنا من الحرب. الوضع صعب. الأشغال تضررت، الاقتصاد منهار. لا توجد رواتب والعمال لا يذهبون إلى إسرائيل. والتجار يشكون. حرب أخرى طويلة مع لبنان ستعني دماراً حقيقياً هنا. أعتقد سيكون وضعاً كارثياً».

ضائقة اقتصادية غير مسبوقة

وعانت الضفة الغربية وضعاً اقتصادياً معقداً ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي.

وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور، إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمة اقتصادية «غير مسبوقة»، تصاعدت حدتها، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عمال مياومة فلسطينيون ينتظرون عند معبر إسرائيلي ليتم إدخالهم للعمل (غيتي)

وأكد العامور معقّباً على تقرير للبنك الدولي حذَّر فيه من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، وأن العدوان، والإبادة الجماعية والحصار المالي والاقتصادي والسياسة المتطرفة التي تنفّذها حكومة الاحتلال تتسبب في انكماش اقتصادي وتعطل الحركة التجارية.

وتوقع أن يصل الانكماش إلى 10 في المائة.

وبحسبه، فإن الاقتصاد يخسر يومياً نحو 20 مليون دولار في جزئية توقف الإنتاج بشكل كلي في قطاع غزة، وتعطله في الضفة الغربية، إلى جانب تعطل العمالة، والتراجع الحاد في النشاط الاقتصادي والقوة الشرائية.

وكان البنك الدولي، قد حذّر في تقرير الشهر الماضي، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، مع «نضوب تدفقات الإيرادات» والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة.

وأكد البنك الدولي أن «تدفقات الإيرادات نضبت إلى حد كبير؛ بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المُقَاصَّة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية، والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي».

وبحسب التقرير، فإن «الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ 7 أكتوبر، يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلية».

وأكد التقرير أيضاً ارتفاع معدل الفقر، موضحاً: «في الوقت الحاضر، يعيش جميع سكان غزة تقريباً في حالة فقر».

وبحسب تقارير دولية سابقة، فقد أدت الحرب في غزة إلى إغلاق الاقتصاد فعلياً هناك، بعدما تم تدمير الأساس الإنتاجي للاقتصاد في القطاع والذي انكمش بنسبة 81 في المائة في الربع الأخير من عام 2023.

وتضرر الاقتصاد أيضاً في الضفة الغربية وانكمش كذلك، بسبب الحصار السياسي والمالي للسلطة والفلسطينيين.

مأزق السلطة

تعاني السلطة في الضفة وضعاً مالياً حرجاً اضطرت معه منذ بدء الحرب إلى دفع نصف راتب فقط لموظفيها.

ومنذ عامين تدفع السلطة رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري؛ بسبب اقتطاع إسرائيل نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية، تساوي الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل مقاتلين قضوا في مواجهات سابقة، وأسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى بدل أثمان كهرباء وخدمات طبية.

وعمّقت الحرب على غزة هذه الأزمة بعدما بدأت إسرائيل باقتطاع حصة غزة كذلك.

مظاهرات داعمة لغزة في رام الله نهاية مايو الماضي (غيتي)

وإضافة إلى موظفي السلطة، فقد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة مصدر دخلهم الوحيد منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما جمّدت إسرائيل تصاريح دخولهم إلى أراضيها أسوة بنحو 20 ألف عامل من قطاع غزة أُلغيت تصاريحهم بالكامل.

وساعد منع العمال من دخول إسرائيل في تدهور أسرع في الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الوضع في الحسبان أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهرياً (الدولار 3.70) مقارنة بفاتورة رواتب موظفي السلطة الشهرية التي تبلغ نحو 560 مليون شيقل شهرياً.

وقال مروان العجوري، أحد العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 9 أشهر لم يدخل لي شيقل واحد. لقد استنفدنا».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر بفارغ الصبر انتهاء الحرب في غزة، هل تعرف ماذا يعني حرب جديدة مع «حزب الله»؟ يعني على الدنيا السلام. دمار دمار. ما ظل إلا الهجرة بعدها». وتابع: «لا إسرائيل بتتحمل ولا إحنا».

ويخشى الفلسطينيون فعلاً أن إسرائيل قد تستخدم أدوات ضغط كبيرة عليهم في الضفة الغربية من أجل حثّهم على الهجرة، مستغلة انشغال العالم في حرب كبيرة مع لبنان.

مصادرة أراضٍ ودفع للهجرة

وخلال الأشهر القليلة الماضية، فتكت إسرائيل بالضفة الغربية بكل الطرق، حصار مالي وقتل واعتقالات ودفعت خططاً لتغيير الوضع القائم باتجاه إحباط أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي الرابع من الشهر الحالي صادقت إسرائيل على مصادرة 12.7 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية، في مصادرة وصفتها منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية بأنها الأكبر منذ ثلاثة عقود وتمثل ضربة جديدة للسلام بين الجانبين.

وبحسب «السلام الآن»، فإن الأراضي التي حوّلتها إسرائيل «أراضي دولة» تقع في منطقة غور الأردن، وهي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993.

وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها إسرائيل «أراضي دولة» منذ بداية العام إلى 23.7 كيلومتر مربع.

بعد ذلك بأيام عدة صادرت إسرائيل أراضي أخرى قرب مستوطنات في الضفة.

وتسيطر إسرائيل على الضفة الغربية منذ عام 1967، وأقامت الكثير من المستوطنات التي يعيش فيها من دون القدس الشرقية أكثر من 490 ألف إسرائيلي مقابل ثلاثة ملايين فلسطيني.

وهؤلاء المستوطنون بدأواً حرباً، خاصة في الضفة، مستغلين الحرب على قطاع، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة، فقتلوا فلسطينيين وهاجموا قرى وصادروا المزيد من الأراضي، تحت حماية الحكومة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن الحاكم الفعلي للضفة الغربية اليوم هم رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات. متهماً رئيس المجالس الاستيطانية كافة، يوسي داغان، بقيادة الفوضى التي صاحبت حالة الحرب.

ولا ينحصر تأثير داعان في معرفته باعتداءات المستوطنين ودعمه توسعهم بكل الأشكال القانونية وغير القانونية، وإنما يمتد أيضاً إلى مجال إقناع السلطات الإسرائيلية والجيش برعاية هذه الاعتداءات أو غض النظر عنها.

وعملياً، ترعى الحكومة الإسرائيلية هؤلاء المستوطنين، ولا تخفي أنها في حرب على جبهة الضفة.

وقتلت إسرائيل نحو 600 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر واعتقلت ما يقارب الـ10 آلاف ودمّرت بنى تحتية في طريقها لإضعاف السلطة الفلسطينية ومنعها من إقامة دولة.

واعترف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأنه لا يفعل أي شيء سري، وإنما يعمل بوضوح من أجل منع إقامة «دولة إرهاب فلسطيني» و«تعزيز وتطوير الأمن والاستيطان».

وجاء تصريح سموتريتش تعقيباً على ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، حول خطة حكومية رسمية سرية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية دون الحاجة إلى الإعلان رسمياً عن ضمها.

خطة لتغيير حكم الضفة

وكان تسجيل مسرّب لسموتريتش فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية، بحسب تقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز».

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

ونقل عن سموتريتش: «أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي ضخم. مثل هذه الأمور تغير الحمض النووي للنظام».

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة «أ» في الضفة الغربية وتشارك الحكم في المنطقة «ب» مع إسرائيل في حين تسيطر إسرائيل على المنطقة «ج» التي تشكل ثلثي مساحة الضفة.

وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية التسعينات، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن تحول الوضع إلى دائم، قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات ممنهجة ضد السلطة أدت إلى إضعافها بشكل كبير.

وفي خطوة مهمة وحاسمة ضمن خطة سموتريتش، صادق جنرال عسكري كبير على تحويل مجموعة من الصلاحيات في الضفة الغربية إلى مدير مدني هو هيليل روط، في مؤشر على أن الحكومة الإسرائيلية زادت من سيطرتها المدنية على المنطقة في خطوة أخرى نحو الضم الفعلي.

ووصف الناشط المناهض للاستيطان يهودا شاؤول هذه الخطوة بأنها «ضم قانوني»، مضيفاً أن «الحكم المدني الإسرائيلي امتد إلى الضفة الغربية» تحت إشراف سموتريتش.

وتشمل الصلاحيات المفوضة لروط السلطة على معاملات العقارات، والممتلكات الحكومية، وترتيبات الأراضي والمياه، وحماية الأماكن المقدسة (باستثناء الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل وقبر صموئيل)، والقوانين المتعلقة بالغابات، والسياحة، والحمامات العامة، وتخطيط المدن والقرى والبناء، وبعض عمليات تسجيل الأراضي، وإدارة المجالس الإقليمية، وغير ذلك الكثير.

واليوم على الأقل لا يوجد داخل الحكومة الإسرائيلية، أي خلاف بشأن ضم المناطق «ج»، حتى أن مسؤولين يرون أنه واحدة من الحلول للضغط على «حماس» نفسها في غزة.

واقترح النائب ألموج كوهين من «عوتسماه يهوديت» الذي يتزعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير خلال مقابلة مع «i24NEW» ضم المناطق حتى يعود المحتجزون في غزة. وأضاف: «الأراضي مقابل المختطفين، الأمر بسيط للغاية».

وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي كريم عساكرة إن اندلاع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، سيجلب تداعيات خطيرة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما من الناحيتين الإنسانية والسياسية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيفتكون بالضفة بلا شك. حيث يتوقع أن يستغل اليمين في الحكومة الإسرائيلية الحرب، وانشغال العالم بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لتنفيذ مخططات الضم والتهويد التي ستجعل من الضفة الغربية ملحقاً لإسرائيل لا يمكن أن يكون مكاناً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

وتابع: «التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووجود دعم إيراني لتحريك العمل العسكري في الضفة، ربما أيضاً يكون ذريعة لعقاب جماعي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، فتزيد من القمع والحصار والتنكيل بهم لدرجة يصل فيها الفلسطينيون إلى مرحلة لا يستطيعون العيش في ظل تلك الظروف، التي تسعى إسرائيل إلى أن تنتهي بترحيل قسم من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم.»

أما على الجانب الإنساني، فيرى عساكرة «أن ارتباط الفلسطينيين في الضفة بإسرائيل في نواحي الحياة كافة، سيؤدي إلى تأثرهم بشكل كبير، خاصة في مجال الطاقة والمياه، وفقدان الاستقرار الغذائي نتيجة لتضرر الموانئ الإسرائيلية، وربما سيكون وضع الفلسطينيين أكثر صعوبة من الإسرائيليين؛ لعدم وجود سلطة قادرة على تقديم أي مساعدة طارئة للمواطنين، على عكس إسرائيل التي تدرس كل جوانب التأثير الإنساني للحرب لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين».

وهذا الوضع لا تغفله السلطة الفلسطينية التي تدرك حجم الضرر المتوقع، وتبدو آخر كيان يريد لهذه الحرب أن تشتعل.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «حتى قبل حرب محتملة مع لبنان. إنهم يسعون لتفكيك السلطة وانهيارها، ولديهم مخطط واضح لدفع الفلسطينيين على الهجرة. ليس فقط في قطاع غزة وإنما الضفة. هذا اليمين المجنون لن يفوّت حرباً كهذه قبل أن يحقق حلمه بالسيطرة والاستيطان والتخلص من الكينونة الفلسطينية».

ويعترف المسؤول بأنه ليس لدى السلطة القدرة على مواجهة تداعيات حرب كهذه، وهي تواجه قبل ذلك خطر الانهيار.

باختصار شديد، خلف «حزب الله»، توجد إيران وفصائل في العراق وسوريا واليمن، وفي النهاية الدولة اللبنانية التي خلفها توجد دول، وخلف إسرائيل توجد الولايات المتحدة ودول وقوى أخرى عظمى. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فخلفهم سلطة محاصرة وضعيفة لا حول لها ولا قوة، وتقريباً لا بواكي لهم أو لها.