«اليوم التالي» في غزة الآن قبل ضياع جيل آخر

أنقاض منزل عائلة مناصرة التي قتلت غارة إسرائيلية في مخيم المغازي عشرات من أفرادها (إ.ب.أ)
أنقاض منزل عائلة مناصرة التي قتلت غارة إسرائيلية في مخيم المغازي عشرات من أفرادها (إ.ب.أ)
TT

«اليوم التالي» في غزة الآن قبل ضياع جيل آخر

أنقاض منزل عائلة مناصرة التي قتلت غارة إسرائيلية في مخيم المغازي عشرات من أفرادها (إ.ب.أ)
أنقاض منزل عائلة مناصرة التي قتلت غارة إسرائيلية في مخيم المغازي عشرات من أفرادها (إ.ب.أ)

«إننا نؤمن بحمل السلاح دفاعاً عن النفس ولردع العدوان. ولكننا نؤمن أيضاً بالسلام عندما يقوم على العدل والإنصاف، وعندها يُنهى الصراع. ولا يمكن أن تزدهر العلاقات الطبيعية بين شعوب المنطقة، وتسمح للمنطقة بمتابعة التنمية بدلاً من الحرب، إلا في سياق السلام الحقيقي».

أدلى الملك عبد الله، وكان ولياً للعهد وقتذاك، بهذا التصريح أمام الجامعة العربية في عام 2002، داعياً إلى تبني المبادرة السعودية الداعية إلى إقامة علاقات طبيعية وضمان أمن إسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين.

وفي بيان مشترك صدر عن الأمير عبد الله والرئيس جورج دبليو بوش عام 2005، وجهت الولايات المتحدة الشكر بشكل خاص إلى الملك عبد الله على «مبادرته الجريئة التي تبناها بالإجماع والتي تسعى إلى تشجيع السلام الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي العربي». وقال البيان إن «الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ترغبان في التوصل إلى تسوية عادلة عن طريق التفاوض تعيش فيها دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام وأمن».

قبل عام من المبادرة السعودية تلك، كان الرئيس كلينتون قد وضع المعايير المتعلقة بالأرض والأمن والقدس واللاجئين، في خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) 2001، وقال: «فيما يتصل بحل الخلافات المتبقية، سواء جاءت اليوم أو بعد سنوات عدة من الحسرة وسفك الدماء، فإن الخيارات الأساسية المؤلمة، وإنما الضرورية، سوف تظل بلا أدنى شك كما هي».

كانت الانتفاضة الثانية في أيامها الأولى أثناء خطاب كلينتون. وقد أسهمت في التحركات الإسرائيلية نحو الانفصال من جانب واحد: انسحاب وإبعاد المستوطنين من غزة عام 2005، وبناء الجدار الأمني في الضفة الغربية.

آثار الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على بيت لاهيا (أ.ف.ب)

وفي السنوات اللاحقة، ظهر العديد من مبادرات السلام، على الرغم من عدم تنفيذ أي منها باستراتيجية سياسية قادرة على كسب الدعم أو الإسناد المطلوب من جميع الأطراف. تضمنت «اتفاقيات إبراهيم»، الموقعة عام 2020، تدابير بين إسرائيل وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية، كانت قد اقتُرحت سابقاً في سياق جهود السلام السابقة، ولكنها نُفذت بأقل قدر من المكاسب للفلسطينيين.

وبعد جيل كامل، تبدو الجولة الأخيرة من الحرب - التي أطلق لها العنان في 7 أكتوبر (تشرين الأول) بهجوم (حماس) الإرهابي والوحشي على الإسرائيليين - متنافرة إلى درجة كبيرة، ومدمرة إلى حد مذهل أعمى بصائر العديد من الناس، إلى الحد الذي جعل هؤلاء الذين استهلكتهم الأحداث الجارية يفتقرون إلى الحسّ اللازم حتى يروا أفقاً أفضل ممكناً.

ومع ذلك، لا بد من إعادة قراءة خطاب الرئيس كلينتون، أو خطاب الملك عبد الله في بيروت، أو البيان المشترك للرئيس بوش والملك عبد الله. ففي الحقيقة، أصبحت كلماتهم المتماسكة بشكل لافت والنابعة من فَهْم عَميق للأمور قابلة للتطبيق اليوم بصورة صارخة. وإذا كان العالم في حاجة إلى حجة مقنعة تبرر كارثية شعار «النهر إلى البحر» في واقع الدولة الواحدة، سواء كانت نسخة متطرفة من فلسطين أو إسرائيل، فإننا نشهد الآن كيف تتبدى الوقائع على الأرض.

وتشكل رؤية «الدول تقف جنباً إلى جنب» الأمل الوحيد في إمكانية إحلال السلام والأمن المستدامين. فحل الدولتين على هذا النحو وحده لن يخدم مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، وإنما أيضاً مصالح بلدان المنطقة والعالم. والولايات المتحدة لا غنى عنها للمساعدة في تحقيق هذه الغاية. فهي أولاً تتمتع بتاريخ ثري من الالتزام الرئاسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلاً عن شبكة من العلاقات البناءة التي تفتقر إليها الصين وروسيا.

كيف نصل إلى تلك الغاية من هذا المنطلق؟ هذه خطوات خمس قد تشكل بداية مناسبة.

بداية، لا بد للمملكة من تفعيل دورها في عمليات السلام بوصفها بوابة وإطاراً توجيهياً للمراحل المقبلة.

ثانياً، وفي أقرب فرصة، حتى قبل انتهاء الهجوم الإسرائيلي ضد القيادة العسكرية لـ«حماس»، يحتاج الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية إلى أن يروا ويشعروا بأن ثمة طريقاً إلى غد أفضل. وهذا يتطلب إنشاء بنية مؤقتة للحكم والأمن تكون بمثابة أداة انتقالية قادرة على دفع الأمور نحو إقامة دولة فلسطينية مستدامة. وفي ظل هذه البنية، ينبغي ألا يخاف الفلسطينيون من الانتقاد العلني لأولئك الذين هم في السلطة، والعمل على توفير المياه والكهرباء والغذاء، وإعادة بناء أسرع للمنازل والمدارس والمستشفيات وتأمين فرص عمل جيدة. كذلك يحتاج سكان الضفة الغربية إلى أن يروا محاكمة واضحة للمستوطنين الإسرائيليين من قبل السلطات الإسرائيلية في الوقت الحقيقي بسبب سلوكهم التعسفي.

ثالثاً، لا بد من دفع التحالف العربي (المصري - الأردني - الخليجي) إلى الأمام، وأن تشارك السلطة الفلسطينية في شكلها وهيكلها الحاليين في المقعد الأمامي إلى أن تتمكن من تولي القيادة. ومن شأن هذا التحالف أن يدعو الأمم المتحدة إلى ممارسة وإعادة بناء بنيتها التحتية المدنية القائمة، والعمل مع الآخرين لضمان الأمن الكافي لحماية حياة الفلسطينيين اليومية، ووقف التهديدات المستجدة التي قد تشكّلها «حماس» في الداخل أو لإسرائيل.

رابعاً، يتعين على إسرائيل أن يحكمها تيار الوسط السياسي؛ حيث تقع الغالبية الإسرائيلية. ويتوقع الإسرائيليون إجراء تحقيق شامل في إخفاقات القيادة التي ربما تكون قد أسهمت في عدم الاستعداد لهجمات 7 أكتوبر؛ ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى ظهور رئيس وزراء جديد، وائتلاف حاكم أكثر وسطية. وخلال هذه الفترة، سوف يحتاج الإسرائيليون إلى استعادة الثقة بقدرة الدولة على ضمان أمنهم وسلامتهم، حتى في الوقت الذي يعيدون فيه اكتشاف الصلة بين أن يكونوا ديمقراطية قوية وبين توفير وطن مستدام للشعب اليهودي.

الأسيرة الإسرائيلية أدا ساغي بين يدي جيش الاحتلال بعد إطلاق سراحها نهاية الشهر الماضي (إ.ب.أ)

خامساً وأخيراً، سوف يحتاج المجتمع الإقليمي والدولي، ومن ضمنه إسرائيل، إلى تقديم دعم كبير لهذه الجهود.

ولا ينبغي لنا أن نتوقع من الفلسطينيين أو الإسرائيليين وحدهم أن يتمكنوا من تغيير مفاجئ للأوضاع في أي اتجاه، فيصبحون فجأة أكثر وضوحاً في النظر إلى حل الدولتين بوصفه الحل الذي يحتاج إليه كل من الشعبين؛ خصوصاً الجيل القادم الذي عاقته السياسة والساسة المفتقرون إلى تلك الرؤية وذلك التركيز.

وبوسع زعماء المنطقة، الذين وقعوا أو قد يوقعون اتفاقيات سلام، بالشراكة مع الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الخارجية الداعمة، أن يضطلعوا بدور رئيسي في ترسيخ هذا الوضوح، وفي ضمان مصداقية المسار الذي يؤدي إلى إقامة دولتين، ومستقبل أكثر استقراراً وأمناً واستدامة وديمقراطية.


مقالات ذات صلة

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الغزيون يكابدون الأمطار والبرد

تسبب الانخفاض الجوي الذي تشهده غزة، هذه الأيام، في زيادة معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب منذ 14 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.