«التعاون الخليجي» يستعد لدور استراتيجي أكبر

جانب من أعمال القمة الخليجية مع دول «الآسيان» برئاسة الأمير محمد بن سلمان في الرياض (واس)
جانب من أعمال القمة الخليجية مع دول «الآسيان» برئاسة الأمير محمد بن سلمان في الرياض (واس)
TT

«التعاون الخليجي» يستعد لدور استراتيجي أكبر

جانب من أعمال القمة الخليجية مع دول «الآسيان» برئاسة الأمير محمد بن سلمان في الرياض (واس)
جانب من أعمال القمة الخليجية مع دول «الآسيان» برئاسة الأمير محمد بن سلمان في الرياض (واس)

كان مجلس التعاون، ودوله الأعضاء منفردةً، خلال عام 2023 في عين العاصفة وملء السمع والبصر، ومن المتوقع أن يستمر على هذا المنوال في عام 2024. وهو دور غير مألوف للمجلس الذي فضّل في الماضي أن يعمل في صمت، بعيداً عن الأضواء. بعض التغيير أتى من الخارج، إذ ارتفع سقف توقعات شركائه الدوليين والإقليميين حول قدرته على التحرك والتأثير، بعد تتالي عدد من الأحداث والفعاليات التي كان لدول المجلس -مجتمعة أو منفردة- دور ناجح ومؤثر فيها.

وبعض هذا التغيير كان وليد ديناميكياته الداخلية، حين استعاد المجلس تماسكه في قمة العُلا في عام 2021، متزامناً مع النمو الاقتصادي غير المسبوق منذ ذلك الحين، وكانت منطقة الخليج أسرع المناطق في العالم نمواً وتعافياً من جائحة «كورونا»؛ إذ تجاوز حجم الاقتصاد الخليجي تريليوني دولار، لأول مرة في تاريخه، في عام 2022، وتجاوز 2.3 تريليون في 2023، في حين استمرت معظم المناطق الأخرى في الركود الاقتصادي بعد الجائحة نتيجة الحرب في أوكرانيا، وهو ما مكّن دول المجلس من مضاعفة حضورها الاستراتيجي.

اجتماع وزاري خليجي في عمان نوفمبر الماضي (د.ب.أ)

خلال عام 2023 كان هذا الحضور واضحاً، بدءاً بتوجّه المجلس إلى شراكات جديدة، فبعد إعلان الشراكة الاستراتيجية بين دول المجلس والصين في أول قمة بين الجانبين، كان ثمة نشاط غير مسبوق في تعميق هذه الشراكة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

فلعبت بكين دوراً مهماً في الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، حين وقعتا اتفاقاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، أعقبها نشاط دبلوماسي حثيث، كانت الصين حاضرة ومؤثرة فيه، ومن المأمول أن يكون لهذا التقارب دور ملحوظ في عام 2024؛ إذ أشارت الدولتان إلى رغبتهما في ترجمة هذا الاتفاق إلى خطوات عملية نحو التهدئة، وتصفير ما يمكن من أزمات المنطقة.

وبالمثل يُتوقّع أن تخطو الشراكة الخليجية - الصينية خطوات واثقة في عام 2024، في إطار خطة العمل المشترك التي أقرها الجانبان للفترة المقبلة، سواء في المجالات التقليدية، مثل الاقتصاد والحوار السياسي، أو في مجالات جديدة، مثل الأمن النووي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

التنوع الاستراتيجي

وفي سياق التنوع الاستراتيجي، عقد المجلس قمماً متعددة مع عدة مناطق من العالم، ففي شهر يوليو (تموز) استضافت جدة أول قمة بين مجلس التعاون وآسيا الوسطى، بمشاركة قادة دول المجلس الست ودول آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان)، أعقبتها قمة تاريخية أخرى بين مجلس التعاون ودول رابطة جنوب شرقي آسيا (الآسيان) في الرياض.

وصحب إعلان الشراكات الاستراتيجية في هذه القمم الاتفاق على خطط مزمّنة للعمل المشترك في عدد من المجالات ذات الأولوية، مثل الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً الاستثمار، وتعزيز الحوار الثقافي والسياحة. وفي نيويورك عقد وزراء خارجية دول المجلس اجتماعاً لتأسيس شراكة جديدة مع رابطة الدول الكاريبية، وهي منظمة تجمع 25 دولة من دول البحر الكاريبي، وتم الإعلان أيضاً عن خطة للعمل المشترك في الحوار السياسي وتعزيز الاستثمار والسياحة. وتلا هذا الاجتماع قمة في الرياض في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) مع منظمة إقليمية أخرى هي «المجموعة الكاريبية».

نشاطات 2024

ومن المقرر أن يشهد عام 2024 تعميقاً لهذه الشراكات الجديدة، والبدء في شراكات أخرى، في إطار تنويع التحالفات الاستراتيجية لدول المجلس. ورغم أهمية هذه الشراكات فإنه من الخطأ الاعتقاد بأنها سوف تكون بديلاً عن العلاقات التقليدية لدول المجلس مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا وغيرها، التي ستظل شراكات مهمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً.

ففي الوقت الذي دُشّنت فيه الشراكات الجديدة، استمرت دول المجلس في تعزيز علاقاتها التقليدية، فعقدت عدة اجتماعات مع الولايات المتحدة تناولت جوانب مختلفة من شراكتهما الاستراتيجية، بما في ذلك اجتماعان مع وزير الخارجية الأميركي في الرياض ونيويورك، واجتماعات خُصصت لمناقشة الأمن البحري والدفاع الصاروخي ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التجارة والاستثمار وغيرها.

وبالمثل دار حوار معمق في موسكو مع وزير خارجية روسيا، تناول الحرب في أوكرانيا وأزمات المنطقة. ومن المتوقع أن يشهد عام 2024 تطورات مهمة في الشراكة مع الولايات المتحدة، واستكشاف نقاط التقاء مع الجانب الروسي في إطار الحوار الاستراتيجي الذي يدور بين الجانبين منذ عام 2011.

أما الاجتماع السنوي للمجلس الوزاري الخليجي - الأوروبي، فقد وضع الأسس لأول مرة لحوار أمني مع الاتحاد الأوروبي. وتعود هذه الشراكة الخليجية - الأوروبية إلى أكثر من 35 عاماً؛ لكنها في الماضي كانت تركز على القضايا الاقتصادية والفنية، مع تبادل وجهات النظر حول القضايا السياسية، دون الدخول في المواضيع العسكرية والأمنية.

ولذلك فمن المتوقع أن يشهد عام 2024 تطوراً ملحوظاً للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع الدول الأوروبية منفردة، خصوصاً في إطار الحفاظ على الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

التنوع في الشراكات

والحقيقة أن التنوع في الشراكات مؤشر على نضج النظرة الاستراتيجية، فمن الوهم اعتقاد أن الدخول في هذه الشراكات يعني التوافق التام في وجهات النظر مع الدول والمنظومات المعنيّة، حيث لا تتفق وجهات النظر دائماً حيال جميع القضايا، كما هو مشاهد الآن في تباين وجهات النظر مع الولايات المتحدة حيال الحرب في غزة. وبالمثل مع روسيا، حيث لا يتفق الجانبان على جوانب مهمة في عدد من القضايا، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا وإيران.

ففي التعامل مع هذه الدول والمنظمات الفاعلة يجب أن نُدرك أن تباين وجهات النظر أحياناً هو القاعدة، والتوافق هو الاستثناء، وأن نعمل على احتواء الاختلافات، وتوسعة دائرة التوافق من خلال الحوار المستمر، وتطوير التعاون في المجالات المتفق عليها، دون أن نتوقع أن يحدث التوافق في جميع القضايا.

وهذا أحد أسرار تطور العلاقة مع جمهورية الصين الشعبية -مثلاً- التي يختلف نظامها السياسي والاقتصادي اختلافاً جذرياً عن النظم السياسية والاقتصادية في دول المجلس، وكان الجانبان يتخذان مواقف متعارضة في كثير من القضايا على المستوى الدولي والإقليمي. أما العلاقات الاقتصادية فلم تكن تُذكر؛ إذ كان حجم التجارة الإجمالي بين الصين ودول المجلس مجتمعة أقل من ثلاثة مليارات دولار منذ 30 عاماً.

الشريك الأول

أما اليوم فإن الصين هي الشريك التجاري الأول لدول المجلس، إذ يتجاوز حجم التجارة بين الجانبين 230 مليار دولار، أو نحو 77 مرة ما كان عليه قبل ثلاثة عقود. وتمثل التجارة مع الصين أكثر من 20 في المائة من حجم التجارة الإجمالي لدول المجلس، وتستورد الصين نحو 30 في المائة من نفطها من دول المجلس، ونحو 10 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي.

وتشكل الصين مقصد أكثر من 25 في المائة من صادرات دول المجلس الكيميائية والبتروكيميائية. وتتنامى الاستثمارات الخليجية في الصين، والصينية في الخليج، بشكل متسارع، كما تشارك دول الخليج في «مبادرة الحزام والطريق» بشكل فعال، حيث تشكل منطقة الخليج جزءاً مهماً من طريق الحرير البحري. أما اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين فقد أشرفت على الانتهاء.

ودون شك، ساعدت هذه العلاقة الاقتصادية المتميزة على انتقال الجانبين الصيني والخليجي من مرحلة التوجس والحذر -إن لم يكن العداء في فترة من الفترات- إلى شراكة استراتيجية مبنية على الاحترام والثقة المتبادلة، تمتد الآن إلى السياسة والأمن، على الرغم من بقاء عدد من النقاط المهمة التي تتباين فيها وجهات النظر.

وبالإضافة إلى هذه الشراكات الاستراتيجية الجديدة والمتجددة، شهدت دول المجلس أحداثاً مهمة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الدول في استضافة مثل هذه الأحداث خلال عام 2024.

استضافت جدة -على سبيل المثال- القمة العربية الثانية والثلاثين التي شهدت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أن توصلت الدول العربية إلى اتفاق مع الحكومة السورية، بما في ذلك العمل بشكل حثيث للتوصل إلى حل سياسي، ومعالجة مشكلة تهريب المخدرات. وتظل «لجنة الاتصال العربية» بمشاركة المملكة العربية السعودية وعضوية عدد من الدول العربية عنصراً مهماً في السعي لعودة سوريا إلى وضعها الطبيعي ودورها العربي التاريخي.

السودان والأمل

وتستضيف جدة المحادثات بين الأطراف السودانية، بمشاركة الولايات المتحدة ومنظمات أفريقية، وتظل منصة جدة أهم مصدر للأمل لحل الأزمة في السودان.

أما قضية فلسطين، فقد كانت محور النشاط الدبلوماسي لدول مجلس التعاون، خصوصاً المملكة العربية السعودية، حتى قبل اندلاع حرب إسرائيل على غزة وبعدها، ومن المؤكد أن هذا الاهتمام سوف يستمر خلال عام 2024. فقد كانت القضية حاضرة بقوة خلال القمم والاجتماعات الوزارية كافة، التي أشرت إليها، وتمكنت دول المجلس من الحصول على دعم ملموس للحق الفلسطيني، بما في ذلك من كثير من حلفاء إسرائيل الذين وافقوا على أن الحل لهذه القضية يتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

في شهر سبتمبر (أيلول)، أطلقت المملكة العربية السعودية من نيويورك، خلال افتتاح الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، مبادرة لإحياء جهود السلام لحل القضية الفلسطينية، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأردن ومصر.

وبعد اندلاع الحرب، دعت سلطنة عمان إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول مجلس التعاون عُقد بمسقط في شهر أكتوبر (تشرين الأول) لوضع الخطوط العريضة لسياسة المجلس تجاه هذه الأزمة، ثم دعت المملكة العربية السعودية إلى قمة عربية - إسلامية طارئة، عُقدت بالرياض في نوفمبر، وصدر عنها توافق عربي - إسلامي، وشكلت لجنة وزارية برئاسة وزير الخارجية السعودي، بهدف بلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل، وفق المرجعيات الدولية المعتمدة، وفقاً للبيان الختامي لهذه القمة، وربما كانت أعمال هذه اللجنة أهم جهود تُبذل في هذا المجال منذ سنوات.

وعلى الرغم من معارضة إسرائيل الشرسة لأي تحرك دولي لحل القضية الفلسطينية، فإن معظم دول العالم -بما في ذلك حلفاء إسرائيل وشركاؤها التقليديون- صوتت لتأييد الحق الفلسطيني، ولم يبقَ مع إسرائيل والولايات المتحدة سوى دويلات تُعد على أصابع اليد الواحدة. ويُلاحظ أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مزدوجاً، فهي تؤيد إسرائيل تأييداً شبه مطلق في الحرب على غزة؛ لكنها مع التوافق الدولي بشأن حل الدولتين على حدود 1967.

من المتوقع أن تستمر جهود المملكة العربية السعودية خلال عام 2024، مدعومة من قبل دول المجلس الأخرى، في جهودها لإنهاء الحرب في غزة، وإحياء عملية السلام لدعم الحق الفلسطيني المشروع في دولته المستقلة.

بالإضافة إلى دورها في السياسة والحفاظ على الأمن الإقليمي، من المتوقع أن تستمر منظومة مجلس التعاون في لعب دور محوري خلال عام 2024 في الاقتصاد والثقافة والرياضة، وأن تترسخ شراكاتها العربية والإقليمية والدولية خلال العام المقبل. فعلى سبيل المثال، خلال السنوات المقبلة تستعد المنطقة لاستضافة كثير من الأحداث المهمة، بما في ذلك استضافة الرياض لمعرض «إكسبو 2030» وكأس العالم 2034، كما استضافت دبي «إكسبو 2020» والدوحة كأس العالم في 2022.

وتُظهر آلية التنافس هذا العام على «إكسبو» وكأس العالم مؤشراً مهماً على الاعتراف بالدور المحوري للمملكة، ولدول مجلس التعاون بشكل عام. فقد انسحب المنافسون المحتملون لاستضافة كأس العالم، وظلت المملكة المرشح الوحيد.

أما في منافسات «إكسبو 2030»، فقد صوتت 119 دولة لصالح السعودية، مقابل 29 صوتاً لصالح كوريا و17 صوتاً لصالح إيطاليا، وهي نتيجة مذهلة وغير مسبوقة، خصوصاً حين نأخذ بعين الاعتبار الوزن الاقتصادي والسياسي للدولتين المنافستين، والجهود الكبيرة التي بُذلت في الترويج لترشيحهما.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.