قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

TT

قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

تخيل عالماً يمكن للأطباء فيه التنبؤ بتطور السرطان في أجساد المرضى، قبل فترة طويلة من ظهور أي أعراض أو مؤشرات واضحة؛ ما يمكّنهم من المسارعة لاتخاذ إجراءات وعلاجات وقائية.

لم يعد مثل هذا العالم اليوم حلماً بعيد المنال، وإنما نقترب بسرعة من أن نراه واقعاً؛ وذلك بفضل القوة الهائلة للذكاء الاصطناعي بمجال الرعاية الصحية. مع صعود «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، نشهد اليوم إعادة صياغة مستقبل الطب، وفتح الباب أمام حلول مبتكرة قادرة على تغيير مسار الحياة. وعليك من اليوم الاستعداد للانبهار باحتمالات لا حصر لها يحملها الذكاء الاصطناعي معه، وذلك مع انغماسنا أكثر في عالم التكنولوجيا المتطورة مع التركيز على التطبيقات القادرة على التنبؤ بالسرطان، واستكشاف التأثيرات الكبرى التي سيتركها هذا الأمر على مجال الطب والمجتمع بوجه عام.

كما ينطوي هذا المقال على تحدٍ ودعوة للعمل موجهة للدول التي تشارك هذه الرؤية، والتي تستثمر في توفير مستوى جودة للحياة أعلى بكثير لمواطنيها.

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي مصطلح واسع يشير إلى تطور أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء مهام تتطلب في العادة ذكاءً بشرياً. ويمكن أن تتضمن هذه المهام حل المشكلات، والتعرف على الصوت، والتعلم، والتخطيط والمزيد. ويمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تكنولوجيا ذكاء صناعي متقدمة بمقدورها توليد بيانات أو محتوى جديد، من خلال فهم وتعلم أنماط من البيانات القائمة، والتي كان من المتعذر الوصول إليه سابقاً. وقد أظهر الذكاء الاصطناعي التوليدي قدرات مبهرة في مجالات متنوعة، مثل إبداع فنون وموسيقى ونصوص. ومع ذلك، تبقى إمكاناته داخل مجال الرعاية الصحية الأكبر على الإطلاق.

يملك الذكاء الاصطناعي إمكانية المعاونة في إسراع وتيرة عملية اكتشاف الأدوية، من خلال تحليل قواعد بيانات ضخمة لتحديد العقاقير المحتملة المرشحة، والتنبؤ بفاعليتها، وتحسين تركيبها الكيميائي. ويمكن لهذا الأمر أن يحدّ بدرجة كبيرة من الوقت المطلوب لابتكار أدوية جديدة وتوفيرها للمرضى. ويمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى المزيد من العلاجات وتقليص الآثار الجانبية. ويمكن للذكاء الاصطناعي كذلك المعاونة في معالجة كميات ضخمة من البيانات من سجلات صحية إلكترونية، وأجهزة يمكن ارتداؤها، ومصادر أخرى للتنبؤ بتفشي الأمراض، وتحديد المرضى الذين يواجهون مخاطرة مرتفعة، وتعزيز الاستفادة من الموارد المخصصة للمستشفيات.

وبمقدور اللوغاريتمات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية (مثل أشعة إكس، والتصوير بالرنين المغناطيسي وأشعة الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب)؛ لرصد وتشخيص والوقاية من الأمراض بدقة كبيرة، على نحو يفوق في الغالب الأداء البشري. ويمكن لهذه الأدوات المعاونة في الرصد المبكر لأمراض، مثل السرطان أو ألزهايمر أو أمراض القلب؛ ما يثمر نتائج أفضل مع المرضى. وسيركز هذا المقال على وجه التحديد على استخدام الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات الضخمة لتوقع الإصابة بالسرطان.

التنبؤ بالسرطان

التنبؤ بالسرطان: تحول هائل بعالم الطب. يتحقق تشخيص الإصابة بالسرطان في العادة عندما تظهر على المريض أعراض المرض أو بعد إجراء مسح روتيني يكشف عن وجود خلايا غير طبيعية. للأسف، فإن الكثير من أنماط السرطان لا تظهر لها أعراض خلال المراحل الأولى لها، وربما يستمر بعضها دونما رصد حتى تتحرك نحو مستويات أكثر تقدماً. ومن شأن الرصد المبكر للسرطان التحسين بدرجة كبيرة من نتائج العلاج ومعدلات النجاة؛ ما يجعل منه جانباً محورياً من جهود رعاية مرضى السرطان.

في العادة، يحدث تشخيص السرطان عندما تظهر على مريض ما أعراض السرطان أو بعد رصد فحص روتيني خلايا غير طبيعية أو شاذة. وللأسف، فإن الكثير من أنماط السرطان لا أعراض لها خلال المراحل الأولى منها، وقد يستمر بعضها دونما رصد حتى تصل لمستويات أكثر تقدماً. ومن شأن الرصد المبكر للسرطان تحقيق تحسن كبير في نتائج العلاج ومعدلات النجاة؛ ما يجعل منه جانباً محورياً من رعاية مرضى السرطان.

هنا تحديداً، يمكن للذكاء الاصطناعي التدخل وتحويل بؤرة الاهتمام من التشخيص إلى التنبؤ. تخيل عالماً يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي به التنبؤ باحتمالات تقدم السرطان قبل ظهور أي أعراض؛ ما يتيح التدخل المبكر، وقد ينقذ أعداداً لا تحصى من الأرواح. اليوم، لم يعد هذا حلماً بعيد المنال، وإنما بدأ في التحول إلى واقع.

لننظر، على سبيل المثال، في دراسة حديثة من معمل علوم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي استخدمت الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بتطور سرطان الثدي لفترة وصلت إلى خمس سنوات قبل تشخيص المرض. نشرت الدراسة عام 2019 في دورية «راديولوجي»، حيث استخدم الباحثون التعلم العميق في تدريب نموذجهم المرتبط بالذكاء الاصطناعي على صور التصوير الشعاعي للثدي وبيانات المريضة، مثل العمر وتاريخ الأسرة والعوامل الهرمونية، للتنبؤ باحتمالية الإصابة بسرطان الثدي. وجاءت نتائج النموذج مبهرة من حيث تحقيقه تحسناً كبيراً في التنبؤ بسرطان الثدي، لدى مقارنته بنماذج تقدير المخاطر القائمة حالياً.

وربما يكون ذلك مجرد قمة جبل الجليد، خاصة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يحمل إمكانات التنبؤ بأنماط متنوعة من السرطان من خلال تحليل مجموعة واسعة من البيانات، منها صور أشعة كبيرة، وسجلات صحية إلكترونية، والمعلومات الجينية، بل وحتى العوامل المرتبطة بأسلوب الحياة. ومن شأن امتلاك القدرة على التنبؤ بالسرطان في وقت مبكر، إحداث ثورة في أسلوب تعاملنا مع رعاية مرضى السرطان، والانتقال من استراتيجيات الوقائية إلى وضع خطط علاج ذات طابع شخصي؛ الأمر الذي يمكن أن ينقذ عدداً لا يحصى من الأرواح، وتحسين مجمل النتائج في صفوف المرضى.

وحول التأثير الاجتماعي للتنبؤ بالإصابة بالسرطان باستخدام الذكاء الاصطناعي، فإن دلالات التنبؤ بالسرطان بمعاونة الذكاء الاصطناعي تمتد لما وراء مجال الطب بكثير. والواضح أن هذا من شأن ترك تداعيات كبرى على المجتمع ككل، في وقت يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة مجتمعنا بوجه عام.

من شأن اكتساب القدرة على التنبؤ بالسرطان وأمراض أخرى قبل ظهور الأعراض، تحقيق تدخلات وعلاجات مستهدفة في الوقت المناسب؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نتائج أفضل في صفوف المرضى، وتحسن عام في مستوى جودة الحياة على مستوى أعداد لا حصر لها من الأفراد. أيضاً، يمكن لاستراتيجيات الرصد المبكر والوقاية تقليص تكاليف الرعاية الصحية بدرجة بالغة، من خلال التقليل الحاجة إلى علاجات مكلفة على صلة بالمراحل المتقدمة من الأمراض. ومن شأن هذا بدوره المعاونة في تخفيف الأعباء المالية على كهل كل من المرضى ومنظومات الرعاية الصحية.

بجانب كذلك، ربما تظهر فئة جديدة من العلاجات بهدف إطالة أمد حياة المرضى.

اعتبارات أخلاقية

ومع ذلك، فإن تحقيق كامل إمكانية هذه الحالة اليوتوبية، ثمة اعتبارات عملية وأخلاقية ينبغي وضعها في الاعتبار.

من الممكن أن تسفر توقعات الذكاء الاصطناعي بعض الأحيان عن نتائج زائفة، خاصة في الأيام الأولى؛ ما يسفر عن علاجات لا داعي لها أو كرب نفسي للمرضى الذي ربما لم يصابوا أساساً السرطان.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية غالباً ما يستلزم جمع كميات هائلة من بيانات المرضى الحساسة وتحليلها؛ الأمر الذي يثير مخاوف بشأن خصوصية البيانات والأمان وإساءة الاستخدام المحتملة لمعلومات المريض. وأحد المخاوف المحتملة، أن التنبؤ بالسرطان قد لا يكون متاحاً بشكل متساوٍ للجميع؛ ما يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية القائمة بالفعل. وقد لا يتمكن السكان المحرومون من الوصول إلى هذه الأدوات التنبؤية أو قد يكون تمثيلهم ناقصاً في البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؛ ما يؤدي إلى تنبؤات متحيزة أو أقل دقة. وأخيراً، فإن التنبؤ بالسرطان يثير تساؤلات أخلاقية، مثل إمكانية التمييز على أساس الاستعداد الجيني، والأثر النفسي على الأفراد المعرضين لمخاطر مرتفعة.

دعوة للعمل

إذن، إلى أين نتجه من هذه النقطة؟ من أجل أن يكتسب النظام الصحي القدرة على التحول وجعل التنبؤ بالسرطان حقيقة واقعة، يجب بناء نظام بيئي من الأنشطة المترابطة. وتعتمد هذه الأنشطة على بعضها بعضاً، ويجب أن تكون مترابطة عمداً، في إطار رحلة الابتكار الرائد للتنبؤ بالسرطان.

في هذا الصدد، يعدّ تثقيف صانعي السياسات حول الفوائد المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان والوقاية منه، أمراً بالغ الأهمية بما في ذلك عرض كيف يمكن أن يؤدي إلى تقليل العبء الاقتصادي على نظام الرعاية الصحية. والمؤكد أن هذا سيساعد في تحديد مصادر التمويل وتأمينها. وربما يشمل ذلك التمويل الحكومي والاستثمارات الخاصة والشراكات مع شركات التكنولوجيا أو المؤسسات البحثية.

تكمن إحدى أهم الخطوات في التعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك الوكالات الحكومية ومقدمو الرعاية الصحية والمؤسسات البحثية وشركاء الصناعة لتشكيل تحالف من المؤيدين الذين يمكنهم الدعوة للتبني. من المهم كذلك المشاركة في التعاون الدولي مع البلدان الأخرى والمنظمات الدولية لتبادل المعرفة والموارد وأفضل الممارسات. وأخيراً، فإن إطلاق حملة كبرى لتثقيف وتدريب القوى العاملة بشكل أفضل لتزويد المتخصصين في الرعاية الصحية والباحثين والتقنيين بالمهارات اللازمة للعمل مع الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان وعلاجه.

الذكاء الاصطناعي كقوة خير

الحقيقة التي لا مفر منها، أنه سيجري استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض مشينة أو لإحداث ضرر عن غير قصد، حتى عندما يجري تطويره بنيّة حسنة. من بين هذه الأمور إنشاء ملفات التزييف العميق للتلاعب بالإدراك العام ونشر المعلومات المضللة، أو وجود تحيزات متأصلة في بيانات التدريب والتي يمكن أن تؤدي إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي التمييزية؛ ما يطيل أمد التفاوتات الاجتماعية والظلم. وسيتعين على مطوري الذكاء الاصطناعي وواضعي السياسات العمل جنباً إلى جنب لمعالجة هذه العواقب السلبية، ووضع وتنفيذ إرشادات أخلاقية قوية، وإعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي.

من جانبي، اخترت أن أنظر إلى الذكاء الاصطناعي كقوة تحقق الخير، وتقدم العون في مواجهة التحديات العالمية الملحة، وتعزز رفاهية الإنسان والصالح الاجتماعي العام، من خلال إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الموارد، وتحسين استهلاك الطاقة، وإحداث ثورة على صعيد القدرة على تشخيص في المجالات الطبية، من بين مجالات أخرى.

وهذا الأخير هو تخصص أعتقد أنه يعود لأكثر عن 20 عاماً من الخبرة التي أمتلكها في مجال التكنولوجيا الحيوية وصناعة الأدوية لاكتشاف العلاجات المنقذة للحياة وتطويرها وتقديمها للمرضى. ويسعدني التشارك مع قراء «الشرق الأوسط»، من خلال هذا المقال بخصوص هذا المستقبل المثير الذي يعد به الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالتنبؤ بالسرطان.

لا أعرف متى ستصبح التنبؤات بالسرطان جزءاً من الطب والمجتمع. سيعتمد كل هذا على من سيكون جريئاً بما يكفي لإتباع هذه الرؤية، ومدى السرعة التي يمكنه بها الاستثمار في هذا المجال على المدى الطويل.

 

 


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: «أبل» توقع على خطة أميركية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا شعار شركة «أبل» يظهر وسط أفراد يصطفون للحصول على هاتف «آيفون» في مدريد 26 سبتمبر (أيلول) 2014 (أ.ف.ب)

البيت الأبيض: «أبل» توقع على خطة أميركية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي

قال البيت الأبيض إن شركة «أبل» وقعت على الالتزامات الطوعية التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن وتحكم استخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سيدة تسير إلى جوار متجر «آيفون» في مدينة ووهان الصينية (رويترز)

«أبل» تنضم للشركات الملتزمة بقواعد البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي

انضمت شركة «أبل» إلى حوالي 12 شركة تكنولوجيا التزمت اتباع مجموعة قواعد للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص ينتظر أن يشهد أولمبياد باريس عشرة أضعاف الحوادث السيبرانية التي استهدفت أولمبياد طوكيو (شاترستوك)

خاص 4 مليارات حادث سيبراني متوقع في أولمبياد باريس

فريق «استخبارات التهديدات» والذكاء الاصطناعي في طليعة أسلحة أول مركز موحد للأمن السيبراني في تاريخ الأولمبياد.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي... جيد في الفنون سيئ في الرياضيات

الذكاء الاصطناعي... جيد في الفنون سيئ في الرياضيات

يحدد الاحتمالات ولا يجري حسابات قائمة على القواعد.

ستيف لور (نيويورك)
تكنولوجيا يمكن أن يسهّل التعرف المبكر على المرضى الذين من المرجح أن يتقدموا بسرعة العلاج في الوقت المناسب والمراقبة الدقيقة (شاترستوك)

الذكاء الاصطناعي أكثر دقة بـ3 مرات في التنبؤ بتقدم مرض ألزهايمر

ابتكر باحثون بجامعة كمبردج نموذجاً للتعلم الآلي يمكنه التنبؤ بتطور مشاكل الذاكرة والتفكير الخفيفة إلى مرض ألزهايمر بدقة أكبر من الأدوات السريرية.

نسيم رمضان (لندن)

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
TT

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)

تفتتح، غداً، في باريس دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسط إجراءات استثنائية صارمة استدعتها المخاوف الأمنية وذكريات المجزرة التي شهدتها القرية الأولمبية في دورة ميونيخ عام 1972، إثر محاولة لاحتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها مجموعة «أيلول الأسود» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» تعيد تسليط الضوء على تلك «الكارثة الأولمبية» انطلاقاً من أسئلة طرحتها على العقلين المدبرين للعملية. ولدت فكرة الهجوم في لقاء عُقد في مقهى بروما وضم صلاح خلف «أبو إياد» عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومساعده فخري العمري ومحمد داود عودة «أبو داود» عضو «المجلس الثوري» لـ«فتح». جاءت الفكرة من العمري وتبناها «أبو إياد» وأوكل التنفيذ إلى «أبو داود».

وتكشف رواية «أبو داود» عن أنه نجح في استطلاع مقر البعثة الإسرائيلية، وأن «أبو إياد» تولى شخصياً إحضار الأسلحة برفقة «زوجته» اللبنانية المزيفة التي سُميت جولييت. وشاءت الصدفة أن يسهم رياضيون أميركيون عائدون من سهرة عامرة في مساعدة الفريق الفلسطيني المهاجم في تسلق السياج ومن دون معرفة غرض الفريق ومحتوى الحقائب التي يحملها.

وتؤكد الرواية أن ياسر عرفات كان على علم بالعملية وأن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (مسؤول المالية آنذاك) صرف للفريق المبلغ اللازم لتنفيذها. وانتهت العملية بمقتل 11 إسرائيلياً وخمسة من المهاجمين حين اختلط الرصاص الألماني بالرصاص الفلسطيني.