الخبير ديفيد بولغار لـ«الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي ليس سحراً ولا يمتلك رغبات خاصة

TT

الخبير ديفيد بولغار لـ«الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي ليس سحراً ولا يمتلك رغبات خاصة

يرى بولغار أن المبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي سببها أننا نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه كبشر (أدوبي ستوك)
يرى بولغار أن المبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي سببها أننا نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه كبشر (أدوبي ستوك)

في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، تحدث ديفيد راين بولغار، خبير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ومؤسس شركة «كل التكنولوجيا بشرية» All tech is human وعضو المجلس الاستشاري للمحتوى في «تيك توك»، عن نظم الذكاء الاصطناعي وعن تطوراتها، والشكوك المحيطة باستخداماتها.

>شكراً لوجودك معنا، نسمع كثيراً عن الذكاء الاصطناعي وعن انتشاره في الولايات المتحدة وحول العالم، بالتزامن مع تحذيرات بأنه يشكل خطراً على المجتمع، ما رأيك في هذا؟

- كل التكنولوجيا يمكن أن تكون لديها استعمالات جيدة وأخرى سيئة. الذكاء الاصطناعي كغيره من أنواع التكنولوجيا هو عرضة للانتهاكات من اللاعبين السيئين. وما يجب علينا أن نفكر به من خلال تصميم وتطوير ونشر هذه التقنيات هو كيف نقوم بكل هذا بطريقة مدروسة. نريد أن نتطرق إليها من منظارين: منظار الابتكار، ومنظار التأثير.

ديفيد راين بولغار (غيتي)

هناك أحاديث كثيرة حول الذكاء الاصطناعي خاصة عندما نتحدث عن تقنية مثل برنامج المحادثة الذكي (تشات جي بي تي)، وهذه الأحاديث انتشرت على المواقع الإخبارية بعد رسالة «التحذير» للخبراء التي حصلت على الكثير من الاهتمام الإعلامي. لكن إذا ما نظرنا إلى هذه الرسالة بعمق نرى تركيزاً كبيراً على جانب الابتكار: هل نحن بحاجة لإبطاء ما يحصل في الابتكار للنظر فيما خلقناه؟ هل سيؤثر هذا على مستقبل الديمقراطية والإنسانية؟

نعلم أن تقنيات كالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها تؤثر على الأسلوب الذي نعيش فيه ونتعلم من خلاله ونحب ونموت، صحيح؟ إنها تؤثر على طريقة رؤيتنا للعالم. نحن بتنا ندرك أننا لا نؤثر على تصميم التكنولوجيا فحسب، بل إن التكنولوجيا تؤثر على رؤيتنا للعالم وتصرفاتنا وتواصلنا مع بعضنا البعض.

> لماذا هذه التحذيرات من الذكاء الاصطناعي؟ ما هي مخاطره الفعلية؟

- يجب أن ننظر لهذه التحذيرات من زاوية تشكيكية: عندما يتحدث أحدهم عن مخاطر الذكاء الاصطناعي ما هي دوافعه الشخصية؟ المستغرب هنا هو أن الأشخاص الذين يصممون هذه التقنيات هم نفسهم من يحذرون من تهديدها الوجودي. وأعتقد أن هناك اختلافات كبيرة في مجتمع «الأخلاقيات» المرتبط بالذكاء الاصطناعي حول مخاطره. فهناك معسكران: الأول يركز على التأثير القصير الأمد ويقول إن هناك تمييزا في الذكاء الاصطناعي مشابها لذلك الذي نراه في المجتمع. ومن دون قيود لتأمين سلامته سيكون هناك انتشار للعنصرية مثلاً وغيرها من القضايا.

أما المعسكر الثاني فهو الذي ينتمي إليه إيلون ماسك، الذي يركز على التأثير الطويل الأمد. وسمعنا من أشخاص كإيلون ماسك وستيفين هوكينز أن الذكاء الاصطناعي قد يدمر العالم.

إذن، الفارق بين المعسكرين هو أن الأشخاص في الفئة «الطويلة الأمد» يركزون على نقطة «ماذا يفعل الذكاء الاصطناعي للسيطرة على العالم؟» أما المعسكر الذي يركز على الأخلاقيات فيقول إن تكنولوجيا من هذا النوع لا تسقط علينا من السماء وليس لديها عقل مستقل. إنها ليست شخصاً. بل صممها أشخاص مثلنا وهم منحازون وغير كاملين. إذن نحتاج إلى بيانات أفضل ونحتاج إلى المزيد من الرقابة على هذا الذكاء الاصطناعي.

يجب أن ننظر للتحذيرات من الذكاء الاصطناعي من زاوية تشكيكية... فالمستغرب هنا هو أن الأشخاص الذين يصممون هذه التقنيات هم أنفسهم من يحذرون من تهديدها الوجودي

ديفيد راين بولغار، الخبير في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

> الى أي معسكر تنتمي؟

- أنا أنتمي إلى المعسكر «القصير الأمد» لهذا فإن مؤسستي التي أديرها تحمل اسم: «كل التكنولوجيا بشرية». السبب الذي أدى إلى إطلاق هذا الاسم عليها هو أننا أحياناً نميل إلى التفكير في الذكاء الاصطناعي بتعابير سحرية. إنه ليس سحراً. ليست لديه رغباته الخاصة. لسوء الحظ نستعمل بعض التعابير للحديث عن الذكاء الاصطناعي مثل الـ«هلوسة» مثلاً أو «التعب». ليست هناك هلوسة. الأشخاص يهلوسون. الذكاء الاصطناعي لا يهلوس لأنه ليس إنساناً. نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه من عيون بشرية لأننا بشر ونريد أن نرى الأشياء كبشر. لهذا عندما ننظر إلى حيواناتنا الأليفة مثلاً نراها كشخصيات إنسانية. لهذا عندما ترى الثلج، تبني «رجل ثلج»، قد تقوم بالأمر نفسه مع شجرة مثلاً، صحيح؟ لهذا أنا أنظر إلى مشاكل الذكاء الاصطناعي على أنها تعود إلينا كأشخاص، فيجب أن نضع أطراً للحماية وأن ننوع من طبيعة الأشخاص الذين يشرفون عليها للحرص على أنها مصممة بشكل صحيح يتلاءم مع المصلحة العامة في المستقبل.

> ننتقل هنا إلى مسألة الضوابط. هناك دعوات كثيرة لفرض ضوابط من قبل الكونغرس. هل تعتقد أن هناك حاجة لتدخل الكونغرس في هذه القضية؟

- أعود دوماً لمبدأ الابتكار، إذن الجواب هو نعم. في الكثير من الأوقات ولسوء الحظ ننظر إلى أمر كالذكاء الاصطناعي ونتحدث عنه من منطلق طبيعة العمل أو القدرة الاصطناعية ودور الحكومة ودور الأفراد. إذن عندما تكون هناك مشكلة في (تشات جي بي تي) مثلاً نتحدث عما إذا يمكن للطلاب استعماله لكتابة امتحان مثلاً. هذا أمر متعلق بالشخص لكن هناك أيضاً ما تقوم به شركة «أوبن إيه أي - (Open AI) المنتجة له، ومسؤوليتها كلاعب في هذا المجال، ثم هناك دور الحكومة كالبيت الأبيض مثلاً، ورؤيتها لمستقبل الذكاء الاصطناعي.

إذن هناك ضرورة للنظر إلى الحكومة وضوابطها ومسؤولية الشركات والأفراد في تعرفهم على قوة التكنولوجيا، واتخاذ كل هذه المحاور على محمل الجد والعمل سويا. فهذا ما نفعله في كل أمر في الحياة. عندما أستقل سيارة، أضع حزام أمان لأنها مسؤوليتي الفردية. لكن صانع السيارة لديه مسؤولية تأمين سلامتها وإذا لم يلتزم بهذا ستتم محاسبته. ثم هناك الضوابط التي تضعها الحكومة لمعرفة ما هي معايير السلامة المطلوبة، كما أن الحكومة لديها مسؤولية تأمين سلامة الطرقات.

إذن الأمر مشابه في الذكاء الاصطناعي. وعندما نتساءل: هل هناك حاجة للضوابط، الجواب هو بالطبع هناك حاجة لضوابط ذكية تفهم طبيعة القضايا المطروحة هنا، للحرص على أننا لن ننجر في سياسة التخويف، لأنه من السهل جداً أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي وكأنه «الروبوت المدمرterminator» وهذا أمر بعيد كل البعد عن الذكاء الاصطناعي. أنا لست قلقاً من الروبوتات أنا قلق من التمييز في الذكاء الاصطناعي. وهذه قضية أهم بكثير، لكن لسوء الحظ من الصعب أن يشعر المرء بالحماس فيها لأنك تستطيع أن تتخيل أرنولد شوارزنيغر كالروبوت المدمر. لكنك لا تستطيع أن تتخيل طبيعة التمييز وكيف يمكنه أن يعمق من المشاكل الاجتماعية -كالتوظيف مثلاً- وغيرها من قضايا يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي.

يرى بولغار أن المبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي سببها أننا نميل بشكل طبيعي إلى النظر إليه كبشر (أدوبي ستوك)

> بالحديث عن الروبوتات، أريد أن أسالك عن المنافسة مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي أيضاً. هل يمكنك أن تشرح لنا طبيعة هذه المنافسة؟

- إحدى المسائل هنا هي أن الولايات المتحدة كلاعب أساسي عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، تواجه نزاعاً بين الحاجة لأن تكون ذكية من حيث الضوابط المفروضة على الذكاء الاصطناعي، وبين المنافسة، على غرار تلك التي وجدت مع الاتحاد السوفياتي السابق. لهذا أعتقد أن هناك حاجة للتعاون، وضرورة وجود تعاون عالمي متعدد بين اللاعبين الأساسيين. ودور الأمم المتحدة مهم في هذا السيناريو. يجب أن نحرص على ألا نشعر بضغط يؤدي إلى إزالة كل الضوابط التي يجب أن تفرض.

بمعنى آخر السعي كي نكون في المقدمة يجب ألا يؤدي إلى خلق شيء غير جاهز للنشر… فيما يتعلق بالولايات المتحدة مقابل الصين، من الواضح أن هناك وضعا جيوسياسيا مضطربا للغاية. يجب ألا تتوقف أميركا عن الابتكار، فهذا ما جعلها ناجحة على مر العقود. أعتقد أن التوتر يكمن في السرعة من دون أن ننسى تأثير هذا على الأشخاص وأن نهمل القيود المطلوبة. إذا ما ركزنا على الابتكار الذي يميز أميركا سوف نتخطى المنافسة مع الصين.

> ذكرت في بداية إجاباتك أن هناك معسكرين، المعسكر الذي يقوده إيلون ماسك والذي يحظى بالكثير من الاهتمام، ويتضمن الكثير من التخويف، لماذا تعارضه الرأي؟

- لأن التخويف هو السيناريو الكلاسيكي للعرقلة، وهو فعال. والدليل الاهتمام الإعلامي به اليوم. لكن ما يفعله هو أنه يرسل رسالة إلى الأفراد العاديين ويقول لهم: «أنتم لا تفهمون هذه التكنولوجيا. إنها معقدة. وحدي أنا أستطيع أن أفهمها ولهذا يجب أن أكون مسؤولاً عن تصميمها». إذن عندما يتم التحذير من أن الذكاء الاصطناعي سوف يسيطر على العالم ويدمر البشرية هذا يجعل الشخص الذي يسمع هذا التحذير أو يرى التغريدة يقول: «لا يمكنني المشاركة في هذا الحوار لأنه يتخطى معرفتي»...

أقول لكل من يضع هذه الهالة حول الذكاء الاصطناعي، هل نواياكم جيدة؟ جوابي هو لا، هم يقومون بهذا لمساعدة موقفهم. لأن ما يقولونه فعلياً هو: «هذا سوف يدمر العالم لهذا يجب أن أسيطر عليه. وهذا أسلوب للقول لكل شخص يشاهد في المنزل ألا يكون جزءاً من الحوار. وأنا أرفض هذه المقاربة كلياً».

> هل تعتقد إذن بناء على ما تقوله بأن الإنسان سيتحكم دوماً بالذكاء الاصطناعي؟

- يجب أن ننظر إلى هذه المسألة بعين المنتقد، إذا كان الذكاء الاصطناعي فعلاً سيدمر العالم إذن لا يجب أن يكون الأشخاص الذين يروجون لذلك هم الأشخاص أنفسهم الذين يبيعونه للأفراد. هذا نوع من فرض للسلطة على هذا المجال. يجب أن نعود دوماً لنقطة أن الذكاء الاصطناعي لم يسقط علينا من السماء، إنه ليس سحرياً. كل التكنولوجيا بشرية. كل التقنيات أتت من عيوبنا الخاصة، إن الأشخاص الذين يصممونه هم الأشخاص الذين يخلقون الحماية من عدمها. من المهم أن نعلم أن كل التقنيات تخضع لنا نحن البشر، ولا يجب أن نقلق من أن الذكاء الاصطناعي سيحولنا إلى حيواناته الأليفة.

أنا أقلق أكثر من ألا يتمكن الشعب من المشاركة في هذا الحوار، وأقلق من ألا يتم دمج قيم الشعب في أنظمة التقنيات هذه. أعتقد أنني أقلق من واقع أن تكون هناك مجموعة صغيرة من المجتمع هي المسؤولة عن تصميم وتطوير ونشر التقنيات التي تؤثر على مجموعة كبيرة من الأشخاص. وألا يكون لهؤلاء الأشخاص رأي في كيفية خلق هذه التقنيات. لا يجب لأي تطبيق أن يكون من دون تمثيل، إن كان الأمر متعلقا بنا يجب أن يشملنا. وإذا كان الذكاء الاصطناعي يؤثر عليك، إذن لديك الحق في التأثير على صنعه. لأنني أرى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية مرتبط بمستقبل الديمقراطية ووضع الإنسان. إذن يجب أن نكون كلنا معنيين بمساره.


مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن شيخوخة الدماغ

صحتك تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تسهم في تعزيز فهم صحة الدماغ (جامعة جورجتاون)

الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن شيخوخة الدماغ

تمكن باحثون من معهد كارولينسكا في السويد من تطوير طريقة للكشف المبكر عن العوامل التي تسهم في تسارع شيخوخة الدماغ، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)

بسبب الاحتيال... إيطاليا تغرّم «تشات جي بي تي» 15 مليون يورو

أعلنت هيئة حماية البيانات الإيطالية أنها فرضت غرامة قدرها 15 مليون يورو على شركة «أوبن إيه آي» الأميركية بسبب الاحتيال.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا كيف أصبح «كلود» روبوت الدردشة المفضل لدى خبراء التكنولوجيا؟

كيف أصبح «كلود» روبوت الدردشة المفضل لدى خبراء التكنولوجيا؟

يقدم الاستجابات مثل إنسان ذكي ومنتبه

كيفن رُوز (سان فرانسيسكو)

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.