تشهد مناطق شمال غربي سوريا، التي تضم أجزاء واسعة من محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، الخاضعة لنفوذ فصائل مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام»، حالة تفاؤل بالوضع الزراعي وسط توقعات بإنتاج وفير من الزراعات الاستراتيجية وعلى رأسها القمح. وتقول فصائل المعارضة التي أحكمت سيطرتها على المنطقة منذ عام 2015، إنها عملت على تحسين الواقع الزراعي عبر سلسلة من الإجراءات والمساعدات لتشجيع المزارعين، بحيث بلغت نسبة الاكتفاء من مادة القمح 60 في المائة.
ويشكل القسم الشمالي من سهل الغاب، غرب مدينة حماة بوسط البلاد، والقسم الصالح للزراعة في سهل الروج، والمقدر مساحتهما بـ59795 هكتاراً؛ ومناطق أخرى في إدلب، بالإضافة إلى السهول الزراعية في عفرين والقسم الشمالي لمحافظة حلب، وتبلغ مساحتها بحدود 22230 هكتاراً، السلة الغذائية الرئيسية لأكثر من 5 ملايين ونصف مليون نسمة يعيشون في مناطق المعارضة المسلحة بشمال غربي البلاد. وتُنتج في هذه المناطق محاصيل زراعية مختلفة في مقدمها القمح والشعير إضافةً إلى محاصيل بعلية ومرويّة أخرى.
وتزامن تراجع دعم الجهات الإنسانية من الطحين لإنتاج الخبز في نهاية عام 2021، مع تراجع نسبة إنتاج القمح في شمال غربي سوريا بسبب عوامل مختلفة، ما أثار مخاوف من حدوث مجاعة تطول نسبة كبيرة من السكان. وأدى ذلك إلى حالة غضب واحتجاجات، ما دفع «حكومة الإنقاذ» التي تدعمها «هيئة تحرير الشام» والتي تشرف على الجانب الإداري في المنطقة، إلى اتّباع تدابير وقائية تهدف إلى دعم مادة الخبز وتثبيت أسعاره لدى الأفران الخاصة.
تسعيرة «تحرير الشام»
وتباع سعر ربطة الخبز وزن كيلوغرام بـ5 ليرات تركية بعد توزيع كميات إضافية من مساعدات الطحين إلى المخابز. وبعد تعهد زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، بتقديم 3 ملايين دولار لدعم مادة الخبز وتشغيل الأفران حتى انتهاء الأزمة الاقتصادية، أعلنت «حكومة الإنقاذ» مخصصات لدعم الطحين والوقود لـ85 مخبزاً، في محاولة منها لتثبيت سعر ربطة الخبز عند حدود 5 ليرات تركية.
وبموازاة ذلك، عملت الجهات الممسكة بالوضع في شمال غربي البلاد على تطوير القطاع الزراعي وتشجيع الفلاحين على العودة إلى الزراعة وزيادة المساحات الزراعية، وإنتاج المحاصيل بكميات وفيرة قادرة على سد الطلب وتعويض النقص في المساعدات الإنسانية (الطحين). ويتم ذلك من خلال تقديم مشروع «القرض الحسن» للمزارعين لشراء بذور وأسمدة ومحروقات، على أن يتم تسديد القرض بعد الحصاد وجني المواسم.
وقال المهندس أحمد الكوان، وهو معاون «وزير الزراعة والري» في «حكومة الإنقاذ» بإدلب، إن «الوزارة أطلقت في بداية الموسم الزراعي لهذا العام، مشروع القرض العيني الخاص بمحصول القمح، وذلك لتشجيع الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة بالقمح، ووزعت خلاله 22459 طناً من بذاره على المزارعين في مناطق سهل الروج ومناطق أخرى بريف إدلب، بالإضافة إلى توزيع 2182 طناً من السماد، و71810 ليترات من المحروقات لهم... وتقدّر المساحة المزروعة لهذا العام بـ32850 هكتاراً من القمح، وهذا يعني ضعف المساحات التي كانت تستثمر في زراعة القمح خلال السنوات المنصرمة... أما الهدف من ذلك فهو رفع كمية الإنتاج من القمح إلى الحد المطلوب للاكتفاء الذاتي».
وأشار إلى أنه «لا تزال هناك عراقيل وصعوبات تواجه المزارعين خصوصاً في الأمراض التي أصابت المزروعات في عدد من المناطق خصوصاً القريبة من مناطق التماس مع قوات النظام السوري». وأشار إلى ظهور «حافر أوراق النجيليات» نتيجة عدم اتّباع المزارعين دورة زراعية «بفعل القصف المتكرر على المنطقة»، وإلى تعرض حقول القمح للحرائق قبل موسم الحصاد بسبب القصف أيضاً، علماً أن بعض المناطق المزروعة تقع قرب خطوط التماس بين قوات الحكومة السورية وبين فصائل المعارضة المسلحة.
وحددت «حكومة الإنقاذ» سعر طن القمح في إدلب هذا العام بـ350 دولاراً أميركياً. ويرجح أن يبلغ اكتفاء القمح 60 في المائة هذا العام، ويعود ذلك إلى زراعة مئات الهكتارات بالقمح والتي يتم ريّها عبر شبكات مياه تعتمد على الطاقة الشمسية.
أما في المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش التركي والتي تُعرف بمنطقتي عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، شمال حلب، فقد قال أحد المسؤولين في «وزارة الزراعة» التابعة لـ«الحكومة المؤقتة» للمعارضة المدعومة من أنقرة، «إن الحكومة بصدد دراسة حثيثة لاستجرار مياه الري من نهر الفرات إلى مناطق الباب والراعي وجنوب جرابلس، بالاعتماد على جهات دولية مانحة، لتمكين المزارعين من توسيع المساحات المزروعة بالقمح، وذلك بعد أن شهدت المنطقة خلال السنوات الماضية تراجعاً في عملية زراعة القمح التي تعتمد على الري بالآبار الارتوازية ذات الكلفة الباهظة وتوجه الفلاحين إلى زراعات أخرى لا تحتاج إلى كميات مياه كبيرة وتعتمد في الوقت ذاته على الحد الأدنى من الأمطار كالعدس والعصفر وغيرها من الزراعات البعلية، وهو ما قلّص إنتاج مادة القمح خلال السنوات الماضية إلى ما دون 150 ألف طن، ضمن مساحة لا تتجاوز 250 ألف دونم، وهذا على الرغم من تشجيع المزارعين وتقديم البذار والأسمدة لهم بالمجان». وتابع أن خبراء يقدّرون احتياج مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي للقمح بـ185 ألف طن سنوياً، حيث تحتاج منطقة «درع الفرات» لـ125 ألف طن، ومنطقة «غصن الزيتون» لـ60 ألف طن، في الوقت الذي تحتاج هاتان المنطقتان لـ150 ألف طن من الدقيق (الطحين).
مخاوف الحرائق تدفع المزارعين لحصاد القمح مبكراً
ويتخوف المزارع أبو خليل كحال، مثله مثل كثير من مزارعي جنوب إدلب والقسم الشمالي لسهل الغاب بريف حماة، من تزايد حدة القصف بين قوات الحكومة السورية والمعارضة تزامناً مع بدء جني مواسم حصاد القمح هذه الأيام. ويوضح أبو خليل (53 عاماً) وهو أحد سكان بلدة الفريكة الواقعة على بُعد 50 كيلومتراً إلى الغرب من إدلب، ويمتلك ما يقارب 20 هكتاراً من القمح القاسي ذي الجودة العالية، أنه يخشى مع اقتراب موسم الحصاد أن تعمد قوات الحكومة السورية «كالعادة مثل الأعوام السابقة خلال مواسم جني المحاصيل» إلى قصف منطقته التي بادر أهلها إلى زراعة القمح على مساحات كبيرة من أراضيهم الزراعية هذا العام، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة الموسم الذي انتظروه «عاماً كاملاً».
ونوّه أبو خليل إلى أن كلفة الدونم الواحد من القمح المروي هذا العام، بدءاً من زراعته والعناية به حتى حصاده، وصلت إلى ما يقارب 100 دولار أميركي، متوقِّعاً وصول إنتاج الدونم الواحد إلى نحو نصف طن من القمح وأكثر «نظراً إلى حجم سنابل القمح الناضجة بصورة سليمة بعد العناية بها على مدار عام كامل، ما يعني أنه سيوفر أرباحاً بما بين 100 و150 دولاراً في الدونم الواحد، فيما لو نجا الموسم من أي حريق».