أول علاج جيني لضمور العضلات يقترب من الاعتماد

لجنة استشارية أوصت بالموافقة... وقرار «الغذاء والدواء» الأميركية نهاية الشهر

ضمور العضلات قد يكون له علاج جيني قريباً (غيتي)
ضمور العضلات قد يكون له علاج جيني قريباً (غيتي)
TT

أول علاج جيني لضمور العضلات يقترب من الاعتماد

ضمور العضلات قد يكون له علاج جيني قريباً (غيتي)
ضمور العضلات قد يكون له علاج جيني قريباً (غيتي)

تصدر هيئة الغذاء والدواء الأميركية نهاية شهر مايو (أيار) الحالي، قرارها بشأن اعتماد أول علاج جيني لمرض ضمور العضلات، بعد أن أوصى مستشاروها (يوم الجمعة)، بإعطاء الدواء موافقة سريعة.

وصوت 8 من المستشارين لصالح دواء أنتجته شركة «ساريبتا ثيرابيوتيكس إنك»، في مقابل 6 أعلنوا رفضهم، لكن اللجنة الاستشارية أقرته في النهاية، ومن المقرر أن تتخذ الهيئة قراراً بشأن الموافقة العاجلة بحلول 29 مايو، وتتبع الوكالة عادةً نصيحة مستشاريها الخبراء، ولكنها ليست ملزمة بالقيام بذلك.

وقالت تباسم إحسان، رئيسة اللجنة الاستشارية في بيان أصدرته هيئة الغذاء والدواء (الجمعة)، إنه «إذا تمت الموافقة في النهاية على العلاج المحتمل، الذي سيعطى لمرة واحدة، فسوف تتغير طريقة علاج المرضى المصابين بضمور العضلات».

وعلى الرغم من أن هيئة الغذاء والدواء الأميركية قالت في وقت سابق من الأسبوع الماضي إن «الشركة لم تقدم دليلاً لا لبس فيه على أنه سيفيد مرضى ضمور العضلات، ولكن رأي اللجنة الاستشارية قد يؤدي للحصول على الموافقة بناء على البيانات الحالية المحدودة التي قدمتها شركة (ساريبتا ثيرابيوتيكس إنك)».

وتأمل الشركة بعد الحصول على الموافقة، أن تساعد تجربة موسعة على تأكيد الفائدة الفعلية للعلاج على المرضى، ومن المتوقع أن تصدر البيانات الأولية من تلك التجربة بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مع المزيد من النتائج الكاملة التي سيُكشف عنها في وقت مبكر من العام المقبل.

وفي التجارب التي قُدّمت لهيئة الغذاء والدواء الأميركية للحصول على الموافقة العاجلة، كان العلاج الجيني لشركة (ساريبتا ثيرابيوتيكس انك) قادراً على إنتاج نسخة مصغرة من بروتين (ديستروفين) اللازم للمساعدة في الحفاظ على العضلات سليمة، لكنه لم يحسن النتائج السريرية للمريض مثل المشي والقدرة على الوقوف.

ويقول سامح سعد، رئيس برنامج أبحاث بيولوجيا الأورام في مستشفى سرطان الأطفال «57357» في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «العلاجات الأخرى المتوفرة للمرض تتعامل مع الأعراض، لكن هذا العلاج شأنه شأن العلاجات الجينية الأخرى، يستهدف السبب الرئيسي للمرض».

ويوضح سعد أن «تجارب العلاج اللاحقة، ربما تؤكد مزيداً من الفعالية لهذا العلاج، ولكن البيانات المتوفرة حالياً، تؤكد فقط أنه يساعد على إنتاج بروتين (ديستروفين)». ويضيف أن «هذا البروتين ذو أهمية كبيرة في وصل الأنسجة العضلية بالهيكل الخلوي، وتبنى عليه مجموعة من البروتينات المهمة في التواصل بين الخلايا العضلية مع بعضها بعضاً لتكوين النسيج العضلي».


مقالات ذات صلة

تحذيرات صحية من الأطعمة المعالَجة صناعياً

صحتك  نصف السعرات الحرارية للفرد الأميركي العادي يأتي من الأنواع فائقة المعالجة

تحذيرات صحية من الأطعمة المعالَجة صناعياً

الأطعمة غير المعالجة استراتيجية مثلى للحفاظ على الصحة

جولي كورليس (كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية))
صحتك قائمة بأفضل الأطعمة لعلاج الكبد الدهني؟

قائمة بأفضل الأطعمة لعلاج الكبد الدهني؟

أصبح مرض الكبد الدهني، وخاصة النوع غير الكحولي، شائعًا بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم؛ إذ يرتبط هذا المرض ارتباطًا وثيقًا بارتفاع معدلات السمنة والسكري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: قوة قبضة اليد دليل على انخفاض خطر الإصابة بالأمراض !

دراسة: قوة قبضة اليد دليل على انخفاض خطر الإصابة بالأمراض !

وفقًا لدراسة هي الأكبر من نوعها أجريت على أكثر من 340 ألف شخص في فنلندا. بالإضافة إلى وجود أساس متين لبناء العضلات، وجد أن الأفراد الذين لديهم استعداد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الوجبات السريعة قد تتسبب في تلف طويل الأمد في أدمغة المراهقين (رويترز)

الوجبات السريعة قد تتلف ذاكرة المراهقين بشكل دائم

يمكن أن يعاني المراهقون الذين يتناولون وجبات سريعة غنية بالدهون والسكر تلفاً طويل الأمد في الدماغ، قد يؤدي تحديداً إلى ضعف ذاكرتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك 6 أنواع لاضطرابات الشخصية... تعرّف على الأعراض وطرق العلاج

6 أنواع لاضطرابات الشخصية... تعرّف على الأعراض وطرق العلاج

اضطرابات الشخصية هي حالات صحية عقلية معقدة تؤثر على طريقة تفكير الأفراد وشعورهم وتصرفاتهم. إذ يمكن أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات والعمل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أفلام عن هشاشة الافراد وآلام وويلات الحروب والثورات في ثامن أيام «مراكش»

من تقديم فيلم «عالمنا» للكوسوفية لوانا باجرامي (الجهة المنظمة)
من تقديم فيلم «عالمنا» للكوسوفية لوانا باجرامي (الجهة المنظمة)
TT

أفلام عن هشاشة الافراد وآلام وويلات الحروب والثورات في ثامن أيام «مراكش»

من تقديم فيلم «عالمنا» للكوسوفية لوانا باجرامي (الجهة المنظمة)
من تقديم فيلم «عالمنا» للكوسوفية لوانا باجرامي (الجهة المنظمة)

بعد تكريمه في سادس أيام «مهرجان مراكش»، اعترافاً بموهبته وتأكيداً لقيمته الفنية داخل المشهد السينمائي المغربي، حلّ المخرج وكاتب السيناريو والممثل فوزي بنسعيدي، أول من أمس الجمعة، ضيفاً على فقرة «حوار مع ...»، ضمن فعاليات اليوم الثامن من هذه التظاهرة الفنية التي تواصلت على مدى 9 أيام. كما كان الموعد، في فقرة حوارية ثانية، مع المخرج وكاتب السيناريو الفرنسي برتران بونيلو، الذي تحدث عن بداياته واختياراته الفنية وقناعاته، وكيف صار مخرجاً سينمائياً.

وعلى مستوى العروض السينمائية، تميزت فعاليات هذا اليوم بدخول فيلمين جديدين سباق الفوز بجوائز المهرجان هما «الهدير الصامت» (2023) للأسكوتلندي جوني بارينكتون، و«عالمنا» (2023) للكوسوفية لوانا باجرامي؛ فيما عُرض «مايكينغ أوف» (2023) للفرنسي سيدريك كان، في فقرة «العروض الاحتفالية». و«مروكية حارة» (2023) للمغربي هشام العسري، في فقرة «بانوراما السينما المغربية»، و«غير المرغوب فيهم» (2023) للفرنسي لادج لي، في فقرة «العروض الخاصة». وفي «القارة الحادية عشرة»، كان الموعد مع «فتاة صغيرة زرقاء» (2023) للفرنسية منى عشاش، و«العروس» (2023) للرواندية ميريام بيرارا، و«بين الثورات» (2023) للروماني فلاد بيتري، و«جبل رأس جوز الهند» (2023) للكونغولي آلان كاساندا.

المخرج المغربي فوزي بنسعيدي في فقرة حوارية بالمهرجان (الجهة المنظمة)

حواران مع بنسعيدي وبونيلو

شكل اللقاء الحواري مع بنسعيدي فرصة للوقف على قناعاته واختياراته، والاقتراب أكثر من طريقة تدبيره لتجربته السينمائية، وتأكيداً للمضمون الذي تتحرك من خلاله أعماله، قال بنسعيدي إن بإمكان الأعمال السينمائية تمرير رسائل قادرة على «قلب المعايير وتغيير العالم».

وجاء ربط المخرج المغربي بين السينما وأوضاع العالم، في سياق تفاعله مع مشهد من «يا له من عالم رائع»، ظهرت فيه بطلة الفيلم، في دور شرطية مرور، وهي تؤدي مهمتها في ضبط حركة المرور على مستوى إحدى المدارات الطرقية، قبل أن تتقاطع نظراتها مع شاب، فيتبادلان الإعجاب، قبل أن ينتقل إلى «مشهد راقص» لحافلات وسيارات ودراجات نارية، حول المدارة الطرقية، فيما يشبه سمفونية تضبط الشرطية إيقاعها بدقة عجيبة.

وتطرّق بنسعيدي، في معرض مروره الحواري، إلى الكيفية التي يختار بها الفضاءات التي يصور فيها أعماله، مشيرا إلى أنه يتعامل معها كتعامله مع عملية «الكاستينغ» التي تتم على مستوى اختيار الممثلين. وأضاف أنه يزور تلك الفضاءات بمفرده، قبل بدء التصوير، وخلال أوقات متفرقة من اليوم، لأجل تحديد الوقت الملائم للتصوير. كما تحدث عن التطور والتجديد الحاصلين على مستوى أعماله، وشدّد على أن المهم بالنسبة إليه يبقى الوفاء لشغف شخصي بالسينما.

وعن أعماله، ومدى إمكانية مفاضلته بينها، قال إنه لا يميز بين عمل وآخر، مشدداً على أنه صنع كل فيلم من أفلامه بالحب والشغف والصدق نفسه. كما تحدث عن علاقة المسرح بالسينما، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة استفادت كثيراً من الممثلين القادمين من المسرح، لكنه رأى أن السينما تبقى أقرب إلى الموسيقى والهندسة المعمارية منها إلى المسرح.

المخرج الفرنسي برتران بونيلو في فقرة حوارية بالمهرجان (الجهة المنظمة)

من جهته، تحدث بونيلو، في فقرته الحوارية، عن انتقاله من الموسيقى إلى السينما، وهو الذي بدأ رحلته الفنية منشغلاً بالموسيقى الكلاسيكية، وكان يحلم في مرحلة المراهقة بأن يصبح قائد فرقة موسيقية، قبل أن يتحول إلى موسيقى الروك والبوب. وفي منتصف العشرينات من عمره، بدأ يهتم بالسينما، من خلال مشاهدة الأفلام، وأخذ فكرة عن أفكار وقناعات المتخصصين بها من خلال قراءة حواراتهم، ليبدأ، شيئاً فشيئاً، في اكتساب صرامة فنية، مكنته من سرد القصة وكتابة الفيلم بطريقة خاصة ومميزة.

ولتوضيح أفكاره أكثر، استعرض بونيلو أمام الحضور مقتطفات من عدد من أفلامه، كما تحدث عن عناصر تكوين المشروع السينمائي، متوقفاً عند تجربته في فيلم «سان لوان»، الذي يتناول السيرة الذاتية للمصمم الفرنسي الشهير إيف سان لوران. كما تحدث عن تفاصيل التصوير ورؤيته للعملية الإبداعية.

وعُرض لبونيليو أول فيلم طويل، «شيء عضوي» (1998)، في قسم البانوراما بمهرجان «برلين»، وشارك فيلمه «المصور الإباحي» (2001) في قسم أسبوع النقاد بمهرجان «كان»، حيث فاز بجائزة الاتحاد الدّولي للنقاد السينمائيين. كما اختيرت أفلامه المتوالية في مهرجان «كان»: «تيريزيا» (2003)، و«في الحرب» (2008)، و«التسامح: ذكريات من منزل الدعارة» (2011)، و«سان لوران» (2014). وبعد ذلك، أخرج «نوكتوراما» (2016)، واختير «طفلة زومبي» في قسم «أسبوعي المخرجين» (2019)، و«الغيبوبة» (2022) في المسابقة الرسمية لمهرجان «برلين»، حيث نال جائزة الاتحاد الدّولي للنقاد السينمائيين. فيما عُرض فيلمه الأخير «الوحش» (2023)، في مسابقة «مهرجان البندقية السينمائي الدّولي».

هدير صامت وثورات

جاءت أفلام اليوم الثامن في المهرجان متنوعة، في توجهاتها الفنية والمضامين التي تلامسها، تتراوح في ذلك بين رصد هشاشة الواقع اليومي وانكسارات الأفراد في مختلف تجلياتها ومستوياتها، علاوة على استحضار مظاهر البؤس والتوتر والألم التي تعاني منها شعوب وجماعات في عدد من مناطق العالم، وتوْقها إلى مستقبل أفضل.

وتدور أحداث «الهدير الصامت» في جزيرة لويس في أسكوتلندا، من خلال شخصية دوندو، راكب الأمواج الشاب، الذي لم يتقبل واقعة رحيل والده الصياد بعد فقدانه في البحر منذ ما يزيد على السنة. بطبعه الهادئ والحالم، بدأ يقترب من ساس، زميلته في الدراسة، وهي فتاة مفعمة بالذكاء لا تتردد في استفزاز الآخرين. ستنمو بين الشابين صداقة غير متوقعة ستساعدهما في شق طريقهما في مجتمع ريفي، بين الأمواج العاتية والمعتقدات ونيران الجحيم.

أما «عالمنا»، فتدور أحداثه في كوسوفو في 2007، حين تغادر كل من زوي وفولتا قريتهما النائية من أجل الالتحاق بجامعة بريشتينا. وعشية الاستقلال، ومع تصاعد حدة التوتر السياسي والاجتماعي، تواجه الشابتان صخب بلد في بحث عن هويته، بلد ترك شبابه كل شيء خلفه.

من تقديم فيلم «مروكية حارة» (2023) للمغربي هشام العسري (الجهة المنظمة)

فيما تتمحور أحداث «مايكينغ أوف» حول سيمون، وهو مخرج فرنسي شهير، بدأ تصوير فيلم جديد عن العمال الذين يناضلون لمنع نقل مصنعهم. لا شيء يسير كما هو مخطط له. فمنتجته فيفيان ترغب في إعادة كتابة نهاية الفيلم وتهدد بخفض الميزانية، وفريقه مضرب عن العمل، وحياته الشخصية في حالة من الفوضى، ومما يزيد الطين بلّة أن الممثل الرئيسي آلان شخص غبي وأناني. يوافق جوزيف، الممثل الثانوي في الفيلم الذي يريد ولوج عالم السينما، على تصوير مرحلة تصنيع الفيلم. يأخذ جوزيف دوره الجديد على محمل الجد ويبدأ في متابعة طاقم التصوير والتقاط كل صور هذه الفوضى. ما يلي من أحداث يدل على أن «المايكينغ أوف» قد يكون في بعض الأحيان أفضل بكثير من الفيلم نفسه.

أما «مروكية حارة» (مغربية حارة) فيقدم تشخيصاً مصوراً للمجتمع من خلال امرأة مغربية ترفض الخضوع. وتدور أحداث الفيلم في مدينة الدار البيضاء المتوهجة، حيث تبدأ خديجة، الملقبة كاتي، يومها بمزاج سيئ. وفي لحظة من العزلة والصراحة، تكتشف أن الحياة لم تكن سهلة بالنسبة لها، لتدرك، عشية عيد ميلادها الثلاثين، أن عائلتها تستغلها، وخطيبها أيضاً.

في «غير المرغوب فيهم»، يتعلق الأمر بقصة هابي التي تولي اهتماماً بالغاً لكل ما يهم أمور بلديتها، فتكتشف التصميم الجديد لإعادة تهيئة الحي الذي تقطن فيه. بإيعاز من بيير فورجيس، طبيب الأطفال الشاب الذي أصبح عمدة للمدينة، يضع التصميم من بين مخططاته هدم المبنى الذي نشأت فيه هابي، فتخوض مع أقاربها نضالاً قوياً في مواجهة البلدية وطموحاتها الكبيرة لمنع هدم العمارة رقم 5.

من تقديم «فتاة صغيرة زرقاء» بحضور المخرجة منى عشاش والممثلة ماريون كوتيار (الجهة المنظمة)

أما «فتاة صغيرة زرقاء» فيحكي قصة منى عشاش، التي اكتشفت بعد وفاة والدتها، آلاف الصور والرسائل والتسجيلات، لكن هذه الأسرار الدفينة قاومت لغز اختفائها. وبقوة السينما وبفضل إمكانية التجسيد، تقرّر بعثها من جديد لتعيد إحياءها ولتستطيع فهمها.

ويعرض «العروس» قصة إيفا، وهي امرأة شابة تطمح في أن تصبح طبيبة. ستُختطف هذه الشابة، بعد مرور ثلاث سنوات على الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا. ووفقاً لتقاليد كوتيرورا، ينوي مختطفها الزواج بها رغماً عنها. وبعد شعورها بأن عائلتها تخلّت، ودفعت بها للخضوع والقبول بالأمر الواقع، تتقرب الشابة من ابنة عم خاطفها، لكنها، عندما تكتشف الماضي المأساوي لعائلتها الجديدة، ستصبح في حيرة من أمرها، بحيث لم تعد تعرف هل عليها الفرار أو البقاء.

وتدور أحداث «جبل رأس جوز الهند» في نيجيريا، حيث تنظم مجموعة من طلبة جامعة إيبادان، وهي أقدم جامعة في نيجيريا، كل خميس، نادياً سينمائياً يحوّل مدرجاً صغيراً إلى فضاء سياسي تُطوّر فيه وجهات النظر وتُصقل الكلمة النقدية. والفيلم هو تعبير ازدرائي يرمز للشباب السطحي الذي يفتقد القدرة على التفكير، وقد مُنح معنى جديدا بعدما تخلّص الطلبة من وصمة العار هذه التي أُلصقت بهم، ليطالبوا بحقهم في حرية الفكر.

أما «بين الثورات»، الذي أنجز بصور أرشيفية مقترنة بشريط صوتي مفعم بالألوان، فيستحضر بشكل حميمي، تتخلله لحظات حزن وفرح، نضالات الشعوب من أجل مستقبل أفضل، من خلال الصداقة المتينة التي تجمع بين امرأتين. وتدور أحداثه في رومانيا نهاية سبعينات القرن الماضي، حيث تربط بين زهرة وماريا علاقة صداقة قوية منذ فترة دراستهما في كلية الطب ببوخارست. لكن، ما إن شعرت زهرة بأن رياح التجديد بدأت تهب على بلدها إيران، حتى تركت الجامعة وعادت مسرعة إلى طهران مفعمة بتطلعات ثورية، في فترة تميزت بانعدام الاستقرار الذي يعرفه نظامان سياسيان على وشك الانهيار. لكن علاقتهما استمرت بتبادل رسائل تصفان فيها حياتهما اليومية.


مهرجان «بيروت ترنّم» بنسخة العام الحالي «صلاة للبنان والعالم» بوجه الحرب

ملصق سابق من إحدى دورات مهرجان «بيروت ترنم»
ملصق سابق من إحدى دورات مهرجان «بيروت ترنم»
TT

مهرجان «بيروت ترنّم» بنسخة العام الحالي «صلاة للبنان والعالم» بوجه الحرب

ملصق سابق من إحدى دورات مهرجان «بيروت ترنم»
ملصق سابق من إحدى دورات مهرجان «بيروت ترنم»

ستكون الدورة الـ16 لمهرجان «بيروت ترنّم»، التي تنطلق في بيروت أواخر الشهر الحالي، بموسيقاها الكلاسيكية وتراتيلها الدينية التي تحتضنها كنائس العاصمة الأثرية وساحات أسواقها، بمثابة «صلاة للبنان والعالم»، على ما وصفها المنظّمون السبت، وسط وضع عسكري متفجّر عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية واستمرار الحرب في غزة.

وسألت ميشلين أبي سمرا مؤسسة المهرجان ورئيسته في مؤتمر صحافي لإطلاق برنامجه الغنيّ في نادي اليخوت بالعاصمة اللبنانية «ماذا لو لم ترنّم بيروت وأهلُنا في الجنوب الحبيب يتعرضون لأهوال الحرب؟»، إذ تتصاعد حدّة تبادل القصف في جنوب لبنان بين إسرائيل و(حزب الله) بالتزامن مع تَواصل الحرب بين إسرائيل وحركة (حماس) في غزة.

وتوقفت ميشلين أبي سمرا عند الصعوبات التي واجهت إدارة المهرجان في تنظيم النسخة الـ16 وإطلاقها «في ظلّ ما نشهده من وحشية وقتل ودمار وعنف».

وقال المدير الفني للمهرجان توفيق معتوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن أنشطة هذه الدورة تساهم في إعطاء «أمل أكبر في هذا الوقت الصعب»؛ وأضاف: «ترنيمنا وموسيقانا هذه السنة صلاة للبنان ولكل العالم».

ويمتدّ المهرجان من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 23 ديسمبر (كانون الأول)، وتقام حفلاته في كنائس وسط العاصمة الأثرية وفي ساحات أسواقها شبه المهجورة بفعل الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقتين اللتين يشهدهما لبنان منذ 2019.

وإذ أبرزَ معتوق أن نسخة السنة الحالية «تميزّها إرادة المنظمين» وتمسكّهم بالمضيّ فيها «رغم كل التغييرات التي كانت تستجد لحظة بلحظة نتيجة الوضع»، أشارت أبي سمرا إلى أن البرنامج الذي وصفته بأنه «بمثابة نقطة ضوء في عتمة الوضع الراهن»، يبقى «قابلاً للتعديل» حسب الظروف.

ويُفتتح البرنامج الذي أكّد معتوق أنه «يلبّي تطلعات الجمهور»، بقداس لجاكومو بوتشيني، «أحد أعمدة التأليف الأوبرالي»، حسب المدير الفني، ويُحييها التينور اللبناني جوزيف دحدح، والباريتون سيزار ناعسي ترافقهما عزفاً أوركسترا تضم موسيقيين لبنانيين وأعضاء من الأوركسترا السيمفونية الأرمنية. كما يشمل الافتتاح عزفاً لمقطوعة بيتهوفن السيمفونية «فانتازيا الكورس»، يشارك فيه عازف البيانو الكوري كيوبين تشانغ شان الحائز الجائزة الأولى في مسابقة طوكيو الدّولية.

ويخصص المهرجان حفلة منفردة لعازف البيانو الكوري تشانغ، وأمسية للعازف الفرنسي المعروف جوناتان فورنيل.

ومن الموسيقيين البارزين الذي يستضيفهم المهرجان، عازف الكلارينيت الإسباني الشاب بابلو براغان، وعازف التشيللو التشيكي ميشال كانكا، وعازفة الكمان السويسرية إيلفا إيغوس (16 عاماً).

أما مجموعة «ديفاز» الأوبرالية الإيطالية فتحتفي في حفلتها بمئوية السوبرانو اليونانية ماريا كالاس.

ويُختتم المهرجان بأمسية ميلادية مع المؤلف الموسيقي أسامة الرحباني والمغنية هبة طوجي.

ويشارك في المهرجان أيضاً عدد من الفنانين اللبنانيين المعروفين، من أبرزهم عبير نعمة وكارول سماحة وغي مانوكيان، إضافة إلى مغنّي أوبرا لبنانيين شباب وموسيقيين لبنانيين معروفين وجوقات جامعية ومدرسية وجوقات الأطفال.


الموت يغيب «رائد فن العرائس» التونسي لسعد المحواشي

الفنان التونسي لسعد المحواشي... صفحته على «فيسبوك»
الفنان التونسي لسعد المحواشي... صفحته على «فيسبوك»
TT

الموت يغيب «رائد فن العرائس» التونسي لسعد المحواشي

الفنان التونسي لسعد المحواشي... صفحته على «فيسبوك»
الفنان التونسي لسعد المحواشي... صفحته على «فيسبوك»

غيّب الموت رائد فن العرائس التونسي لسعد المحواشي، في مصر، وخيم الحزن على اليوم الأخير من فعاليات مهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» إثر الوفاة المفاجئة للمحواشي (الجمعة) بعد ساعات من عرض مسرحية «ما يراوش» ضمن عروض المهرجان.

ويعد المحواشي أحد مؤسسي «المركز الوطني لفن العرائس» بتونس، ويعمل أستاذاً لتصميم العرائس بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس. وتتنوع أعماله بين مسرح الصغار والكبار، ومن أبرزها «طبيب الضيعة»، و«الكسوة»، و«العرائسي». ونال العديد من الجوائز منها فوز عرضه «لقاء» بالجائزة الأولى لأحسن عمل مسرحي موجه للأطفال ضمن فعاليات «المهرجان العالمي لفن العرائس» في ماليزيا عام 2017.

ونعت اللجنة العليا لمهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» برئاسة الدكتور سامح مهران، الراحل، الذي وصفته في بيان لها بـ«إحدى علامات فن العرائس في تونس والعالم العربي»، بينما تقدمت وزارة الثقافة التونسية في بيان آخر بـ«خالص التعازي إلى كل مبدعي الساحة الثقافية وفنانيها ولكل مؤسسات العمل الثقافي» إثر وفاة الفقيد.

منسق عام المهرجان، الدكتور محمد الشافعي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشكلات الصحية للراحل بدأت في مقر إقامته بالفندق، وتم نقله إلى المستشفى على الفور، حيث أثبتت الفحوصات ارتفاع نسبة السكر لديه، ووجود جلطة على المخ منذ 24 ساعة، وتم إبلاغ السفارة التونسية التي نقلته إلى مستشفى آخر، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة». وأضاف أن «وفاة مبدع ورائد في مجال تصميم العرائس، هو مصاب جلل لصُناع الحركة المسرحية في تونس ومصر والعالم العربي، ومشاعر الحزن والصدمة التي شعر بها الجميع تؤكد عمق الروابط الفنية بين دولنا العربية».

لسعد المحواشي... صفحته على «فيسبوك»

ومسرحية المحواشي الأخيرة «ما يراوش» هي من إنتاج المركز الوطني التونسي لفن العرائس، دراماتورجيا وإخراج محمد منير العرقي، وبطولة هيثم وناسي، وفاطمة الزهراء المرواني، وأسامة الماكني. ويدور العرض في أجواء من الفانتازيا حول مجموعة من فاقدي البصر يتوهون في الغابة، ويطرح العمل أسئلة حول معنى الحياة وفقد البصر.

المخرج المسرحي عبد الله الشحي، مدير مسرح عجمان الوطني بالإمارات، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المحواشي قدم خدمات كبيرة لمسرح الدمى في تونس والعالم العربي، وتخرجت أجيال في هذا التخصص على يديه».

في حين أوضح الناقد والباحث الدكتور عبد الكريم الحجراوي، أن «المحواشي بدأ تجربة فريدة من نوعها منذ الثمانينات من القرن الماضي، تتمثل في تبني ثقافة العرائس والدمى ونشرها على امتداد الوطن العربي وليس تونس فقط»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الراحل كان يمرر رسائل تتعلق بالوعي وإشاعة البهجة عبر أعماله، سواء تلك التي تخاطب الكبار أو الصغار».


تفجيرات واغتيالات في الجزائر لكن «الحرب الأهلية ما زالت بعيدة»

قوات أمن جزائرية في حي باب الوادي الذي كان يُعد معقلاً لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العاصمة الجزائرية في 17 يناير عام 1992 (أ.ف.ب / غيتي)
قوات أمن جزائرية في حي باب الوادي الذي كان يُعد معقلاً لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العاصمة الجزائرية في 17 يناير عام 1992 (أ.ف.ب / غيتي)
TT

تفجيرات واغتيالات في الجزائر لكن «الحرب الأهلية ما زالت بعيدة»

قوات أمن جزائرية في حي باب الوادي الذي كان يُعد معقلاً لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العاصمة الجزائرية في 17 يناير عام 1992 (أ.ف.ب / غيتي)
قوات أمن جزائرية في حي باب الوادي الذي كان يُعد معقلاً لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العاصمة الجزائرية في 17 يناير عام 1992 (أ.ف.ب / غيتي)

فيما كانت بريطانيا تناقش كيفية تعاملها مع الإسلاميين المتشددين واستقبالهم، وتحلل «اعترافات» المتورطين في تفجيرات إرهابية لتحديد ما إذا كانت قد انتُزعت منهم تحت التعذيب أم لا، لم يكن هناك من شك أن الجزائر كانت تشهد، منذ بداية تسعينات القرن الماضي، حقبة دموية امتدت لسنوات وباتت تُعرف لاحقاً بـ«العشرية السوداء».

فقد كانت تتوالى يومياً أخبار التفجيرات والاغتيالات التي تقوم بها جماعات مسلحة ضد قوات الأمن على وجه الخصوص، ولكن أيضاً ضد المثقفين والإعلاميين والنقابيين الذين يُنظر إليهم على أنهم يساندون الحكم الجزائري. كان مناصرو «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الحزب الإسلامي الذي كان على وشك الفوز بالسلطة قبل إلغاء الانتخابات في يناير (كانون الثاني) 1992، يقفون وراء كثير من عمليات العنف تلك، كما حصل في تفجير مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية في أغسطس (آب) من ذلك العام.

لكن كانت هناك أيضاً جماعات مسلحة أخرى تتخذ مواقف أكثر تشدداً بكثير من «جبهة الإنقاذ» وتقوم ببعض أبشع عمليات العنف التي شهدتها البلاد في تلك الحقبة، برز منها آنذاك «الجماعة الإسلامية المسلحة» (الجيا) التي نجحت لاحقاً (عام 1994) في توحيد جزء من «الإنقاذ» وجماعات أخرى تحت رايتها في إطار ما عُرف آنذاك بـ«لقاء الوحدة». بدت الجزائر في ظل الاغتيالات والتفجيرات شبه اليومية كأنها ذاهبة إلى «حرب أهلية». ظهر انطباع أيضاً بأن الإسلاميين المتشددين يمكن أن ينجحوا في الاستيلاء على السلطة وإطاحة الحكومة المدعومة من الجيش والتي تولّت الحكم عقب تنحي الرئيس آنذاك الشاذلي بن جديد.

كانت تلك إلى حد كبير الصورة التي بدت بها الجزائر آنذاك، على الأقل في كثير من وسائل الإعلام الدولية. لكنها كانت صورة خاطئة، كما أكد السفير البريطاني لدى الجزائر كريستوفر باتيسكوم. أقر السفير، في مراسلات مع وزارة الخارجية بلندن (محفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني)، بأن الجزائر تشهد بالفعل أحداث عنف دامية، لكنه تحدث أيضاً عن «الحياة العادية» التي تعيشها العاصمة الجزائرية، مضيفاً أن «الحرب الأهلية» التي يجري الحديث عنها «ما زلنا بالتأكيد بعيدين (عنها) جداً».

عنصر أمن يوقف رجلين من الإسلاميين المشتبه بهم عقب صلاة الجمعة في باب الوادي بالعاصمة الجزائرية يوم 31 يناير 1992 (أ.ف.ب / غيتي)

وبالإضافة إلى قضية الوضع الأمني، تكشف مراسلات السفير أيضاً أن البريطانيين كانوا يبدون آنذاك «تحفظاً» في مواجهة ضغوط فرنسية لتقديم مساعدات مالية من المجموعة الأوروبية للحكومة الجزائرية. وكما هو معروف، كانت السلطات الجزائرية بحاجة ماسة آنذاك لتلك المساعدات، سواء لجهة تمويل حربها ضد الجماعات المسلحة أو لجهة إطلاق مشروعات يمكن من خلالها إرضاء شرائح من المواطنين الذين يمكن أن يستقطبهم الإسلاميون في ظل تردي الأوضاع في البلاد.

الوضع الداخلي في الجزائر

كتب السفير كريستوفر باتيسكوم، في الأول من مارس (آذار) 1993، رسالة إلى أس. فولر في قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية في لندن، قائلاً:

«الوضع الداخلي في الجزائر

1- جزيل الشكر لرسالتكم في 17 فبراير (شباط) بخصوص المراجعة السنوية ولملاحظاتكم التي تمتدح تقريرنا عموماً.

2- أتفق إلى حد كبير مع ما تقول في الفقرة 2 من رسالتكم بخصوص الحالة الأمنية. مستوى الأحداث الإرهابية بقي إلى حد كبير من دون تغيير على مدى الشهور الـ12 الماضية مع تسجيل سيل ثابت من الهجمات الخفيفة، واغتيالات الشرطيين، وتفجيرات في أماكن عامة... إلخ، تقطعها أحداث كبيرة أحياناً، على غرار قنبلة المطار في أغسطس (آب)، والكمين الذي قُتل فيه 5 شرطيين في ديسمبر (كانون الأول)، وقتل 4 شرطيين آخرين بهجوم بالرشاشات في الجزائر العاصمة الشهر الماضي، ومحاولة الاغتيال الفاشلة ضد الجنرال نزار (الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع آنذاك). أشك كثيراً فيما إذا كان يمكن أبداً للسلطات أن تضع حداً لمثل هذه الحوادث، أكثر مما يبدو أن السلطات الأمنية البريطانية قادرة على منع الهجمات الإرهابية للجيش الجمهوري الآيرلندي في المملكة المتحدة. ولكن في حين أن الوضع الأمني في الجزائر بدا، قبل سنة أو نحو ذلك، كأنه متجه للانفلات كلياً، يبدو لي الآن أن الإرهابيين لن ينجحوا في تحويل الجزائر إلى بلد لا يمكن حكمه أو إرغام الحكومة على تغيير جذري في مسارها. ورغم استمرار حظر التجول وانتشار حواجز التفتيش التي يحرسها شرطيون تبدو عليهم معالم القلق، أعتقد أن معظم زائري الجزائر العاصمة يفاجأون بالحياة العادية بشكل عام هنا. ما زلنا بالتأكيد بعيدين جداً عن الحرب الأهلية التي غالباً ما نرى مكتوباً عنها في تحليلات الصحف الغربية.

قادة جبهة الإنقاذ وبينهم عباسي مدني وعلي بن حاج في 13 مارس 1990 في البليدة (غاما-رافو غيتي)

3- من الواضح أن على المرء أن يضع عدداً من التحفظات (عن هذه الخلاصات). التقارير عن الحوادث الأمنية التي نقرأ عنها في الصحف غير كاملة بشكل واضح ومصممة لطمأنتنا بأن الحكومة لها اليد الطولى. نحن لا نتجول كثيراً في المناطق الشعبية بالعاصمة، ولا في المدن الأخرى، ولا نحتك بالدوائر الإسلامية. توقعاتي أنه رغم كل ما حصل فإن التأييد الشعبي للجبهة الإسلامية للإنقاذ يبقى قوياً، وهذا يبدو ما يؤكده تردد الحكومة في المخاطرة بأي نوع من الانتخابات. لكنني أسجل مدى إعجابي بالطريقة التي واصلت فيها قوات الأمن أعمالها خلال سنة بالغة الصعوبة وبطريقة محافظتها على معنوياتها رغم المشاكل التي كان عليها التعامل معها ومع استمرار الهجمات عليهم (عناصر قوات الأمن). كما أنهم حققوا عدداً من النجاحات اللافتة. معركتهم مع الإرهابيين من المرجح أن تستمر لبعض الوقت ويبقى فيها التوازن بين الطرفين. لكنني أواصل الاعتقاد بأن قوات الأمن هي التي تتفوق تدريجياً (كما قلت في مراسلتي) وليس العكس، رغم أنني لا أتوقع أن يكون النجاح سريعاً، وقد يكون، كما أفترض، هذا النجاح قابلاً لأن ينعكس.

4- إنني أتفق، أو على الأقل أقبل، النقاط الأخرى التي وردت في رسالتكم لكنني سأبدي ملاحظة واحدة بخصوص الفقرة 4. النقطة الآنية التي تشكل محور القضية ستكون على الأرجح ليس كمية الأموال الجديدة من المجموعة الأوروبية (رغم أنني أوافق على أن الفرنسيين ربما سيضغطون من أجل هذا أيضاً) لأن الإفراج عن الدفعة الثانية من مدفوعات القرض من المجموعة الأوروبية يبدو أنه جعل هذه المسألة مشروطة باتفاق مع صندوق النقد الدولي، والإفراج المماثل عن قرض بـ70 مليون وحدة مالية أوروبية لمساعدة برنامج الحكومة لبناء المساكن. لقد اتخذت حتى الآن موقفاً متحفظاً من هاتين المسألتين، لكن ليس لدي شك في أننا سنواجه ضغطاً منسقاً ليس في وقت بعيد من أجل أن نكون أكثر مرونة. سي. باتيسكوم».

طالبات في العاصمة الجزائرية... الحياة عادية في نظر البريطانيين رغم تصاعد أعمال العنف في بدايات تسعينات القرن الماضي (سيغما / غيتي)

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوحدة المالية الأوروبية (The European Currency Unit (ECU)) كانت آنذاك وحدة قياس للعملة في أوروبا قبل اعتماد عملة «اليورو» وقبل تحوّل المجموعة الأوروبية إلى الاتحاد الأوروبي. ودعا البروتوكول الرابع للمجموعة الأوروبية (يغطي الفترة من 1992 إلى 1996) إلى معاملة أكثر سخاء إزاء الدول المتوسطية مثل الجزائر والمغرب وتونس. وزاد البروتوكول إنفاق المجموعة الأوروبية بـ28 في المائة عما كان في البروتوكول الثالث، وقدّم تمويلاً لمشروعات تقوم بها الجزائر وشركاؤها في اتحاد المغرب العربي. وسمح البروتوكول الرابع أيضاً للجزائر بالحصول على قروض أكبر والسحب من مخصصات بـ70 مليون وحدة عملة أوروبية، مقارنة بـ54 مليون وحدة أوروبية في البروتوكول الثالث. وجاء ذلك التحرك آنذاك بموازاة تحرك موازٍ على خط البنك الدولي الذي زاد مساعداته للجزائر في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي.

وليس واضحاً في الواقع سبب التحفظ البريطاني عن التحرك الفرنسي لتقديم المساعدات المالية الأوروبية للجزائر. لكن المعروف أن الإسلاميين المتشددين كانوا يوجهون اتهامات آنذاك للدول الأوروبية التي تقدم دعماً للحكومة الجزائرية بأنها تدعم «حكم العسكر». كما وجّه متشددون تهديدات بالانتقام من الدول التي تقدّم مساعدات للسلطات الجزائرية، وهو أمر قد يكون أثار مخاوف لدى بعض الدول التي خشيت أن تقديمها مساعدة للجزائر يمكن أن يؤدي إلى قيام متشددين بتنفيذ اعتداءات على مصالحها أو رعاياها.


تفجير مطار الجزائر... «قراءة» في اعترافات المنفّذين

قاعة مطار الجزائر الدولي بعد تفجيرها في أغسطس 1992 (غيتي)
قاعة مطار الجزائر الدولي بعد تفجيرها في أغسطس 1992 (غيتي)
TT

تفجير مطار الجزائر... «قراءة» في اعترافات المنفّذين

قاعة مطار الجزائر الدولي بعد تفجيرها في أغسطس 1992 (غيتي)
قاعة مطار الجزائر الدولي بعد تفجيرها في أغسطس 1992 (غيتي)

في 26 أغسطس (آب) 1992، شهدت العاصمة الجزائرية تفجيراً كبيراً استهدف مطار الجزائر الدولي، مطار هواري بومدين، وكان مؤشراً واضحاً إلى أن البلاد تتجه نحو مرحلة جديدة من المواجهة بين قوات الأمن والإسلاميين المتشددين. لم يكن تفجير المطار أول هجوم يقوم به مناصرو «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» منذ إلغاء الانتخابات التي كان حزبهم على وشك الفوز بها قبل إلغاء نتائج دورة الاقتراع الأولى في يناير (كانون الثاني) 1992. لكنه مثّل بالتأكيد البداية الفعلية لما بات يُعرف في الجزائر بـ«العشرية السوداء» أو «العشرية الدموية» التي استمرت طوال حقبة تسعينات القرن الماضي وأسفرت على آلاف الضحايا.

لم يكد يمرّ شهر على تفجير المطار الذي تسبب في مقتل 9 أشخاص وجرح أكثر من 118 آخرين، حتى تمكنت أجهزة الأمن من كشف الخلية المتورطة به. كان المسؤول الأساسي في الخلية هو حسين عبد الرحيم، الرئيس السابق لمكتب عباسي مدني رئيس «جبهة الإنقاذ» والنائب السابق عن هذا الحزب الذي تم حظره بعد إلغاء المسار الانتخابي. اعتُقل عبد الرحيم مع مجموعته التي ضمت رشيد حشايشي، وهو قائد طائرة في الخطوط الجوية الجزائرية ومسؤول «النقابة الإسلامية» والسعيد شوشان وهو نائب رئيس إحدى بلديات العاصمة. بث التلفزيون الجزائري اعترافاتهم، كما فعلت الصحف الجزائرية. نال عبد الرحيم نفسه حكماً بالإعدام في مايو (أيار) 1993 - وتم تنفيذ الحكم به مع أربعة آخرين من المدانين معه.

في هذا الإطار، تكشف الوثائق الحكومية البريطانية التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن نظرة الجانب البريطاني في خصوص قضية تفجير المطار بناءً على تقرير من سفارة المملكة المتحدة في العاصمة الجزائرية كتبه القائم بالأعمال كيث بلومفيلد الذي تولى لاحقاً منصب رئيس قسم سياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية في لندن قبل الانتقال للعمل سفيراً في نيبال. قدّم التقرير الذي كُتب عقب بث اعترافات المتهمين على التلفزيون وقبل تنفيذ الحكم بهم، عرضاً لأبرز ما قالوه وتحليلاً لإمكان أن يكون ما جاء على لسانهم تم بناءً على التعذيب. ويخلص التقرير إلى أن هناك «تحولاً متنامياً نحو الراديكالية» في «جبهة الإنقاذ» و«كسوفاً لفرع الجزأرة الأكثر اعتدالاً»، بحسب التوصيف البريطاني للتيارات التي يتألف منها هذا الحزب الإسلامي. ويضيف أن الاعترافات تؤكد «خطورة الحديث عن (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) وكأنها كل متجانس».

ناشطون في النقابة الإسلامية للعمل القريبة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ خلال تجمع في العاصمة الجزائرية عام 1991 (غيتي)

وفي هذا الإطار، يسلّط التقرير الضوء على بعض مكونات «جبهة الإنقاذ»؛ بناءً على ما ورد في «اعترافات» منفّذي تفجير المطار، محاولاً تحديداً تفسير سبب «توريط» قادة في الجبهة تم طردهم منها أو تجميد عضويتهم فيها خلال «مؤتمر باتنة» في صيف عام 1991. فقد تضمنت «الاعترافات» المزعومة التي بثّتها الحكومة الجزائرية اسمَي قياديَين في «الإنقاذ»، هما الهاشمي السحنوني وعزوز الزبدة، على رغم أنهما أُبعدا من هذا الحزب بزعم أنهما من «الخونة» الذين يتعاملون مع الحكم الجزائري. كما تضمنت المزاعم نفسها اسمي قياديين آخرين، هما سعيد مخلوفي و(أكس) (تم تعريفه بالاسم في الوثيقة البريطانية). وفي حين أن مخلوفي، الذي توفي على الأرجح عام 1993، كان معروفاً بدعمه تياراً متشدداً في «الإنقاذ» ينادي بالمواجهة مع السلطة الجزائرية وشكّل (مع آخرين) جماعة «حركة الدولة الإسلامية»، فإن الآخر (أكس)، فيُعرف أنه ذهب إلى باكستان وأقام علاقات مع إسلاميين جزائريين شاركوا في الجهاد الأفغاني، ولجأ لاحقاً إلى دولة أوروبية. والمزاعم في شأنه التي وردت في اعترافات منفذي هجوم المطار والتي حللها تقرير السفارة البريطانية، لا تعني بالطبع أنها صحيحة أو تُشكّل دليلاً ضده أمام القضاء في الدولة التي يقيم فيها.

في أي حال، استبق التقرير البريطاني، في واقع الأمر، ما سيحصل مع «جبهة الإنقاذ» في السنوات اللاحقة. فقط تشظّت هذه الجبهة إلى جبهات. فقادتها السياسيون، الذين تمثّلوا على وجه الخصوص بعباسي مدني ونائبه علي بن حاج، كانوا يقضون عقوبات بالسجن (أو الإقامة الجبرية). في غياب هؤلاء، انقسم حزبهم إلى أكثر من تيار. منهم من شكّل «الجيش الإسلامي للإنقاذ» وتحوّل إلى العمل المسلح. ومنهم من انخرط في جماعة مسلحة تُطلق على نفسها «حركة الدولة الإسلامية»، في حين التحق آخرون بـ«الجماعة الإسلامية المسلحة». فرضت هذه الجماعة الأخيرة نفسها، بحلول عام 1994، القوة المسلحة الأكبر بين الجماعات الجزائرية. لم تكن الأكبر فقط، بل كانت أيضاً الأكثر دموية والأكثر تطرفاً.

تحليل بريطاني لاعترافات منفذي هجوم مطار العاصمة الجزائرية عام 1992 (الشرق الأوسط)

فماذا جاء في التقرير البريطاني بخصوص اعترافات المتهمين بتفجير المطار؟

مطار هواري بومدين... اعترافات المتهمين

في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1992، كتب القائم بالأعمال البريطاني في الجزائر ك. ج. بلومفيلد تقريراً إلى آر. جينر في قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية جاء فيه:

اعترافات قنبلة المطار

1- ربما ستجدون من المفيد الحصول على تحليل أكثر تفصيلاً للاكتشافات المختلفة (التي عُرضت) على التلفزيون أخيراً في خصوص الإرهاب الإسلامي في الجزائر.

2 - قبل النظر إلى ماذا تقول فعلاً هذه الاكتشافات، من المجدي التساؤل عما إذا كانوا الإرهابيين الحقيقيين، وما إذا كانت اعترافاتهم حقيقية. في العالم العربي (وفي أماكن أخرى) «الاعترافات» التي يتم تنظيمها هي سلاح دعائي شائع، وفي حالة مفجّري مطار الجزائر، الروابط المتعددة بين «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» والإرهابيين تبدو ملائمة جداً لأغراض النظام كي تكون موثوقة كلياً. وعلى رغم محاولات «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» لتشويش الصورة (مثلاً من خلال إشاعات تفيد بأن أحد الذين ظهروا على التلفزيون إنما هو ميّت منذ أسابيع عدة نتيجة التعذيب)، فإن الشعور هنا - على رغم ذلك - أن حسين عبد الرحيم والمتآمرين معه حقيقيون. نعرف على سبيل المثال أن عبد الرحيم انتُخب نائباً عن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» عن (دائرة) بوزريعة في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991، واستطعنا أن نؤكد أنه كان حقاً في ديوان (عباسي) مدني.

3- أما في خصوص هل الاعترافات تم التلاعب بها، فإن الجواب هو «نعم» مشددة. على رغم مزاعم التعذيب، الطريقة التي تحدث بها الأشخاص لم تظهر وكأنها أداء كلاسيكي ناتج من التعذيب. ولكن الاعترافات، على رغم ذلك، يمكن أن تكون انتُزعت في مقابل وعود بالرأفة، وهناك من يعتقد أنهم صُوّروا بكاميرات مخفية. ومن الغريب أيضاً أنهم في حين زعموا مسؤوليتهم عن تفجيرات سابقة، لم تكن هناك إشارة إلى الموجة الثانية من تفجير الطائرات في 23 سبتمبر (أيلول) - والتفسير المحتمل لذلك، أن الاعترافات التي بثها التلفزيون تم تصويرها قبل 23 سبتمبر. أما لجهة طريقة تقديم الاعترافات، سواء عبر التلفزيون أو لاحقاً عبر الصحف، فإن ذلك بلا شك كان منظماً من وراء الستار. كل أنواع الخلاصات تم استنتاجها، وكثير منها غير مبرر كلياً من خلال ما قيل حقاً (في الاعترافات). ومن الجدير الإشارة إلى أنه لم يكن في أي مكان من نص الاعترافات التالي: أولاً: أي إشارة إلى أن (قنبلة) المطار أو تفجيرات أخرى تمت بأمر من «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (عبد الرحيم قال إن الفكرة فكرته هو). ثانياً، أي إشارة إلى أن «التيار الأساسي» في قيادة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (أي في مقابل القادة السابقين الذي تشوّهت صورتهم) كان له أي اتصال بمجموعات عنيفة قبل انقلاب يناير. ثالثاً، أي إشارة إلى حكومات أجنبية، أي على عكس أشخاص أو جماعات تعمل على أرض أجنبية، ضالعة في تزويد (المفجّرين) بالمال أو الأسلحة.

طالبات في العاصمة الجزائرية في ظل تصاعد أعمال العنف في بدايات تسعينات القرن الماضي (سيغما - غيتي)

4- ما تم زعمه في الاعترافات هو أن مجموعات إسلامية مسلحة عدة ظهرت خلال فترة تمتع «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بالشرعية، وأنه كان هناك تنسيق في ما بينها، وأن أربعة من القادة السابقين في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» تم تجميد عضويتهم في مؤتمر باتنة في يوليو (تموز) 1991 (سحنوني (الهاشمي سحنوني)، زبدة (عزوز زبدة)، مخلوفي (سعيد مخلوفي) وأكس) كانوا منخرطين مباشرة في هذه المجموعات، وأن إحداها كانت برئاسة سحنوني نفسه. بعد إلغاء الانتخابات في يناير 1992، قامت قيادة التيار الرئيسي في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، ممثلة بشراطي (يخلف شراطي) ورجام (عبد الرزاق رجام رئيس ديوان عباسي مدني)، والعاملة باسم محمد السعيد، بالاتصال، كما يُزعم، بمجموعة عبد الرحيم وعرضت عليها دعماً مادياً ومالياً ومعنوياً. تم لاحقاً تقديم 200 ألف دينار جزائري من أجل شراء أسلحة. (أكس)، صلة الوصل في فرنسا، كتب أيضاً لعبد الرحيم عارضاً عليه دعم مجموعات في أفغانستان والسودان كانت جاهزة لتزويده أسلحة عبر ليبيا. تمت أيضاً محاولات لشراء أسلحة من المجموعة المسؤولة عن هجوم قمار في نوفمبر 1991 (هجوم قمّار شنه متشددون ضد جنود في الجيش الجزائري في ولاية الوادي الحدودية مع تونس في نوفمبر 1991، أي قبل إلغاء الانتخابات) وفي شكل مباشر من السودان وليبيا.

5- هل هذه الاعترافات جديرة بالتصديق؟ سحنوني وزبدة كلاهما ظهر أخيراً لإعطاء أدلة في المحكمة، في قضية مختلفة، وكلاهما تحدث للصحف. من المثير للفضول أن أياً منهما لم يتم اعتقاله على رغم القوانين الجديدة الشاملة في شكل واسع لمكافحة الإرهاب. في مقابلاتهما الصحافية، نفى كل منهما اتهامات عبد الرحيم. سحنوني، في الوقت الذي رفض فيه أي صلة له بجماعات مسلحة، أوحى بأن مثل هذه الجماعات كانت بالفعل موجودة منذ ما قبل انتخابات 26 ديسمبر بفترة طويلة وأن قيادة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي تولت القيادة بعد يوليو (أي بعد مؤتمر باتنة) فقدت كلياً أي سيطرة عليها. وفي إشارة معبّرة (ذات دلالة)، يسأل لماذا يجب أن تعطيه «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» أي نوع من الأدوار المتعلقة بالكفاح المسلح بعدما تبرأت منه على أساس أنه خائن عقب ظهوره هو نفسه على التلفزيون في يوليو 1991؟ فكيف يمكن أن يكون منسقاً (للتفجيرات) كما زعم عبد الرحيم؟ الزبدة، في حين أنه أقرّ بمعرفته بعبد الرحيم عندما كانا سوياً أعضاء في المكتب التنفيذي لمدني، فإنه ادّعى مسؤوليته عن تنزيل مرتبة عبد الرحيم من «رئيس الديوان» إلى إعطائه مسؤولية النقابات التجارية الإسلامية. وبحسب ما يقول الزبدة، فإن عبد الرحيم كان شاباً لا يتمتع بالخبرة وراديكالياً متشدداً. وهكذا يبدو من المعقول أن عبد الرحيم، تحت ضغط لتسمية أسماء (ضالعة معه) وتوريط «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، اختار كضحايا له أربعة من القادة السابقين الذين تم تجميد عضويتهم في الجبهة، وبينهم اثنان تم توصيفهما بأنهما «خائنان» وواحد منهما على الأقل كان له دور في تنزيل مرتبته (في الجبهة).

تجمع لقادة جبهة الإنقاذ في العاصمة الجزائرية عام 1990 (أ.ف.ب.غيتي)

6- هذه النظرية لا تفسر بالطبع لماذا ورّط عبد الرحيم أيضاً فرع الجزأرة في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (رجام وشراطي) باتهامهما بتمويل جماعات مسلحة بعد إلغاء الانتخابات. أحد الدوافع المحتملة قد يكون شخصياً - فرجام تولى مسؤولية رئيس ديوان مدني عقب تنزيل مرتبة عبد الرحيم - ولكن الأكثر احتمالاً أن عبد الرحيم أراد ببساطة أن يجعل من المستحيل حصول أي نوع من الحوار مع الجناح المعتدل في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». ومن الممكن حقاً أيضاً أن يكون هذا هو الدافع لتفجير المطار كذلك.

7- لا أريد أن أفترض ضمناً (تلميحاً)، من خلال تقديم هذه النظريات، أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ليس لها صلة بحملة الإرهاب الحالية. في الحقيقة، رسالتي بتاريخ 7 سبتمبر أشارت إلى التحول المتنامي نحو الراديكالية في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» وكسوف فرع الجزأرة الأكثر اعتدالاً منذ يناير. ولكن من الواضح أن علينا أن نكون واعين لعدم أخذ الاعترافات التلفزيونية على قيمتها الظاهرية. إنها فقط عنصر واحد من صورة معقدة إلى حد ما، ولضرورة التأكيد مرة أخرى على خطورة الحديث عن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» وكأنها كل متجانس.

8- أحد المتفرعات من الاعترافات والشهرة التي تبعتها كان ظهور كمية لا بأس بها من المعلومات الجديدة عن أشخاص في الحركة الإسلامية الجزائرية. نسجّل حالياً بشكل منهجي مثل هذه المعلومات على فهرس بطاقات. سنرسل لكم نسخة عنها في الحقيبة (الدبلوماسية) المقبلة، كما آمل، في حال وجدتم أنها قد تكون مفيدة لكم ولقسم الأبحاث والتحليل في متابعة هذه المسألة الغامضة».

رئيس حكومة سابق في لندن... ماذا لو طلبت الجزائر تسليمه؟

وثيقة بريطانية عن رئيس الوزراء الجزائري السابق عبدالحميد براهيمي

لم يكن استقبال بريطانيا للقيادي في «جبهة الإنقاذ» أنور هدام الإشكالية الوحيدة التي سلّطت الوثائق البريطانية السرية الضوء عليها (راجع الحلقة السابقة). فقد كان هناك «ضيف» آخر على الأراضي البريطانية تخشى الحكومة أن يسبب مشكلة لها مع نظيرتها الجزائرية. إنه عبد الحميد براهيمي، رئيس الحكومة الجزائرية السابق (بين 1984 و1988)، الذي كان محور مراسلات دبلوماسية بين السفارة البريطانية في الجزائر ووزارة الخارجية في لندن.
كانت بريطانيا تخشى أن تقدّم الحكومة الجزائرية طلباً لترحيل براهيمي إليها لمساءلته في قضية المزاعم التي أطلقها عن «اختلاس» 26 مليار دولار من خزائن الدولة الجزائرية نتيجة الفساد خلال حقبة الثمانينات. انشغلت الجزائر في الواقع لفترة طويلة بـ«قنبلة» المليارات المختلسة، وصار اسم براهيمي مرتبطاً بها إلى حين وفاته في أغسطس (آب) 2021 بمستشفى عين النعجة العسكري في الجزائر التي عاد إليها بعدما عاش لسنوات طويلة في منفاه البريطاني. فما قصة عبد الحميد براهيمي ولجوئه إلى بريطانيا في تسعينات القرن الماضي؟
تناول هذه القضية السفير البريطاني لدى الجزائر كريستوفر باتيسكوم الذي كتب، في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، مراسلة (محفوظة في الأرشيف الوطني) موجهة إلى د. ريتشموند، في قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية، مثيراً قضية ناشطي «جبهة الإنقاذ» في أوروبا.

وثيقة بريطانية عن رئيس الوزراء الجزائري السابق عبدالحميد براهيمي

جاء في الرسالة:
«ناشطو الجبهة الإسلامية للإنقاذ في أوروبا: عبد الحميد براهيمي
1 - نشر الإعلام الجزائري تكراراً مواضيع على مدى الأيام القليلة الماضية عن رئيس الحكومة الأسبق، عبد الحميد براهيمي، الذي صدر في حقه استدعاء لتقديم أدلته بخصوص مزاعمه العلنية في مارس (آذار) 1990 بأن 26 مليار (دولار) اختُلست من خزائن الدولة من خلال الفساد. وربما تعلم أن براهيمي يعيش منذ بعض الوقت في إنجلترا، حيث يحاضر في الاقتصاد الإسلامي بجامعة ليستر. لقد تقدمت أسرته أمس في السفارة بطلبات للحصول على تأشيرة (ابنته، كما يبدو، حصلت على فرصة عمل في ليستر)، لذلك يبدو أنه يخطط للبقاء (في بريطانيا). أخفق براهيمي، كما يبدو حتى الآن، في الرد على طلب الاستدعاء، رغم – كما تقول وسائل الإعلام – الإعلان الأخير الذي أدلى به رئيس الحكومة (الجزائرية) أمام المجلس الاستشاري الوطني أن الحكومة مستعدة لمنحه كل الضمانات الضرورية. تتكهن الصحف حول ما إذا كانت المحاكم ستصدر استدعاءً جديداً لبراهيمي، وحول ما إذا كانوا سيتركون المسألة تسقط ببساطة، أو ما إذا كانوا سيلجأون إلى الإنتربول (في ظل غياب معاهدة تسليم بين بريطانيا والجزائر).
2 - هذا السؤال كان فعلاً محور نقاش عندما تقابلت مع الوزيرة الجديدة المستشارة للشؤون القانونية والإدارية السيدة بلميهوب - زيداني (مريم بلميهوب) خلال حفلة استقبال أمس. السيدة زيداني لم تطلب شيئاً محدداً مني، وليس من أي أحد آخر حتى الآن، لكنها قالت إنه بما أنه أدلى بهذه المزاعم فإن براهيمي عليه استحقاق أمام الجميع كي يعود ويكشف ما هي الأدلة التي يملكها. واصلت (حديثها) موجهة اتهاماً لبراهيمي بأنه مؤيد بوضوح للجبهة الإسلامية للإنقاذ، معتبرة أن هدف إطلاق مزاعمه عام 1990 كان مساعدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الفوز بالانتخابات البلدية في يونيو (حزيران). لقد كشف عن لونه الحقيقي أكثر العام الماضي عندما انضم (مع وزير الخارجية السابق الذي يحمل اسم الشهرة ذاته أحمد طالب الإبراهيمي) عضواً في لجنة الدفاع عن حقوق قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المسجونين. شخصياً، لدي بعض الشكوك حيال تفسيرات السيدة زيداني بما أنني أعربت عن اعتقادي في ذلك الوقت، وما زلت أعتقد، أن المزاعم التي أدلى بها براهيمي لها علاقة بالصراعات الداخلية في جبهة التحرير الوطني أكثر مما هي للترويج للجبهة الإسلامية للإنقاذ. ولكن ليس لدي شك في أنها تعكس وجهة نظر كثيرين من النظام الحالي. ما قالته (الوزيرة الجزائرية) ينسجم مع إيحاءات أخرى صدرت أخيراً في وسائل الإعلام أن الشاذلي (بن جديد) نفسه كان لفترة طويلة يروج سراً للجبهة الإسلامية للإنقاذ بوصفها وسيلة لإبقاء نفسه في السلطة.

الشاذلي بن جديد (غيتي)

3 - إن مثل هذا الكلام لن يشجع بالطبع براهيمي على العودة وربما يفسر لماذا تسعى عائلته بتلهف للحاق به في المملكة المتحدة. آمل ألا تكبر هذه المسألة إلى صراع قضائي من أجل إعادة براهيمي (إلى الجزائر)، ولكن بما أنه ليست هناك حالياً اتهامات حقيقية ضده، فإن هذه المسألة تبدو، في الأسوأ، ما زالت بعيدة حالياً.
4 - ولكن هذا يقود إلى موضوع ربما يكون له اهتمام أوسع (ومن هذا المنطلق تأتي الجهات التي يتم توجيه هذه البرقية لها) – الانتقاد المتصاعد الذي يصدر هنا حيال الدول الأوروبية لإيوائها أعضاء في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعارضة. زميلي السفير الألماني الجديد أخبرني أنه في كل زيارات اللقاءات التعارفية التي يقوم بها يتم الهجوم عليه من وزراء جزائريين بسبب وجود القادة السابقين للجبهة الإسلامية للإنقاذ في ألمانيا ونشاطاتهم. وسائل الإعلام كانت أيضاً فتاكة في خصوص السهولة التي يحصل فيها ناشطو جبهة الإنقاذ على تصاريح إقامة في فرنسا أو لحصولهم على اللجوء السياسي في بلجيكا. نجت المملكة المتحدة حتى الآن من هذا (الهجوم)، لكنني أتوقع أنها مسألة وقت فقط قبل أن يظهر واحد أو أكثر من القادة السابقين للجبهة الإسلامية للإنقاذ في لندن. بحسب يومية الوطن، قام أصوليون جزائريون بمهاجمة إمام مسجد ريجينت بارك لرفضه أن يخطب عن الوضع السياسي في الجزائر وانتزعوا الميكروفون من يديه كي يتحدثوا عن هذه المسألة بأنفسهم. (هذا يتوافق مع معلومات رأيناها من مصادر أخرى عن نشاطات سياسية تتركز حول المسجد). أوحى السفير الألماني بأن علينا أن نناقش في اجتماع مقبل لسفراء المجموعة الأوروبية سياستنا تجاه إصدار تأشيرات لأصوليين، وأتصور أن هذه المسألة ستثار بين العواصم (الأوروبية) أو من خلال التعاون السياسي في المجموعة الأوروبية.
5 - كما تعرفون، سياستنا بخصوص التأشيرات تختلف عن بعض زملائنا في المجموعة (الأوروبية)، مثلاً الفرنسيون والبلجيكيون، الذين رغم الانتقادات التي توجه لهم يجدون عملياً من السهولة أن يمنعوا ناشطي الجبهة الإسلامية للإنقاذ على أسس سياسية. عندما كتبت عن تبادل سابق بين سفراء المجموعة الأوروبية حول هذه المسألة (المحضر الداخلي بتاريخ 24 مارس، الذي أرسلنا نسخة منه لقسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا)، رد ألان مونتغمري (قسم الهجرة واللجوء بوزارة الخارجية) برسالة بتاريخ 28 أبريل (نيسان) موجهة لي، باستبعاد حتى تبادل المعلومات بخصوص ناشطي جبهة الإنقاذ الذين يتقدمون بطلبات تأشيرة. ربما يكون من الحصافة (الحكمة) أن يتم النظر في إمكانية استحداث بعض المرونة في خصوص هذه المسألة في حال أثيرت هذه القضية من جديد. وبما يتعلق بسياستنا الخاصة، يمكنني فقط أن أقترح أنه يجب علينا أن ننظر بعناية كبيرة لأي طلبات للحصول على تأشيرات من ناشطين معروفين من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وسنناقش معكم ومع قسم الهجرة واللجوء بخصوصهم متى ما كان ذلك ملائماً، مع الأخذ في الاعتبار احتمال أنه (طلب التأشيرة) ربما يكون الخطوة الأولى في طريق طلب الإقامة أو اللجوء السياسي».
التوقيع باتيسكوم


«لندنستان»... قصة الجدل البريطاني حول «الحوار مع المتشددين»

عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
TT

«لندنستان»... قصة الجدل البريطاني حول «الحوار مع المتشددين»

عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)

مثّل هذان الرجلان في الصورة (أعلاه)، وعلى مدى سنوات، رمزاً لتحوّل العاصمة البريطانية إلى معقل للمتشددين الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي. يقضي الأول، أبو حمزة المصري (يمين الصورة)، حكماً بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة بعد إدانته بالإرهاب.

أما الآخر، السوري عمر بكري، فسجن بدوره لسنوات في لبنان بتهم إرهاب أيضاً (خرج من السجن في مارس / آذار الماضي). ولكن قبل أن يجد هذان الرجلان نفسيهما وراء القضبان، شكّلا، مع آخرين، لنحو عقدين من الزمن تقريباً، وجهاً لما يسميه منتقدون «لندنستان». وفي حين أن هناك من سيجادل بأن هذه الصفة ليست صحيحة تماماً وبأن لندن هي في الواقع تجربة بريطانية ناجحة للتعايش بين الديانات والثقافات المختلفة، فإن ما يبدو مؤكداً في الحقيقة هو أن العاصمة البريطانية تحوّلت منذ تسعينات القرن الماضي إلى ساحة ينشط فيها خليط واسع من مؤيدي تيارات الإسلام السياسي والجماعات التي تُطلق على نفسها وصف «الجهادية» لكنها مصنّفة إرهابية أو متشددة من قِبل الكثير من الحكومات، بدايةً في العالم العربي ولاحقاً في الدول الغربية نفسها.

ولكن كيف تحوّلت لندن إلى «لندنستان»؟ هل كانت الحكومة البريطانية واعية لهذا التحوّل نحو التشدد الذي يتم على أراضيها؟ هل كانت تستضيف الإسلاميين لاستخدامهم «ورقة» في تعاملاتها مع قضايا الشرق الأوسط، كما يعتقد بعضهم؟ أم أنها لم تعرف بمدى خطورة «ضيوفها» المتشددين سوى في وقت متأخر وبعدما تجذّر هؤلاء على أرضها وبدأوا ينخرطون في عمليات عنف وإرهاب في بلدانهم الأصلية وفي البلدان الغربية أيضاً؟

تسلّط «الشرق الأوسط» الضوء على هذه القضية من خلال نشرها سلسلة وثائق حكومية بريطانية كانت مصنفة سرية وباتت متاحة في الأرشيف الوطني بلندن. تكشف هذه الوثائق عن أن جدلاً داخلياً ساد أروقة الحكومة البريطانية في شأن التعامل مع مسألة الإسلاميين في بداية تسعينات القرن الماضي. دعا تيار في الحكومة إلى الحوار معهم، بما في ذلك مع المتشددين منهم، على أساس أن التحدث معهم يمكن أن يحل أي إشكالية بين الطرفين، خصوصاً أنه «ليس هناك تضارب ضروري بين المصالح الغربية والإسلام»، بحسب ما جادل أنصار هذا الرأي.

في المقابل، كان هناك تيار آخر ينتقد هذا المنطق ويعدّ أن هناك محاولة متعمدة من بعض المسؤولين البريطانيين لمحو الفوارق الموجودة مع الإسلاميين المتشددين، ويشير إلى ضرورة أخذ مثالَي السودان وإيران في الحسبان عند التعامل مع تيارات الإسلام السياسي، في إشارة إلى أن وصول الإسلاميين للسلطة سيعني رفضهم التخلي عنها لاحقاً، مثلما فعل نظام الرئيس عمر البشير بعد استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري في الخرطوم عام 1989، وكما فعل من قبل الإسلاميون الإيرانيون بقيادة آية الله الخميني بعد إطاحتهم نظام الشاه في طهران عام 1979.

وفي الواقع، بدأ هذا الجدل بين المسؤولين البريطانيين على خلفية النزاع الأهلي الذي بدأ في الجزائر عقب إلغاء الجيش، في يناير (كانون الثاني) 1992، انتخابات كان الإسلاميون على وشك الفوز بها. فقد لاحظ البريطانيون أن مناصرين لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الحزب الذي حظرته السلطات الجزائرية عقب إلغاء الانتخابات، بدأوا يطلبون تأشيرات للمجيء إلى المملكة المتحدة، قبل طلبهم اللجوء السياسي على الأرجح، وهو أمر لم تعرف سفارة المملكة المتحدة في الجزائر طريقة التعامل معه، فطلبت الحصول على تعليمات من وزارة الخارجية في لندن. وكان لافتاً أن رد الخارجية أشار إلى أن وزير الداخلية البريطاني فقط هو من يستطيع منع أشخاص معينين من الدخول إلى المملكة المتحدة، وإلى أن أي حظر يجب أن يشمل أشخاصاً بأسمائهم وليس منظمات؛ إذ إن «جبهة الإنقاذ» كانت آنذاك محظورة فقط في الجزائر وليس في بريطانيا. كما كشفت المداولات البريطانية الداخلية عن أن حكومة لندن أبلغت السفارة في الجزائر بأنه ممنوع عليها أن تشارك الأوروبيين في معلومات مستقاة من طلبات التأشيرة (الفيزا) التي يتقدم مناصرو «الإنقاذ» للحصول عليها، لكنها سمحت بإبلاغ الأوروبيين فقط بأن شخصاً ما رُفض أو قُبل، وبشرط ألا تكون المعلومة المقدمة للدول الأوروبية عن هذا الشخص (وهل هو من إسلاميي «جبهة الإنقاذ» أم لا) مستقاة من أوراق طلب التأشيرة التي قدّمها.

شعار «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر

إشكالية التأشيرات... إسلاميو «جبهة الإنقاذ»

كان موضوع التأشيرات محور مراسلات بين الخارجية البريطانية والسفارة في الجزائر. ففي ديسمبر (كانون الأول) 1992، كتب د. آي. ليوتي، المسؤول بقسم الهجرة والتأشيرات، إلى كريستوفر باتيسكوم، سفير المملكة المتحدة في الجزائر (من عام 1990 إلى 1994) يرد فيها على برقية وجّهها الأخير إلى قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بالخارجية البريطانية بعنوان «طلبات التأشيرة لناشطي الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (مؤرخة بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني). قال ليوتي في رسالته إلى السفير:

1- لقد أكد المستشارون القانونيون أننا، من منطلق (مبدأ) الخصوصية، ممنوعون أن نكشف عن معلومات واردة في طلبات الحصول على التأشيرة. ولكن، لن يكون هناك اعتراض على أن تبلغ زملاءك في المجموعة الأوروبية (التي تحوّلت لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي)، على سبيل المثال، أن ناشطاً معروفاً في الجبهة الإسلامية للإنقاذ تقدم بطلب تأشيرة للمملكة المتحدة، وأن تخبرهم بنتيجة هذا الطلب. (أفترض هنا أن معلوماتنا عن أن مقدّم الطلب هو ناشط في الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تأت من طلب التأشيرة نفسه).

2- قد يبدو لزملائك في المجموعة الأوروبية أننا نضع عراقيل بطريقة غير ضرورية لأننا لا نستطيع أن ننضم إلى حظر (أوروبي) شامل على إصدار تأشيرات لأعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ولكن القرارات في خصوص استبعاد أفراد من القدوم إلى المملكة المتحدة على أساس أن مجيئهم لا يخدم الصالح العام (الفقرة 86 من قوانين الهجرة) لا يمكن أن تؤخذ سوى بالنسبة إلى أشخاص محددة أسماؤهم (سلفاً). وهذه القرارات تؤخذ دائماً من وزير الداخلية شخصياً. ليس هناك بند في القواعد يتعلق بحظر تام على منظمات.

3- إذا تلقيت طلب تأشيرة زيارة من ناشط معروف في الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتعتقد أنه/أنها سيطلب اللجوء بعد وصوله إلى المملكة المتحدة، فيجب رفض الطلب بموجب القواعد المعتمدة (كونه ليس زائراً حقيقياً). وإذا تلقيت طلبات تأشيرة من ناشطين يمكن أن يسبب وجودهم هنا ضرراً خطيراً للعلاقات الثنائية (مع الجزائر)، رجاء عدم التردد في إحالتهم إلى قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وقسم الهجرة واللجوء في وزارة الخارجية

التوقيع: د. آي. ليوتي

الأصولية الإسلامية وانعكاستها على السياسة البريطانية (الشرق الأوسط)

«الأصولية الإسلامية وتداعياتها على السياسة البريطانية»

الجدل حول موضوع التأشيرات فتح باباً لجدل أكبر عن حدود التعامل مع الإسلاميين وأطيافهم، رصدته الوثائق التي سجلت مكاتبات بين مسؤولين بريطانيين، تعقيباً على خلاصات ورشة عمل تناولت الموضوع، لكن لم تتضح تفاصيل عقدها من الوثائق.

الوثيقة الأولى التي سجلت هذا الجدل كانت برقية من السفير باتيسكوم إلى مارك إيليوت، نائب وكيل وزارة الخارجية (عمل لاحقاً سفيراً في إسرائيل والنرويج)، بتاريخ 3 نوفمبر، جاء فيها:

رسالتكم المؤرخة في 9 أكتوبر (تشرين الأول): الأصولية الإسلامية وتداعياتها على السياسة البريطانية

1- شكراً لكم لإرسالكم نسخة من رسالتكم في 9 أكتوبر إلى ميغ روثويل ولدعوتكم إلى تلقي تعليقات عليها. أعتذر مسبقاً لخوضي محاولة ثانية في هذه المسألة، ولكن آمل أن أكون معذوراً بما أن الأصولية كان لها هذا التأثير المؤلم على الجزائر على مدى السنوات الأربع الماضية.

2- يبدو لي أن علينا أن نكون حذرين جداً في خصوص المصطلحات وماذا نعني بها. الإسلامي والإسلاموي (الذي أضعه مرادفاً للأصولي) يبدوان متشابهين كثيراً ولكنّ هناك فارقاً كبيراً جداً بينهما، وهذا الفارق حقاً هو ما تدور حوله هذه المشكلة. ورقة قسم الأبحاث والتحليل تقرّ بوجود هذا الفارق، لكنه يبدو كمن يحاول محوه من خلال وصفاته، مثلاً عندما يقول إنه ليس هناك تضارب ضروري بين التطلعات الأوروبية والإسلامية (الفقرة 8) وبحديثه عن كيفية التعامل مع الأقليات المسلمة في أوروبا (الفقرة 6). وعن الدول المسلمة إلى جنوبنا وشرقنا (الفقرة 8). لست واثقاً كلياً من أنك لا تفعل الشيء نفسه في الفقرة 2 من رسالتك عندما تتحدث عن الترويج للتفاهم المتبادل والتعايش سوياً والمساهمة في تنمية الاقتصاد وأسواق الصادرات. على الأقل، في هذا الجزء من العالم الإسلاميون ليسوا في السلطة بعد وليس لديهم أسواق صادرات.

من الوثائق البريطانية بخصوص الأصولية وانعكاستها على السياسة البريطانية (الشرق الأوسط)

3- قد يبدو هذا كمن يتصيّد الأخطاء، لكن النقطة التي أثيرها بالغة الأهمية. طمس الفوارق يهدد بطمس أحكامنا ويساهم في الوصول إلى خلاصة يبدو أنني ألحظها في رسالتكم وفي ورقة قسم الأبحاث والتحليل بأنه ليس هناك شيء خبيث أو معادٍ لنا في الأصولية لا يمكن أن يشفيه حديث طيب مع الأصوليين. يبدو لي هذا الأمر تساهلاً خطيراً. على المرء أن ينظر فقط إلى إيران والسودان ليرى ماذا يحصل عندما تأتي أنظمة إسلاموية إلى السلطة. ربما لا يمكننا أن نوقف تقدم الأصولية، وحيث تستحكم فإن علينا بلا شك أن نتعايش معها كما نتعايش مع قوى أخرى غير مرحب بها حول العالم. ولكن لا يجب أن نقوم بأي شيء من أجل الدفع بها إلى الأمام، بل علينا حقاً أن نقوم بكل ما يمكننا أن نقوم به من أجل وقف تقدمها من خلال تشجيع الأنظمة الإسلامية على تبني سياسات ديمقراطية وليبرالية ستجلب لها تأييداً شعبياً وتقلل من الدعم للإسلاميين، وإلى الدرجة التي يمكننا أن نقوم بها، علينا أن ندعمهم بمساعدات مالية أكبر.

التوقيع: كريستوفر باتيسكوم قسم الأبحاث والتحليل...

أبو حمزة المصري يؤم المصلين أمام أحد مساجد لندن (غيتي)

الإسلام السياسي

وكانت برقية السفير باتيسكوم، المؤرخة في 3 نوفمبر، محور رد مطول من باسيل إيستوود، مدير قسم الأبحاث والتحليل بوزارة الخارجية. فقد كتب الأخير إلى مارك إيليوت، المسؤول في وزارة الخارجية، رسالة من ورقتين بتاريخ 9 نوفمبر تحت عنوان:

«الإسلام السياسي - برقية السيد باتيسكوم في 3 نوفمبر». وجاء في رسالة إيستوود:

1- السيد باتيسكوم يؤنبنا على عدم تعريفنا لمصطلحاتنا. إنني أقرّ بذنبي: لقد سعيت عمداً إلى تجنب بدء ورشة عملنا بدرس في التعريفات لأنني شعرت بأن ذلك سيعني أن البداية ستغرق في حذلقة لغوية (نقاش لغوي عميق). غالبية المتحدثين وأنا معهم سعينا إلى تجنب استخدام مصطلح «الأصولية الإسلامية» الذي يأتي منه معظم المشاكل (بما في ذلك برقية السيد باتيسكوم).

2- للتعويض عن هذا النقص، يمكن للمرء ربما أن يقوم بهذا التفريق داخل الطائفة الإسلامية الواسعة:

أ‌- العلمانيون: هم أولئك الذين يعترفون ويؤكدون على هويتهم الإسلامية، لكنهم يعتقدون في شكل إيجابي أن الإسلام من الأفضل أن يبقى خارج السياسة.

ب‌- المؤمنون لكنهم غير المسيّسين: هم أولئك الذين يكونون متدينين ويؤمنون نظرياً بتطبيق التعاليم الإسلامية على تنظيم المجتمع، لكنهم جوهرياً غير مسيسين.

ت‌- المتدينون المسيّسون لكنهم غير عنيفين: هم أولئك الذين يكون لديهم توجّه سياسي ويكونون متدينين، لكنهم يؤمنون بمسار تطوري والذين يسعون إلى تغيير الاتجاه السياسي للدول التي يعيشون فيها بوسائل غير عنيفة. الرجاء الانتباه إلى أن معظم من هم في هذه المجموعة سيكون لديهم صعوبات، من منطلق فقهي، بافتراض أنهم متى ما وصلوا إلى السلطة بوسائل ديمقراطية أو سلمية فإنهم يمكن أن يتخلوا عنها.

ث‌- الثوريون: هم أولئك الذين يدافعون عن استخدام العنف والثورة لتحقيق قيام نظام إسلامي في المجتمع. ربما في هذه الفئة يجب أن يُدرج «الأصوليون الإسلاميون»، على رغم أن المصطلح مفتوح على تفسيرات عدة، كلها من منطلق شخصي وكثير منها ينمّ عن ازدراء.

3- ناقشنا في ورشة العمل كل هذه الفئات. «الإسلام السياسي» يشملها جميعها، بما في ذلك، على سبيل المثال، المواقف الإسلامية التي تجد أنظمة علمانية نفسها مضطرة إلى تبنيها تجاه المسألة البوسنية مثلاً (أي أنه على هذا المستوى باتت – أي قضية البوسنة - اتجاهاً سائداً في الدبلوماسية الدولية). إن مصطلح «الإسلاميين» يمكن أن يشمل أشخاصاً من الفئات (ب وت وث).

بعض أتباع أبو حمزة المصري خلال صلاة أمام مسجد في شمال لندن في سبتمبر 2004 (أ.ف.ب / غيتي)

4- أعتقد أن ورشة العمل التي عقدناها خرجت بشعور أن:

- أولاً، أن هناك صعوداً عاماً للحماسة الإسلامية.

- ثانياً، أنه ليس هناك تضارب ضروري بين المصالح الغربية والإسلام.

- ثالثاً، أن الفئة (ث) ما زالت أقلية قليلة.

- رابعاً، أنه إذا لم يلعب الغرب أوراقه بذكاء فإننا نخاطر بدفع الأعداد الأكبر بكثير من الفئتين (ب وت) إلى الفئة (ث).

5- لم ألحظ في ورشة العمل اتجاهاً للمجادلة بأنه «ليس هناك أي شيء خطأ في الفئة ث لا يمكن لحوار جيد (أو لحديث طيب) أن يجد له حلاً» (بحسب ما جاء في الفقرة 3 من برقية السيد باتيسكوم). إنني أعتذر إذا كان غياب تعريف المصطلحات في ملاحظاتي ترك القرّاء بهذا الانطباع.

التوقيع: باسيل إيستوود

جدل بريطاني داخل في شأن التعامل مع الأصوليين (الشرق الأوسط)

«اختلافات مهمة في المصطلحات»

«اعتذار» باسيل إيستوود، مدير قسم الأبحاث والتحليل بوزارة الخارجية، جاء في ضوء مراسلات بين السفير باتيسكوم في الجزائر ووزارة الخارجية في لندن، بخصوص الإسلام السياسي والتعامل مع المتشددين. ففي 10 نوفمبر 1992، كتب مارك إيليوت في برقية إلى السفير البريطاني في الجزائر قائلاً:

عزيزي كريستوفر،

الأصولية الإسلامية

1- شكراً جزيلاً لمراسلتكم المؤرخة في 3 نوفمبر. إنني أتفهم في شكل كامل وأتعاطف إلى حد كبير مع النقاط التي أثرتها، وسنأخذها في الحسبان.

2- ربما ستودّ أن تطلع على ورقة باسيل ايستوود (المحضر المؤرخ في 9 نوفمبر، نسخة منه مرفقة بهذه الرسالة). لا أعتقد أن هناك في الحقيقة الكثير من الجدل بيننا، ولكن لا ضير من إبراز هذه الاختلافات المهمة في المصطلحات.

التوقيع: مارك ايليوت

«جبهة الإنقاذ» تطلب لقاء مع الحكومة البريطانية

نقاش في «الخارجية» حول استقبال قيادي في حزب مصنّف إرهابياً بالجزائر

الوثيقة المتعلقة بأنور هدام وطلب اللقاء مع الحكومة البريطانية

في ظل هذا الجدل حول الإسلام السياسي، تكشف وثائق الحكومة البريطانية عن نقاش حول عقد لقاء مع قيادي إسلامي جزائري فرّ من بلاده عقب إلغاء الانتخابات وبات أحد ممثلي «جبهة الإنقاذ» في المنفى. والجدل حول مثل هذا اللقاء الذي تم بطلب من أنور هدام، أحد النواب المنتخبين عن «جبهة الإنقاذ» في الدورة الأولى الملغاة من الانتخابات التشريعية عام 1992، هو أن هذا الحزب الإسلامي بات محظوراً في الجزائر بحجة تورطه في الإرهاب، ومثل هذا اللقاء بين ممثل لحزب «إرهابي» والحكومة البريطانية يمكن أن يسبب أزمة مع الحكومة الجزائرية التي كانت تأخذ على بريطانيا استضافتها الإسلاميين المتشددين وفتح أبوابها أمامهم.
في رسالة مؤرخة بتاريخ 12 أكتوبر 1992، كتب أف. جي. مارتن، من دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية، رسالة إلى «السيد ريتشموند» المسؤول في القسم ذاته، مشيراً إلى تلقيه طلباً بعقد لقاء مع أنور هدام أحد المسؤولين البارزين في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». جاء في الرسالة:
«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»
1- تلقيت اليوم اتصالاً من كارولين داتون من المجلس الإسلامي (رقم الهاتف...) تطلب مني أن تعرف هل بإمكان أنور هدام أن يزورني. شرحت لها أنها اتصلت بي في وقت غير ملائم وأنني سأتصل بها لاحقاً. وصفت السيد هدام بأنه «رئيس البعثة البرلمانية لـ(جبهة الإنقاذ) في أوروبا وأميركا».
2- انتُخب السيد هدام نائباً عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن دائرة تلمسان في 26 ديسمبر. وبحسب تقرير صحافي أخير، رفض خرق القانون واللجوء إلى العنف، لكنه يتفهم لماذا اختار بعض أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ اللجوء إلى الخيار الأخير (العنف). وهكذا يبدو السيد هدام ينتمي إلى الفرع المعتدل في الجبهة الإسلامية للإنقاذ. في رسالة بتاريخ 11 أبريل (نيسان)، وصف السيد بلومفيلد (القائم بالأعمال في الجزائر) السيد هدام بأنه المتحدث باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج، وبأن مقرّه فرنسا. أعتقد أن السيد هدام زار المملكة المتحدة في أبريل. (لديه تأشيرة تسمح بدخول متعدد للولايات المتحدة ويُعتقد أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية وكندا في وقت سابق من هذه السنة).
3- الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بالطبع، تم حظرها من السلطات الجزائرية في الربيع. وتبعاً لذلك؛ السفارة حُرمت من الوصول إلى ما بقي من قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ. سيكون هناك، تبعاً لذلك، مبرر للقاء السيد هدام، خصوصاً كوننا دعونا في السابق إلى أن يعاود النظام (الجزائري) الحوار السياسي مع المعتدلين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
4- (الفقرة الرابعة ما زالت الرقابة البريطانية تمنع نشرها)
5- السيد هدام موجود في لندن كل هذا الأسبوع».
وعلى الورقة نفسها، تم الرد من السيد ريتشموند (السير ديفيد ريتشموند لاحقاً، وقد عمل في مناصب كثيرة من دول عربية وفي وزارة الخارجية، قبل الانتقال للعمل سفيراً لدى الاتحاد الأوروبي ولاحقاً إلى القطاع الخاص). كتب ريتشموند بخط يده قائلاً: إن «إحدى الخلاصات الأولية للعمل الذي قمنا به عن الإسلام السياسي هو أن علينا أن نقيم حواراً مع الإسلاميين، لكن لا يمكننا أن نتجاهل «أكس» (إشارة رمزية إلى شخص لم يذكر اسمه). وبما أن هذا هو أول اتصال، أتساءل عما إذا لم يكن من الأفضل أن نبدأ بالسيد شيبمان (أحد المسؤولين في وزارة الخارجية) ونرى ماذا سيحصل. علينا أن نشدد (أمام هدام) على (ضرورة) معارضة العنف».