جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

الرئيس السابق قدّمته المعارضة لانتخابات 2024

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»
TT

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

يراهن حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» المعارض الرئيس في غانا، على خبرات الرئيس السابق والسياسي المخضرم جون ماهاما؛ من أجل الوصول للحكم، وذلك بتقديمه مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام المقبل. هذه ستغدو المرة الثالثة التي يترشح فيها ماهاما لأعلى منصب في غانا، إحدى أكثر الديمقراطيات استقراراً في غرب أفريقيا؛ إذ سبق لماهاما أن تولى رئاسة جمهورية غانا في يوليو (تموز) 2012، في أعقاب الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل جون أتا ميلز، وكان نائب الرئيس آنذاك. وبعد ذلك فاز في الانتخابات في وقت لاحق من ذلك العام، ولطالما سعى إلى «فرصة ثانية»، تمكنه من تطبيق أفكاره، بيد أنه خسر مرتين متتاليتين أمام الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو في انتخابات عامي 2016 و2020 بفارق ضئيل.

لم يسبق لأي حزب في غانا منذ نحو 30 سنة، أن فاز بأكثر من ولايتين متتاليتين. وراهناً تعوّل المعارضة على خبرة الرئيس السابق جون ماهاما في الفوز وتحقيق تطلعات الغانيين، خاصة ما يتعلق بالخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، كما يشير الدكتور عبد المنعم همّت، المحلل السياسي السوداني والخبير بالشأن الأفريقي.

يقول همّت لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «تمرّ غانا، صاحبة الديمقراطية الراسخة والمستقرة، حالياً بأزمة اقتصادية معقدة جداً لم تشهدها منذ نحو 30 سنة، متمثلة في ديون اقتصادية وغلاء في المعيشة وانخفاض في قيمة العملة وتضاؤل للاحتياطي النقدي بشكل عام. هذا الوضع أثر سلباً بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، وفرض على الحكومة اللجوء للاقتراض من الخارج؛ الأمر الذي سيكون له انعكاسات صعبة على فرص الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة». وأردف «في المقابل، فإن بإمكان المعارضة الاستفادة سياسياً من هذا الوضع، وخاصة مع تقديمها مرشحاً يتمتع بخبرات عالية ومتراكمة، بالنظر إلى تاريخه السياسي وممارسته العملية الانتخابية أكثر من مرة، ناهيك من خسارته في المرة الأخيرة بفارق قليل جداً عن الرئيس الحالي». ووفق همّت، فإن فرص فوز ماهاما بالرئاسة «مقدرة جداً وعالية».

السعي إلى القروض

تسعى غانا للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها المنهك. وفي هذا الصدد، قال وزير الدولة بوزارة المالية محمد أمين آدم إن «غانا تتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي على شريحة أولى من القروض بقيمة 600 مليون دولار». وهنا يرى همّت أن «الشروط الدولية التي تتبع الحصول على مثل هذه القروض، تتنافى مع الميل الاشتراكي للحزب الحاكم حالياً؛ الأمر الذي يتوقع أن يؤثر على شعبيته لصالح المعارضة».

للعلم، كان حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي»، قد اختار وبغالبية ساحقة ماهاما زعيماً له ومرشحاً عنه في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُجرى في ديسمبر (كانون الأول) 2024. ووفق بيان مفوضية الانتخابات في منتصف مايو (أيار) 2023، فإن ماهاما (64 سنة) حصل على 297603 صوتاً وهو ما يمثل 98.9 في المائة من الأصوات، في حين حصل منافسه عمدة مدينة كوماسي السابق كوجو بونسو على 1.1 في المائة فقط.

ويتمتع ماهاما بتاريخ سياسي عريق، فبخلاف رئاسته السابقة للبلاد، شغل منصب نائب رئيس غانا من 2009 وحتى 2012، كما كان عضواً في البرلمان من 1997 حتى 2009، ووزير الاتصالات من 1998 إلى 2001. وهو يعدّ من السياسيين الناشطين على الساحة الأفريقية؛ إذ سبق أن عُيّن من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «ممثلاً أعلى» في الصومال، واختير رئيساً لمجلس إدارة منتدى «تانا»، وغيرها من المناصب القيادية القارية.

هذا، بعد وقت قصير من إعلان النتيجة، قال ماهاما معلقاً على اختياره «أشعر بالتواضع من التصويت الساحق على الثقة الذي منحني إياه الحزب... دعونا نحافظ على أنظارنا الجماعية بحزم بشأن الهدف الأسمى لمؤتمر الحوار الوطني: إنقاذ غانا وإخراجها من الهاوية الحالية التي نجد بلادنا فيها». وما يجدر ذكره أنه من المقرر أن يختار الحزب الحاكم مرشحه في وقت لاحق من هذا العام.

صورة أفضل أفريقياً

على النقيض من الرئيس الحالي أنانا أكوفو أدو، الذي تسبب في «تشويه سمعة غانا التاريخية في أفريقيا بسبب وقوفه إلى جانب السياسات الغربية»، كما قال لـ«الشرق الأوسط» محمد الأمين سوادغو، المحلل البوركينابي والخبير بالشؤون الأفريقية، فإن ماهاما «قد يقدّم صورة أفضل لغانا في أفريقيا؛ فبرامجه السياسية طموحة وجيدة... وتتمتع باستقلالية تامة عن السياسية الغربية والمشروع الاستعماري الحديث في أفريقيا».

ويعتقد سوادغو أن أكوفو أدو «خيّب ظن كثرة من الأفارقة بإحجامه عن دعم الحركات الثورية الصاعدة ضد السياسات الغربية الاستغلالية في غرب أفريقيا؛ وهي منطقة تعاني من مختلف التشكيلات المسلحة الإرهابية، بل سبق أن أطلق تصريحات مستفزة ضد السلطة في مالي وبوركينا فاسو خدمة للتوجه الغربي في هذَين البلدَين».

وقال أكوفو أدو خلال «قمة الولايات المتحدة وأفريقيا» في ديسمبر 2022 «إن بوركينا فاسو توصّلت إلى اتفاق مع مرتزقة (فاغنر) لمحاربة الجماعات المسلحة (في منطقة الساحل والصحراء) مقابل تشغيل منجم»، وهو كلام أثار أزمة سياسية كبيرة بين البلدين، ونفت حكومة بوركينا فاسو الأمر واستدعت سفير غانا لديها لتقديم شكوى له؛ لأنه لا وجود لمسلحي «فاغنر» الروس حالياً في بوركينا فاسو، فاعتذرت غانا على الأثر لبوركينا فاسو عن هذه المسالة.

وحقاً، يرى بعض الشباب في غانا وبوركينا فاسو ومالي أن اكوفو أدو «لا يعمل لاستقلال غانا وعموم أفريقيا بقدر ما يسعى لخدمة مصالحه الشخصية وترسيخ الجبهة الغربية في أفريقيا على بناء وتقدم أفريقيا»، كما يقول سوادغو.

نشأة سياسيةجون ماهاما، الذي يرفع شاعر «التغيير» في حملته الانتخابية، على أساس أن «العالم يتغير بسرعة كبيرة... ولا يمكن أن تستمر غانا في البقاء على حالها»، نشأ في بيئة سياسية مميزة، أهّلته لما أصبح فيه الآن. فقد ولد يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو، التي كانت آنذاك عاصمة منطقة غرب غونجا في المنطقة الشمالية من غانا. وكان والده إيمانويل أداما ماهاما، مزارع أرز وعضواً بارزاً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وأول مفوض إقليمي للمنطقة الشمالية تحت قيادة أول زعيم لغانا الرئيس السابق والزعيم الاستقلالي كوامي نكروما.

أمضى ماهاما السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا للعيش مع والده، الذي أشبعه بشغف قوي بالتعليم. وبالفعل تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وهنا يقول عن نفسه إنه اعتاد آنذاك على «الدفاع عن الأطفال الآخرين من المتنمّرين عليهم»، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي.

ويشير موقعه الانتخابي، إلى حصوله لاحقاً على القبول في جامعة غانا، الجامعة الأولى في البلاد، حيث حصل على شهادة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981. وبعد حصوله على البكالوريوس، عاد ماهاما إلى تامالي، حيث عمل في تدريس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية، إلى أن أجبره الوضع السياسي والاقتصادي في غانا على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان في المنفى.

وفي عام 1983 عاد برغبة قوية في بناء جسور بين الناس من خلال التواصل؛ لذلك التحق ببرنامج الدراسات العليا في دراسات الاتصالات في جامعة غانا. وعقب تخرجه عام 1986 ذهب ماهاما إلى موسكو، عاصمة الاتحاد السوفياتي السابق، ودرس هناك في «معهد العلوم الاجتماعية» المرموق، وفيه حصل على دبلوم الدراسات العليا في علم النفس الاجتماعي في العام 1988. وأثناء وجوده في موسكو، بدأ في الانقلاب على «الفكر الاشتراكي» وأخذت أفكاره تدعو إلى التحول بعيداً عن العقائد الأيديولوجية.

تدرج وظيفي... ونجاحات لافتة

كان العام 1996 هو موعد دخول جون ماهاما السياسة الغانية، حين انضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC)، المحسوب على يسار الوسط. ونظراً لنشاطه الحزبي وخبرته انتُخب نائباً في البرلمان الغاني لتمثيل دائرة بول - بامبوي الانتخابية لمدة أربع سنوات. وأعيد انتخابه في انتخابات عامي 2000 و2004.

خلال هذه الفترة، عُيّن نائباً لوزير الاتصالات عام 1997، وأصبح وزيراً للاتصالات من عام 1998 حتى عام 2001. وأثناء عمله وزيراً للاتصالات، تولّى ماهاما أيضاً رئاسة الهيئة الوطنية للاتصالات، ولعب دوراً رئيسياً في استقرار وتحويل قطاع الاتصالات في غانا.

في يوليو (تموز) 2012، وعندما كان ماهاما نائباً للرئيس، خلف رئيسه الذي وافته المنية يوم 24 يوليو من ذلك العام، وانتخب في ديسمبر 2012 رئيساً للجمهورية لأول فترة مدتها أربع سنوات. وهكذا صنع التاريخ السياسي من خلال أن يصبح أول رئيس دولة غاني يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

ووفق بيانات رسمية، نشرتها الرئاسة الغانية، شهدت خلال فترة رئاسته تحولات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية. فعام 2012، كانت درجة غانا في مؤشر الديمقراطية 6.02، وتحتل المرتبة الـ78 في العالم. ولكن في عام 2016، عندما ترك منصبه، كانت نتيجة غانا 6.75؛ ما وضعها في المرتبة الـ54 في العالم - وجعلها خامس أكثر دولة ديمقراطية في أفريقيا.

ومن ناحية ثانية، يشير برنامج ماهاما الانتخابي إلى أنه لطالما كان «موحّداً، متجاوزاً للسياسة القبلية، ومؤيداً قوياً للتعليم العام للجميع، كما أنه صاحب رؤية، يسعى إلى تطوير غانا».

لقد رفعت رئاسة ماهاما ترتيب غانا في المؤشر المتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة من المركز الـ71 في العالم في عام 2012 إلى المرتبة الـ59 في العالم في عام 2016. وبالقدر نفسه من الأهمية، ارتفع ترتيب غانا في عهده على صعيد حرية الصحافة من المرتبة الـ41 في عام 2012 إلى المرتبة الـ26 في عام 2016؛ ما جعل غانا بطلة عالمية للصحافة الحرة.

وفي تالمقابل، انخفض معدل البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة خلال عام 2016. وانخفض معدل اللامساواة البشرية من 31.9 في عام 2012 إلى 28.8 في عام 2016. وانخفض معدل اللاالمساواة في التعليم من 40.9 في المائة في عام 2012 إلى 34.9 في المائة في عام 2016.

وراهناً، يهتم المرشح الرئاسي الغاني بموضوع تلوث البيئة، وتحديداً التلوث بالبلاستيك في أفريقيا، وقد ساهم في معالجة هذه المشكلة عندما كان نائب لرئيس الجمهورية. وفي كتابه الأول، الذي صدر يوم 3 يوليو 2012، بعنوان «أول انقلاباتي وقصص صادقة أخرى من العقود الضائعة في أفريقيا»، يتذكر ماهاما في فصله الأول ذلك اليوم من عام 1966 عندما علم بإطاحة كوامي نكروما، الرئيس الاستقلالي المؤسس لغانا، في انقلاب عسكري: يقول ماهاما «عندما ألقي نظرة على حياتي، من الواضح لي أن هذه اللحظة كانت بمثابة إيقاظ وعيي... لقد غيّرت حياتي وأثرت في كل اللحظات التي تلت ذلك».

معارك رئاسية سابقة

في انتخابات عام 2012، فاز جون ماهاما بنسبة 50.70 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة المُدلى بها، بهامش فوز 3 في المائة على أقرب منافسيه نانا أكوفو أدو من حزب المعارضة (يمين الوسط) الرئيس آنذاك، الذي حصل على 47.74 في المائة تقريباً. كان هذا بالكاد يكفي للفوز بالرئاسة دون الحاجة إلى جولة الإعادة.

عقب ذلك سعى ماهاما لولاية ثانية كاملة في الانتخابات العامة خلال ديسمبر 2016. وكان مؤهلاً لولاية ثانية كاملة منذ أن صعد إلى الرئاسة مع بقاء ستة أشهر فقط خلال ولاية أتا ميلز. وبموجب الدستور الغاني يُسمح لنائب الرئيس الذي يصعد إلى الرئاسة بالترشح لفترتين كاملتين. لكنه هُزم أمام الرئيس الحالي أكوفو أدو بعد حصوله على 44.4 في المائة من الأصوات فقط.

بعدها، في 4 ديسمبر 2020، وقع ماهاما أكوفو أدو، الذي واجهه في الانتخابات الرئاسية الغانية عامي 2012 و2016 «اتفاق سلام» لضمان السلام قبل وأثناء وبعد انتخابات 7 ديسمبر، وبالفعل فاز أكوفو أدو في الانتخابات بنسبة 51.6 في المائة من الأصوات.

وتعبيراً عن «روحه الرياضية» وتقبله الهزيمة، أجرى ماهاما جولة أطلق عليها اسم «جولة الشكر» في أغسطس (آب) 2021، لشكر الغانيين على التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

نشاط أفريقي

استمراراً لتوسيع اهتمام ماهاما ومشاركته في الشؤون الدولية، أصبح عام 2003 عضواً في برلمان عموم أفريقيا، حيث شغل منصب رئيس تجمع غرب أفريقيا حتى عام 2011. وكان أيضاً عضواً في البرلمانات الأوروبية والبرلمانات الإفريقية المخصصة ولجنة التعاون. وفي عام 2005، عُيّن، بالإضافة إلى ذلك، الناطق باسم الأقليات للشؤون الخارجية. وهو اليوم عضو في اللجنة الاستشارية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن حل النزاعات في غانا.

كذلك في 30 مارس 2014، انتخب ماهاما لرئاسة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي 26 يونيو 2014، انتخب رئيساً للجنة التجارة الأفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي. وفي 21 يناير 2016 بمناسبة «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، أصبح ماهاما الرئيس المشارك لمجموعة مناصري أهداف التنمية المستدامة التي تتكون من 17 شخصية بارزة تساعد الأمين العام للأمم المتحدة في حملة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي اعتمدها قادة العالم بالإجماع في سبتمبر 2015. وبتفويض لدعم الأمين العام في جهوده لتوليد الزخم والالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

أخيراً، في ديسمبر 2016، كان ماهاما جزءاً من فريق الوساطة التابع لـ«المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» لحل المأزق السياسي الذي أعقب الانتخابات في غامبيا بين الرئيس المهزوم يحيى جامح ومنافسه الفائز المعلن آدم بارو. ثم في فبراير 2017 ، حصل ماهاما على جائزة «القائد السياسي الأفريقي لعام 2016» من مجلة القيادة الأفريقية في جنوب أفريقيا.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».