جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

الرئيس السابق قدّمته المعارضة لانتخابات 2024

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»
TT

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

يراهن حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» المعارض الرئيس في غانا، على خبرات الرئيس السابق والسياسي المخضرم جون ماهاما؛ من أجل الوصول للحكم، وذلك بتقديمه مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام المقبل. هذه ستغدو المرة الثالثة التي يترشح فيها ماهاما لأعلى منصب في غانا، إحدى أكثر الديمقراطيات استقراراً في غرب أفريقيا؛ إذ سبق لماهاما أن تولى رئاسة جمهورية غانا في يوليو (تموز) 2012، في أعقاب الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل جون أتا ميلز، وكان نائب الرئيس آنذاك. وبعد ذلك فاز في الانتخابات في وقت لاحق من ذلك العام، ولطالما سعى إلى «فرصة ثانية»، تمكنه من تطبيق أفكاره، بيد أنه خسر مرتين متتاليتين أمام الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو في انتخابات عامي 2016 و2020 بفارق ضئيل.

لم يسبق لأي حزب في غانا منذ نحو 30 سنة، أن فاز بأكثر من ولايتين متتاليتين. وراهناً تعوّل المعارضة على خبرة الرئيس السابق جون ماهاما في الفوز وتحقيق تطلعات الغانيين، خاصة ما يتعلق بالخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، كما يشير الدكتور عبد المنعم همّت، المحلل السياسي السوداني والخبير بالشأن الأفريقي.

يقول همّت لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «تمرّ غانا، صاحبة الديمقراطية الراسخة والمستقرة، حالياً بأزمة اقتصادية معقدة جداً لم تشهدها منذ نحو 30 سنة، متمثلة في ديون اقتصادية وغلاء في المعيشة وانخفاض في قيمة العملة وتضاؤل للاحتياطي النقدي بشكل عام. هذا الوضع أثر سلباً بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، وفرض على الحكومة اللجوء للاقتراض من الخارج؛ الأمر الذي سيكون له انعكاسات صعبة على فرص الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة». وأردف «في المقابل، فإن بإمكان المعارضة الاستفادة سياسياً من هذا الوضع، وخاصة مع تقديمها مرشحاً يتمتع بخبرات عالية ومتراكمة، بالنظر إلى تاريخه السياسي وممارسته العملية الانتخابية أكثر من مرة، ناهيك من خسارته في المرة الأخيرة بفارق قليل جداً عن الرئيس الحالي». ووفق همّت، فإن فرص فوز ماهاما بالرئاسة «مقدرة جداً وعالية».

السعي إلى القروض

تسعى غانا للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها المنهك. وفي هذا الصدد، قال وزير الدولة بوزارة المالية محمد أمين آدم إن «غانا تتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي على شريحة أولى من القروض بقيمة 600 مليون دولار». وهنا يرى همّت أن «الشروط الدولية التي تتبع الحصول على مثل هذه القروض، تتنافى مع الميل الاشتراكي للحزب الحاكم حالياً؛ الأمر الذي يتوقع أن يؤثر على شعبيته لصالح المعارضة».

للعلم، كان حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي»، قد اختار وبغالبية ساحقة ماهاما زعيماً له ومرشحاً عنه في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُجرى في ديسمبر (كانون الأول) 2024. ووفق بيان مفوضية الانتخابات في منتصف مايو (أيار) 2023، فإن ماهاما (64 سنة) حصل على 297603 صوتاً وهو ما يمثل 98.9 في المائة من الأصوات، في حين حصل منافسه عمدة مدينة كوماسي السابق كوجو بونسو على 1.1 في المائة فقط.

ويتمتع ماهاما بتاريخ سياسي عريق، فبخلاف رئاسته السابقة للبلاد، شغل منصب نائب رئيس غانا من 2009 وحتى 2012، كما كان عضواً في البرلمان من 1997 حتى 2009، ووزير الاتصالات من 1998 إلى 2001. وهو يعدّ من السياسيين الناشطين على الساحة الأفريقية؛ إذ سبق أن عُيّن من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «ممثلاً أعلى» في الصومال، واختير رئيساً لمجلس إدارة منتدى «تانا»، وغيرها من المناصب القيادية القارية.

هذا، بعد وقت قصير من إعلان النتيجة، قال ماهاما معلقاً على اختياره «أشعر بالتواضع من التصويت الساحق على الثقة الذي منحني إياه الحزب... دعونا نحافظ على أنظارنا الجماعية بحزم بشأن الهدف الأسمى لمؤتمر الحوار الوطني: إنقاذ غانا وإخراجها من الهاوية الحالية التي نجد بلادنا فيها». وما يجدر ذكره أنه من المقرر أن يختار الحزب الحاكم مرشحه في وقت لاحق من هذا العام.

صورة أفضل أفريقياً

على النقيض من الرئيس الحالي أنانا أكوفو أدو، الذي تسبب في «تشويه سمعة غانا التاريخية في أفريقيا بسبب وقوفه إلى جانب السياسات الغربية»، كما قال لـ«الشرق الأوسط» محمد الأمين سوادغو، المحلل البوركينابي والخبير بالشؤون الأفريقية، فإن ماهاما «قد يقدّم صورة أفضل لغانا في أفريقيا؛ فبرامجه السياسية طموحة وجيدة... وتتمتع باستقلالية تامة عن السياسية الغربية والمشروع الاستعماري الحديث في أفريقيا».

ويعتقد سوادغو أن أكوفو أدو «خيّب ظن كثرة من الأفارقة بإحجامه عن دعم الحركات الثورية الصاعدة ضد السياسات الغربية الاستغلالية في غرب أفريقيا؛ وهي منطقة تعاني من مختلف التشكيلات المسلحة الإرهابية، بل سبق أن أطلق تصريحات مستفزة ضد السلطة في مالي وبوركينا فاسو خدمة للتوجه الغربي في هذَين البلدَين».

وقال أكوفو أدو خلال «قمة الولايات المتحدة وأفريقيا» في ديسمبر 2022 «إن بوركينا فاسو توصّلت إلى اتفاق مع مرتزقة (فاغنر) لمحاربة الجماعات المسلحة (في منطقة الساحل والصحراء) مقابل تشغيل منجم»، وهو كلام أثار أزمة سياسية كبيرة بين البلدين، ونفت حكومة بوركينا فاسو الأمر واستدعت سفير غانا لديها لتقديم شكوى له؛ لأنه لا وجود لمسلحي «فاغنر» الروس حالياً في بوركينا فاسو، فاعتذرت غانا على الأثر لبوركينا فاسو عن هذه المسالة.

وحقاً، يرى بعض الشباب في غانا وبوركينا فاسو ومالي أن اكوفو أدو «لا يعمل لاستقلال غانا وعموم أفريقيا بقدر ما يسعى لخدمة مصالحه الشخصية وترسيخ الجبهة الغربية في أفريقيا على بناء وتقدم أفريقيا»، كما يقول سوادغو.

نشأة سياسيةجون ماهاما، الذي يرفع شاعر «التغيير» في حملته الانتخابية، على أساس أن «العالم يتغير بسرعة كبيرة... ولا يمكن أن تستمر غانا في البقاء على حالها»، نشأ في بيئة سياسية مميزة، أهّلته لما أصبح فيه الآن. فقد ولد يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو، التي كانت آنذاك عاصمة منطقة غرب غونجا في المنطقة الشمالية من غانا. وكان والده إيمانويل أداما ماهاما، مزارع أرز وعضواً بارزاً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وأول مفوض إقليمي للمنطقة الشمالية تحت قيادة أول زعيم لغانا الرئيس السابق والزعيم الاستقلالي كوامي نكروما.

أمضى ماهاما السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا للعيش مع والده، الذي أشبعه بشغف قوي بالتعليم. وبالفعل تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وهنا يقول عن نفسه إنه اعتاد آنذاك على «الدفاع عن الأطفال الآخرين من المتنمّرين عليهم»، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي.

ويشير موقعه الانتخابي، إلى حصوله لاحقاً على القبول في جامعة غانا، الجامعة الأولى في البلاد، حيث حصل على شهادة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981. وبعد حصوله على البكالوريوس، عاد ماهاما إلى تامالي، حيث عمل في تدريس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية، إلى أن أجبره الوضع السياسي والاقتصادي في غانا على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان في المنفى.

وفي عام 1983 عاد برغبة قوية في بناء جسور بين الناس من خلال التواصل؛ لذلك التحق ببرنامج الدراسات العليا في دراسات الاتصالات في جامعة غانا. وعقب تخرجه عام 1986 ذهب ماهاما إلى موسكو، عاصمة الاتحاد السوفياتي السابق، ودرس هناك في «معهد العلوم الاجتماعية» المرموق، وفيه حصل على دبلوم الدراسات العليا في علم النفس الاجتماعي في العام 1988. وأثناء وجوده في موسكو، بدأ في الانقلاب على «الفكر الاشتراكي» وأخذت أفكاره تدعو إلى التحول بعيداً عن العقائد الأيديولوجية.

تدرج وظيفي... ونجاحات لافتة

كان العام 1996 هو موعد دخول جون ماهاما السياسة الغانية، حين انضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC)، المحسوب على يسار الوسط. ونظراً لنشاطه الحزبي وخبرته انتُخب نائباً في البرلمان الغاني لتمثيل دائرة بول - بامبوي الانتخابية لمدة أربع سنوات. وأعيد انتخابه في انتخابات عامي 2000 و2004.

خلال هذه الفترة، عُيّن نائباً لوزير الاتصالات عام 1997، وأصبح وزيراً للاتصالات من عام 1998 حتى عام 2001. وأثناء عمله وزيراً للاتصالات، تولّى ماهاما أيضاً رئاسة الهيئة الوطنية للاتصالات، ولعب دوراً رئيسياً في استقرار وتحويل قطاع الاتصالات في غانا.

في يوليو (تموز) 2012، وعندما كان ماهاما نائباً للرئيس، خلف رئيسه الذي وافته المنية يوم 24 يوليو من ذلك العام، وانتخب في ديسمبر 2012 رئيساً للجمهورية لأول فترة مدتها أربع سنوات. وهكذا صنع التاريخ السياسي من خلال أن يصبح أول رئيس دولة غاني يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

ووفق بيانات رسمية، نشرتها الرئاسة الغانية، شهدت خلال فترة رئاسته تحولات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية. فعام 2012، كانت درجة غانا في مؤشر الديمقراطية 6.02، وتحتل المرتبة الـ78 في العالم. ولكن في عام 2016، عندما ترك منصبه، كانت نتيجة غانا 6.75؛ ما وضعها في المرتبة الـ54 في العالم - وجعلها خامس أكثر دولة ديمقراطية في أفريقيا.

ومن ناحية ثانية، يشير برنامج ماهاما الانتخابي إلى أنه لطالما كان «موحّداً، متجاوزاً للسياسة القبلية، ومؤيداً قوياً للتعليم العام للجميع، كما أنه صاحب رؤية، يسعى إلى تطوير غانا».

لقد رفعت رئاسة ماهاما ترتيب غانا في المؤشر المتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة من المركز الـ71 في العالم في عام 2012 إلى المرتبة الـ59 في العالم في عام 2016. وبالقدر نفسه من الأهمية، ارتفع ترتيب غانا في عهده على صعيد حرية الصحافة من المرتبة الـ41 في عام 2012 إلى المرتبة الـ26 في عام 2016؛ ما جعل غانا بطلة عالمية للصحافة الحرة.

وفي تالمقابل، انخفض معدل البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة خلال عام 2016. وانخفض معدل اللامساواة البشرية من 31.9 في عام 2012 إلى 28.8 في عام 2016. وانخفض معدل اللاالمساواة في التعليم من 40.9 في المائة في عام 2012 إلى 34.9 في المائة في عام 2016.

وراهناً، يهتم المرشح الرئاسي الغاني بموضوع تلوث البيئة، وتحديداً التلوث بالبلاستيك في أفريقيا، وقد ساهم في معالجة هذه المشكلة عندما كان نائب لرئيس الجمهورية. وفي كتابه الأول، الذي صدر يوم 3 يوليو 2012، بعنوان «أول انقلاباتي وقصص صادقة أخرى من العقود الضائعة في أفريقيا»، يتذكر ماهاما في فصله الأول ذلك اليوم من عام 1966 عندما علم بإطاحة كوامي نكروما، الرئيس الاستقلالي المؤسس لغانا، في انقلاب عسكري: يقول ماهاما «عندما ألقي نظرة على حياتي، من الواضح لي أن هذه اللحظة كانت بمثابة إيقاظ وعيي... لقد غيّرت حياتي وأثرت في كل اللحظات التي تلت ذلك».

معارك رئاسية سابقة

في انتخابات عام 2012، فاز جون ماهاما بنسبة 50.70 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة المُدلى بها، بهامش فوز 3 في المائة على أقرب منافسيه نانا أكوفو أدو من حزب المعارضة (يمين الوسط) الرئيس آنذاك، الذي حصل على 47.74 في المائة تقريباً. كان هذا بالكاد يكفي للفوز بالرئاسة دون الحاجة إلى جولة الإعادة.

عقب ذلك سعى ماهاما لولاية ثانية كاملة في الانتخابات العامة خلال ديسمبر 2016. وكان مؤهلاً لولاية ثانية كاملة منذ أن صعد إلى الرئاسة مع بقاء ستة أشهر فقط خلال ولاية أتا ميلز. وبموجب الدستور الغاني يُسمح لنائب الرئيس الذي يصعد إلى الرئاسة بالترشح لفترتين كاملتين. لكنه هُزم أمام الرئيس الحالي أكوفو أدو بعد حصوله على 44.4 في المائة من الأصوات فقط.

بعدها، في 4 ديسمبر 2020، وقع ماهاما أكوفو أدو، الذي واجهه في الانتخابات الرئاسية الغانية عامي 2012 و2016 «اتفاق سلام» لضمان السلام قبل وأثناء وبعد انتخابات 7 ديسمبر، وبالفعل فاز أكوفو أدو في الانتخابات بنسبة 51.6 في المائة من الأصوات.

وتعبيراً عن «روحه الرياضية» وتقبله الهزيمة، أجرى ماهاما جولة أطلق عليها اسم «جولة الشكر» في أغسطس (آب) 2021، لشكر الغانيين على التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

نشاط أفريقي

استمراراً لتوسيع اهتمام ماهاما ومشاركته في الشؤون الدولية، أصبح عام 2003 عضواً في برلمان عموم أفريقيا، حيث شغل منصب رئيس تجمع غرب أفريقيا حتى عام 2011. وكان أيضاً عضواً في البرلمانات الأوروبية والبرلمانات الإفريقية المخصصة ولجنة التعاون. وفي عام 2005، عُيّن، بالإضافة إلى ذلك، الناطق باسم الأقليات للشؤون الخارجية. وهو اليوم عضو في اللجنة الاستشارية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن حل النزاعات في غانا.

كذلك في 30 مارس 2014، انتخب ماهاما لرئاسة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي 26 يونيو 2014، انتخب رئيساً للجنة التجارة الأفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي. وفي 21 يناير 2016 بمناسبة «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، أصبح ماهاما الرئيس المشارك لمجموعة مناصري أهداف التنمية المستدامة التي تتكون من 17 شخصية بارزة تساعد الأمين العام للأمم المتحدة في حملة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي اعتمدها قادة العالم بالإجماع في سبتمبر 2015. وبتفويض لدعم الأمين العام في جهوده لتوليد الزخم والالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

أخيراً، في ديسمبر 2016، كان ماهاما جزءاً من فريق الوساطة التابع لـ«المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» لحل المأزق السياسي الذي أعقب الانتخابات في غامبيا بين الرئيس المهزوم يحيى جامح ومنافسه الفائز المعلن آدم بارو. ثم في فبراير 2017 ، حصل ماهاما على جائزة «القائد السياسي الأفريقي لعام 2016» من مجلة القيادة الأفريقية في جنوب أفريقيا.



مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.