قانون الهجرة الفرنسي في طريق مسدودة... والحكومة تسعى لكسب رضا الشارع

مأزق ماكرون بين يمين متشدّد ويسار منفتح

تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
TT

قانون الهجرة الفرنسي في طريق مسدودة... والحكومة تسعى لكسب رضا الشارع

تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)

التذمر من المهاجرين وقلة الترحيب بهم، اللذان ارتبطا في العادة بالفرنسيين ذوي التوجه اليميني، غدوا اليوم يطولان كل الأطياف السياسية > أمام تراجع الحكومة الفرنسية وإعلانها عن تأجيل مشروع الهجرة، بدأ تيار اليمين تصعيد لهجة النقد تجاه الحكومة، علماً بأن كثرة من عناصره كانوا قد أعربوا منذ الإعلان عن المشروع عن رفضهم القاطع للقانون بصيغته الحالية.

إيريك سيوتي، رئيس كتلة اليمين الجمهوري، وصف قانون الهجرة بأنه «مجموعة من الإجراءات التافهة»، داعياً إلى إجراء استفتاء، قبل أن يقدم الجمهوريون نصّهم الخاص. إذ قال: «يجب أن نخرج من هذه الإجراءات التافهة... تدفق المهاجرين يتزايد باستمرار. يجب تغيير الإطار القانوني، وللوصول إلى ذلك نحتاج إلى إصلاحات دستورية». وتطرّق سيوتي إلى النقاط التي يختلف فيها تنظيمه السياسي مع الحكومة، وذكر أن أهمها؛ إغلاق أبواب الهجرة بالكامل، ومنع كل أشكال المساعدات على المهاجرين غير القانونيين، وفرض فترة انتظار قبل منح المهاجرين الشرعيين حق الحصول على إعانات اجتماعية، ودراسة ملفات اللجوء عند الحدود. كذلك دعا اليمين إلى إعادة النظر في قانون الجنسية وتشديد إجراءات الحصول عليها للأجانب.

في المقابل، وباستثناء التدابير الإنسانية التقليدية، لم يقترح اليسار أي مبادرة ملموسة، بل اكتفى بالتنديد بما عدّه إجراءات «عبثية» لا تعالج المشكلة من جذورها بقدر ما تحثّ على «الصيد في أراضي اليمين المتطرف». ولكن رغم ذلك، يبدو البعض مصراً على إحداث تغيير، مع إقحام اليسار في النقاش بعدما تُرك ملف الهجرة منذ البداية لليمين واليمين المتطرف. وضمن هذا الإطار، صرّح زعيم الاشتراكيين أوليفييه فور على صفحات صحيفة «لو موند» معلقاً: «علينا الانتباه وألا نبتعد عن الفرنسيين... خصوصاً الطبقة المتوسطة، التي تبدو وكأنها تطالب الحكومة بصرامة أكبر في التعامل مع الهجرة».

جيرار دارمانان (إ.ب.أ)

وسط هذا الجدل، أدلى أرباب العمل، خاصة أصحاب المطاعم وشركات البناء، بدلوهم من الناحية المطلبية، فطالبوا الحكومة بتسوية غير مشروطة لأوضاع كل العمال. فقد دعا آلان فونتين، رئيس جمعية أصحاب المطاعم، صراحة «إلى وقف النفاق، لأن الكل يعلم أن كثيراً من القطاعات الاقتصادية تعتمد على المهاجرين». وذكّر أن أكثر من 26 في المائة من الطبّاخين الذين يعملون في منطقة «إيل دو فرانس»، التي تضم العاصمة باريس وضواحيها، هم من المهاجرين. والمشكلة، كما يقول فونتين، تتفاقم في قطاع البناء حيث يشكّل المهاجرون نسبة 75 في المائة من العاملين فيه. ومن ثم يوضح فونتان، شارحاً: «حين ننشر عرضاً لوظيفة في قطاع المطاعم، فمن النادر جداً أن نتلقى طلبات من فرنسيين متأصلين، بل إن معظم المتقدمين من المهاجرين الذين تأهلوا مهنياً في مراكز ومدارس فرنسية، وهم مستعدون للعمل، فلماذا يُمنعون من ذلك؟ هل يريد البعض لاقتصادنا أن ينهار؟».

نقاط الخلاف بين اليمين واليسار

وُصف موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مسألة الهجرة منذ 2017 بـ«المتقلب». إذ يُذكِّر المراقبون بأنه كان أول المُصفقين لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حين شجّعت دخول المهاجرين إلى ألمانيا عام 2015، بيد أنه سرعان ما غيّر موقفه وأظهر صرامة أكبر ضد مدّ اللجوء والهجرة بعد وصوله إلى قصر الإليزيه الرئاسي.

ورغم أن ملف الهجرة يعود للواجهة في كل الحملات الانتخابية في فرنسا، فإنه كان موضع نقاش حاد بين الرئيس ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إبان الانتخابات الرئاسية السابقة. وللعلم، خلافاً للرئيس السابق فرنسوا هولاند، وضع ماكرون ملف الهجرة في قائمة اهتماماته ووعد بترتيب وإعادة تعديل الإطار القانوني بطريقة جذرية بالتنسيق مع شركائه الأوروبيين. فلماذا قانون جديد الآن، خاصة أن فرنسا قد ناقشت 29 مشروعاً لتعديل قوانين الهجرة منذ 1980؟

الإجابة حسب ديدييه ليشي، مدير الديوان الوطني الفرنسي للهجرة، «تكمن في التّوجه السائد في أوروبا». وفي فرنسا، على غرار باقي الدول الأوروبية المعروفة بتقليد قديم في استقبال المهاجرين، بات هناك توجّه عام نحو إعادة النظر في سياسات الهجرة، وبالأخص إزاء صعود الحركات الشعبوية وتفاقم الأزمات الاقتصادية. مثل هذه الأمثلة نجدها اليوم في ألمانيا وإسبانيا وهولندا وبريطانيا، حتى السويد... التي تبنّت طويلاً سياسة انفتاح واسعة تجاه الهجرة، فاستقبلت مثلاً عام 2015 أكثر من 136 ألف لاجئ مُنحوا حق الإقامة النهائية قبل أن تشدد حكومة تحالف اليسار والوسط - التي وصلت إلى الحكم في سبتمبر (أيلول) 2022 - إجراءات استقبال المهاجرين، وخاصة اللاجئين.

مع هذا، فإن فرنسا، بخلاف الدول الغربية الأخرى، لا تزال تحتفظ بمعدّلات دخول ثابتة من المهاجرين. وهي تستقبل حسب إحصائيات الديوان الوطني الفرنسي للهجرة ما بين 200 إلى 220 ألف مهاجر جديد سنوياً، وهذه هي الحال منذ عدة سنوات، أياً كان توجّه الحكومة، يسارياً أو يمينياً أو وسطياً.

ثم إن فرنسا، رغم استقبالها حوالي 50 ألف لاجئ سنوياً، نجدها تحتل أسفل قائمة الدول فيما يخص استقبال اللاجئين. ومقارنة مع فرنسا، تركيا مثلاً استقبلت عام 2021 أكثر من 4 ملايين لاجئ، أما كندا أو النرويج فكانتا أسخى من يستقبل اللاجئين ويوفّر لهم ظروف إقامة «جيدة». أما الجديد عام 2022 فهو أن عدد الذين دخلوا الأراضي الفرنسية ببطاقة إقامة «طالب» قد فاق أعداد الهجرة العائلية، حيث وصل عدد بطاقات الإقامة التي منحت للطلبة عام 2022 حوالي 116 ألفاً، وهو رقم قياسي مقابل 80 ألف للتجمع العائلي. كذلك، فإن بطاقات الإقامة التي مُنحت بغرض «العمل» قد سجلت هي الأخرى ارتفاعاً أيضاً عام 2022، إذ بلغت 52 ألفاً.

تصاعد مشاعر التذمرالسبب الآخر الذي قد يفسّر الأهمية التي توليها الحكومة لمشروع قانون حول الهجرة يكمن في الضغوط التي يمارسها الرأي العام، الذي أضحى يعارض أكثر فأكثر قبول مزيد من المهاجرين. ولقد كشفت دراسة أخيرة لمعهد «إيفوب» عن أن 70 في المائة من الفرنسيين يعدّون اليوم أن بلدهم قد استقبل «عدداً كبيراً» من الأجانب، وبالتالي، صار من المستحسن التوقّف عند هذا الحد. وذكرت الدراسة نفسها أيضاً أن 61 في المائة من الفرنسيين باتوا يعدّون المهاجرين عبئاً اقتصادياً بالغاً على الحكومة، و80 في المائة مقتنعون بأن الهجرة قضية ما عاد من الممكن التكلم فيها بهدوء، لأن الموضوع يثير كثيراً من الحساسيات.

معهد «إيفوب» أشار أيضاً إلى أن كل الأرقام التي نشرت ماضية إلى ارتفاع، بالمقارنة مع الدراسة السابقة، التي أنجزها عام 2018، بنسبة تتراوح بين 6 إلى 8 نقاط. الأمر الذي يشير إلى وجود توجه نحو مشاعر أكثر سلبية تجاه المهاجرين.

إريك سيوتي (آ ف ب)

ثم إن التذمر من المهاجرين وقلة الترحيب بهم، اللذين ارتبطا في العادة بالفرنسيين ذوي التوجه اليميني، غدوا اليوم يطولان كل الأطياف السياسية. وهذا الجانب هو ما كشفت عنه دراسة أخرى أجراها معهد «جان جوريس» القريب من الحزب الاشتراكي. ولقد بيّنت هذه الدراسة أن فرنسياً واحداً من بين اثنين ممن يصوتون عادة لصالح اليسار يريد الآن قانوناً جديداً ينص على الحد من الهجرة، وأن فرنسياً واحداً من بين اثنين أيضاً يعتقد أنه يوجد الآن في فرنسا «عدد كبير» من الأجانب، وأن 8 من بين 10 فرنسيين ينتظرون من الحكومة صرامة أكبر مع المهاجرين غير القانونيين.

وأخيراً، أفادت دراسة ثالثة لمعهد «سي إس آي»، أجريت في أبريل المنصرم، بأن 82 في المائة من الفرنسيين يرحبون الآن بفكرة تسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير القانونيين.

تأجيل القانون إلى الخريف المقبلعودة إلى هموم الإليزيه، يقال إن مشروع «مراقبة الهجرة وتحسين الاندماج» كان موجوداً على مكتب الرئيس ماكرون منذ أشهر، قبل أن يقدمه وزير الداخلية جيرارد درمانان إلى مجلس الوزراء في الأول من فبراير (شباط) 2023 بغرض المناقشة.

نصّ مشروع القانون قُدم على أنه يحوي مجموعة من التدابير لتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ولا سيما ذوي السوابق العدلية، وتعديل نظام اللجوء، وتنظيم اندماج المهاجرين، وتسوية أوضاع أولئك الذين يعملون في القطاعات التي تعاني أزمة يد عاملة. وللعلم، صُمم مشروع قانون الهجرة في البداية لكسب تأييد اليمين الجمهوري الذي ازدادت عناصره تطرّفاً خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص فيما يتعلق بإشكاليات الهجرة. وفي الوقت نفسه، كانت ثمة مبادرة للحصول على تأييد اليسار الذي يندد منذ سنوات بتدهور شروط استقبال اللاجئين.

ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، ليغدو مشروع قانون الهجرة مأزقاً للحكومة وموضوعاً خلافياً بين كل هذه الأطراف، خصوصاً أن رئيسة الوزراء كانت قد لمّحت إلى احتمال اللجوء إلى قانون 49.3 للتصويت في حال الفشل في تكوين غالبية برلمانية. ولقد كان من المنتظر إعلان الحكومة الفرنسية عن تفاصيل أكثر دقة عن مشروع هذا القانون الذي يحمل اسم «مراقبة الهجرة وتحسين الاندماج»، الذي حضّره «مهندسه» جيرارد دارمانان، بمساعدة زميله وزير العمل أوليفييه دوسوبت، بيد أن رئيسة الوزراء إليزابيث بورن فاجأت الجميع بإعلان التأجيل خلال مؤتمرها الصحافي الذي عقدته يوم 26 أبريل المنصرم، مضيفة أنه سيصار إلى النظر في هذا المشروع خلال الخريف المقبل.

هذا التأجيل أثار غضب اليمين الذي كان يطالب بالتسريع في تعديل قانون الهجرة الفرنسية، بعدما برّرت رئيسة الوزراء هذا التأجيل بغياب غالبية برلمانية تسمح بالتصويت على هذه القوانين الجديدة. وهنا نذكر أن اليمين الفرنسي الذي قد يبدو كأحسن حليف للحكومة في هذا المشروع، تعرّض لانقسام في صفوفه بين مؤيد ومعارض لقانون تعديل المعاشات، ما أصاب هذه «الشراكة السياسية» بالتصّدع. وفي المقابل، بادرت الصحافة إلى التعليق على قرار التأجيل، معتبرة إياه محاولة «لتهدئة» النفوس وسط أجواء مشحونة بالسخط والغضب تجاه الحكومة.

بداية صعبة للمشروعفي الواقع، بدأ مشروع القانون رحلته البرلمانية في منتصف مارس (آذار) الماضي عندما عُرض على لجنة القوانين في مجلس الشيوخ. في حينه لم يوافق أعضاء مجلس الشيوخ على الصيغة الأولى لمشروع القانون، واقترحوا عدة تعديلات تتماشى مع بعض المواقف التاريخية لليمين المتطرّف، مثل؛ إلغاء المعونة الطبية التي تُمنح للمهاجرين غير الشرعيين، وتشديد منح الإقامة للمهاجرين بغرض لمّ شمل الأسر.

وعلى خلفية الحُمى السياسية والاجتماعية، ولمواجهة المقاومة التي اعترضت طريق القانون في مجلس الشيوخ، أعلن الرئيس ماكرون يوم 22 مارس 2023 أن نص مشروع القانون سيُقسم إلى عدة نصوص صغيرة، وأن الفكرة هي تمكين اليسار الفرنسي من التصويت على الجزء الخاص بدمج العمال المهاجرين، وفي الوقت ذاته تمكين اليمين من التصويت على الجزء الخاص بترحيل المهاجرين غير القانونيين. إلا أن المشروع عرف فشلاً آخر حين أعلن ماكرون في مداخلته التلفزيونية، التي أذيعت على الفرنسيين، أن مشروع قانون الهجرة سيدخل ضمن «خطة المائة يوم» التي دعا إليها بغرض تهدئة النفوس وإعادة ترتيب ملفات الإصلاحات إثر أجواء من الاحتجاجات والغضب الشعبي العارم بوجه إصلاح نظام المعاشات.

البعض فسّر هذا الإعلان على أنه بمثابة «تخلٍ» وانسحاب لماكرون من المعركة قبل بدايتها، ولو مؤقتاً. وفي اليوم التالي، أعلن وزير الداخلية دارمانان في وسائل الإعلام أن «الوصول إلى اتفاق مع اليمين الجمهوري بخصوص قانون الهجرة وارد». وبناءً عليه، فهو سيعيد عرض المشروع على مجلس الشيوخ الذي ينتمي غالبية أعضائه إلى اليسار والوسط، ولكن بعد إحداث بعض التغييرات.

دارمانان قال لقناة «إل سي آي» الإخبارية إنه سيقدم «نصاً قوياً واحداً» للمناقشة. ولمّح إلى أنه سيصار إلى التخلّي عن «تجزئة النصوص» التي اقترحها ماكرون، مؤكداً على أنه بدأ بمجموعة مشاورات مُكثفة مع عناصر من كتلة اليمين للوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، ويُمكن الحكومة من الحصول على غالبية برلمانية تسمح بتمرير القانون.

على ماذا ينصّ هذا القانون؟مشروع قانون الهجرة الجديد يتضمن شقّين متباينين؛ الجزء الأول يخص تشديد شروط الدخول والإقامة في فرنسا مع تسريع وتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. والجزء الثاني يهدف إلى تشجيع الهجرة الاقتصادية من خلال استحداث تصاريح للإقامة خاصة بالعمال الذين يشغلون وظائف في قطاعات تعاني من نقص اليد العاملة، كقطاعي البناء والمطاعم.

من جهته، قدّم وزير الداخلية دارمانان مشروع القانون على أنه مشروع «متوازن» لأنه - على لسانه - إنساني وصارم في آنٍ معاً. والحقيقة أن مشروع القانون أعطى أهمية كبرى لتعديل قانون الترحيل، وبالأخص الأجانب الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدة تعادل أو تفوق 10 سنوات، أما الغاية فهي تقليص نطاق الطعن في قرارات الترحيل الإجبارية، خصوصاً عندما يشكّل الأجانب المعنيون بالأمر خطراً على الأمن العام وسلامة المواطنين.

القرار يسعى أيضاً إلى إسقاط الحماية التي يحظى بها الأجانب الذين صدرت بحقهم أحكام بالترحيل غير أنها في الغالب لا تُنفذ، لأنهم يقيمون في فرنسا منذ مدة طويلة. وبين البنود بند يهتم بتعديل الإطار القانوني لطلبات اللجوء السياسي أو الإنساني، والهدف منه أولاً تقصير الآجال المخصصة لدراسة الطلبات إلى بضعة أسابيع بدل بضعة أشهر، وأحياناً سنوات، ومن جانب آخر صدّ الأجانب الذين يطلبون حق اللجوء من دون مبرّرات قوية.

كذلك، من البنود اللافتة في مشروع القانون، تسوية أوضاع العمال غير القانونيين، وهو الإجراء الذي ترى الحكومة أنه سيضفي «توازناً» ووجهاً أكثر «إنسانية» لنص القانون. ذلك أنها تنوي تسوية أوضاع العمال الموجودين في الأراضي الفرنسية منذ أكثر من 3 سنوات ومنحهم بطاقات إقامة يصار إلى تجديدها كل سنة بشرط أن يشغلوا وظائف في قطاعات مهنية تعاني أزمة توظيف. وهنا، يُخطّط القانون أيضاً لاستحداث بطاقة إقامة تدوم 4 سنوات خاصة بالعاملين في القطاع الصحي والحاصلين على شهاداتهم خارج المجموعة الأوروبية، خاصة أن فرنسا تعاني منذ سنوات من نقص خطر في عدد الأطباء والجراحين، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والممرّضين.

وفي سياق متصل، من بنود قانون الهجرة الأخرى ربط شرط الحصول على الإقامة بإتقان اللغة الفرنسية على المهاجرين الجدد، بينما لا يطلب منهم حالياً سوى المشاركة في تدريب قصير على اللغة. وهذا الإجراء حسب وزير الداخلية دارمانان سيتعلق بـ270 ألف شخص سيجتازون امتحان لغة فرنسية، وفي حالة إخفاقهم سترفض طلباتهم. وأخيراً، سيتضمن القانون اقتراحات بإبعاد المهاجرين القُصَّر، وهذه نقطة تعثرت في تناولها القوانين السابقة بسبب تصدّي المنظمات الإنسانية وجمعيات المهاجرين التي ترفض ترحيل القُصَّر وتطالب بحمايتهم.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.