> لا شك في أن اختيار رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز، وقيادة حزبه الاشتراكي فرانسينا آرمنغول لتولّي رئاسة البرلمان، جاء مدفوعاً بعلاقاتها الوطيدة مع الأحزاب والقوى القومية والانفصالية في إقليم كاتالونيا (قطالونية)، التي يعتمد بقاء حكومة سانتشيز الائتلافية على دعمها في البرلمان المركزي، وأيضاً لخبرتها في التحالف مع هذه القوى والأحزاب خلال تولّيها رئاسة الحكومة الإقليمية في جزر الباليار.
غير أن ذلك ينذر أيضاً بولاية اشتراعية متوترة، كما بدا بوضوح في الجلسة الافتتاحية للبرلمان، وخصوصاً أن الحزب الشعبي اليميني يعتبر تحالف الاشتراكيين مع القوى الانفصالية لتأمين الثقة البرلمانية مقابل إصدار عفو عن القيادات الانفصالية، بمثابة «خيانة عظمى» سياسية، أو في أفضل الأحوال «سرقة» لـ«إرادة الشعب» التي أعطت الحزب اليميني أكبر عدد من المقاعد. وبالفعل، منذ حصول سانتشيز على ثقة البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة، لجأ الحزب الشعبي، وحليفه «فوكس» اليميني المتطرف، إلى «تعبئة» شعبية مستمرة، وتنظيم تظاهرات حاشدة شِبه يومية أمام مقرّ الحزب الاشتراكي في العاصمة مدريد؛ احتجاجاً على قرار العفو عن القيادات الانفصالية، وصولاً إلى المطالبة بإلغاء تنصيب سانتشيز رئيساً للحكومة، وتكليف زعيم الحزب الشعبي ألبرتو فيخو بتشكيل حكومة جديدة.
ويتّضح من المشهد السياسي الإسباني، في ضوء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات العامة الأخيرة، أن آرمنغول ستكون بيدقاً أساسياً في سياسة سانتشيز وقدرته على الاحتفاظ بدعم الأحزاب القومية والانفصالية، دون الاضطرار لتقديم مزيد من التنازلات لها. كذلك يشكّل رهان سانتشيز على آرمنغول تعويضاً عن الهزائم التي أصابت الاشتراكيين في الانتخابات الأخيرة التي أدّت إلى فقدان الحزب قدراً كبيراً من نفوذه الإقليمي، إذ خسر 6 حكومات إقليمية، من أصل 9 كان يرأسها، من بينها حكومة جزر الباليار، التي كانت آرمنغول تطمح لرئاستها، للمرة الثالثة على التوالي.
ومن الملفات الأخرى الشائكة على مائدة الرئيسة الجديدة للبرلمان الإسباني، إلى جانب الملف الانفصالي، والعلاقة مع الأحزاب القومية - التي يعتمد بقاء الحكومة وبقاء آرمنغول في منصبها على دعمها - ملفّ الحرب الدائرة في غزّة، والانقسام الواضح الذي بدأت تُحدثه في المواقف منها بين الأحزاب الممثلة في البرلمان.
ولقد انفردت إسبانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حتى نهاية السنة الجارية، عن شركائها الأوروبيين بتوجيه انتقادات مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية؛ لقلة اكتراثها بقواعد القانون الإنساني الدولي، واعتبرت أن «حق الدفاع عن النفس» لا يجيز للجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين وقطع الخدمات الأساسية عنهم. يُذكر أن تصريحات رئيس الوزراء الإسباني تسببت بأزمة دبلوماسية حادّة بين مدريد وتل أبيب، ولا سيما بعدما وصفها بنيامين نتنياهو بـ«المُشينة»، واستدعى السفيرة الإسرائيلية لدى إسبانيا مجمِّداً بذلك العلاقات السياسية بين البلدين. إلا أن سانتشيز ردّ بالقول إن الوقت قد أزف كي يعترف «الاتحاد الأوروبي» بالدولة الفلسطينية، ودعا إلى الإسراع في عقد مؤتمر دولي لإطلاق «حل الدولتين»، وتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
ومعروف أن آرمنغول تقود، اليوم، التيّار اليساري داخل الحزب الاشتراكي، الذي طالب سانتشيز، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، بموقف حازم، على غرار ما فعل «الاتحاد الأوروبي» عند بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. وأيضاً، طالب شركاء سانتشيز في الحكومة الائتلافية من حزبيْ «سومار» و«بوديموس» اليساريين، خلال جلسة الثقة في البرلمان، بقطع العلاقات مع إسرائيل، بينما ذهبت وزيرة الخدمات الاجتماعية إلى حد المطالبة بإحالة نتنياهو إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، بتهمة ارتكاب «جرائم حرب»، و«إبادة» ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ويؤكد مقرَّبون من آرمنغول أنها تتعاطف إلى حد بعيد مع هذه المواقف.