تقرير بريطاني: تقييم سريع للأدلة في توظيف الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان

مراجعة دور الروبوتات الجراحية ونظم التحليل العميق في عيادات المستقبل

تقرير بريطاني: تقييم سريع للأدلة في توظيف الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان
TT

تقرير بريطاني: تقييم سريع للأدلة في توظيف الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان

تقرير بريطاني: تقييم سريع للأدلة في توظيف الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان

في أغسطس (آب) 2025، أصدرت الهيئة العامة لتنظيم مهنة طب الأسنان في بريطانيا (General Dental Council – GDC) واحداً من أهم تقاريرها البحثية على الإطلاق، تحت عنوان: «تقديم خدمات طب الأسنان باستخدام الذكاء الاصطناعي: تقييم سريع للأدلة» (Artificial Intelligence in Dental Service Provision: A Rapid Evidence Assessment).

منهجية التقييم السريع للأدلة

وكان هذا التقرير ثمرة عمل علمي دقيق أنجزه فريق بحثي من كلية طب الأسنان بجامعة بليموث، بالاعتماد على منهجية التقييم السريع للأدلة (Rapid Evidence Assessment – REA)، وهي آلية علمية تجمع بين صرامة المراجعات المنهجية الكاملة وسرعة الدراسات الجزئية، لتوفر لصنّاع القرار صورة واضحة ومبنية على الدليل، في فترة زمنية وجيزة.

ويُعدّ هذا النهج أداة مثالية حين يتعلق الأمر بمجالات سريعة التغيُّر، مثل الذكاء الاصطناعي، حيث يحتاج الطبيب والباحث والمشرّع إلى رؤية متوازنة لا تغفل الصرامة العلمية، ولا تستغرق سنوات في انتظار النتائج.

3800 دراسة... لكن ماذا بقي بعد الغربلة؟

انطلق المشروع، في سبتمبر (أيلول) 2024، بخطوة غير تقليدية: مراجعة شاملة لأكثر من 3800 دراسة منشورة في مجلات طبية وعلمية تناولت استخدامات الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان.

لكن الكثرة لا تعني بالضرورة الجودة؛ فبعد سلسلة من عمليات التمحيص الدقيقة وفق معايير الصدقية والمنهجية والارتباط بالواقع الإكلينيكي، لم يتبق في يد الباحثين سوى 45 دراسة فقط اعتُبرت جديرة بالتحليل المتعمّق.

تقدم الصين وأميركا... وتخلف أوروبا

وهنا تكمن المفارقة الكبرى: 18 دراسة من الصين، و13 من الولايات المتحدة، بينما خلا السجل تماماً من أي دراسة بريطانية، على الرغم من أن التقرير بريطاني المنشأ.

ويثير هذا الغياب سؤالاً علمياً وأخلاقياً في آن واحد: هل فقدت أوروبا – التي كانت يوماً ما رائدة في تأسيس مدارس طب الأسنان الحديثة – زمام المبادرة لصالح الشرق المتسارع (الصين) والغرب البعيد (أميركا)؟ أم أن الحذر الأوروبي في اعتماد تقنيات جديدة جعلها تتأخر عن ركب التجارب الميدانية التي تجري بوتيرة متسارعة في أماكن أخرى؟

تطبيقات متسارعة: من الروبوتات إلى التحليل العميق

يكشف التقرير أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حبيس الأوراق البحثية أو مؤتمرات المستقبل، بل بدأ فعلياً يطرق أبواب عيادات الأسنان حول العالم. وما كان يُنظر إليه منذ سنوات كخيال علمي، أصبح اليوم واقعاً تجريبياً يتوسع بخطى متسارعة. ومن أبرز التطبيقات التي رصدها التقرير:

1. الروبوتات الجراحية: يأتي في المقدمة الروبوت الأميركي «Yomi»، الذي يمثل ثورة في مجال زراعة الأسنان؛ إذ يعتمد على ذراع روبوتية موجهة بالحاسوب لتثبيت الغرسات بدقة ملليمترية، مع تقليل هامش الخطأ البشري.

وأظهرت دراسات سريرية أن نسبة نجاح الزرعات باستخدام «Yomi» بلغت نحو 98 في المائة، متفوقة على الطرق الجراحية التقليدية، مع تقليص وقت العملية وتسريع فترة النقاهة.

2. خوارزميات التعلُّم العميق (Deep Learning): تُعد هذه الخوارزميات أشبه بـ«العين الثانية» للطبيب؛ إذ تقوم بتحليل صور الأشعة البانورامية والمقطعية ثلاثية الأبعاد (CBCT) لاكتشاف التسوس المبكر أو تحديد فقدان العظم السنخي المرتبط بأمراض اللثة.

وطورت بعض الشركات تطبيقات يمكن تنزيلها على الهواتف الذكية تتيح للمريض التقاط صورة داخل فمه والحصول على تقدير أولي لحالته، مما قد يفتح الباب أمام الوقاية الاستباقية قبل الحاجة إلى التدخل الإكلينيكي.

3. التعلم الآلي الخاضع للإشراف (Supervised Machine Learning): حظي مجال طب أسنان الأطفال بنصيب ملحوظ من هذه الأبحاث، حيث استُخدمت الخوارزميات للتنبؤ باحتمال حدوث التسوس استناداً إلى الأنماط الغذائية والسلوكية والعوامل الاجتماعية.

كما ساعدت هذه التقنيات في الكشف المبكر عن مشاكل الإطباق (Malocclusion)؛ ما يتيح للطبيب التدخل في سن مبكرة وتفادي مضاعفات مستقبلية معقدة.

4. طب الأسنان عن بُعد (Teledentistry): في عصر ما بعد الجائحة، اكتسب هذا المجال أهمية مضاعفة. وأصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم قادرة على تحليل الصور والفيديوهات المرسلة من المرضى في المناطق النائية، ثم إصدار تقرير أولي يُعرض على الطبيب لاحقاً.

ولا تعني هذه الخدمة توفير وقت المريض والطبيب فقط، بل تُمثل أيضاً أداة للحد من التفاوت في الحصول على الرعاية الصحية، خصوصاً في المجتمعات البعيدة أو الفقيرة.

بهذه التطبيقات، يتضح أن الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان ليس مجرد رفاهية تكنولوجية، بل توجُّه عملي يغيّر طريقة التشخيص والعلاج والمتابعة، ويعيد صياغة العلاقة بين الطبيب والمريض، وبين العيادة والمجتمع.

بين التفاؤل والتحفّظ: الفجوات العلمية والعملية

رغم أن التقرير رسم صورة متفائلة لمستقبل الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان، فإنه لم يتغاضَ عن الجانب المظلم من المعادلة؛ فالمسألة لا تتعلق فقط بما يمكن للتقنية أن تقدمه، بل أيضاً بما قد تعجز عنه أو تُحدثه من تحديات جديدة، ومنها:

* القصور العلمي: أظهرت المراجعة أن أكثر من 70 في المائة من الدراسات كانت تجريبية أو محدودة العدد من حيث العينات؛ ما يجعل النتائج غير قابلة للتعميم على نطاق واسع. أي أن الطريق ما زال بحاجة إلى دراسات سريرية كبيرة وطويلة الأمد لإثبات الفعالية والأمان.

* المخاطر الطبية: لفت التقرير إلى أن استخدام الروبوتات الجراحية مع مرضى هشاشة العظام قد يؤدي إلى مضاعفات غير متوقَّعة، نظراً لحساسية البنية العظمية لديهم، ما يستدعي بروتوكولات أكثر دقة لاستخدام هذه التقنيات.

* البُعدان النفسي والاجتماعي: لا يزال عدد من المرضى يشعرون بالقلق أمام فكرة أن «آلة» تشارك في علاجهم؛ إذ يربطون الطب باللمسة الإنسانية للطبيب. هذا التحدي النفسي لا يقل أهمية عن التحديات التقنية، لأنه يحدد مستوى تقبّل المجتمع للابتكار.

* التكلفة العالية: الأجهزة المتقدمة والبرمجيات الذكية تبقى بعيدة عن متناول معظم العيادات الصغيرة أو المجتمعات محدودة الموارد، ما يهدد بتوسيع فجوة عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية.

* التدريب والاعتماد: غياب بروتوكولات موحّدة لتدريب الأطباء على استخدام هذه الأنظمة يجعل الاستفادة منها متفاوتة بين بلد وآخر، بل وأحياناً بين عيادة وأخرى داخل البلد الواحد.

ولم يتوقف التقرير عند هذه العقبات، بل سجّل كذلك نقصاً واضحاً في الأدلة التنظيمية والأخلاقية، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية وحماية البيانات وضمان العدالة في إتاحة الرعاية. وهي قضايا تزداد إلحاحاً في عصر البيانات الضخمة، حيث تصبح المعلومات الطبية للمريض أثمن من الذهب إذا لم تُحسن حمايتها.

السعودية: من السبق الأخلاقي إلى الريادة العالمية

في الوقت الذي خلا فيه التقرير البريطاني من أي إشارة إلى دراسات عربية، برزت المملكة العربية السعودية كاستثناء عالمي لافت، ليس في ميدان البحث العلمي المباشر، بل في صياغة الأطر الأخلاقية والتنظيمية التي تُعد الأساس لأي تطبيق ناجح للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية.

فمنذ عام 2019، أطلقت «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)» أول إطار أخلاقي عالمي للذكاء الاصطناعي، لتكون المملكة بذلك سبّاقة في استباق الأسئلة الحساسة التي يثيرها استخدام الخوارزميات في حياة البشر اليومية.

وفي عام 2023، خطت المملكة خطوة نوعية عبر اعتماد إطار وطني متكامل للذكاء الاصطناعي يتضمن 7 مبادئ أساسية: العدالة، الخصوصية، الشفافية، المساءلة، السلامة، التنوع، والاستدامة. وهذه المبادئ لم تكن مجرد شعارات، بل تحولت إلى مرجع عالمي استشهدت به مؤسسات أكاديمية وتنظيمية في أوروبا وآسيا.

ولم يمضِ وقت طويل حتى أحرزت السعودية إنجازاً غير مسبوق؛ ففي عام 2024، أصبحت أول دولة في العالم تنال شهادة «ISO 42001» الخاصة بإدارة موارد الذكاء الاصطناعي، وهو ما وضعها في صدارة الدول التي تقود صياغة المعايير الدولية. وإلى جانب ذلك، طورت أداة تقييم ذاتي مبتكرة تساعد المؤسسات على قياس مدى التزامها بالمعايير الأخلاقية في ممارساتها اليومية.

هذه النجاحات لم تأتِ بمعزل عن مشروع وطني أكبر هو «رؤية السعودية 2030»، التي وضعت الذكاء الاصطناعي في قلب عملية التحول الشامل، ليس في الصناعة والاقتصاد فقط، بل في الصحة والتعليم والبحث العلمي، لتصبح المملكة مختبراً عالمياً يُوازن بين الابتكار التكنولوجي والمسؤولية الأخلاقية.

نحو عيادة المستقبل

في عيادة الغد، لن يقف الطبيب وحيداً أمام صور الأشعة والبيانات الطبية المعقدة، بل سيكون بجواره مساعد افتراضي ذكي، يلتقط الأنماط الدقيقة التي قد تغيب عن العين البشرية، ويتنبأ بالمشكلات قبل حدوثها، ويقترح خططاً علاجية أولية يراجعها الطبيب بحكمته وخبرته.

أما المريض، فسيتحول من متلقٍ سلبي إلى طرف فاعل في رعايته، يتابع حالته عبر تطبيق على هاتفه الذكي، يتلقى تنبيهات حول صحة لثته ونظافة فمه، بل وربما توصيات مخصصة وفق نظامه الغذائي ونمط حياته اليومي.

إنها ليست مجرد صورة مستقبلية بعيدة، بل مسار يتشكل اليوم أمام أعيننا. فالذكاء الاصطناعي في طب الأسنان ليس رفاهية تقنية، بل ضرورة طبية وإنسانية، بشرط أن يُدار بوعي أخلاقي وتنظيمي كما فعلت السعودية في تجربتها الرائدة.

وهنا يطرح المستقبل سؤاله الحاسم: هل سنبقى متفرجين على ما يكتبه الآخرون عنّا؟ أم نخطّ نحن بأيدينا وعقولنا تقريرنا المقبل... وعيادتنا المقبلة؟


مقالات ذات صلة

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي أضخم موجة استثمارية في تاريخه الحديث؛ إذ تحولت حمى الذكاء الاصطناعي من مجرد ابتكارات برمجية إلى معركة وجودية على البنية التحتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات.

«الشرق الأوسط» (سيول)
صحتك قلب مطبوع من خلايا المريض تحت إشراف الذكاء الاصطناعي

5 قفزات في الذكاء الاصطناعي الطبي عام 2025

انتقالة نوعية من مرحلة «الاختبار البحثي» إلى «القرار السريري»

د. عميد خالد عبد الحميد (لندن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (د.ب.أ)

بوتين: العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماع لمجلس الدولة، اليوم (الخميس)، إن العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تكنولوجيا 5 طرق مُدهشة لاستخدام الذكاء الاصطناعي

5 طرق مُدهشة لاستخدام الذكاء الاصطناعي

أساليب غير تقليدية لمساعدة الصحافيين وصناع البودكاست والمبرمجين.

جيريمي كابلان (واشنطن)

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.


بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
TT

بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب ضيفاً تجريبياً، ولا فكرةً مستقبلية تُناقَش في مؤتمرات النخبة. لقد دخل العيادة بهدوء، وجلس إلى جوار الطبيب دون معطف أبيض، وبدأ يشارك في قراءة الأشعة، واقتراح خطط العلاج، وكتابة ملاحظات السجل الطبي، وأحياناً في ترتيب أولويات المرضى أنفسهم.

تساؤلات أخلاقية

ومع هذا الدخول الصامت، وُلد سؤال أكبر من التقنية ذاتها: ما الذي يجب أن يعرفه المريض؟ ومَن يضمن عدالة القرار؟ ومَن يتحمّل الخطأ إن وقع؟

هذه ليست أسئلة فلسفية مجردة، بل أسئلة أخلاقية يومية، يواجهها الطب الحديث في عام 2025، في غرف الطوارئ، وعيادات الأورام، ومراكز الأشعة، وحتى في التطبيقات الصحية التي يحملها المرضى في جيوبهم.

حين يُصبح القرار مشتركاً... مَن المسؤول؟

في الطب التقليدي، كانت المسؤولية واضحة نسبياً: الطبيب يشخّص، ويقرّر، ويتحمّل تبعات قراره. أما في الطب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فقد أصبح القرار مشتركاً، ولكنه غير متكافئ:

- خوارزمية تقترح.

- طبيب يراجع أو يثق.

- مريض لا يرى إلا النتيجة.

فإذا أخطأت الخوارزمية في قراءة صورة، أو بالغت في تقدير خطر، أو تجاهلت متغيراً نادراً... من يُسأل؟ هل هو الطبيب الذي اعتمد عليها؟ أم المستشفى الذي اشترى النظام؟ أم الشركة التي درّبت الخوارزمية على بيانات غير مكتملة؟

هنا، لا يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة»، فالأداة التي تُغيّر مسار قرار علاجي قد تُغيّر مصير إنسان.

قرار واحد... ووجوه مختلفة: سؤال العدالة الخوارزمية

عدالة الخوارزمية... هل هي محايدة حقّاً؟

يُروَّج للذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر عدالة من البشر، لأنه لا يتعب ولا يتحيّز عاطفياً، لكن الحقيقة العلمية تقول شيئاً أكثر تعقيداً: الخوارزمية ترث تحيّزات البيانات التي دُرِّبت عليها. فإذا كانت البيانات تمثّل فئات عمرية أو عرقية أو جغرافية دون غيرها، فإن القرار الناتج قد يكون دقيقاً لفئة... وخاطئاً لأخرى.

وإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تُدرَّب في بيئات صحية غربية متقدمة، فهل تكون قراراتها عادلة حين تُستخدم في سياقات صحية مختلفة في العالم العربي أو الدول النامية؟

العدالة هنا ليست شعاراً أخلاقياً، بل شرط علمي وسريري. خوارزمية غير عادلة قد تكون أخطر من طبيب متعب.

حق المريض في المعرفة... إلى أي حدّ؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية اليوم هو: هل يحق للمريض أن يعرف أن قرار علاجه أسهم فيه ذكاء اصطناعي؟ أخلاقياً، يميل الجواب إلى «نعم»، فالمريض ليس مجرد متلقٍّ للعلاج، بل شريك في القرار، ومن حقه أن يعرف كيف صُنِع هذا القرار، وبأي أدوات، وعلى أي افتراضات.

لكن الواقع السريري أكثر تعقيداً. لا أحد يريد أن يُربك المريض بتفاصيل تقنية لا يفهمها، أو أن يُضعف ثقته بالعلاج، أو أن يحوّل العيادة إلى قاعة شرح خوارزميات. هنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نُفصح دون أن نُرهق؟ وكيف نُصارح دون أن نُقلق؟

الطريق الأخلاقي ليس في الصمت، ولا في الإغراق بالمصطلحات، بل في الإفصاح الذكي: أن يُقال للمريض، بلغة إنسانية بسيطة، إن النظام ساعد الطبيب في التحليل، لكن القرار النهائي بقي بيد الإنسان، وتحت مسؤوليته.

الطبيب بين الثقة والكسل المعرفي

مع ازدياد دقة الأنظمة الذكية، يواجه الأطباء خطراً صامتاً لا يُناقَش كثيراً: الكسل المعرفي. إذ حين يعتاد الطبيب على أن «الخوارزمية لا تخطئ»، قد يتراجع دوره من ناقد علمي إلى مُصدِّق تقني. وهنا لا يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً، بل سلطة خفية.

الطب، في جوهره، ليس قراءة أرقام فقط، بل فهم سياق: مريض قلق، تاريخ اجتماعي، عوامل نفسية، تفاصيل لا تظهر في البيانات. والخطر الحقيقي ليس أن تُخطئ الخوارزمية، بل أن يتوقف الطبيب عن مساءلتها.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا تُطالب الأطباء برفض التقنية، بل تطالبهم بشيء أبسط وأعمق: أن يبقى الضمير يقظاً، والعقل ناقداً، وألا يُسلِّم القرار الطبي النهائي إلا بعد فهمه، لا بعد نسخه.

حين يتقدّم القرار الآلي... مَن يقود الضمير؟

الشفافية... حين لا نفهم كيف وصل القرار

واحدة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم هي ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، فكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تصل إلى قرارات دقيقة إحصائياً، لكنها تعجز عن شرح كيف ولماذا وصلت إلى هذه النتيجة.

فكيف يُحاسَب قرار لا يمكن تفسيره؟ وكيف يُناقَش تشخيص لا نعرف مساره المنطقي؟ وهل يجوز أخلاقياً أن نُخضع مريضاً لعلاج، لأن «الخوارزمية قالت ذلك»، دون تفسير قابل للفهم البشري؟

الطب لا يعيش على الدقة وحدها، بل على الشرح والثقة. والمريض لا يطلب دائماً نسبة مئوية، بل يريد أن يفهم. ولهذا، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الطب تدفع اليوم بقوة نحو ما يُسمّى «الذكاء القابل للتفسير»، لا لأنه أجمل علمياً، بل لأنه أكثر إنسانية.

المساءلة القانونية... فراغ يتّسع

إذا حدث الخطأ، يبدأ السؤال الأصعب: مَن يُحاسَب؟ القوانين الصحية في معظم دول العالم لم تُصمَّم لعصر تشارُك القرار بين الإنسان والآلة. فلا هي تُدين الخوارزمية، ولا تُعفي الطبيب، ولا تُحدِّد بوضوح مسؤولية الشركات المطوِّرة.

هذا الفراغ القانوني ليس تفصيلاً إدارياً، بل خطر أخلاقي حقيقي.

فمن دون مساءلة واضحة، قد يُغري الذكاء الاصطناعي بعض الأنظمة الصحية بتوسيع استخدامه بلا ضوابط، أو تحميل الطبيب وحده مسؤولية قرار لم يصنعه منفرداً، ولهذا، فإن النقاش الأخلاقي اليوم لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة تشريعية: قوانين تُحدِّد المسؤولية، وتحمي المريض، وتُعيد رسم حدود الثقة بين الإنسان والتقنية.

الخلاصة: حين تسبق الخوارزمية... يجب أن يتقدّم الضمير

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس شراً ولا خلاصاً. إنه مرآة لما نضعه فيه: بياناتنا، وقيمنا، وانحيازاتنا.

فإن قُدِّم بلا أخلاق، تحوّل إلى أداة باردة، وإن وُضع في يد طبيب بلا مساءلة، أصبح سلطة صامتة. وإن أُدير بحكمة، أعاد للطب جوهره الأصيل: أن يُنقذ الإنسان دون أن يُلغيه.

وكما قال ابن سينا قبل ألف عام: «العلم بلا ضمير خطر على النفس». وفي عصر الخوارزميات، لعل أخطر ما نخسره ليس الخطأ التقني... بل أن ننسى أن الطب، في النهاية، فعل رحمة قبل أن يكون قراراً ذكياً.


دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.